وهزمني الموت !!!..
بقلم أبو حب الله ..
----
" التفكير في الموت : أعاد لي صوابي " !!..
---------
(1)
>> ضائع ٌ أنا ......................
وجائع !!..
إما أن أحزم أمري وأرمي نفسي الآن أمام أقرب سيارة لينتهي كل شيء :
وإما أن أبحث لي عن عشاء لبطني الخاوية منذ الصباح !!..
لأكثر من 12 ساعة وأنا أتردد بين حسم أمري للموت .. أو للحياة !!..
هل هو الخوف الداخلي بالفعل من الله تعالى أن يحاسبني على كفري به وما اقترفته من بلايا ؟!
أن يحاسبني على الانتحار ؟؟...
أم هو الخوف من ألم الموت نفسه ؟؟!!..
لا بد أن أعترف أني ...................................جبااااااااااان !!!..
ماذا لو لم أمت في التو واللحظة وبدلا من ذلك : تألمت وتعرضت للإصابة فقط ؟!!..
مشكلة وورطة بالفعل لو وقع ذلك !!..
أتذكر صديقا لي في كلية الصيدلة أخذته الشفقة بالضفدع المسكين في قسم التشريح العملي !
فلا هو الذي قتله بالمشرط !!.. ولا هو الذي تركه ليعيش سليما !!!..
وإنما دفعته الشفقة ليتركه بعدما قطع نصف رقبته بالفعل بالمشرط !!!..
يا لها من شفقة أتت في الوقت الغير مناسب !!!..
نسيت أن أسأل صاحبي وقت أن حكى لي ذلك : وماذا فعل الضفدع ؟!!!..
مممم .. يبدو سؤالا غبيا ً!!!.. ولكن ... ما الذي جعلني أتذكر كل ذلك الآن ؟!!..
مشكلة حقيقة ً لو وقع لي نفس ما وقع للضفدع !!!..
برررررر .. أظن هذه القشعريرة التي جرت في أوصالي ستمنعني من قتل نفسي الآن !
أكاد لا أتخيل أني لن أرى هذا العالم مرة أخرى .. الصبح .. الشمس .. الليل .. الناس .. الحياة !
هي صدمة واحدة .. لحظة واحدة .. ثم سيذهب كل شيء !!!..
ولكن .. ماذا سأفعل الآن إن جبنت عن قتل نفسي ؟؟.. وكيف ومن أين سأأكل :
وأنا الذي نسيت حتى أخذ حافظة نقودي وقت هروبي من البيت والأهل ؟!!..
لابد أن أعصر عقلي الآن من التفكير حتى لا أسرق أو ....... أتسول !!..
ربما داخل هذا السوبر ماركت الكبير هناك ستنحل عقدتي !!!..
------------
(2)
>> السلام عليكم ..
# وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. ماذا تطلب يا أستاذ ؟؟.. بسكويت أم فينو أم كرواسو ؟
>> ممممممم .. لا .. لم آت لأشتري .. ولكني أود سؤالك سؤالا واحدا فقط إذا سمحت ...
# تفضل .. ولكن أي سؤال فني : سأنادي لك أحد الخبازين لأني مختص فقط بالميزان والحساب ..
>> لا لا لا .. ليس سؤالا فنيا .. وإنما .............. قل لي إذا سمحت :
ماذا تفعلون ببقايا المخبوزات هذه هناك والتي لم تبع ؟؟.. ذلك الفينو والبسكويت والكرواسو ؟؟..
أظنهم - ومن ملمسهم المتيبس - لهم أكثر من يوم على الأرجح لم يشتريهم أحد ؟؟.. صواب ؟..
# نعم .. صواب .. ولكن ........... هل لديك أنت مشكلة في هذا ؟؟!!!..
>> لا ليس لدي مشكلة ولكن ....
أردت فقط أن أخبرك إذا كنتم ستقومون بالتخلص منهم أو بعضهم : فأنا أريدهم !!!..
لي يوم تقريبا لم أضع شيئا في بطني والله يا أخي ... أرجوك ..................
# ......................... ( !!! )
>> أعرف أعرف .. لا تنظر لي ولا لنظافة سترتي !!.. يمكنك أن تقول أني تعرضت لموقف ما ..!
موقف صعب .....
# انظر يا أستاذ ... صراحة ً : أنا لا أصدقك 100 % !!..
قد تكون متسولا بموضة جديدة !!.. أو قد يكون صاحب السوبر ماركت قد أرسلك لتختبرني !!..
أو قد تكون شيئا آخرا لا أعرفه ..! ولكن الخلاصة : يمكنك أن تجرب ما تريده في محل آخر !!..
فأنا لدي مشاكلي هنا بالفعل : في الحسابات وفي المعاملة وفي أشياء أخرى ..!!
سامحني يا أستاذ إن كنت قد صدقت معي .. أو : مت غيظا إن كنت تكذب عليّ ...!
وأرجوك الآن أن تتنحى جانبا : وحتى أمارس عملي مع الزبائن القادمين هناك .. تفضل ..
...........................
..........................................
# ماذا من جديد ؟؟!!.. صدقني يا أستاذ : سأبدأ في الشك فيك ..
وذلك لأنه هناك احتمال ثالث لم أذكره لك حياء ً.. والآن سأقوله لك ولا بد .. وهو أنك :
قد تكون لصا !!!.. نعم .. والآن .. هل ما زلت تغامر بالوقوف والحديث معي هنا ؟؟..
أتعجب أنك تفعل ذلك : وأنت ترى كاميرا المراقبة هناك ؟؟.. أم لعلك لم تلاحظها ؟!!..
>> لقد رأيتها يا أخي رأيتها (( وهذه هي المشكلة )) ...!
# ماذا قلت ؟؟.. لم أسمعك ؟؟..
>> لا عليك .. لا عليك .. انظر يا أخي .. جئت لأستأذنك في شيء للمرة الأخيرة :
فلا تردني خائبا ً أرجوك .. اعمل عمل خير تلقاه أمام الله يوم الحساب ...!!
# وما هو ذلك الشيء الذي جئت لتستأذنني فيه هذه المرة ؟؟.. عجيب !!..
>> سأخبرك بكل صراحة عما أنوي فعله ...
سوف أمثل أني أشاهد هذه المخبوزات هناك وأعاينها .. ثم سآكل منها واحدة أو اثنتين فقط ..
أو حتى ثلاث !.. وأعدك أن كل ذلك سيكون من هذه المخبوزات التي مضى عليها أكثر من يوم ..
ثم سآتي إليك منها بكيس وكأني سأشتريه .. ولكن عندما أتيك :
سأمثل أني فوجئت أنه ليس معي نقود .. ثم سأترك الكيس عندك وسأمضي لحالي ....
اتفقنا يا أخي ؟؟.. هل لديك أي اعتراض أو ضرر ؟؟.. هي مخبوزات بائتة على أي حال ..
أرجوك ......
# يبدو أن الأمر حقيقي !!.. شخص مثلك وفي ملابسك تلك ويقول مثل هذا الكلام والدمع في عينيه !
اذهب يا أستاذ ... اذهب ولا تدع أحدا ًينتبه لما تفعل ..... سبحان الله العظيم !!..
...............................
..............................................
>> بكم هذا الكيس إذا سمحت ؟؟؟..
# بخمسة جنيهات ..
>> هاه !!.. خمسة جنيهات ؟!!.. هذا بائت ..!! لا بأس .. سأشتريه ......
ممممم .. يبدو أني نسيت حافظة نقودي في البيت .. حسنا .. دع الكيس عندك حتى آتيك بنقودي ..
السلام عليكم ... وجزاك الله خيرا كثيرا .. شكرا ... بل لا أعرف كيف أشكرك !!..
# أستاذ .. أستاذ .. خذ الكيس معك .. وعندما تملك النقود : ائتني بها ....
>> هه ؟!!.. لا لا .. شكرا ..!! (( لم نتفق على هذا ! )) ... أقصد .. ربما تعرضت للمشاكل ..
ومن أين لي بخمسة جنيهات الآن حتى آتيك بها !!..
# ليس بالضرورة الليلة .. ولا حتى غدا ً.. ارجع وقت أن تكون معك ... بالتوفيق ..
>> حسنا حسنا .. كم أنت كريم يا رب !!.. عيني كانت متعلقة بالكيس وتكاد أن تنخلع عليه !
شكرا لك .. شكرا لك .........!
--------------
(3)
>> الحمد لله .. نلت أكثر مما كنت أتمنى !!.. كيسا بأكمله !!!..
يا لعجيب القدر !!!.. صار كيس ٌمن المخبوزات البائتة : هو غاية أمنياتي في ليلة من الليالي ؟!!!..
أي حال هذا الذي صرت إليه ؟؟!!..
