الصفحات

السبت، 4 مايو 2013


حكم شهادة المرأة المسلمة ..
المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت - نقلا عن موقع دار الإفتاء المصرية

في البداية يجب أن نعلم أن الشهادة تكليف ومسئولية، وعندما يخفف الله عن المرأة في الشهادة فهذا إكرام لها، وليس العكس، كما علينا أن نعلم كذلك أن الشروط التي تراعى في الشهادة، ليست عائدة إلى وصف الذكورة والأنوثة في الشاهد، ولكنها عائدة إلى أمرين:

الأول: عدالة الشاهد وضبطه.

الثاني: أن تكون بين الشاهد والواقعة التي يشهد بها، صلة تجعله مؤهلاً للدراية بها والشهادة فيها، ومن المعلوم أنه إذا ثبت لدى القاضي اتصاف هذا (الشاهد) بهذه الصفات (أي رقة المشاعر والعاطفة) فإن شهادته تصبح غير مقبولة ؛ إذ لابد أن يقوم من ذلك دليل على أن صلته بالمسائل الجرمية وقدرته على معاينتها ضعيفة أو معدومة، وهو الأمر الذي يفقده أهليته للشهادة على تلك المسائل.

ومن الحقائق التي يجب أن نعلمها في قضية الشهادة ما يلي:

شهادة المرأة وحدها تقبل في هلال رمضان شأنها شأن الرجل.

تستوي شهادة المرأة بشهادة الرجل في الملاعنة.

شهادة المرأة قبلت في الأمور الخاصة بالنساء، قال ابن قدامة في المغني:  " ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال مثل الرضاعة والولادة والحيض والعدة وما أشبهها شهادة امرأة عدل. ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في قبول شهادة النساء المنفردات في الجملة "، ويوضح الحكم في موضع آخر فيقول: " تقبل شهادة النساء وحدهن -منفردات عن الرجال في خمسة أشياء: 1- الولادة. 2 - الاستهلال.  3 - الرضاع.  4 - العيوب التي تحت الثوب كالرتق، والقرن، والبكارة، والثيبوبة، والبرص.  5 - انقضاء العدة ".

تقبل شهادة المرأة الواحدة. قال ابن قدامة: " وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء المنفردات فإنه تقبل فيه شهادة المرأة الواحدة ".

وجاء في الحديث: " سأل عقبة بن الحارث النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: إني تزوجت امرأة. فجاءت أمة سوداء فقالت: إنها أرضعتنا فأمره بفراق امرأته. فقال: إنها كاذبة. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): " دعها عنك "، وقد علق ابن القيم فقال:" ففي هذا قبول شهادة المرأة الواحدة، وإن كانت أمة وشهادتها على فعل نفسها " .

وقد علق معروف الدواليبي بكلام جميل على هذا فقال:" إن الشريعة الإسلامية اتجهت إلى تعزيز الشهادة في القضايا المالية بصورة مطلقة بشهادة رجل آخر، إلى جانب الرجل الأول، حتى لا تكون الشهادة عرضة للاتهام.

ولم يعتبر أحد تنصيف شهادة الرجل هنا وتعزيزها بشهادة رجل آخر ماسًّا بكرامته ما دام ذلك التعزيز أضمن لحقوق الناس. وزيادة على ذلك فإن شهادة الرجل لم تقبل قط " وحده " حتى في أتفه القضايا المالية. غير أن المرأة قد امتازت على الرجل في سماع شهادتها  " وحدها دون الرجل، فيما هو أخطر من الشهادة على الأمور التافهة، وذلك كما هو معلم في الشهادة على الولادة وما يلحقها من نسب وإرث، بينما لم تقبل شهادة الرجل " وحده "  في أتفه القضايا المالية وفي هذا ردٌّ بليغ على مَن يتهم الإسلام بتمييز الرجل على المرأة في الشهادة ".

شهادة المرأة تقدم أحياناً على شهادة الرجل بعد سماع الشهادتين: " يثبت خيار الفسخ لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه... وإن اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات ويقبل فيه قول امرأة واحدة، فإن شهدت بما قال الزوج وإلا فالقول قول المرأة ".

الشهادة تختلف عن الرواية وقد قُبلت رواية المرأة الواحدة -وما تزال- في كل أمر حتى في الحديث ؛ فالحديث النبوي الذي روته لنا امرأة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) له حجية الحديث نفسه الذي يرويه رجل .


