الصفحات

الأحد، 8 يوليو 2012

إماطة اللثام .. عن موقف العلماء في الصمت والكلام ..

بسم الله الرحمن الرحيم ..
اللهم بك وحدك أستعين .. وعليك وحدك التكلان ..
----
هناك (شر) : ومعركته معروفة منذ القديم مع الخير ..
وهناك (الطغيان في الشر) : فهذا الذي لا يدوم طويلا ًفي عمر الأمم :
حتى يقصمه الله عز وجل ..
-----

1)) دفاعا ًعن السلف .. وتصحيحا ًللمفاهيم ..
2)) تعريف الباغي في الدين ..
3)) آراء السلف والعلماء المُجوزين للخروج على الحاكم الظالم ..
4)) وأخيرا ً: رؤية أخرى لصمت العلماء أمام ظلم الحكام الطغاة ..


----------
1)) دفاعا ًعن السلف .. وتصحيحا ًللمفاهيم ..
-------------------

الإخوة الكرام ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

يُخطيء مَن يظن أن الأمور المُختلف عليها في الفهم والفقه : تـُحمل
على وجه تأويل ٍوفهم ٍواحدٍ فقط : لكلمةٍ من قرآن ٍأو سُـنة !!..
فأمثال هؤلاء للأسف : هم مَن يُعطون صورا ًمُشوهة ًللدين بين الناس
(ولا سيما صورا ًمشوهة ًعن السلفيين) !!..
ولو أنصفوا (وخصوصا ًفي أوقات الفتن والنوازل) : لأخبروا أن الأمر
الاجتهادي : قد يحتمل ذلك وذا من المسائل !!..
بل : وقد يفرق فيه تأويل كلمةٍ واحدة : قد يفرق فيه بين تكفير مسلم
وبراءته !!!.. وإلا :
فكيف يفهم أمثال هؤلاء القليلو العلم : حديث النبي مثلا ً:
سباب المسلم : فسوق .. وقتاله : كفر " !!..
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي زيادة صحيحة :
وحُرمة ماله : كحرمة دمه " ...
أقول :
ما هو تفسير هؤلاء لمثل هذه الأحاديث الصحيحة الكثيرة : في ضوء ما
وقع مثلا ًفي الفتنة بين فئتي عليّ ومعاوية رضي الله عنهما من قتال ٍوقتل ٍ
للمسلمين بعضهم البعض ؟!!!..
ألن يبحث هؤلاء ساعتها عن أقوال العلماء سلفا ًوخلفا ًفي تأويل قول
النبي " وقتاله : كفر " ؟!!.. فيجدون أن لهم فيها أقوالا ًكثيرة محمودة
ومعقولة : يُرجى مراجعتها في مظانها ...
وأنه يكفي أن الله تعالى نفسه : لم يخلع عن فئتي المؤمنين المتقاتلين
في القرآن : لم يخلع عنهما لباس الإيمان : ليلبسهم لباس الكفر كما في
الفهم الضيق لكثير من المتهوكين للأسف فقال :
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا : فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا .. (ولاحظوا
هنا أنه وصف الفئتين بالمؤمنين ولم يُكفر إحداهما) فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا
عَلَى الْأُخْرَى
 (ولاحظوا هنا أيضا ًأنه وصفها بالباغية : ولم يخلع عنها
لباس الإيمان أيضا ًرغم بغيها) فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي : حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ
اللَّهِ .. فَإِن فَاءتْ : فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ .. وَأَقْسِطُوا .. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ 
" الحُجرات 9 ..
-------
وهنا ...
تأتي العلامة الفارقة بين العالم الفقيه وغيره ربما من طلبة العلم .....
فالعالم الفقيه : قاريء لسُـنة النبي بفهم ٍقبل أن يكون بحفظ !
قاريء لتاريخ أمة الإسلام المُشرف منذ عصوره الأولى وحتى قريب !
يعلم لكل أمر ٍاجتهادي : محمله من السند الشرعي فيلتمس للمُخالف العذر !
يعلم أن ما قيل في ظرفٍ معين في زمن ٍمعين في بلدٍ معين لعالم من العلماء :
ليس بالضرورة أن يصلح لغيره من الظروف والأزمان والبلدان !
----------
لن أ ُطيل عليكم ..
ولكن الأحداث المصرية الأخيرة : قد لفظت على سطح الساحة الإسلامية
من جديد : جدلا ًيرى أصحابه وصم السلفيين : بالخضوع مع الظلم !..
وبالصمت عن المطالبة بالعدل !.. وبالكلام بما يُفتت عزائم الثوار على الحاكم
الجائر !..
أقول : ها هنا : يجب من وقفة لتصحيح المفاهيم .. ولإعادة استقراء آيات
القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ..
والتي تصب في حث المسلمين المحكومين (أو الشعب المسلم) : على الأخذ
على يد الظالم .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما استطاعوا !!..
وأقول (الشعب المسلم) :
لأؤكد على أن وصفهم هنا كمحكومين في بلد إسلامي : أرادوا أن يُقوِمُوا
حاكمهم الظالم أو يفضحوا ظلمه : يختلف عن مفهوم (الحكم للشعب) في
الدول الكافرة : والتي يوضع فيها حُكم الشعب : ندا ًمُخالفا ًلحُكم الله عز
وجل !!!.. فأقول :
----
المؤمن مأمور بنفسه .. يحملها على الإسلام والإيمان والحق : حملا ً!
ولكنه مع غيره من الناس : عليه بدعوتهم فقط إذ : لا سيطرة له عليهم
بشكل ٍمن الأشكال (اللهم إلا زوجته وأولاده) .. وعلى هذا :
فلن يضره وجود جاره الكافر .. أو زميله العاصي : ما دام دعاهم فلم
يُجيبوا .. وفي هذا يقول الله عز وجل :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ : عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ .. لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ : إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ..
إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا : فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 
" المائدة 105 ..
ولكن :
قرأ مسلمون في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية : ففهموا
منها أن المؤمن : ليس مُطالبا ًحتى بدعوة غيره : أو تقويم الظالم !!!..
وهنا .. أترككم مع هذا الحديث الصحيح عن أبي بكر رضي الله عنه قال :
يا أيها الناس .. إنكم تقرؤون هذه الآية (أي على غير معناها) :
يا أيها الذين آمنوا : عليكم أنفسكم .. لا يضركم من ضل : إذا اهتديتم ..
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
إن الناس
 (ولاحظوا جمع النبي للناس : ولم يقل المسلم مُنفردا ً) :
إذا رأوا منكرا ً: فلم يُغيروه : يُوشك أن يعمهم الله بعقابه
 " !!!..
رواه ابن ماجة والترمذي وأبو داود والنسائي وابن حبان وصححه الألباني ..
وفي روايات أخرى صحيحة لأبي داود والنسائي :
إذا رأوا الظالم : فلم يأخذوا على يديه : أوشك أن يعمهم الله بعقاب " ..
وفي أخرى صحيحة أيضا ً:
ما من قوم ٍ: يُعمل فيهم بالمعاصي : ثم يقدرون على أن يغيروا :
ثم لا يغيرون : إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب 
" ..
وفي رابعة صحيحة أيضا ً:
ما من قوم ٍ: يُعمل فيهم بالمعاصي (أي ولم يُغيروها) : هم أكثر ممَن
يعمله
 (أي في الإثم) " !!!!..
--------
فهنا : قد حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسؤلية التغيير والأخذ
على يد الظالم : قد حملها على : الناس .. أو القوم .. أو بلغتنا الراهنة :
الـــشـــــــعـــــــــب !!!..
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ً: يدعو أن الحكم للشعب ؟!
لقد حمّل تلك المسؤلية و((التغيير)) لجموع المسلمين : والذين يحملون
بفطرتهم النقية وتعاليم الإسلام : مفاهيم العدل والصواب والخطأ البديهية :
والتي لا يختلف عليها حتى الكافرون أنفسهم !!!..
فكيف ينسب البعض على هذا للسلف : الخنوع والخضوع للحاكم الظالم ؟!
-----------
يقول رسولنا الكريم من حديث حذيفة رضي الله عنه :
والذي نفسي بيده : لتأمرن بالمعروف .. ولتنهون عن المنكر : أو :
ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا ًمنه : ثم تدعونه : فلا يستجيب لكم 
" !
رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني ..
وفي رواية أخرى ضعيفة عن ابن مسعود رضي الله عنه :
كلا والله .. لتأمرن بالمعروف .. ولتنهون عن المنكر .. ولتأخذن على يد
الظالم .. ولتأطرنه على الحق أطرا ً.. ولتقصرنه على الحق قصرا 
ً " ..
-------
وفي الحديث الصحيح الشهير :
مَن رأى منكم منكرا ً: فليُغيره بيده .. فإن لم يستطع : فبلسانه .. فإن
لم يستطع : فبقلبه .. وذلك أضعف الإيمان 
" ..
رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي ...
-------
وفي صحيح مسلم أيضا ًعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
ما من نبي ٍبعثه الله في أمةٍ قبلي : إلا كان له من أمته حواريون :
وأصحابٌ يأخذون بسنته : ويقتدون بأمره .. ثم إنها تخلـُف من بعدهم
خلوفٌ : يقولون ما لا يفعلون .. ويفعلون ما لا يؤمرون .. فمَن جاهدهم
بيده : فهو مؤمن .. ومن جاهدهم بلسانه : فهو مؤمن .. ومن جاهدهم
بقلبه : فهو مؤمن .. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل 
" ...
--------
أقول :
إذا ً:
ماذا سيقع من الفرق إن قام بالتغيير مسلمٌٌ واحدٌ فقط : أو قام به ملايين
المسلمين الذين يئنون تحت وطأة الظلم والفساد الذي عمّ العباد والبلاد ؟..
ماذا سيقع من الفرق :
وخصوصا ًمع إعلانهم أن مسيراتهم ومظاهراتهم : سلمية بالمقام الأول ؟!
فلم يرفعوا سلاحا ً!!.. ولم يُنادوا بجهادٍ وقتال !!.. ولم يُجيشوا جيشا ً!!..
حيث أنه قد بلغ في عصرنا هذا من صفاقة تهميش ولاة الأمر إلى ملايين
المسلمين : أنهم لن يلتفتوا لهم ولن يُحرجوا أمام العالم بهم إعلاميا ً
وسياسيا ً: إلا بهذه الطريقة !!!...
إذن .. فالمظاهرات التي خرجت في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير
الماضي : وأعلنت منذ يومها الأول أنها ستكون سلمية (والتزمت بذلك) :
أقول :
لا أرى فيها أي بأس ٍشرعا ً.. اللهم إلا الخوف من وقوع الفتنة والقتل
والهرج كرد فعل غاضب من الحاكم :
وهو الرأي الثاني للعلماء الأفاضل : وسوف أعرضه في آخر تلك الرسالة
مع بيان سندهم الشرعي المقبول أيضا ً....