ماذا فعلت بنفسي ؟؟..
أرى أن أحسم أمري سريعا .. فإما الموت وأنا على هذا الضياع : وإما العيش كريما !!!..
لم أعتد على العيش فقيرا هكذا أبدا !!!.. أبدا !!!!..
ولكن للأسف ... ما زالت صورة الضفدع ماثلة في خيالي مما حكاه صديقي لي !!!..
ماذا لو لم أمت سريعا تحت عجلات السيارة ؟؟..
هل أفكر في السفر إلى الإسكندرية مثلا ؟؟.. أرى أن الغرق في البحر أسرع وألطف ..!!
دقيقتان أو ثلاث من الاختناق كافيين وخصوصا وأني لا أستطيع السباحة ...! ولكن ...............
كيف سأسافر من غير نقود ؟؟... بل :
ماذا لو صادف حظي العاثر أن تواجدت سمكة مفترسة أو متوحشة أو كبيرة هناك :
وفي البقعة تماما التي سأقفز فيها ؟!!..
أعلم أنها صدفة بعيدة الوقوع ومُبالغ في قدراتها ووقتها ومكانها ولكن ... ماذا لو وقعت بالفعل ؟..
فهذه هي (بعض) إمكانيات الصدفة التي آمنت بها لطيلة سنوات ٍمن حياتي ..! ماذا لو تحققت أخيرا ؟!
والمشكلة أنها حياة واحدة فقط لأفقدها .. وبالتأكيد لحظة الموت ونهاية هذه الحياة فيها هي لحظة فريدة !
فماذا لو قابل هذه اللحظة الفريدة : سمكة فريدة أيضا في نفس الموضع الذي سألقي فيه نفسي !
برررررر !!.. فكرة الانتحار فكرة سمجة بالفعل ومخيفة ...!
لماذا لا يكون الأمر أسهل من ذلك ؟.. ضغطة ماوس مثلا أو أحد الأزرار على لوحة المفاتيح ؟!!..
أنا على يقين أني سأقضي أحلامي الليلة بين عجلات السيارات حيا !!.. أو ممضوغا بين أسنان قرش !
أو الأدهى والأمر أن هذا سيكون مصيري (الأبدي) في النار إذا حاسبني الله عليه بالفعل !!!..
كل الطرق سوداوية للأسف !!!..
ولكن ... فلأدع كل ذلك جانبا لأستمتع ولو قليلا بهذه الوجبة التي لم تخطر على بالي قط !
# يا أستاذ .. يا أستاذ ...
>> ؟؟؟!!!..
حسنا يا أخي .. يؤسفني أن أقول لك أنه فات وقت التراجع عن الصدقة ..!!
فلقد أكلت نصف الكيس بالفعل !!!..
# الحمد لله أني أدركتك قبل أن تأكل النصف الثاني ...
>> هه ؟!!.. هل أنت جاد في استردادك لصدقتك ؟؟!!.. لقد كنت أمزح ؟؟؟..
ألا تعلم أن العائد في صدقته : هو كالوالغ في قيئه أو شيء بهذا المعنى : لا أتذكر !!
# لا لا .. لقد فهمتني خطأ وظننت بي سوءا !!!..
خذ هذه القطعة من الجُبن .. أعتقد أن الطعم سيكون بها أفضل .. أليس كذلك ؟
>> آها !!.. لماذا لم تقل هذا من أول مرة .. بل : لماذا تأخرت للآن يا رجل !!!..
على العموم هي لافتة طيبة منك .. جزاك الله خيرا ....
# بالهناء والشفاء يا أستاذ ... صراحة ً.. كلامك وأخلاقك وتدينك قد أثروا فيّ كثيرا !!..
والحمد لله أن صح توقعي ووجدتك هنا على الرصيف لم تبتعد ...
فقد صح ظني أنه ليس لديك مأوى أيضا ربما .. صواب ؟؟..
>> مممم .. نعم .. صواب .. ولكن أسألك أولا : عن أي أخلاق وتدين تتحدث ؟؟!!..
# انظر يا أستاذ ... هذا الشخص الذي أمامك :
كنت أحيانا كثيرة أختلس من طعام قسم المخبوزات للأسف : ودون أن أستأذن من أحد !
وذلك : رغم أن صاحب السوبر ماركت أو المحل نفسه قد أخبرنا بأنه علينا الاستئذان أولا :
وأنه لن يمانع أبدا طالما كنا نتناول منه بالحد المعقول ..
ولكني كنت أخون الأمانة للأسف .. وكثيرا ما أكلت من المخبوزات بغير علمه بل وبغير جوع !
والليلة :
تأتيني أنت لتعلمني هذا الدرس الكبير القاسي : وأنت جائع !!.. بل : وفي غاية الجوع : فتستأذن !!!!..
صدقني يا أستاذ : لقد بكيت فجأة بعدما غادرت أنت المحل عندما تفكرت في حالي وحالك وقارنت بينهما !
فقررت ساعتها أن أتيك بهذه القطعة الجبن .. ولا تخف .. هي على حسابي ...
>> عجيب !!!.. أنت تتعلم مني !!..
(( وماذا لو علمت أني لم أكن لأفعل ما فعلت لولا وجود كاميرات المراقبة !! ))
# صدقني يا أستاذ .. أنت أعطيتني درسا بأن الإنسان المحترم : يبقى محترما مهما تغيرت به الظروف !
أنت إنسان محترم .. وبقيت كذلك رغم ظروفك .. أما أنا فلقد كنت محترما .. ولكني تغيرت كثيرا للأسف !
كلما امتحنني الله تعالى ببعض الظروف : فضحني أمام نفسي أكثر وأظهر لي حقيقة ضعفي أمام عيني !
>> لو صح كلامك أخي : فأنا وأنت الآن مدينان باعتذار لصاحب السوبر ماركت !!!..
أنت لأخذك منه بغير استئذان .. وأنا لأني استأذنت من الإنسان الخطأ !!.. لأنك لست مالكه !
# أعدك يا أستاذ أعدك .. غدا صباحا سوف أعتذر لصاحب المحل : وسأعتذر لك أيضا ..
سأخبره بكل شيء .. وسأخبره بالذي حدث ...
بل وسأخبره بحالك أيضا والضيقة التي تمر بها : فربما جعلك تعمل وتبيت معنا !!!..
ما رأيك ؟؟؟..
>> هل أنت جاد أنه يمكنه أن يعطيني عملا ومكانا لأبيت فيه ؟؟؟..
# نعم نعم .. إن شاء الله .. فهو لا يحب في هذه الدنيا مثل الإنسان الأمين ....
يمكن أن يعطيك وظيفة محاسب في المحل أو أحد فروعه طالما شكلك متعلم ومثقف ..
بالتأكيد ستكون أفضل مني .. فأنا بالكاد تخرجت من الإعدادية .. وهذه السنة الثانية لي بعد الجيش ..
>> أدعو الله أن يكتب لي الخير على يديك ... صدقني : لا أعرف كيف أشكرك هذه الليلة ..
# بالمناسبة يا أستاذ .. ما اسمك ؟؟..
>> اسمي حا...... .. حا........
# حا....... ماذا ؟؟.. هل نسيت من الجوع ؟!!.. حامد ؟؟..
>> نعم .. نعم .. يمكنك أن تناديني حامد ... وأنت .. ما اسمك ؟؟..
# عصام السيد .. اسمي عصام يا أستاذ حامد .. ولعلها تكون معرفة خير إن شاء الله ..
أرجوك أن تبيت معنا الليلة في الغرفة لنتعلم منك الأدب والدين : بدلا من الفساد الذي نعيشه !
--------------
(4)
>< حسنا يا أستاذ حامد .. ستستلم عملك في المخازن من بعد العصر إن شاء الله ..
سوف أختبرك بنفسي لمدة يومين حتى أتأكد من مهارتك في التخزين والتدوين والحساب ..
وأما من ناحية الأمانة : فيكفيني الموقف الذي حكاه لي عصام .. ولكن رجاء :
أن تأتيني ببطاقتك الشخصية في أقرب وقت حتى أقوم بتسجيلك معنا :
وحتى لا نتعرض نحن ولا أنت للمساءلة إذا وقع أي تفتيش .. أنا لا أحب المخالفات أبدا !
ولولا الضيقة الشديدة التي تمر بها كما يقول عصام : ما أبقيتك معنا هنا إلا ببطاقتك الشخصية ..
ولكن خيرا إن شاء الله .. فمفتش التموين يعرفني معرفة خاصة .. ولن يشك فيك وأنت معنا ..
# شكرا يا أستاذ شكري شكرا .. والله نعم الابن أنت للحاج إبراهيم رحمه الله ...
>< رحمه الله ...