ولم يرد أحد قول امرأة لمجرد أنها امرأة، ونقل الدين وما فيه من تشريع أخطر من الشهادة في حكم قضائي ، قال الشوكاني:  " لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة.

فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة ". وقال ابن القيم: " الشارع -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- لم يرد خبر العدل قط، لا في رواية ولا في شهادة، بل قبل خبر العدل الواحد في كل موضع أخبر به... وقبل شهادة الأمة السوداء وحدها على الرضاعة ".

بعد هذه الحقائق نجد أن مصدر الشبهة التي حسب مثيروها أن الإسلام قد انتقص من أهلية المرأة، بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)  [ البقرة:282]. هو الخلط بين «الشهادة» وبين «الإشهاد» الذي تتحدث عنه هذه الآية الكريمة، فالشهادة التي يعتمد عليها القضاء في اكتشاف العدل المؤسس على البينة، واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم، لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارًا لصدقها أو كذبها، ومن ثم قبولها أو رفضها ؛ وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضي لصدق الشهادة بصرف النظر عن جنس الشاهد، ذكرًا كان أو أنثى، وبصرف النظر عن عدد الشهود.

فالقاضي إذا اطمأن ضميره إلى ظهور البينة أن يعتمد شهادة رجلين، أو امرأتين، أو رجل وامرأة، أو رجل وامرأتين، أو امرأة ورجلين، أو رجل واحد أو امرأة واحدة.. ولا أثر للذكورة أو الأنوثة في الشهادة التى يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له من البينات.

أما الآية فإنها تتحدث عن أمر آخر غير «الشهادة» أمام القضاء ؛ حيث تتحدث عن «الإشهاد» الذي يقوم به صاحب الدين للاستيثاق من الحفاظ على دَيْنه، وليس عن «الشهادة » التي يعتمد عليها القاضي في حكمه بين المتنازعين.. فهي -الآية- موجهة لصاحب الحق الدَّيْن وليس إلى القاضي الحاكم في النزاع.. بل إن هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب حق دَيْن ولا تشترط ما اشترطت من مستويات الإشهاد وعدد الشهود في كل حالات الدَّيْن.

وإنما توجهت بالنصح والإرشاد فقط النصح والإرشاد إلى دائن خاص، وفي حالات خاصة من الديون، لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية.. فهو دين إلى أجل مسمى.. ولابد من كتابته.. ولابد من عدالة الكاتب.

ولقد فقه هذه الحقيقة حقيقة أن هذه الآية إنما تتحدث عن " الإشهاد" في دَيْن خاص، وليس عن الشهادة.. وإنها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن ذى المواصفات والملابسات الخاصة وليست تشريعاً موجهاً إلى القاضي الحاكم في المنازعات.. فقه ذلك العلماء المجتهدون.


ومن هؤلاء العلماء الفقهاء الذين فقهوا هذه الحقيقة، وفصّلوا القول فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم من القدماء والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده والإمام الشيخ محمود شلتوت من المُحْدَثين والمعاصرين، فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه، ويؤكد عليه ابن القيم :

قال عن «البينة» (1)  التي يحكم القاضي بناء عليها، والتي وضع قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «البينة على المدعى، واليمين على المدعى عليه»(2).

إن البينة في الشرع، اسم لما يبيّن الحق ويظهره، وهى تارة تكون أربعة شهود، وتارة ثلاثة، بالنص في بينة المفلس، وتارة شاهدين، وشاهد واحد، وامرأة واحدة، وتكون نُكولاً(3)، ويمينًا، و خمسين يمينًا أو أربعة أيمان، وتكون شاهد الحال، فقوله (صلى الله عليه وسلم) : «البينة على المدعى»، أي عليه أن يظهر ما يبيَّن صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكِم له ا.هـ.

فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد أو أكثر، تقوم بشهادة المرأة الواحدة، أو أكثر، وفق معيار البينة التي يطمئن إليها ضمير الحاكم -القاضي-، وبعد ذلك بقليل علق ابن القيم قائلاً: «قلت: وليس في القرآن ما يقتضى أنه لا يُحْكَم إلا بشاهدين، أو شاهد وامرأتين، فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النِّصاب، ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به، فضلاً عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك.

ولهذا يحكم الحاكم بالنكول، واليمين المردودة، والمرأة الواحدة، والنساء المنفردات لا رجل معهن وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد(4) .