أدعو الله عز وجل أن تكون هذه الرسالة زادا ًلإماطة اللثام عن فهم موقف
العلماء من الصمت والكلام في هذه المسألة الدقيقة (أي مسألة الخروج
على الحاكم الظالم الطاغي المُضيع لشرع الله
) ..
أدعو الله أن يُرجَع إليها في مثل هذه الظروف والملابسات عند التكرار ..
-----
((ملحوظة : ما وقع في مصر عقب ظهور تلك المظاهرات الحافلة والتي
زادت يوما ًمن بعد يوم : أقول : ما وقع بعدها من سلب ونهب وقتل
وسرقات وترويع وانسحاب للشرطة والأمن : ومن هروب للمساجين :
أقول : قد عرفت منذ يومها الثاني ومعي الملايين غيري : أنها من تدبير
الحكومة والداخلية والرئيس الطاغية : وأنها كانت بأيدي بلطجية انتخابات
الحزب الوطني .. وبأيدي الشرطة السرية ورجال الأمن الذين تخفوا في
اللباس المدني للقيام بتلك الأعمال : ومحاولة ًمن الرئيس وزبانيته :
لوأد هذه المظاهرات قبل أن تتفاقم : فانقلب السحر على الساحر : وزاد
اشتعال المظاهرات أكثر وأكثر في كل ربوع مصر : لما بدى للعوام :
ما كانوا يجهلونه من الوجه الأسود للرئيسهم وزبانيته وداخليته وحكومته
وإعلامه !!!..
وبرغم أن الناس قد تأكدوا من هوية وبطاقات الشرطة السرية والأمن الذين
تم القبض عليهم (وأنا شاهدٌ على هذا) : إلا أني قد أرفقت لكم أيضا ًثلاث
صور لتعميم سري لأقسام الشرطة منذ ثاني أيام المظاهرات : ترون فيه
الخطة الشيطانية للرئيس وزبانيته لمواجهة الانقلابات الشعبية .. أو تشاهدوهم
على الرابط التالي :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=28396
)) ..

---------
2)) تعريف الباغي في الدين ..
----------------

لقد ذكر الله تعالى في آية سورة الحجرات التي سقتها لكم بالأعلى :
وصف (الفرقة الباغية) فقال :
فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى : فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي : حَتَّى تَفِيءَ إِلَى
أَمْرِ اللَّهِ
 " الحجرات 9 ..
فما هي مواصفات الفرقة الباغية المذمومة : والتي يُحاربها المؤمنون ؟
-----
يقول الإمام النووي رحمه الله في تعريفهم :
الباغي في اصطلاح العلماء هو :
>> المُخالفُ لإمامِ العدلِ ..
>> الخارجُ عن طاعته بامتناعهِ من أداءِ واجبٍ عليه أو غيرِه ..
>> أن يكون لهم شوكة وعدد : بحيث يحتاج الإمام في ردهم إلى الطاعة
إلى الكـُلفة 
(أي لمواجهتهم) ببذل مال .. وإعداد رجال .. ونصب قتال " ..
----
وعلى هذا قال العلماء :

فالبغاة : لا بد أن تتوفر فيهم أربعة شروط :
1...
الخروج عن طاعة الحاكم العادل التي أوجبها الله على المسلمين لأولياء
أمورهم ..
2...
أن يكون الخروج من جماعة قوية : لها شوكة وقوة : بحيث يحتاج الحاكم
في ردهم إلى الطاعة : إلى إعداد رجال .. ومال وقتال .. فإن لم تكن لهم
قوة : كأن كانوا أفراداً : أو لم يكن لهم من العتاد ما يدفعون به عن أنفسهم :
فليسوا ببغاة .. لأنه يسهل ساعتها ضبطهم وإعادتهم إلى الطاعة ..
3...
أن يكون لهم تأويل سائغ يدعوهم إلى الخروج على حُكم الإمام .. فإن لم
يكن لهم تأويل سائغ : كانوا مُحاربين لا بغاة ..
4...
أن يكون لهم رئيس مطاع : يكون مصدرا ًلقوتهم .. لأنه لا قوة لجماعة :
لا قيادة لها ..
---------------------
وقال الخليلُ بنُ إسحاق المالكي رحمه الله في مختصره :
الباغيةُ : هي فرقةٌ خالفت الإمام بمنع حق .. أو لقلعِه (أي عزله عن
الحُكم) .. فللعدلِ (أي للحاكم العادل ساعتها) قتالهم وإِن تأولوا " ...
--------
أقول :
وعلى هذا : كان المسلمون الأوائل : ربما أرسلت البلدة من البلدان : وفدا ً
إلى الخليفة عمر بن الخطاب مثلا ًرضي الله عنه : تشكو له واليها !!!..
فهل هذا الوفد : وهل هذه الشكاية : يعدها أحدٌ :
خروجا ًمذموما ًعلى الحاكم كما حذر رسول الله ؟!!!..
أم أنها من التواصي على الخير وإنكار المنكر المأمور به قرآنا ًوسُـنة ؟..
هي طريقة من طرق التعبير عن الظلم لدى مَن يهمه الأمر !!!..
حيث كان ساعتها يُرسل الخليفة (أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مثلا ً) :
الأمين الذي يُسافر لهذا البلد : ليستقصي الخبر ويستخرج الحقيقة !!..
فهل هناك بأسٌ في هذا ؟!!!..
والأخبار في مثل ذلك كثيرة متواترة في كتب الحديث والسيرة وتاريخ
أمتنا العظيم !!!..
حتى أنه لما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن واليا ً: صار له
بابا ً: يمنع به دخول الناس عليه للتواصل معهم :
أمره بألا يكون له باب يحجز الناس دونه !!!..
فهل بعد ذلك نلوم أ ُناس ٍ: لم يجدوا إلا التجمهر والمظاهرة (السلمية) :
طريقة ًللفت النظر إليهم في الإعلام المصري المُسيس المُغيب : ولدى
الإعلام العالمي بإحراج الطاغية أمام كل هذا ؟!!!..