>> وأنا أشكرك أيضا يا أستاذ شكري .. وسعيد أن عمرك قريب من عمري ..
لقد ظننت لوهلة أن صاحب هذا السوبر ماركت هو بالضرورة رجل كبير في السن ..
# هو كان كذلك كما أخبرتك يا أستاذ حامد : وإلى أن توفاه الله ..
والخير والبركة الآن في ابنه الأستاذ شكري .. هو خريج تجارة حسابات ..
>> تقصد تجارة قسم محاسبة ...
>< نعم يا أستاذ حامد .. ودعني أناديك حامد بغير ألقاب .. والآن :
سوف يقوم عصام بتجهيز سرير وخزانة ملابس خاصين بك في الغرفة أعلى السوبر ماركت ..
وأعتذر إن كنت نمت بالأمس على الأرض .. فلم أكن أعلم بأمرك إلا صباح اليوم باكرا ..
>> على الأرض !!!.. لقد رفض عصام رفضا تاماأن ينام هو على سريره وأنام أنا على الأرض !!
وهذا موقف آخر لن أنساه له ما حييت ...
# لا تهتم يا أستاذ حامد لا تهتم .. فلقد تعودت على ذلك منذ زمان بعيد ...
لا تنس أني كنت في الجيش منذ عامين .. ولا تنس أني سأتزوج قريبا وسأنام على الأرض أيضا !
>< ههههههه .. عصام اتفق مع عمه أن يتزوج ابنته : حالما يوفر شقة تمليك : وهذا هو شرطهم الوحيد :
حتى ولو ناما على الأرض !!.. ويبدو أن عصام قد استمسك (حرفيا) باتفاقه مع عمه !!!..
فباع أرضه .. وبقي له جزء يسير ليُحصل ثمن الشقة التمليك ... ثم ..........
ثم ينام على الأرض .........
>> هههههه ...
>< بالمناسبة يا أستاذ حامد .. أريد أن أتحدث معك على انفراد بعد انتهاء ورديتك مساء الليلة ..
>> إن شاء الله بالطبع ...
------------
(5)
# هه يا أستاذ حامد .. هل سترافقني للشقة ؟؟..
>> لا يا عصام .. اذهب أنت ولا تنس نصيبي من العشاء .. فأنا لا مال معي بعد ...
أما أنا : فسأذهب للأستاذ شكري كما طلب مني ظهرا ً... هل نسيت ؟؟..
# آآآآآآآه .. معك حق .. لقد نسيت أنه كان يريد محادثتك على انفراد الليلة ...
>> هل تعلم ماذا يكون السبب يا عصام ؟؟..
# لو صدق ظني .. فسوف يعطيك مالا لتنفق به على نفسك إلى نهاية الشهر ...
>> أووووووه !!.. أقصد : ما شاء الله ...!
# طبعا يا أستاذ حامد .. الأستاذ شكري قد ورث عن والده الكرم والمروءة والأخلاق ..
أظن أنكما ستتوافقان مع بعضكما البعض جدا مع الأيام ..
فهو متدين جدا مثلك ...
>> مثلي ؟؟..
# نعم مثلك .. فأنت لم تضيع صلاة واحدة اليوم في المسجد الصغير حتى في وقت العمل ..
اللهم إلا صلاة الفجر بالطبع .. وهذه أظن أنك كنت مرهقا جدا من أن تستيقظ لها ..
ولقد كنت أتمنى أن توقظني لها .. لقد كنت أرجو هذا صراحة من الله عز وجل ..
أن يجعل لي مَن يأخذ بيدي للصلاح وإلى الجنة .. فأرسلك إليّ ...
ولكن لولا العم صلاح أخبرني أنك لم تستيقظ لصلاة الفجر : ما كنت لأعرف ..
فلي سنوات للأسف لم أواظب عليها بالكلية .. سامحني الله ...
>> بالكلية ؟؟!!.. سامحك الله بالفعل يا عصام !!!!.. وماذا يفعل الذين لا يصلونها أصلا ؟!
ممممم .. لقد تأخرت ... لا أحب أن أبدأ لقائي مع الأستاذ شكري بتأخير ... هل تريد شيء ؟
# سؤال واحد فقط يا أستاذ حامد إذا سمحت .. ومعذرة على التطفل والفضول ...
>> تفضل يا عصام تفضل .. أنت دونا عن كل الناس تسألني ما تشاء وأنا أجيبك إن شاء الله ...
# بالأمس عندما طلبت مني أن أجد لك مكانا تنام فيه ولكن بشرط : أن يكون معك أحد في الغرفة :
فقد بررت لي ذلك بأنك تخاف من النوم وحدك !!!.. ولكن اعذرني يا أستاذ حامد :
فقد ظننت أن المتدينين لا يخافون لأنهم يشعرون أن الله معهم دوما ...
ثم أنت لا تبدو لي من معاملتك إلى اللحظة أنك من هذا النوع الذي يخاف من أن يكون بمفرده !!..
>> ممممم .. الحقيقة يا عصام ...... الحقيقة ....
نعم .. أنا لا أخاف ولم أخف في حياتي من النوم وحيدا ....
ولكني في هذه الأيام قد فقدت شخصا عزيزا عليّ بالفعل .. شخص : قد لازمته لسنوات في حياتي ....
وصراحة ً: لم أستطع النوم منفردا من ساعتها وإلى الآن : إلا أن أكون قلقا طوال الليل أفكر !
بل ومع التفكير : خوف ٌمن أن يظهر لي في المنام !!.. رغم أني لا أؤمن بهذه الأشياء !!..
# لا تؤمن بماذا ؟؟..
>> هه ؟؟!!.. لا شيء لا شيء .. المهم أن هذا كان السبب فعلا ... ولذلك :
فالأمس فقط هو أول ليلة نمتها كاملة ً بالفعل منذ أيام دون أية معاناة ... والشكر لك يا صديقي ....
# بل الشكر لله يا أستاذ حامد .. على العموم سأتركك الآن حتى لا تتأخر .. بالتوفيق ..
------------
(6)
>< وهل تتوقع مني أن أصدق قصتك يا حامد ؟؟.. هناك تفاصيل لا أستسيغ تركك لها ...
ولا أظن أن شخصا مثلك وبما لمسته منك من تعليم وثقافة : يكون بلا بطاقة لهذه الأسباب !!..
صدقني يا حامد .. رغم عمرنا المتقارب : إلا أنه يمكنك أن تعتبرني ذا خبرة كبيرة في حياة البشر !
والدي رحمه الله كان يصحبني معه في سفراته وتجاراته وفي المحل منذ صغري ..
حتى بت أقرأ الكثير من حقائق الناس بالنظر فقط في أعينهم ...
الغش والأمانة .. الكذب والصدق ..
>> وماذا رأيت في عيني يا أستاذ شكري ؟؟..
>< ممممم .. رأيت في عينيك أنك تمثل الظهور بمظهر مغاير لحقيقتك !!!.. صواب ؟؟؟..
>> ................................. صواب ...!
وهل رأيت شيئا آخرا ؟؟؟..
>< ممم .......... رأيت أنك هارب من شيء ما .. إما جريمة رسمية .. وإما مأساة تسببت أنت فيها !
صواب ؟؟؟..
>> .............................. همف همف ... صواب ...!
>< بكاؤك يعني أنك هارب من مأساة بالفعل ....
على العموم يا حامد – إن كان هذا اسمك - : يمكنك أن تفتح قلبك لي ...
نعم أنا لست كبيرا في السن بالصورة التي تؤهلني لذلك ولكن :
ثق تماما أني لدي من الخبرة ما يؤهلني لمساعدتك بالنصيحة والمشورة إن شاء الله ..
فلست أنت وحدك المتعلم والمثقف هنا ...
يمكنك فعل ذلك الآن إذا أردت .. أو يمكنك تأجيله لأي وقت آخر تجد فيه الرغبة في الكلام ..
>> لا يا أستاذ شكري .. بل سأفعل الآن ... ولكن ..
عاهدني أن لا تنصدم كثيرا مما ستسمعه للأسف .....
>< لا عليك .. هات ما عندك ...
-------------
(7)
>< ملحد !!!!..
بالفعل : لم أكن أتصور أن تقول هذه الكلمة قط فيما ستحكيه لي !!!!..
أما مأساتك مع زوجتك الخائنة وأخيك الذي مات بسببك : فهذه قضاءات من الله تعالى وقدره :
وقد انقضت ووقعت بالفعل .. وكن على يقين أنك لن تملك إرجاعها أبدا من جديد أو إصلاحها ...
وأما مسألة الإلحاد هذه : فهذه هي التي تملكها .. وهذه هي المصيبة الكبرى والطامة العظمى !!!!..
ملحد ؟؟!!!..