وقد علل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين تعدلان شهادة الرجل الواحد، بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة مجالس وأنواع هذه المعاملات، لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها، كانت شهادتها حتى في الإشهاد على حفظ الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل.

فقال:«ولا ريب أن هذه الحكمة في التعدد هى في التحمل، فأما إذا عقلت المرأة، وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات، ولهذا تُقبل شهادتها وحدها في مواضع، ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب في أصح القولين، وهو قول مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد» (5).

ونفس هذا المعنى ذكره الإمام محمد عبده، عندما أرجع تميز شهادة الرجال على هذا الحق الذي تحدثت عنه الآية على شهادة النساء، إلى كون النساء في ذلك التاريخ كن بعيدات عن حضور مجالس التجارات، ومن ثمَّ بعيدات عن تحصيل التحمل والخبرات في هذه الميادين، وهو واقع تاريخي خاضع للتطور والتغير، وليس طبيعة ولا جبلة في جنس النساء على مر العصور، فقال: «تكلم المفسرون في هذا، وجعلوا سببه المزاج، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان، وهذا غير متحقق، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية التي هي شغلها، فإنها أقوى ذاكرة من الرجل، يعنى أن من طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها» (6) .

ولقد سار الشيخ محمود شلتوت الذي استوعب اجتهادات ابن تيمية وابن القيم ومحمد عبده مع هذا الطريق، مضيفًا إلى هذه الاجتهادات علمًا آخر عندما لفت النظر إلى تساوى شهادة الرجل في «اللعان» فكتب يقول عن شهادة المرأة وكيف أنها دليل على كمال أهليتها: وذلك على العكس من الفكر المغلوط الذي يحسب موقف الإسلام من هذه القضية انتقاصًا من إنسانيتها.. كتب يقول: إن قول الله سبحانه وتعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) [ البقرة:282] ليس واردًا في مقام الشهادة التى يقضى بها القاضى ويحكم، وإنما هو في مقام الإرشاد إلى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل(الآية) فالمقام مقام استيثاق على الحقوق، لا مقام قضاء بها.

والآية ترشد إلى أفضل أنواع الاستيثاق الذي تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقهم، وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء اللاتى ليس معهن رجل، لايثبت بها الحق، ولا يحكم بها القاضى، فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو «البينة».

وقد حقق العلامة ابن القيم أن البينة في الشرع أعم من الشهادة، وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره، هو بينة يقضى بها القاضى ويحكم. ومن ذلك: يحكم القاضى بالقرائن القطعية، ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها، واعتبار المرأتين في الاستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها، الذي يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثرًا له، وإنما هو لأن المرأة كما قال الشيخ محمد عبده " ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، ومن هنا تكون ذاكرتها فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية التى هى شغلها، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل، ومن طبع البشر عامة أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويمارسونها، ويكثر اشتغالهم بها.

والآية جاءت على ما كان مألوفًا في شأن المرأة، ولا يزال أكثر النساء كذلك، لا يشهدن مجالس المداينات ولا يشتغلن بأسواق المبايعات، واشتغال بعضهن بذلك لا ينافي هذا الأصل الذي تقضى به طبيعتها في الحياة (7) .

إلى هذا الحد من النقل والتحليل نكون قد رددنا على من حاول إلصاق تهم إلى هذا التشريع الحكيم، ونحن نرى في إلقاء تلك التهم على فروعنا شرعنا الحنيف تخبط في الآخرين يؤكد لنا أن هذا الشرع متين، وأنه من لدن حكيم خبير والحمد لله رب العالمين.
----------

المراجع :
(1) الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية (ص 34) تحقيق: محمد جميل غازي. طبعة القاهرة. 
(2) صحيح البخاري (ج2 ص 931) وابن حبان فى صحيحه (ج13 ص 358). 
(3) هو الامتناع عن اليمين. 
(4) الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ص 34 . تحقيق محمد جميل غازى . طبعة القاهرة. 
(5) إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج1 ص95) . طبعة بيروت سنة 1973 م.
(6) الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده (ج4 ص 732) . دراسة وتحقيق : د . محمد عمارة . طبعة القاهرة.
(7) الإسلام عقيدة وشريعة (ص 239 - 241). طبعة القاهرة سنة (1400) هجرية سنة 1980