ذاك الطاغية الذي رمى بعرض الحائط : حتى قرارات وأحكام القضاة
في دولته !.. وتم تزوير انتخابات مجلس شعب كاملة ً:
لتستقصي القلة الباقية التي كانت ربما تعبر عن الشعب لم تزل في وسط
هذا الخضم من الحزب الوطني الحاكم الغاشم السارق الفاسد !!!..
فهل كان سينفع مع مثل هذا الوضع : غير هذه المظاهرات العارمة :
والتي بمجرد أن لفتت النظر إليها من أول يوم :
حتى انضم إليها في أقل من يومين : كل مَن ذاق ويُعاني ظلما ًفي
دولة هذا الطاغية المفضوح :
فتبين للناس وللعالم أن ضحاياه وضحايا حكومته وداخليته في بلده :
هم بعشرات ومئات الآلاف : والملايين !!!..

فهل نسمي كل أولئك : فئة ًطاغية أو باغية أو خارجة مذمومة ؟!!!..

-------------
3)) آراء السلف والعلماء المُجوزين للخروج على الحاكم الظالم ..
------------------------

لا شك أن الحاكم الظالم : لا يختلف على كرهه وتمني زوال حُكمه :
عاقلان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم !!.. سواء من السلفيين أو
الإخوان المسلمين أو غيرهم .. وكيف لا : وهو من أول أسباب فساد
الدين وتعطيل شرع الله في الأرض !!..
يقول عبد الله ابن المبارك رحمه الله :
وهل أفسد الدين إلا الملوكُ .. وأحبار سوءٍ .. ورهبانها " ؟!!!..
----
فالطغيان (فضلا ًعن الظلم) : تأباه النفس البشرية والفطرة المستقيمة ..
ولكن :
الاختلاف هو في : كيفية مقاومة هذا الظلم ؟؟.. ومتى ؟؟.. وكيفية حساب
وترجيح المصالح والمفاسد المترتبة على كل ذلك ؟؟..
ولا سيما الفتنة والهرج (والهرج هو كثرة القتل) : والتي يمكن أن يجر
إليها هذا الحاكم الطاغية البلاد بسبب جهرها بالحق ضده ..
وهو أبرز الأسباب الوجيهة التي تحمل عددا ًمن العلماء على إيثار الصمت
والصبر على الحاكم الظالم الطاغية في كثير ٍمن الأحايين كما سأوضح بعد
إن شاء الله ...

--------
وأما الآن .. فتعالوا نرى معا ً: هل هناك إجماع ٌبالفعل على عدم الخروج
على الحاكم (((الظالم المُضيع لشرع الله في بلده))) : ولو حتى بالسلاح
أو السيف ؟!..
أقول :
سنرى ذلك في لمحةٍ سريعةٍ عبر تاريخ الصحابة والتابعين وتابعي
التابعين والأئمة : لا لأني أرى الخروج بالسيف وبالسلاح على الحاكم
الظالم الجائر (فأنا لا أرى ذلك في رأيي إلا في حالة ضمان أن يأتي هذا
الخروج بثماره : وأن يكون بعد استنفاد الطرق السلمية
) ولكني سأذكر
ذلك لكم فقط :
لتعلموا أن سلف الأمة :
كانوا يرون الأمر (اجتهاديا ً) مقبولا ً: لم يُكفر صاحبه !!.. ولم يُطبق
عليه المسلمون أحاديث النبي المُكفرة للخارج على الحاكم !!!..
بل رأوا لها من التأويلات : ما لم يراه الكثير غيرهم في زمننا هذا !
والذين لو صدقوا في زعمهم :
لكفروا صحابة ًوتابعين وأئمة ً: مشهود لهم بالعلم والإخلاص والإيمان
والله حسيبهم !!!!...
----
((مع ملاحظة أن المظاهرات السلمية في مصر والتي سأعرض عليكم
طلباتها الوجيهة بعد قليل : لم تكن إلا سلمية ًمنذ يومها الأول وحتى
الآن رغم اعدادها الغفيرة .. وأدعو الله أن تستمر على ذلك : فأتت الكثير
من ثمراتها بل : وقد امتد الخوف من مثلها : ليصل إلى حُكام ظلمة آخرين
في الدول العربية المجاورة : كلٌ قد بدأ في إصلاح بلاده ووزاراته بحسب
ما يرى : لتلافي وطأة قيام الشعب ضده مثلما حدث في مصر !!
)) ..
---------------
1...
ففي زمن الحجاج بن يوسف الثقفي .. والذي أخبر النبي بظهوره :
وسماه في الحديث الصحيح (مُبيرا ً) : أي كثير القتل في الناس والمسلمين
وهو الوصف الذي واجهته به أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بعد قتله
لابنها عبد الله بن الزبير عند الكعبة : والحديث في صحيح مسلم .. أقول : فقد
علم كل مَن يقرأ : خروج عبد الله بن الزبير رضي الله عنه عليه بالسلاح !..
وسوف يأتي ذِكر طائفة ممَن وافقه على ذلك الخروج من السلف بعد سطور ..

2...
وعُلم أيضا ًخروج الحسين رضي الله عنه للعراق ..
وأما مَن يُشير إلى تحذير الصحابة والتابعين له من ذلك : فعليه أن يذكر
أن تحذيرهم لم يتعلق في أي رواية من روايات السيرة والتاريخ : بمسألة
الخروج على الحاكم في ضوء أحاديث النبي كما يراها البعض للأسف من
غير تأويل !!.. بل انصبت تحذيراتهم له رضي الله عنه : في خوفهم عليه
من المكر الذي قد يحيق به (وهو الذي حدث) .. وخصوصا ًمع توقعهم
تولي أهل العراق عنه وقد الجد !!!..
نعوذ بالله من خذلان العوام للعلماء وقت الجد والحاجة فيُقتلون أو يُعتقلون !
وهو وجه من أوجه الاجتهاد المقبولة لصمت العلماء في الخروج على
الحاكم كما سيأتي بعد قليل !..

3...
وقد ذكر الجصاص رحمه الله أن كبار التابعين أيضا ًوليس الصحابة فقط :
قد نابذوا الحجاج الثقفي بالسيف !!.. حيث قال :
وقد كان الحسن البصري وسعيد بن جبير والشعبي وسائر التَابعين :
يأخذون أَرزاقهم من أَيدي هؤلاء الظلمة : لا على أَنهم كانوا يتولونهم :
ولا يرون إمامتهم .. وإِنما : كانوا يأْخذونها على أَنها حقوقا ًلهم في أَيدي
قوم ٍفجرة 
(يقصد جواز ذلك كما يجوز تقاضي المسلم أجره على عمله من
كافر أو مبتدع) .. وكيف يكون ذلك على وجه موالاتهم : وقد ضربوا وجه
الحجاج بالسيف !!.. وخرج عليه من القرَاء 
(أي العلماء والفقهاء) :
أربعة آلاف رجل : هم خيار التابعين وفقهاؤهم !!.. فَقَاتلوه مع عبد الرحمن
بن محمد بن الأشعث بالأهواز .. ثمَ بالبصرة .. ثمَ بدير الجماجم :
من ناحية الفرات بقرب الكوفة .. وهم خالعون لعبد الملك بن مروان :
لاعنون لهم .. متبرئون منهم 
" !!!..