هذا وعصام المسكين يظنك متدينا وملتزما : وأنك مَن أرسله الله إليه ليأخذ بيده إلى الجنة ؟!!!..
هههههههه .... حقا ... صار كل مَن يراه الناس يقرأ في المصحف أو يصلي في المسجد : متدينا وملتزما !!
>> أعتذر أني فجعتك بحكايتي يا أستاذ شكري .. ولكن هذه هي قصتي صدقني ...
>< أصدقك يا حامد ... ودعني أدعوك بحامد فعلا :لعلها تكون بداية خير جديدة لك ..
بل بداية حياة بعدما كنت قاب قوسين أو أدنى من الانتحار ....!
>> وتعليقك ؟؟؟..
>< الذي في عقلي الآن تعليقين .. واعذرني لأني أصير مشوش الذهن في نهاية الليل ..
التعليق الأول :
هو ورغم أني لست عالم دين ولا ذرة :
إلا أني لا أعرف صراحة ً : كيف يستسيغ إنسان عاقل إنكار وجود الله تعالى بالكلية !!!..
فالأمر إما صدفة : وإما إله حكيم مريد فعال قادر خبير مبدع وخالق !!!..
وما نراه في أجسامنا وفي كل ما حولنا لا يمكن أن يكون صدفة أبدا !!!!...
إذا ً- وعن يقين – وبكل بساطة وبعيدا عن التفاصيل : يوجد إله خالق عز وجل ...!!
هذه هي الحقيقة الأساسية في العقل والبداهة والفطرة لو تعرف !!!..
أما كل ما قد يطرأ بعد ذلك من شكوك وشبهات :
فهو لا يرقى أبدا لدرجة اليقين مثل هذه الحقيقة الأولى !!!.. أبدا !!!!!..
وإنما غاية ما فيها : هو أن يُقال عنها أنها أشياء : لم يُعلم الإجابة عنها بعد !!..
أو : لها حكمة ولكنها : تخفى على عقولنا القاصرة !!..
وليس أدل على ذلك من أن بعض الناس يكتشف هذه الحكم بالفعل مع التفكر والتدبر ..
فعن نفسي : لا أعلم أسئلة لم يستطع العلماء الإجابة عليها لصالح الدين !!.. سواء علماء الشرع أو غيرهم ..
هذا كل ما في الأمر ...
ومعلوم أن العاقل لا يترك اليقين من أجل الشك أبدا !!!!...
فكيف تترك يا حامد يقين إيمانك بوجود الله عز وجل : بسبب شكوكك التي يكون مصدرها هو قصورك أنت ؟!!..
غريب !!!..
>> هذه سوف أجيبك عليها يا أستاذ شكري .. ولكن : وما هو تعليقك الثاني ؟؟..
>< تعليقي الثاني :
هو أنك ملحد نص نص !!!.. أي أنك : إلى الربوبي أقرب منك إلى الإلحاد ....
ورغم أني لست متمكنا من هذه المسائل ولم أقرأ فيها كثيرا :
إلا أنك ربوبي ومهما قلت غير ذلك !!!..
بل أنت متذبذب للأسف وذو نفسية متذبذبة بسبب مخاصمتك لفطرتك ودينك !!..
>> وما الذي جعلك متأكدا من هذه المسألة هكذا يا أستاذ شكري ؟؟..
>< النغائص يا حامد .. النغائص ..!!
نغائص الإيمان .. ونغائص الكفر ...!
>> لم أفهم شيئا !!.. ماذا تعني بالنغائص هنا ؟؟...
>< بسيطة يا حامد ..
نغائص الإيمان : هي أن يقع منك من التصرفات أو الأقوال والأفعال ما يناقض إيمانك بينك وبين نفسك !
أن تكذب .. أو تخون .. تسرق .. تظلم .. تقتل بغير حق .. تزني ..... إلخ ..
هذه هي نغائص الإيمان ...
وأما نغائص الكفر والإلحاد : فهو عندما يقع منك من التصرفات أو الأقوال أو الأفعال :
ما يناقض هذا الإلحاده وماديته وإنكار الخالق !!!!..
مثل أن تكون صادقا ًوتخسر ماديا ً!!.. أمينا ً!!.. عفيفا ً!!.. مخلصا ً!!.. مؤثرا لغيرك على نفسك !!.. وهكذا ..
فهنا : وكما تجد المؤمن الحقيقي المحب لله وللإيمان : يكره هذه التغائص ويتمنى أن لم تكن :
فكذلك الملحد الحق : أي الذي يهوى الإلحاد ويريده بالفعل والعياذ بالله :
تجده يتضايق إذا وقعت منه تلك النغائص الإلحادية التي تناقض ماديته المفترض أن يكون عليها !!!!..
وإذا وقع منه بعضها في بعض المواقف : سيلوم نفسه ويتضايق لأنه من المفترض لا يؤمن بإله ولا حساب !
وهذا ما لم ألاحظه في كلامك عن إلحادك يا حامد !!!..
بل شعرت أنك كنت (تدفع) نفسك دفعا لـ (تعيش) حياة الإلحاد بلوازمها وماديتها البغيضة :
ولكنك لم تستطع .. فشلت !!.. فشلت من خارجك !!.. وفشلت من داخلك أيضا !!..
فهل أنا على صواب ؟؟؟..
المؤمن : يسعد إذا ذكرته بلوازم إيمانه : وأنه لم يكن من المفترض أن يقع منه الشر ونغائص الإيمان ..
وكذلك الملحد الحق أيضا : يسعد إذا ذكرته بلوازم إلحاده : وأنه لم يكن من المفترض أن يقع منه خير لغيره !
فهل أنت كذلك يا أستاذ حامد ؟؟..
الإجابة عندك أنت وحدك : لتخبرني بها الآن ...
--------------
(8)
>> إذا أردت الحق يا أستاذ شكري : فلقد جرحت إيماني للأسف منذ زمان بعيد !!..
كانت بعض الشبهات في الدين نتيجة التفكير الزائد في مقابل الجهل الشرعي ...
أعتقد أن مسلمين عديدين تمر بهم شبهات في حياتهم عن الله تعالى وأقداره ..
وخصوصا في الأوقات العصيبة أو أوقات تأخر الدعاء ..
المشكلة عندي أن الأمر تخطى مجرد الحوار بيني وبين نفسي : أو بيني وبين صديق ..
المجتمع الذي نشأت فيه كان متحررا أكثر من اللازم للأسف ..
وكان الانقلاب فيه على كل قديم أو موروث : يتم تشجيعه سواء كان بحق أو بباطل !
كان الوالدين منشغلين عن حراسة باب عقل أولادهما !!!..
لا أتذكر يوما سألني فيه والدي : ماذا تقرأ ؟!!..
رغم أنه دكتور في جامعة وشبه مثقف !!!..
لا أعرف .. هل اعتبر ذلك التجاهل هو الحرية المنشودة أو نظام : جرب حياتك بنفسك ؟!
ولا أعرف ماذا كان شعوره عندما يراني أنتقد أشياء جوهرية في الدين !!..
هل كان ذلك في نظره هو علامة النبوغ ؟؟.. أو حرية الرأي والانفلات من أي تبعية ؟؟!!..
كل ذلك أستاذ شكري : لم يظل حبيسا في قلبي وعقلي وإنما :
سرعان ما وجدت في هذا العصر الحديث عصر الإنترنت : متنفسا لنشره للأسف !!!..
كم أتمنى اليوم لو لم يوجد إنترنت البتة !!!..
أعتقد أن شبهاتي كانت ستزول مع الوقت لأن جانب الدين ووجود الله بداخلي كان قويا ..
ولكن هيهات ...
خليط من أمراض النفس التي لم أتلقى المصل الواقي منها عن طريق التربية ولا التعليم !!!..
الغرور .. العجب بالنفس ..
الجهل الذي يتحول في عين صاحبه بقدرة قادر إلى عظمة وعبقرية لا يقدرها أحد !!!..
العناد حتى مع ظهور الحق .. حب الشهرة والتميز حتى ولو في الباطل !!..
كل تلك الأمراض مررت بها .. أو إن شئت قل : مرت هي بي لما وجدت استعدادا وغياب حماية !
وظل الأمر يتطور مع الأيام .. وفجوة إيماني في قلبي تتسع ..
حتى كانت الطامة .. وهي غياب الحياء من الله خالقي عز وجل !!!..
عندها :
شعرت أنه اتسع الخرق على الراقع !!.. وأنه لم يعد هناك أمل في العودة - أو هكذا بدا لي -
وأنه طالما لا عودة : إذا : فلا توقف حتى لا أكون خاسرا ممَن وقفوا في منتصف الطريق !!!..
لا نالوا من ثمرات الإيمان : ولا نالوا من ثمرات الإلحاد - حيث كنت أظن له ثمرات - !
وطوال السنين التي تلت ذلك :
وأنا أحاول جاهدا أن (أطبق) الإلحاد على نفسي وحياتي بحذافيره ..
لا أدري ..
أهي الرغبة في نول ثمرات موهومة للملحد الحق فعلا ؟!!.. أم هي محاولة نفسية لإثبات أني على حق :
والدليل : أني أعمل جاهدا في الطريق الذي اخترته لنفسي في الحياة : بلا خوف .. بلا ندم .. بلا عودة !
>< قصتك مؤثرة يا حامد .. ولا تعدو في نظري قصة من قصص ضياع الكثير من شبابنا في هذا العصر !
وكأني بها سيناريوهات تتكرر وتتشابه في مقدماتها ومراحلها : وإن اختلفت في محطاتها النهائية !!!..
فذلك انتهى به الحال باللادينية .. وذلك باللامبالاة أو اللا أدرية .. وذلك بالإلحاد .. وتلك بالعلمانية ..
وذلك بالتنصر : وما درى المسكين أن من ترك الإسلام فهو أفشل خلق الله على أن ينجح في غيره !!!..
ولكن قل لي يا حامد ...
ما هي حالتك الآن ؟؟.. هل صرت ربوبيا كما توقعت ؟؟.. أم لا زلت ملحدا ؟؟.. أم ماذا ؟؟..
>> إن قلت لك : فلن تصدقني يا أستاذ شكري !!!..
>< قل لي وسأصدقك .. فقد سمعت عجبا كثيرا اليوم !!.. يمكنك أن تجرب ...
>> الحال الذي أشعر أني أقرب إليه الآن هو ..........
هو ...........
هو أني كالمسلم العاصي المجروح في قلبه بذنب كبير لا يستطيع أن ينسى وجوده أو يتجاوزه !!!..
>< هذه أخبار جيدة .. وهي تفوق ما توقعت !!!!.. ولكن أريد تفاصيل ...
>> ليست هناك تفاصيل ..! لقد أخبرتك عما في قلبي بكل تلقائية ومن غير تحضير ..!!
أشعر أن وجود الله تعالى وصحة الإسلام : هي قضايا باتت يقينية في قلبي وعقلي ...
ولكن المشكلة لم تعد في ذلك ..
المشكلة صارت في البحث عن حالتي الإيمانية الأولى !!.. إيمان سن الطفولة والمراهقة الفطري ..
إيمان بلذة !!.. إيمان نظيف وصادق ومتحمس رغم الوقوع في بعض المعاصي !!!..
أشعر بأن هناك شيء ما قد انكسر في قلبي وإيماني ...
وأخشى ما أخشاه هو أن تصدق فيّ مقولة : ما ينكسر : لا يعود كما كان !!!..
>< ممممممم .. نعم .. ولكن : يمكنه أن يعود أفضل مما كان !!!..
ولا شيء على الله ببعيد !!!.. تفاءل فقط ولا تتشاءم طالما عرفت الحق ..
المهم .. أنت طمئنتني كثيرا بكلامك الأخير هذا يا حامد ..
وأرى أن كل ما تحتاجه الآن هي فترة استراحة واستجمام مع الوقت .. وحديث صادق مع النفس ..
ولكن قبل كل شيء :
يجب أن ترسل لأهلك رسالة على الأقل تطمئنهم عن نفسك فيها وأنك بخير ..
هذا لو لم تستطع الذهاب إليهم بنفسك .. ولكن أهم شيء : سواء ذهبت أنت أو أرسلت غيرك :
أن تحضر بطاقتك الشخصية بارك الله فيك .....
-----------
(9)
# استعد يا شيخ حامد .. لقد أخبرت الزملاء أنك من سيصلي بنا في المسجد الصغير إماما من الآن فصاعدا ..
>> هه ؟!!.. ماذا ؟!!.. لا لا لا .. أقصد .. أتعرف يا عصام ماذا أحب وماذا أتمنى ؟؟..
# ماذا يا أستاذ حامد ؟؟.. هل تريد الزواج مثلي أنت أيضا هههه ؟؟..
>> لا لا .. ولكني أحب وأتمنى أن أصلي خلف إمام حسن الصوت في القرآن ...
لي زمان لم أستمع لتلاوة عذبة للقرآن للأسف ((قطع الله دابر الشبهات التي أفقدتني لذة القرآن)) ..
# ماذا تقول يا أستاذ حامد ؟؟.. أية شبهات هذه التي تقصد ؟؟..
>> انظر يا عصام .. لقد كنت أقضي أوقاتا في الرد على شبهات بعض النصارى والمتخلفين عن القرآن ..
ولكثرة ما سمعت وقرأت في ذلك .. غابت حلاوة القرآن من قلبي للأسف والتلذذ به ..
حتى أني صرت أحوج ما يكون لتلاوة عذبة تعيد لي حلاوة سماع كلام الله من جديد واستشعار لذته وإعجازه ..
# رغم أنه لو انقطعت يدي فلن أفهم كثيرا مما قلت يا أستاذ حامد .. إلا أني فهمت أنك كنت تدافع عن الدين ..
وأنك تحتاج الآن لتلاوة عطرة للقرآن ....!
ممممممم .. حسنا ..
وبما أن وقتك في المخازن أفضل من وقتي .. والبحبوحة عندك أفضل من عندي ..
فالأمر سيكلفك عشر دقائق سيرا قبل كل صلاة : ومثلهن بعدها ...
هل ترى هذا الشارع هناك ...
>> نعم .. أراه ..
# إذا مشيت فيه لآخرة : ستجده مغلقا .. قم عندها بالسير يمينا حتى تخرج للشارع الرئيسي .. وهناك مسجد الفرقان ..
>> مممم .. هل هو مسجد جيد كما أتمنى ؟؟؟..
# الذي أعرفه وتأكدت منه بنفسي مرات معدودات قليلات : هو أن القائمين على الصلوات الجهرية فيه :
هم مجموعة متناوبة من الشيوخ الشباب من حفظة القرآن .. وكلهم أصواتهم ندية بالفعل ..
ولذلك تجد المسجد مكتظا في صلاتي المغرب والعشاء .. ولولا أنه مسجد كبير : ما كان اتسع للمصلين فيه ..
>> حسنا يا عصام .. وطالما أنت مَن رشحته لي : فأنا أثق في اختيارك ...
ادعو الله لي ...
# بل انت ادعو الله لي يا شيخ حاتم .. لم يتبق على حفل الزواج والبناء إلا قليل ههه .. وأنت أول المعزومين ..
----------
(10)
>< ما شاء الله ما شاء الله .. وجهك صار أكثر إشراقة يا حامد عن أول يوم رأيتك فيه ...
>> هذا بفضل الله ثم فضلك عليّ يا أستاذ شكري .. ومهما ذكرت لك : لن أوفيك حقك أنت وعصام ..
>< لا تبالغ .. لا تبالغ .. ولكن قل لي .. هل تحتاج مني أن أبحث لك عن أية كتب تقرأها ؟؟؟..
أعلم أنه قد تمر عليك أوقات في المخزن بلا عمل ولا انشغال ... هل تود ؟؟..
>> لا لا لا .. شكرا يا أستاذ شكري ..
إني أعيش هذه الأيام بعض بدايات طعم السعادة مع كتاب الله .. بل .. مع كلام الله ....!
مسجد الفرقان هذا مسجد فوق الممتاز بالفعل ... إني لأدعو لهؤلاء المجموعة من الشيوخ والشباب بالخير ..
تخيل أنهم شجعوني أكثر للاستيقاظ لصلاة الفجر والذهاب للصلاة فيه !!..
صلاة الفجر هذه : طعم خاص جدا .. سبحان الله .. لا تساويها لا مغرب ولا عشاء !!!..
وقد تعودت ألا أنام بعد العودة منها أيضا ... ولأول مرة في حياتي أشعر بمعنى كلمة البركة في البكور !!..
ذكرتني عندما كنت أبكر بالاستيقاظ أيام امتحانات المرحلة الثانوية للمذاكرة .. كان وقتا مباركا وطويلا بالفعل !
رغم أنه هو هو في عدد ساعاته مقارنة بأي وقت آخر مثله من اليوم !!..
>< بشرك الله بالخير يا حامد .. الآن فسرت لي سر تلك الهمة والإنجاز في الأسبوعين الأخيرين هههه ...!
ومساهمة من عندي : لا بأس إن أردت أن تتأخر هناك قليلا بعد الصلاة .. أو تذهب إليهم باكرا قبل الصلاة والزحام ..
>> جزاك الله خيرا .. أيضا فكرتك للتواصل مع أهلي ولو من بعيد : كان لها تأثير إيجابي كبير في نفسي ..