ويذكر ابن كثير رحمه الله أن فرقة ًعسكرية ًمن هؤلاء القـُراء : قد
وقفوا معه !!.. ولم يقل واحدٌ من العلماء الذين قعدوا عن القيام معه :
أن خروجه هذا غير جائز !!..
بل :
والخـُطب التي ألقاها بعض هؤلاء الفقهاء أمام جيش بن الأشعث : كانت
تترجم نظريتهم الصريحة في مقاومة الحاكم الطاغية الظالم مستحل دماء المسلمين :
ترجمة ًأمينة ً!..
فقد قال ابن أبي ليلى رحمه الله :
أيها المؤمنون .. إنه مَن رأى عُدواناً يُعمل به : ومُنكراً يُدعى إليه :
فأنكره بقلبه : فقد سلم وبرئ .. ومَن أنكره بلسانه : فقد أ ُجر : وهو أفضل
من صاحبه 
(أي الأول المًنكر بقلبه فقط) .. ومَن أنكره بالسيف : لتكون
كلمة الله هي العليا : وكلمة الظالمين السفلى : فذلك الذي أصاب سبيل
الهدى .. ونُورَ في قلبه اليقين !!.. فقاتلوا هؤلاء المُحلين المُحدثين
المُبتدعين : والذين قد جهلوا الحق : فلا يعرفونه !!.. وعملوا بالعدوان :
فلا ينكرونه
 " ..
وقال الشعبي أيضا ًفي ذلك رحمه الله :
يا أهل الإسلام .. قاتلوهم .. ولا يأخذكم حرجٌ في قتالهم .. فوالله :
ما أعلم قوما ًعلى بسيط الأرض : أعمل بظلم !.. ولا أجور منهم في الحكم !
فليكن بهم البدار
" ..
وقال سعيد بن جبير أيضا ًفي ذلك رحمه الله :
قاتلوهم .. ولا تأثموا من قتالهم بنيّةٍ ويقين .. وعلى آثامهم قاتلوهم :
على جورهم في الحكم .. وتجبرهم في الدين .. واستذلالهم الضعفاء ..
وإماتتهم الصلاة 
" ..

4...
ونظرا ًلقرب عهد الحجاج الثقفي من أفضل قرون الأمة وعصورها :
فإليكم أشهر أقوال وأفعال مَن عاصروه في تلك الفترة العصيبة ..

5...
فالإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله :
فالمشهور من مذهبه : جواز قتال حُكام الجور والظالمين .. والقول بجواز
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف .. وقد رد الإمام الجصاص
رحمه الله على مَن يُنكر على أبي حنيفة ذلك فقال :
وهذا إنما أنكره عليه : أغمار أصحاب الحديث (أي مَن يقرأون أحاديث
النبي ويحفظونها ولكنهم يجهلون معانيها وتأويلاتها ووجوهها) ..
والذين بهم : فـُقد الأمر بالمعروف .. والنهي عن المنكر : حتى تغلب
الظالمون على أمور الإسلام !!.. فمَن كان هذا مذهبه بالأمر بالمعروف :
والنهي عن المنكر : كيف يرى إمامة الفاسق 
" !!..

ولقد أيد الإمام أبو حنيفة أيضا ًوساعد : كل مَن خرج على أئمة الجور
في عصره .. كزيد بن عليّ في خروجه على الخليفة الأموي ..
فقد أمده أبو حنيفة رحمه الله بالمال .. وكان ينصح الناس ويأمرهم :
بالوقوف إلى جانبه !!.. يقول الجصاص في ذلك :
وقضيته (أي أبي حنيفة) في أَمر زيد بن عليّ مشهورة .. وفي حمله
المال إليه .. وفتياه الناس سراً في وجوب نصرته والقتال معه
 " ..
أقول :
وفي وصف دعوته هنا ((سرا ً)) : فسوف أستعين بتلك الملحوظة عند
حديثي عن صمت العلماء ........... فتذكروا ..

وكذلك أيضا ًمساندته لمحمد ابن عبد الله : والمُلقب بالنفس الزكية ..
ودعوة الناس وحثهم على مناصرته ومبايعته .. وقوله بأن الخروج معه :
أفضل من جهاد الكفار !!.. وذكره الجصاص أيضا ًبقوله :
وكذلك أمره (أي أبي حنيفة) مع محمد وإِبراهيمَ ابنيّ عبد الله بن حسن ..
وقال لأَبي إسحاق الفزاريِ حينَ قَال له : لمَ أشرت عليّ أَخي بالخروج
مع إبراهيم حتى قـُُتل ؟ قَال : مخرج أَخيك : أَحب إليّ من مخرجك 
" ..
وكان أَبو إسحاق الفزاري قد خرج إلى البصرة ..

وقد نقل الموفق المكي : وابن البزاز صاحب الفتاوى البزازية : وهم
من أجلة الفقهاء : مثل هذا أيضا ًعن أبي حنيفة .. وقالوا أن رأي
أبو حنيفة رحمه الله في ذلك : واضحٌ وجليّ .. وهو أن :
الجهاد لتخليص الناس والمجتمع المسلم من سطوة الحاكم الجائر المبتدع :
أفضل من قتال الكفارالأصليين 
" !!!..

6...
وأما الإمام مالك رحمه الله .. فقد روى ابن جرير عنه أنه :
أفتى الناس بمبايعة محمد بن عبد الله بن الحسن : والذي خرج سنة 145هـ
لخلع الخليفة المنصور .. فقيل له :
فإن في أعناقنا بيعة للمنصور .. فقال : إنما كنتم مُكرهين .. وليس
لمُكرَه بيعة .. فبايعه الناس عند ذلك على قول الإمام مالك : ولزم مالك بيته 
"
أقول :
وفي إخباره هنا عن لزوم مالك بيته : فسوف أستعين بتلك الملحوظة عند
حديثي عن صمت العلماء أيضا ً........... فتذكروا ..

وقد ذكر الإمام القاضي ابن العربي أيضا ًرحمه الله أقوال علماء المالكية :
إنما يُقاتل مع الإمام العدل : سواء كان الأول .. أو الخارج عليه .. فإن لم
يكونا عدلين : فأمسك عنهما : إلا أن تراد 
(أي أراد أحدٌ أن يؤذيك) بنفسك ..
أو مالك .. أو ظلم المسلمين : فادفع ذلك
 " ..

وقال ابن العربي أيضا ًرحمه الله :
((((((( وأرجو التركيز على الكلام النفيس التالي ))))))) :
وقد روى ابن القاسم عن مالك : إذا خرج على الإمام العدل خارج :
وجب الدفع عنه .. مثل عمر بن عبد العزيز .. فأما غيره : فدعه 
(أي
اترك الناس المظلومين تخرج عليه) : ينتقم الله من ظالم ٍبمثله .. ثم ينتقم الله
من كليهما .. قال الله تعالى :
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا : بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ .. فَجَاسُوا خِلَالَ
الدِّيَارِ .. وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴿الإسراء ٥﴾ .. قال مالك : إذا بُويع للإمام :
فقام عليه إخوانه .. قوتلوا إن كان الأول عدلاً .. فأما هؤلاء : فلا بيعة لهم :
إذا كان بُويع لهم على الخوف
 " ..

7...
وأما في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله :
فقد قال الجويني رحمه الله (من أشهر أئمة الشافعية) : بعد أن ذكر أن
الإمامَ لا ينعزل لكونه فاسقا ًفقط ما لفظه :
وهذا في نادر الفسق (أي القليل المُحتمل منه) .. فأما إذا تواصل منه
العصيان .. وفشا منه العدوان .. وظهر الفساد .. وزال السداد .. وتعطلت
الحقوق .. وارتفعت الصيانة .. ووضحَت الخيانة :
فلا بدَّ من استدراك هذا الأمر المتفاقم .. فإن أمكن كف يده : وتولية غيره
بالصفات المُعتبرة : فالبدار البدار 
(أي السرعة السرعة بذلك لإنقاذ البلاد
والعباد) .. وإن لم يُمكن ذلك : لاستظهاره بالشوكة : إلا بإراقة الدماء :
ومصادمة الأهوال : فالوجه : أن يُقاس ما الناس مُندفعون إليه : مُبتلونَ
به : بما يعرض 
(أي يتوقع) وقوعه .. فإن كانَ الواقع الناجز : أكثر مما
يُتوقع : فيجب احتمال المتوقع .. وإلا : فلا يسوغ التشاغل بالدفع 
(أي
دفع الفساد والشر : بأكبر منه) .. بل يتعين الصبر : والابتهال إلى الله
تعالى 
" ..