فإلى حد ما قد خف الشعور بالذنب بداخلي .. واستطعت النوم في هدوء ..
>< أتعرف يا حامد .. أفكر لو تبدأ في محاولة حفظ القرآن مع هؤلاء الشيوخ من مسجد الفرقان ..
أعتقد أنهم يقرأون القرآن بالترتيب .. صواب ؟؟..
>> لا للأسف .. لقد ظننت ذلك أنا أيضا .. ولكنهم كثيرا ما يعرقلون الترتيب ..
وكثيرا ما يعيدون أجزاء كاملة من قصة موسى عليه السلام والسحرة .. ومن سورة الجن ...
>< ههههههههه .. هل يحضرون عفاريت أم ماذا ؟؟... هذا أمر غريب .....!!
>> هههههه .. عفاريت ... ربما ...
------------
بقلم أبو حب الله ..
----
" التفكير في الموت : أعاد لي صوابي " !!..
---------
(1)
>> ضائع ٌ أنا ......................
وجائع !!..
إما أن أحزم أمري وأرمي نفسي الآن أمام أقرب سيارة لينتهي كل شيء :
وإما أن أبحث لي عن عشاء لبطني الخاوية منذ الصباح !!..
لأكثر من 12 ساعة وأنا أتردد بين حسم أمري للموت .. أو للحياة !!..
هل هو الخوف الداخلي بالفعل من الله تعالى أن يحاسبني على كفري به وما اقترفته من بلايا ؟!
أن يحاسبني على الانتحار ؟؟...
أم هو الخوف من ألم الموت نفسه ؟؟!!..
لا بد أن أعترف أني ...................................جبااااااااااان !!!..
ماذا لو لم أمت في التو واللحظة وبدلا من ذلك : تألمت وتعرضت للإصابة فقط ؟!!..
مشكلة وورطة بالفعل لو وقع ذلك !!..
أتذكر صديقا لي في كلية الصيدلة أخذته الشفقة بالضفدع المسكين في قسم التشريح العملي !
فلا هو الذي قتله بالمشرط !!.. ولا هو الذي تركه ليعيش سليما !!!..
وإنما دفعته الشفقة ليتركه بعدما قطع نصف رقبته بالفعل بالمشرط !!!..
يا لها من شفقة أتت في الوقت الغير مناسب !!!..
نسيت أن أسأل صاحبي وقت أن حكى لي ذلك : وماذا فعل الضفدع ؟!!!..
مممم .. يبدو سؤالا غبيا ً!!!.. ولكن ... ما الذي جعلني أتذكر كل ذلك الآن ؟!!..
مشكلة حقيقة ً لو وقع لي نفس ما وقع للضفدع !!!..
برررررر .. أظن هذه القشعريرة التي جرت في أوصالي ستمنعني من قتل نفسي الآن !
أكاد لا أتخيل أني لن أرى هذا العالم مرة أخرى .. الصبح .. الشمس .. الليل .. الناس .. الحياة !
هي صدمة واحدة .. لحظة واحدة .. ثم سيذهب كل شيء !!!..
ولكن .. ماذا سأفعل الآن إن جبنت عن قتل نفسي ؟؟.. وكيف ومن أين سأأكل :
وأنا الذي نسيت حتى أخذ حافظة نقودي وقت هروبي من البيت والأهل ؟!!..
لابد أن أعصر عقلي الآن من التفكير حتى لا أسرق أو ....... أتسول !!..
ربما داخل هذا السوبر ماركت الكبير هناك ستنحل عقدتي !!!..
------------
(2)
>> السلام عليكم ..
# وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. ماذا تطلب يا أستاذ ؟؟.. بسكويت أم فينو أم كرواسو ؟
>> ممممممم .. لا .. لم آت لأشتري .. ولكني أود سؤالك سؤالا واحدا فقط إذا سمحت ...
# تفضل .. ولكن أي سؤال فني : سأنادي لك أحد الخبازين لأني مختص فقط بالميزان والحساب ..
>> لا لا لا .. ليس سؤالا فنيا .. وإنما .............. قل لي إذا سمحت :
ماذا تفعلون ببقايا المخبوزات هذه هناك والتي لم تبع ؟؟.. ذلك الفينو والبسكويت والكرواسو ؟؟..
أظنهم - ومن ملمسهم المتيبس - لهم أكثر من يوم على الأرجح لم يشتريهم أحد ؟؟.. صواب ؟..
# نعم .. صواب .. ولكن ........... هل لديك أنت مشكلة في هذا ؟؟!!!..
>> لا ليس لدي مشكلة ولكن ....
أردت فقط أن أخبرك إذا كنتم ستقومون بالتخلص منهم أو بعضهم : فأنا أريدهم !!!..
لي يوم تقريبا لم أضع شيئا في بطني والله يا أخي ... أرجوك ..................
# ......................... ( !!! )
>> أعرف أعرف .. لا تنظر لي ولا لنظافة سترتي !!.. يمكنك أن تقول أني تعرضت لموقف ما ..!
موقف صعب .....
# انظر يا أستاذ ... صراحة ً : أنا لا أصدقك 100 % !!..
قد تكون متسولا بموضة جديدة !!.. أو قد يكون صاحب السوبر ماركت قد أرسلك لتختبرني !!..
أو قد تكون شيئا آخرا لا أعرفه ..! ولكن الخلاصة : يمكنك أن تجرب ما تريده في محل آخر !!..
فأنا لدي مشاكلي هنا بالفعل : في الحسابات وفي المعاملة وفي أشياء أخرى ..!!
سامحني يا أستاذ إن كنت قد صدقت معي .. أو : مت غيظا إن كنت تكذب عليّ ...!
وأرجوك الآن أن تتنحى جانبا : وحتى أمارس عملي مع الزبائن القادمين هناك .. تفضل ..
...........................
..........................................
# ماذا من جديد ؟؟!!.. صدقني يا أستاذ : سأبدأ في الشك فيك ..
وذلك لأنه هناك احتمال ثالث لم أذكره لك حياء ً.. والآن سأقوله لك ولا بد .. وهو أنك :
قد تكون لصا !!!.. نعم .. والآن .. هل ما زلت تغامر بالوقوف والحديث معي هنا ؟؟..
أتعجب أنك تفعل ذلك : وأنت ترى كاميرا المراقبة هناك ؟؟.. أم لعلك لم تلاحظها ؟!!..
>> لقد رأيتها يا أخي رأيتها (( وهذه هي المشكلة )) ...!
# ماذا قلت ؟؟.. لم أسمعك ؟؟..
>> لا عليك .. لا عليك .. انظر يا أخي .. جئت لأستأذنك في شيء للمرة الأخيرة :
فلا تردني خائبا ً أرجوك .. اعمل عمل خير تلقاه أمام الله يوم الحساب ...!!
# وما هو ذلك الشيء الذي جئت لتستأذنني فيه هذه المرة ؟؟.. عجيب !!..
>> سأخبرك بكل صراحة عما أنوي فعله ...
سوف أمثل أني أشاهد هذه المخبوزات هناك وأعاينها .. ثم سآكل منها واحدة أو اثنتين فقط ..
أو حتى ثلاث !.. وأعدك أن كل ذلك سيكون من هذه المخبوزات التي مضى عليها أكثر من يوم ..
ثم سآتي إليك منها بكيس وكأني سأشتريه .. ولكن عندما أتيك :
سأمثل أني فوجئت أنه ليس معي نقود .. ثم سأترك الكيس عندك وسأمضي لحالي ....
اتفقنا يا أخي ؟؟.. هل لديك أي اعتراض أو ضرر ؟؟.. هي مخبوزات بائتة على أي حال ..
أرجوك ......
# يبدو أن الأمر حقيقي !!.. شخص مثلك وفي ملابسك تلك ويقول مثل هذا الكلام والدمع في عينيه !
اذهب يا أستاذ ... اذهب ولا تدع أحدا ًينتبه لما تفعل ..... سبحان الله العظيم !!..
...............................
..............................................
>> بكم هذا الكيس إذا سمحت ؟؟؟..
# بخمسة جنيهات ..
>> هاه !!.. خمسة جنيهات ؟!!.. هذا بائت ..!! لا بأس .. سأشتريه ......
ممممم .. يبدو أني نسيت حافظة نقودي في البيت .. حسنا .. دع الكيس عندك حتى آتيك بنقودي ..
السلام عليكم ... وجزاك الله خيرا كثيرا .. شكرا ... بل لا أعرف كيف أشكرك !!..
# أستاذ .. أستاذ .. خذ الكيس معك .. وعندما تملك النقود : ائتني بها ....
>> هه ؟!!.. لا لا .. شكرا ..!! (( لم نتفق على هذا ! )) ... أقصد .. ربما تعرضت للمشاكل ..