8...
وأما في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :
فقد ذكر ابن أبي يعلى في ذيل طبقات الحنابلة عن الإمام أحمد في رواية :
مَن دعا منهم إلى بدعة : فلا تجيبوه : ولا كرامــة .. وإن قدرتم على خلعه :
فافعلوا
 " ..
والمشهور من مذهب الإمام أحمد : تحريم خلع الإمام الجائر .. غير أنه يمكن
التوفيق بأن قوله بالتحريم : إنما يُحمل على عدم القدرة .. لأنه حينئذٍ :
فتترجح المفسدة : ويبقى الظلم : بل قد يزداد ..
وهذا هو ما يُحمل عليه موقف الفريق الثاني من العلماء في صمتهم كما سيأتي ..

ومن علماء الحنابلة الذين ذهبوا إلى القول بخلع الجائر أيضا ً: ابن رزين ..
وابن عقيل .. وابن الجوزي : رحمهم الله جميعا ً..

9...
وبالجملة : فقد نقل العلامة محمد بن إبراهيم الوزير اليماني رحمه الله
في هذه المسألة : كلاماً نفيساً لأئمة من السلف الكرام : في رده على
الروافض في كتابه : (العواصم والقواصم في الذبِّ عن سُـنةِ أبي القاسم) ..
فكان من هذه الآراء التي نقلها : قول القاضي عياض رحمه الله :
لو طَرأَ (أي الحاكم) عليه كفرٌ .. أو تغييرٌ للشرع .. أو بدعةٌ :
خرج عن حُكم الولاية .. وسقطت طاعته .. ووجب على المسلمين القيام
عليه .. ونصب إمام عادل : إِن أمكنهم ذلك .. فإن لَم يقع ذلك إلا لطائفة :
وجب عليهم القيام بخلع الكافر .. ولا يجب على المُبتدع القيام :
إلا إذا ظنوا القدرةَ عليه .. فإن تحققوا العجز : لَم يجب القيام .. وليُهاجر
المسلم عن أرضه إلى غيرها : ويفر بدينه .. وقال بعضهم : يجب خلعه :
إلا أن يترتب عليه فتنة ًوحرب
 " ..
وذكره الإمام النووي أيضا ًفي شرحه لصحيح مسلم 12/229 ..

وقال ابن بطال رحمه الله :
وقد أجمع الفقهاءعلى وجوب طاعة السلطان المُتغلب والجهاد معه ..
وأنصف المظلوم غالباً .. وأنَّ طاعته : خيرٌ من الخروج عليه : لِمَا في ذلك
من حقن الدماء .. وتسكين الدهماء .. ولم يستثنوا من ذلك إلا :
إذا وقع من السلطان : الكفر الصريح .. فلا تجوز طاعته في ذلك .. بل تجب
مجاهدته : لمَن قدر عليها
 " ..

وفي كلام ابن بطال السابق : نلمس ان الرأي بجواز الخروج : هو رأيٌ
فقهيٌ قائمٌ ومُعتبر .. وذلك لأنه لو لم يكن واردا ًفقهيا ً: لَم يكن ليقول :
وأن طاعته : خيرٌ من الخروج عليه " ..

ويقول ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الاستيعاب :
واختلفَ الناس في معنى القول في الحديث الصحيح :
وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه .. فقال قوم :
هم أهل العدل والفضل والدينِ .. وهؤلاء لا يُنازَعُون لأنهم :
أهل الأمر على الحقيقة ..
وقال أهل الفقه : إنما يكون الاختيار في بدء الأمر .. ولكن الجائر من الأئمة
إذا أقامَ الجهاد والجُمعةَ والأعياد : سكنت له الدهماء .. وأنصف بعضها من
بعض في تظلماتها : لم تجب منازعته .. ولا الخروج عليه .. لأنَّ في الخروج
عليه : استبدال الأمن بالخوف .. وإراقةَ الدماء .. وشنَّ الغارات .. والفساد
في الأرض .. وهذا أعظم من الصبر على جوره وفسقه .. والنظر :
يشهد أن أعظم المكروهين : أولاهما بالترك .. وقد أجمع العلماء على أن مَن
أمر بمنكرٍ : فلا يُطاع .. قال النبي صلى الله عليه وسلم :
لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق .. وقال اللهُ تعالى :
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ .. وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .. وَاتَّقُوا
اللَّهَ .. إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿المائدة ٢﴾
 " ..

10...
وختاما ًلهذه النقطة حتى لا تطول : فقد ذ ُكر عن ابن مجاهد الطائي قوله :
أن هناك ((( إجماعا ً))) على عدم الخروج على الحاكم بأي حال !!..
فهل هذا القول بالإجماع : صحيح ؟!!..
وهل لم يستثن السلف الصالح من ذلك كما رأينا : مَن فحش ظلمه من الحُكام
الطغاة : وعظمت المفسدة بولايته في عصره وبلده : مثل يزيد والحجاج ؟..
وهل الأخذ بعموم كلام العلماء : من غير النظر إلى تخصيص العام والاستثناء
منه : هل ذلك من الصواب في شيء ؟!!..
------
يقول القاضي عياض المالكي رحمه الله ردا ًعلى ابن مجاهد في قوله بالإجماع :
وردَّ عليه بعضهم هذا : بقيام الحسين بن علي رضي الله عنه : وابن الزبير : وأهل
المدينة على بني أُميَّة : وقيام جماعةٍ عظيمةٍ من التابعين : والصدرِ الأول على الحجاج
مع ابن الأشعث .. وتأول هذا القائل قولَه : ( ألا ننازع الأمرَ أهلَه ) :
على أئمة العدل .. وحُجة الجمهور : أن قيامهم على الحجّاج : ليس بمجرد
الفسق .. بل لِما غيّر من الشرع : وأظهر من الكفر 
(أي باستحلاله دماء
المسلمين بغير حق) " ...

واحتج البعض على جواز الخروج على الظلَمة مطلقاً !!.. وقصره الآخرون
على مَن فحش ظلمه : وغيّر الشرعَ .. ولَم يقل أحدٌ منهم : إن يزيد مصيب !
وأن الحُسين رضي الله عنه باغٍ !.. ولا أعلم لأحدٍ من المسلمين كلاماً في
تحسين قتل الحسين رضي الله عنه !!.. ومَن ادّعى ذلك على مسلم : لَم يُصدق !
ومَن صح ذلك عنه
 (أي قوله بتفسيق الحسين أو تكفيره لخروجه) :
فليس من الإسلام في شيءٍ
 " !!!..

ويقول ابن حزم رحمه الله في كتابه الإجماع (وأعتذر عن قسوة أسلوبه المعروفة) :
ورأيت لبعض مَن نصب نفسه للإمامة والكلام في الدين : فصولاً :
ذكر فيها الإجماع !!.. فأتى فيها بكلام : لو سكت عنه : لكان أسلمَ له في
أخراه !!.. بل الخرَس : كانَ أسلمَ له !!.. وهو ابن مجاهد البصري المتكلم :
الطائي : لا المُقرئ .. فإنه ادّعى فيه الإجماعَ أنهم :
أجمعوا على أنه لا يُخرج على أئمة الجور !!.. فاستعظمت ذلك !!.. ولعمري :
إنه لعظيم أن يكون قد علمَ أن مُخالف الإجماع كافر : ثم يُلقي هذا إلى الناس !
وقد علمَ أن أفاضل الصحابة وبقية السلف يومَ الحرَّةِ :
قد خرجوا على يزيد بن معاوية !!.. وأن ابن الزبير ومن تابعه من خيار
الناس : خرجوا عليه !!.. وأن الحسينَ بن عليٍّ ومن تابعه من خيار المسلمين
خرجوا عليه أيضاً !!.. رضي الله عن الخارجين عليه : ولعن قَتَلَتَهم !!..
وأن الحسن البصري : وأكابر التابعين : قد خرجوا على الحجاج بسيوفهم !!..
أترى هؤلاء كفروا ؟!!!.. بل واللهِ مَن كفرهم : فهو أحق بالكفر منهم !!..
ولعمري :
لو كان اختلافا ًيخفى
 (أي لا يعرفه الكثير من أهل العلم) لعذرناه ..
ولكنه مشهور : يعرفه أكثر من في الأسواق !!.. والمُخدَّراتُ
 (أي الفتيات
الأبكار) في خدورهنَّ (أي في غرفهن المستورة عليهن) لاشتهاره !!..
ولكن يحق على المرء أن يَخطِمَ كلامه ويزُمَّه : إلا بعد تحقيق ٍوميز ٍ..
ويعلم أن الله تعالى بالمرصاد .. وأن كلام المرء محسوب مكتوب : مسؤولٌ
عنه يومَ القيامة : مُقـَلداً أجر مَن اتبعه عليه : أو وزرَه 
" ..
------------------
فهل رأيتم معي إخواني (سواء مَن يصف السلفية بالخنوع للظالم : أو مَن
يُكفر الخروج على الحاكم الجائر
) :
هل رأيتم معي :
كيف أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة : لم يكونوا
يُعيبون على مَن خرج على الحُكام الظلمة ؟!!.. وذلك لأن جوازه كما رأينا :
منصوصٌ عليه في كتب فقههم !!.. وأنه لو كان محرماً عندهم قطعاً :
لم يكن ليختلفوا فيه !!.. أو لم يكن ليجعلوه أحد الوجوه المقبولة في مذهبهم
الذي يحل للمفتي لديهم أن يفتي به !!.. ويحل للمستفتي لديهم أن يعمل به !
وقد عرف المُبتديء في العلم أن كل مسألةٍ للعلماء فيها قولان أو وجهان :
أنهم بذلك : لا يُحرمونَ فعل أحدهما مُطلقا ً!!.. بل : ولا يجرحون مَن فعله
مستحلاً له بدليله !!.. ولا يفسقونه بذلك !!..
فكيف بطالب العلم الراسخ أو مَن هو فوقه في العلم ؟!!!..
ووالله :
إن تعجب : فتعجب لشيوخ ٍيُحذرون ويُفسقون ويُكفرون مَن يخرج على
الحاكم الظالم : ولو حتى بنقد ظلمه وتغييبه للشرع علنا ً:
ثم هم عندما يمرون على سيرة أحد العلماء الربانيين الصادحين بالحق
في وجه السلاطين والحكام على مر الزمان (كالعز بن عبد السلام مثلا ً
قديما ً.. والشيخ كشك حديثا ًرحمهما الله
) : تراهم يُبجلونه ويرفعون
مقامه !!..
وما علموا أنه ما وصل إلى ما وصل إليه : إلا بقوله الحق في وجه
الحاكم الظالم في دينه ولشعبه !!!!..

-------------
4)) وأخيرا ً: رؤية أخرى لصمت العلماء أمام ظلم الحكام الطغاة ..
-------------------

والآن إخواني ..
أنا لن أ ُعيد مقاطع من كلام العلماء السابق : والتي حملت في طياتها :
مخاوفهم المُعتبرة من مغبة الخروج على الحاكم الطاغية :
والتي قد تتسبب في وقوع الفتنة أو شيوع القتل والهرج .. أو في
استبدال حال ٍبأسوأ منه .. وغير ذلك ...
وإنما سأحاول أن أصيغ هنا بأسلوبي الخاص : بعض الأفكار والمخاوف
التي تدور في عقل هؤلاء العلماء الأجلاء :
عندما يؤثرون الصمت على الكلام في مثل هذه الأوقات العصيبة من
الخروج على الحكام الظلمة والطغاة ...
------
1...
كلما زادت منزلة العالم وارتفع قدره واشتهر بين الناس : كلما زادت
محاسبته ومراجعته لنفسه في كل ما يقول ويفعل .. وخصوصا ًفي أمور
الشرع والدين .. وذلك لأنه يعلم أن هناك ربما الآلاف أو الملايين الذين
سيقتدون به ..
ومن هنا .. فإن كان الواحد منا (أي من طويلبة العلم الصغار مثلي) أو
من طلبة العلم : يجتهد فيُخطيء :
فإنه لن يتبعه على خطأه في اجتهاده إلا : عددٌ محدودٌ من المسلمين :
لا يُقارن بمًن سيتبع خطأ اجتهاد العالم المشهور مثلا ًإذا أخطأ !!!..
وهذا ربما مَن أكبر أسباب إيثار هؤلاء العلماء للصمت على الكلام !!..
وخصوصا ً: كلما زادت دقة المسألة المُجتهد فيها وخطورتها :
مثل مسألة الخروج على الحاكم تلك : والتي قد تراق فيها دماء
المسلمين : أو تنتهك فيها الأعراض : أو يُستبدل الوضع السيء للدين
والمجتمع : بأسوأ منه !!!..

2...
أيضا ً: فإن حسابات العالم وتوقعاته وموازين المصالح والمفاسد من
وجهة نظره : تختلف تماما ًعن غيره ممَن هم دونه في العلم والخبرة
والحكمة وسعة الاطلاع على التاريخ البشري خصوصا ً.. والإسلامي
خصوصا ً...
فكم من ثورة ٍعلى الحاكم الظالم الجائر فشلت : فجلبت على المسلمين
من الويلات بعدها : ما كان الصبر فيه على الأذى الأول :
أهون وأسلم لهم دينا ًودنيا !!!!..
هذا بجانب آلاف الأرواح المسلمة التي أ ُزهقت في خضم ذلك من
الطرفين بالطبع !!!..
سواء من الثوار على الظلم .. أو من رجال نظام الحاكم الظالم المغلوبون
على أمرهم .. والذين لا تحكمهم في حياتهم العسكرية إلا قوانين الخوف
من الثواب والعقاب والسجن والاعتقال والتعذيب وحتى القتل !!!..
ووالله :
لن نجد أرأف بالمسلمين وأرواحهم : من علماء الأمة الربانيين ورثة
الأنبياء : والذين يعز عليهم روح المسلم الواحد : أن تزهق بغير حق
أو بغير نتيجة مرجوة أكيدة أو حتى مرجوحة :
فما بالنا بعشرات أو مئات أو آلاف الأرواح المسلمة : أطفالا ًونساءً
وشيوخا ًورجالا ً؟!!!..
حيث ما أهون تلك الأرواح أصلا ًعند حكام السوء ..
وهم الذين يستبيحونها في معتقلاتهم وأقسام شرطتهم وأمن دولتهم :
ليل نهار .. غير مبالين بقلوب أهليهم الذين ستحترق كمدا ًعليهم :
أبا ًوزوجا ًوإبنا ً!!!!..

3...
أيضا ً: فإن بعض العلماء (وخصوصا ًالسلفية) : ونظرا ًللطغيان الجاشم
للحاكم : وضعف العوام عن حتى المطالبة بحقوقهم علنا ً:
فهم يرضون بكون هذا الحاكم (على الأقل) : ما زال يُتيح لهم فرصة
الدعوة والتعليم والتدريس بين طلبة العلم الشرعي والناس ..
فهي الخطوة الأولى التي تفتح أعين الناس على الحق ..
ولهذا :
ولو تتذكرون الملاحظتين اللتين أشرت لكم بهما في الأعلى : إحداهما
عن دعوة الإمام أبي حنيفة رحمه الله ((سرا ً)) لخروج على الحاكم ..
والأخرى لالتزام الإمام مالك رحمه الله ((البقاء في بيته)) : رغم دعوته
أيضا ًلخروج على الحاكم : فيتبين لكم من هذه الأفعال :
كم يخافون أكبر الخوف إذا ما شاركوا (علنا ً) في ثورة من الثورات
أو مظاهرة من المظاهرات : ثم فشلت (لرعونة الثوار أو لبطش الحاكم
الطاغية
) : أن يقوم ذلك الظالم بعدها :
بالتضييق الشديد على كل ما هو إسلامي : وأن ينحصر الدين ساعتها
في الرموز والمظاهر : وخصوصا ً:
مع ترقب وتربص العديد من أعداء الأمة بمثل هذه الفرص !!!!!!!...
والذين يكيلون الاتهامات الجائرة لأولئك العلماء والتقليب عليهم بغير
سبب : فما بالنا إذا وجدوا السبب (وهو اشتراك العالم فلان في الثورة
أو المظاهرة الفلانية لقلب الحكم
) ؟!!!!..
ولا ننسى هنا أن الخطأ الواحد في أمة الإسلام : قد صار يُؤخذ بجريرته
اليوم الملايين : ممَن هم أبعد ما يكون عن أصحاب هذا الخطأ أصلا ً!!..
ولكم مثال : ما جرى من ظهور جماعة التكفير والهجرة في مصر منذ
عهود : وما تبع ذلك بعدها من جهر الحكومة والإعلام بالطعن في الدين
والملتزمين والهمز واللمز برموز الدين علنا ًفي الأفلام والمسلسلات
والتصريحات : حتى استطاعوا بناء حاجز ٍأسود بين الناس ولا سيما
الأجيال الجديدة : وبين الدعاة والشيوخ الحق .. بل : وبين كل رمز
التزام مثل اللحية والنقاب والاحتشام !!!..
وهو الأمر الذي تطلب وقتا ًطويلا ًحتى استطاع المتدينون والملتزمون
ودعاة الحق : أن يُصححوه أخيرا ًمنذ سنوات !!!..
فكيف بعد كل ذلك يُخاطر علماؤنا الأفاضل بكل سهولة : بتضييع كل
ذلك في حال الفشل : والبدء من جديد ؟!!!!..
فهم على الأقل : (وبسكوتهم) :
فهم يضمنون أن الحاكم الجائر إذا فشلت الثورة وانقلب على الإسلام :
فهو لن يتعرض لهم بأذى .. وفي ذلك ما فيه من المصلحة التي
تعم على الناس من الاستفادة بعلمهم ...