ومن أين لي بخمسة جنيهات الآن حتى آتيك بها !!..
# ليس بالضرورة الليلة .. ولا حتى غدا ً.. ارجع وقت أن تكون معك ... بالتوفيق ..
>> حسنا حسنا .. كم أنت كريم يا رب !!.. عيني كانت متعلقة بالكيس وتكاد أن تنخلع عليه !
شكرا لك .. شكرا لك .........!
--------------
(3)
>> الحمد لله .. نلت أكثر مما كنت أتمنى !!.. كيسا بأكمله !!!..
يا لعجيب القدر !!!.. صار كيس ٌمن المخبوزات البائتة : هو غاية أمنياتي في ليلة من الليالي ؟!!!..
أي حال هذا الذي صرت إليه ؟؟!!..
ماذا فعلت بنفسي ؟؟..
أرى أن أحسم أمري سريعا .. فإما الموت وأنا على هذا الضياع : وإما العيش كريما !!!..
لم أعتد على العيش فقيرا هكذا أبدا !!!.. أبدا !!!!..
ولكن للأسف ... ما زالت صورة الضفدع ماثلة في خيالي مما حكاه صديقي لي !!!..
ماذا لو لم أمت سريعا تحت عجلات السيارة ؟؟..
هل أفكر في السفر إلى الإسكندرية مثلا ؟؟.. أرى أن الغرق في البحر أسرع وألطف ..!!
دقيقتان أو ثلاث من الاختناق كافيين وخصوصا وأني لا أستطيع السباحة ...! ولكن ...............
كيف سأسافر من غير نقود ؟؟... بل :
ماذا لو صادف حظي العاثر أن تواجدت سمكة مفترسة أو متوحشة أو كبيرة هناك :
وفي البقعة تماما التي سأقفز فيها ؟!!..
أعلم أنها صدفة بعيدة الوقوع ومُبالغ في قدراتها ووقتها ومكانها ولكن ... ماذا لو وقعت بالفعل ؟..
فهذه هي (بعض) إمكانيات الصدفة التي آمنت بها لطيلة سنوات ٍمن حياتي ..! ماذا لو تحققت أخيرا ؟!
والمشكلة أنها حياة واحدة فقط لأفقدها .. وبالتأكيد لحظة الموت ونهاية هذه الحياة فيها هي لحظة فريدة !
فماذا لو قابل هذه اللحظة الفريدة : سمكة فريدة أيضا في نفس الموضع الذي سألقي فيه نفسي !
برررررر !!.. فكرة الانتحار فكرة سمجة بالفعل ومخيفة ...!
لماذا لا يكون الأمر أسهل من ذلك ؟.. ضغطة ماوس مثلا أو أحد الأزرار على لوحة المفاتيح ؟!!..
أنا على يقين أني سأقضي أحلامي الليلة بين عجلات السيارات حيا !!.. أو ممضوغا بين أسنان قرش !
أو الأدهى والأمر أن هذا سيكون مصيري (الأبدي) في النار إذا حاسبني الله عليه بالفعل !!!..
كل الطرق سوداوية للأسف !!!..
ولكن ... فلأدع كل ذلك جانبا لأستمتع ولو قليلا بهذه الوجبة التي لم تخطر على بالي قط !
# يا أستاذ .. يا أستاذ ...
>> ؟؟؟!!!..
حسنا يا أخي .. يؤسفني أن أقول لك أنه فات وقت التراجع عن الصدقة ..!!
فلقد أكلت نصف الكيس بالفعل !!!..
# الحمد لله أني أدركتك قبل أن تأكل النصف الثاني ...
>> هه ؟!!.. هل أنت جاد في استردادك لصدقتك ؟؟!!.. لقد كنت أمزح ؟؟؟..
ألا تعلم أن العائد في صدقته : هو كالوالغ في قيئه أو شيء بهذا المعنى : لا أتذكر !!
# لا لا .. لقد فهمتني خطأ وظننت بي سوءا !!!..
خذ هذه القطعة من الجُبن .. أعتقد أن الطعم سيكون بها أفضل .. أليس كذلك ؟
>> آها !!.. لماذا لم تقل هذا من أول مرة .. بل : لماذا تأخرت للآن يا رجل !!!..
على العموم هي لافتة طيبة منك .. جزاك الله خيرا ....
# بالهناء والشفاء يا أستاذ ... صراحة ً.. كلامك وأخلاقك وتدينك قد أثروا فيّ كثيرا !!..
والحمد لله أن صح توقعي ووجدتك هنا على الرصيف لم تبتعد ...
فقد صح ظني أنه ليس لديك مأوى أيضا ربما .. صواب ؟؟..
>> مممم .. نعم .. صواب .. ولكن أسألك أولا : عن أي أخلاق وتدين تتحدث ؟؟!!..
# انظر يا أستاذ ... هذا الشخص الذي أمامك :
كنت أحيانا كثيرة أختلس من طعام قسم المخبوزات للأسف : ودون أن أستأذن من أحد !
وذلك : رغم أن صاحب السوبر ماركت أو المحل نفسه قد أخبرنا بأنه علينا الاستئذان أولا :
وأنه لن يمانع أبدا طالما كنا نتناول منه بالحد المعقول ..
ولكني كنت أخون الأمانة للأسف .. وكثيرا ما أكلت من المخبوزات بغير علمه بل وبغير جوع !
والليلة :
تأتيني أنت لتعلمني هذا الدرس الكبير القاسي : وأنت جائع !!.. بل : وفي غاية الجوع : فتستأذن !!!!..
صدقني يا أستاذ : لقد بكيت فجأة بعدما غادرت أنت المحل عندما تفكرت في حالي وحالك وقارنت بينهما !
فقررت ساعتها أن أتيك بهذه القطعة الجبن .. ولا تخف .. هي على حسابي ...
>> عجيب !!!.. أنت تتعلم مني !!..
(( وماذا لو علمت أني لم أكن لأفعل ما فعلت لولا وجود كاميرات المراقبة !! ))
# صدقني يا أستاذ .. أنت أعطيتني درسا بأن الإنسان المحترم : يبقى محترما مهما تغيرت به الظروف !
أنت إنسان محترم .. وبقيت كذلك رغم ظروفك .. أما أنا فلقد كنت محترما .. ولكني تغيرت كثيرا للأسف !
كلما امتحنني الله تعالى ببعض الظروف : فضحني أمام نفسي أكثر وأظهر لي حقيقة ضعفي أمام عيني !
>> لو صح كلامك أخي : فأنا وأنت الآن مدينان باعتذار لصاحب السوبر ماركت !!!..
أنت لأخذك منه بغير استئذان .. وأنا لأني استأذنت من الإنسان الخطأ !!.. لأنك لست مالكه !
# أعدك يا أستاذ أعدك .. غدا صباحا سوف أعتذر لصاحب المحل : وسأعتذر لك أيضا ..
سأخبره بكل شيء .. وسأخبره بالذي حدث ...
بل وسأخبره بحالك أيضا والضيقة التي تمر بها : فربما جعلك تعمل وتبيت معنا !!!..
ما رأيك ؟؟؟..
>> هل أنت جاد أنه يمكنه أن يعطيني عملا ومكانا لأبيت فيه ؟؟؟..
# نعم نعم .. إن شاء الله .. فهو لا يحب في هذه الدنيا مثل الإنسان الأمين ....
يمكن أن يعطيك وظيفة محاسب في المحل أو أحد فروعه طالما شكلك متعلم ومثقف ..
بالتأكيد ستكون أفضل مني .. فأنا بالكاد تخرجت من الإعدادية .. وهذه السنة الثانية لي بعد الجيش ..
>> أدعو الله أن يكتب لي الخير على يديك ... صدقني : لا أعرف كيف أشكرك هذه الليلة ..
# بالمناسبة يا أستاذ .. ما اسمك ؟؟..
>> اسمي حا...... .. حا........
# حا....... ماذا ؟؟.. هل نسيت من الجوع ؟!!.. حامد ؟؟..
>> نعم .. نعم .. يمكنك أن تناديني حامد ... وأنت .. ما اسمك ؟؟..
# عصام السيد .. اسمي عصام يا أستاذ حامد .. ولعلها تكون معرفة خير إن شاء الله ..
أرجوك أن تبيت معنا الليلة في الغرفة لنتعلم منك الأدب والدين : بدلا من الفساد الذي نعيشه !
--------------
(4)
>< حسنا يا أستاذ حامد .. ستستلم عملك في المخازن من بعد العصر إن شاء الله ..
سوف أختبرك بنفسي لمدة يومين حتى أتأكد من مهارتك في التخزين والتدوين والحساب ..