4...
وأخيرا ً:
وكما قلت بالأعلى : فإن الحاكم الظالم الجائر الطاغي : لا يختلف مسلمان
عاقلان على كرهه وتمني زوال حكمه ..
ومن هنا :
فإنه لا يُفهم من صمت العلماء إزاء هذا الحاكم الظالم : أنهم يوافقونه !!..
فهذا والله من الجهل المُطبق !!!..
وأيضا ً: لا يُفهم من صمتهم عن تشجيع الثورة والمظاهرات ضده : أنهم
يُريدون تخذيل الناس وتثبيطهم !!.. بل والله :
لكأني بهم يتمنون ويقولون في أنفسهم وبينهم وبين بعضهم البعض :
(( لو أن هؤلاء الثوار لهم شوكة )) وإلا :
فإنها ستكون فتنة : لا يعلم مداها ساعتها إلا الله وحده عز وجل .........
---
وهذا يُذكرني بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم إبان صلح الحديبية !
فعلى ما كان في ذلك الصلح من ظلم وجور : برد المشرك الذي يُسلم :
إلى المشركين !!.. وعدم رد المشركين لمَن يرتد عن الإسلام للمسلمين !
أقول :
انظروا إلى حال النبي العصيب : عندما رد بالفعل مرتين : رجالا ًمن الذين
أسلموا وجاءوا يستنجدون به وبالمسلمين :
مرة ً:
قبل أن يغادروا الحديبية بعد (كما حدث مع أبي جندل رضي الله عنه) !..
ومرة ًأخرى :
عندما استطاع بعضهم الهرب والوصول للنبي والصحابة في المدينة (كأبي
بصير ٍرضي الله عنه
) !..
مما أطار ساعتها عقول الصحابة والمسلمين من هول الموقف !!..
والذي لولا مقام رسول الله : المُسدد من ربه : والمُوحى إليه من الله :
فالله وحده يعلم : بما كان يعتمل في نفوسهم وقتها !!...
----
والشاهد :
أن المتبصر في هذا الموقف العصيب الذي بقياس العاطفة : هو أسوأ ما
يمكن أن يراه مسلم لأخيه المسلم : وخصوصا ًلمَن قرأ تفاصيل الحادثة في
الصحيح :
إن المتبصر في ذلك : ليعرف مدى دقة موقف رسول الله صلى الله عليه
وسلم يومها ..
وهو الذي قد حدد أهدافا ًغالية ًمن وراء هذا الصلح مع الكفار :
منها نشر هذا الدين في مكة بالعمرة إليها (رسميا ً) وأداء مناسك الإسلام
جهرا ًبين القبائل !!.. ومنها أيضا ًأنه قد ضمن بهذا الصلح أمانا ًلعدة أعوام
مع الكافرين وقريش : يُتح له نشر دعوته أكثر وأكثر في ربوع الأرض ...
ومن هنا :
فهل تأمل أحدنا عبارة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قالها عندما جاءه
أبو بصير رضي الله عنه هاربا ًإليه في المدينة ؟!..
لقد قال صلى الله عليه وسلم بالحرف :
((( ويل أمه : مُسعر حرب !!.. لو كان معه رجال ؟!! )))
----
ولمَن لم يفهم معنى كلام رسول الله أقول مُوضحا ً:
(( ويل أمه )) : كلمة استنكار شديدة معروفة عند العرب .. حيث استنكر
النبي خرق أبي بصير رضي الله عنه لاتفاقية النبي مع كفار قريش ..
(( مُسعر حرب )) أيّ : مُشعِل حرب .. حيث بفعلته هذه (أي بهربه من
الكفار إلى النبي في المدينة : بعكس اتفاق صلح الحديبية
) : سوف يجلب
على الفريقين الحرب من جديد : وضياع المكاسب التي خطط لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الصلح ..
(( لو كان معه رجال )) وأما هذه : فهي مربط الفرس في موضوعنا هنا ..
وهي العبارة التي بمثلها : يجب أن نحسن الظن في كثير ٍمن علمائنا
ومشائخنا الصامتين عن تسعير الثورات والمظاهرات !!..
حيث كما تمنى رسول الله أن يكون مع أبي بصير رجال :
يُعينونه على الفرار من قريش والكفار : ويُعينونه على التحزب ضدهم :
فكذلك علماؤنا ومشايخنا الأفاضل :

فهم يتمنون القوة والشوكة لمثل هذه الثورات والمظاهرات :
للإطاحة بالطغيان الجاثم على البلاد والعباد .. والمُعطل لشرع الله ..
المُجاهر بالظلم والفساد في كل شيء في الحياة من حولنا !!!..

------
والحمد لله .. قد استمع الله تعالى لأمنية النبي .. وأعز أبا بصير ٍوأبا جندل
برجال ٍمسلمين أشداء : فروا معهم من طغيان الكفر : وعجز المسلمون
في المدينة عن إيوائهم :
فلجأوا إلى طريق البحر .. فأغاروا على القوافل من قريش وإليها وغيرها !
حتى أرسلت قريش نفسها بعد ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
تطلب إليه قبول أمثال هؤلاء في المدينة .. وإلغاء البند الخاص بهم من
الصلح !!!..
وسبحان الله العظيم ..
----------
----------------
إذا ً:
فالصامت من العلماء والمتكلم في حال الحاكم الجائر :
يجب أن نحسن الظن بهم جميعا ًوباجتهاداتهم :

فالمتكلم : لا يكون دوما ًمتهوكا ًمستخفا ًبدماء المسلمين ..
والصامت : لا يكون دوما ًجبانا ًخانعا ً..
وخصوصا ًعندما يكون للعالم منهم : تاريخا ًمشرفا ًفي مجال العلم
والدعوة والإخلاص لله ولرسوله ولعامة المسلمين وخاصتهم 
!!..
-----
وأما طغيان الحاكم وزبانيته في مصر :
فيكفيهم تنحية الدين في المدارس : حتى خرجت علينا أجيالٌ : لا
يعرفون معروفا ًولا ينكرون منكرا ً: إلا من رحم ربي !!!..
فانتشرت الرشوة والمحسوبيات : حتى صارت الأساس في العمل !
ويكفيهم أيضا ً:
استمالتهم لعلماء السوء : حتى سكتوا عن الحرام .. بل : وأحلوه
(كالربا وبيع الخمور لغير المسلمين وغيره) .. وحرموا الحلال
(كختان الإناث وزواج ما دون الـ 18 سنة وغيره
) ..
ويكفيهم أيضا ً:
بيعهم للقطاع العام للرأس ماليين والكفرة والفسقة وغير المسلمين :
فشردوا آلاف عُمال المصانع البسطاء وأسرهم !!!..
ويكفيهم أيضا ً:
ضياع ثروات البلد ونهبها بالمليارات : لتصُب في جيوب عددٍ معلوم ٍ
من الأفراد من (عِلية القوم) : سواء مصريين أو عرب !!!..
أين توشكى والأحلام الموعودة !!!.. أين خيرات أراضي مصر ؟!!..
أين القطن المصري والقمح المصري المحذور زراعتهم إلا في أضيق
الحدود وأصعب الشروط ؟!!!..
ويكفيهم أيضا ً:
البطالة والبطالة المُقنعة !!.. والروتين العقيم الفذ !!.. وملايين الشباب
الضائع بين سُعار الشهوات في الصحف والتلفاز والسينما والفضائيات !
والضائع بين أسنان الشبهات .. وسراب الأحلام الزائفة والضائعة ..
ويكفيهم أيضا ً:
الخذلان الدائم للمسجد الأقصى وفلسطين !!.. ويكفيهم التواطوء على
قتل أهل غزة في حصارهم !!.. بل : وحبسهم بين المطرقة والسندان
بالجدار العازل الغاشم لمنع حتى الأنفاق والمعونات التي كان يُسربها
أهل الخير إليهم !!!..
ويكفيهم أيضا ً:
تصدير الغاز لإسرائيل لأعدائنا : في عز ما احتاجه الفلسطينيون في
أزمتهم وفي حصارهم وهم لا يجدون ما يُضيئون به ليلهم !!!..
ناهيهم عن تصدير حديد التسليح لإسرائيل لبناء الجدار العازل وغيره !
ويكفيهم أيضا ً:
الفشل الذريع الذي عمّ وزاراتٍ بأكملها !!.. وعشرات طلبات الإحاطة من
أعضاء مجلس الشعب السابقين لفضح انحرافات الحكومة ورجال الحزب الوطني
في سرقاتهم واستغلالهم لحقوق الشعب لمصالحهم الخاصة : وعلى رأسها فضائح
العلاج على نفقة الدولة !.. بدءا ًمن صرف بدلات علاج بعشرات الآلاف
لأسماء عشوائية : ثم قبضها من رجال الحزب !.. وانتهاءً بملايين الجنيهات التي
تم إنفاقها على علاج الوزراء وزوجاتهم في الخارج !!.. 
كل ذلك السيل من الفضائح : والذي لم يستر عواره إلا :
الإعلام المصري الضال المُغيب المُسيس !!.. والذي ينعق في وادي ٍ: والناس
والشعب في وادي ٍآخر !!.. ومَن يُتابع إعلام الحكومة الرسمي في
الأحداث الأخيرة : يضحك على سذاجة خداع الناس : حتى ينقلب على
قفاه من جرأتهم على الكذب !!!..
ويكفيهم أيضا ً:
ضربهم عرض الحائط بقرارات وأحكام القضاء المصري : جهارا ً
نهارا ً!!!.. حتى ساقهم ذلك لتزوير انتخابات شعبية ضخمة بأكملها
في حجم مجلس الشعب الماضية : مما لم يُر له سابقة في دول الطغاة
من أمثالهم !!!..
ويكفيهم أيضا ً:
ونتيجة استخفافهم بالقضاء وأحكامه : أن بعض العلمانيين الفجرة
من رؤساء الجامعات المصرية : مارسوا حقيقة العلمانية في التضييق
على الطالبات المنقبات من دخول الامتحانات : حتى بعد صدور القرارات
والأحكام القضائية التي سمحت لهن بذلك !!!..
بل ويكفيهم أيضا ً:
أن مجرد الدخول في الإسلام لأي نصرانية زوجة كاهن أو قسيس :
صارت انتحارا ًفي مصر !!.. وذلك من بعد التعاون الوضيع بين
الأمن والداخلية المصرية مع الكنيسة : على تسليم اللاتي أسلمن
إليهن : ليُذيقونهن أنواع وألوان العذاب !!!!..
بل ويكفيهم أخيرا ً:
عشرات بل مئات الضحايا الأبرياء للأمن والداخلية المصرية !!!...
بدءا ًمن قضايا الاشتباه التي تقوم فيها الشرطة بالقبض على أي
مواطن للاشتباه : فإن قاوم أو دافع عن نفسه : فكثيرا ًما ينتهي
الأمر بتلفيق تهمة حيازة سلاح أو مخدرات له ظلما ًوعدوانا ًعقابا ً
له !!!.. ومرورا ًبمئات المُعتقلين (والذي تجاوز اعتقال أحدهم
العشرين عاما ً: فضاع وضاعت أسرته وزوجته وأولاده
) : وهو حتى
ربما لا يعرف سبب اعتقاله حتى اليوم : ولم يُعرض على أي جهة
قضائية بالطبع !!!.. والفضل : نعم .. قانون الطواريء الذي كثيرا ً
ما تم استغلاله أسوأ استغلال !!!..
ويا ليت الحكومة والداخلية حتى كانت تستمع وتهتم بالقضايا التي
يتم توجيهها لهم بخصوص قتل الكثير من أبناء مصر تحت وطأة
هذا القانون الغاشم !!.. وليس خالد سعيد ولا سيد بلال بآخر تلك
السلسلة القذرة من التعذيب والانتهاكات حتى الموت ..
ولكنها ربما الحوادث التي قصمت ظهر البعير أخيرا ً: وفاض الكيل
بشعب ٍ: صار يتوقع الأب والأم والزوجة : أن يُصابوا في أحبائهم
بمثل مُصاب خالد سعيد أو سيد بلال رحمهما الله !!!..
والكلام عن هذه السلسلة الطويلة من القسوة والطغيان الأمني :
لا ينتهي .. بل وهناك من المواقف : ما يدمع له القلب قبل العين
عند مجرد سماعها !!.. من اغتصاب لزوجات وأمهات وأخوات
متهمين : فقط : للاعتراف بشيء ما أو : للتوقيع على اعتراف
بتهمة : لم يقم بها الضحية المسكين أصلا ً!!!!..
وغير ذلك الكثيــــــــر ...

فإذا كانت دولة ًمثل تركيا : نهضت في ثمانية أعوام ٍفقط : لتصير
خامس اقتصاد في العالم : وتتحقق فيها شروط الانضمام للاتحاد
الأوروبي !!.. ومثلها في النهضة ماليزيا والبرازيل !!..
ودولا ًأ ُخر كثيرة :
لم يكن العامل المؤثر فيها إلا أن ترأسها رجالٌ : عرفوا قدر المسؤلية
المناطة بهم 
.. ووضعوا رفعة بلادهم في مقدمة اهتماماتهم :
ففعلوا بها الأعاجيب من خير الله الذي وضعه في الأرض للأنام !!..
فهل يُقاس بالله عليكم بهم :
مَن لم تزده فترة رئاسته في الحُكم (ثلاثون عاما ً) : إلا أن يتصدر
بدولته : مصاف أولى بلاد العالم في الفساد الحكومي والمؤسساتي !
وتراجع الحق والعدل في حُكمه :
حتى اختلط الظلم والتعسف والفساد بلحوم العباد وعظامهم للأسف !
---
وأما المطالب السبعة الابتدائية التي اتفق عليها كل الخارجون في
المظاهرات الأخيرة في مصر بكل طوائفهم فهي :

1)) إنهاء حالة الطوارئ ..
2)) تمكين القضاء المصري من الإشراف الكامل على العملية الانتخابية ..
3)) الرقابة على الانتخابات من منظمات المجتمع المدني المحلي والدولي ..
4)) توفير فرص متكافئة في وسائل الإعلام لجميع المرشحين .. وخاصة ًفي
الانتخابات الرئاسية ..
5)) تمكين المصريين في الخارج من ممارسة حقهم في التصويت بالسفارات
والقنصليات المصرية ..
6)) كفالة حق الترشح في الانتخابات الرئاسية دون قيود تعسفية : (كما
اشترط الطغاة الرئاسة لمَن كان له حزب في مجلس الشعب : وبنسبة
معينة : ثم يزورون الانتخابات لنرى مجلس الشعب كله وقد فاز فيه الحزب
الوطني !!!
) مع قصر حق الترشح للرئاسة على فترتين فقط ..
7)) إجراء الانتخابات عن طريق الرقم القومي .. مع وجوب ما يلزم من
تعديلات لازمة للانتخابات في المواد 76 و77 و88 من الدستور ..
--------
أدعو الله عز وجل أن يُهيء لهذه الانتفاضة والثورة والمظاهرات :
أمر رشدٍ يسوقها إليه ...
وأن يغلب فيها صوت الحق والعدل والدين : على ما سواه من دعاوي
العلمنة والمدنية بمفهومها الغربي الكافر ...
وأن يحفظ فيها الدماء والأعراض ..
وأن يُرسي مراكبها على خير ٍ: عاجلا ًغير آجل ....
آمـيـــــــــــــــــــــــــــن ..

والله تعالى أعلى وأعلم ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..