وأما من ناحية الأمانة : فيكفيني الموقف الذي حكاه لي عصام .. ولكن رجاء :
أن تأتيني ببطاقتك الشخصية في أقرب وقت حتى أقوم بتسجيلك معنا :
وحتى لا نتعرض نحن ولا أنت للمساءلة إذا وقع أي تفتيش .. أنا لا أحب المخالفات أبدا !
ولولا الضيقة الشديدة التي تمر بها كما يقول عصام : ما أبقيتك معنا هنا إلا ببطاقتك الشخصية ..
ولكن خيرا إن شاء الله .. فمفتش التموين يعرفني معرفة خاصة .. ولن يشك فيك وأنت معنا ..
# شكرا يا أستاذ شكري شكرا .. والله نعم الابن أنت للحاج إبراهيم رحمه الله ...
>< رحمه الله ...
>> وأنا أشكرك أيضا يا أستاذ شكري .. وسعيد أن عمرك قريب من عمري ..
لقد ظننت لوهلة أن صاحب هذا السوبر ماركت هو بالضرورة رجل كبير في السن ..
# هو كان كذلك كما أخبرتك يا أستاذ حامد : وإلى أن توفاه الله ..
والخير والبركة الآن في ابنه الأستاذ شكري .. هو خريج تجارة حسابات ..
>> تقصد تجارة قسم محاسبة ...
>< نعم يا أستاذ حامد .. ودعني أناديك حامد بغير ألقاب .. والآن :
سوف يقوم عصام بتجهيز سرير وخزانة ملابس خاصين بك في الغرفة أعلى السوبر ماركت ..
وأعتذر إن كنت نمت بالأمس على الأرض .. فلم أكن أعلم بأمرك إلا صباح اليوم باكرا ..
>> على الأرض !!!.. لقد رفض عصام رفضا تاماأن ينام هو على سريره وأنام أنا على الأرض !!
وهذا موقف آخر لن أنساه له ما حييت ...
# لا تهتم يا أستاذ حامد لا تهتم .. فلقد تعودت على ذلك منذ زمان بعيد ...
لا تنس أني كنت في الجيش منذ عامين .. ولا تنس أني سأتزوج قريبا وسأنام على الأرض أيضا !
>< ههههههه .. عصام اتفق مع عمه أن يتزوج ابنته : حالما يوفر شقة تمليك : وهذا هو شرطهم الوحيد :
حتى ولو ناما على الأرض !!.. ويبدو أن عصام قد استمسك (حرفيا) باتفاقه مع عمه !!!..
فباع أرضه .. وبقي له جزء يسير ليُحصل ثمن الشقة التمليك ... ثم ..........
ثم ينام على الأرض .........
>> هههههه ...
>< بالمناسبة يا أستاذ حامد .. أريد أن أتحدث معك على انفراد بعد انتهاء ورديتك مساء الليلة ..
>> إن شاء الله بالطبع ...
------------
(5)
# هه يا أستاذ حامد .. هل سترافقني للشقة ؟؟..
>> لا يا عصام .. اذهب أنت ولا تنس نصيبي من العشاء .. فأنا لا مال معي بعد ...
أما أنا : فسأذهب للأستاذ شكري كما طلب مني ظهرا ً... هل نسيت ؟؟..
# آآآآآآآه .. معك حق .. لقد نسيت أنه كان يريد محادثتك على انفراد الليلة ...
>> هل تعلم ماذا يكون السبب يا عصام ؟؟..
# لو صدق ظني .. فسوف يعطيك مالا لتنفق به على نفسك إلى نهاية الشهر ...
>> أووووووه !!.. أقصد : ما شاء الله ...!
# طبعا يا أستاذ حامد .. الأستاذ شكري قد ورث عن والده الكرم والمروءة والأخلاق ..
أظن أنكما ستتوافقان مع بعضكما البعض جدا مع الأيام ..
فهو متدين جدا مثلك ...
>> مثلي ؟؟..
# نعم مثلك .. فأنت لم تضيع صلاة واحدة اليوم في المسجد الصغير حتى في وقت العمل ..
اللهم إلا صلاة الفجر بالطبع .. وهذه أظن أنك كنت مرهقا جدا من أن تستيقظ لها ..
ولقد كنت أتمنى أن توقظني لها .. لقد كنت أرجو هذا صراحة من الله عز وجل ..
أن يجعل لي مَن يأخذ بيدي للصلاح وإلى الجنة .. فأرسلك إليّ ...
ولكن لولا العم صلاح أخبرني أنك لم تستيقظ لصلاة الفجر : ما كنت لأعرف ..
فلي سنوات للأسف لم أواظب عليها بالكلية .. سامحني الله ...
>> بالكلية ؟؟!!.. سامحك الله بالفعل يا عصام !!!!.. وماذا يفعل الذين لا يصلونها أصلا ؟!
ممممم .. لقد تأخرت ... لا أحب أن أبدأ لقائي مع الأستاذ شكري بتأخير ... هل تريد شيء ؟
# سؤال واحد فقط يا أستاذ حامد إذا سمحت .. ومعذرة على التطفل والفضول ...
>> تفضل يا عصام تفضل .. أنت دونا عن كل الناس تسألني ما تشاء وأنا أجيبك إن شاء الله ...
# بالأمس عندما طلبت مني أن أجد لك مكانا تنام فيه ولكن بشرط : أن يكون معك أحد في الغرفة :
فقد بررت لي ذلك بأنك تخاف من النوم وحدك !!!.. ولكن اعذرني يا أستاذ حامد :
فقد ظننت أن المتدينين لا يخافون لأنهم يشعرون أن الله معهم دوما ...
ثم أنت لا تبدو لي من معاملتك إلى اللحظة أنك من هذا النوع الذي يخاف من أن يكون بمفرده !!..
>> ممممم .. الحقيقة يا عصام ...... الحقيقة ....
نعم .. أنا لا أخاف ولم أخف في حياتي من النوم وحيدا ....
ولكني في هذه الأيام قد فقدت شخصا عزيزا عليّ بالفعل .. شخص : قد لازمته لسنوات في حياتي ....
وصراحة ً: لم أستطع النوم منفردا من ساعتها وإلى الآن : إلا أن أكون قلقا طوال الليل أفكر !
بل ومع التفكير : خوف ٌمن أن يظهر لي في المنام !!.. رغم أني لا أؤمن بهذه الأشياء !!..
# لا تؤمن بماذا ؟؟..
>> هه ؟؟!!.. لا شيء لا شيء .. المهم أن هذا كان السبب فعلا ... ولذلك :
فالأمس فقط هو أول ليلة نمتها كاملة ً بالفعل منذ أيام دون أية معاناة ... والشكر لك يا صديقي ....
# بل الشكر لله يا أستاذ حامد .. على العموم سأتركك الآن حتى لا تتأخر .. بالتوفيق ..
------------
(6)
>< وهل تتوقع مني أن أصدق قصتك يا حامد ؟؟.. هناك تفاصيل لا أستسيغ تركك لها ...
ولا أظن أن شخصا مثلك وبما لمسته منك من تعليم وثقافة : يكون بلا بطاقة لهذه الأسباب !!..
صدقني يا حامد .. رغم عمرنا المتقارب : إلا أنه يمكنك أن تعتبرني ذا خبرة كبيرة في حياة البشر !
والدي رحمه الله كان يصحبني معه في سفراته وتجاراته وفي المحل منذ صغري ..
حتى بت أقرأ الكثير من حقائق الناس بالنظر فقط في أعينهم ...
الغش والأمانة .. الكذب والصدق ..
>> وماذا رأيت في عيني يا أستاذ شكري ؟؟..
>< ممممم .. رأيت في عينيك أنك تمثل الظهور بمظهر مغاير لحقيقتك !!!.. صواب ؟؟؟..
>> ................................. صواب ...!
وهل رأيت شيئا آخرا ؟؟؟..
>< ممم .......... رأيت أنك هارب من شيء ما .. إما جريمة رسمية .. وإما مأساة تسببت أنت فيها !
صواب ؟؟؟..
>> .............................. همف همف ... صواب ...!
>< بكاؤك يعني أنك هارب من مأساة بالفعل ....
على العموم يا حامد – إن كان هذا اسمك - : يمكنك أن تفتح قلبك لي ...
نعم أنا لست كبيرا في السن بالصورة التي تؤهلني لذلك ولكن :
ثق تماما أني لدي من الخبرة ما يؤهلني لمساعدتك بالنصيحة والمشورة إن شاء الله ..
فلست أنت وحدك المتعلم والمثقف هنا ...
يمكنك فعل ذلك الآن إذا أردت .. أو يمكنك تأجيله لأي وقت آخر تجد فيه الرغبة في الكلام ..
>> لا يا أستاذ شكري .. بل سأفعل الآن ... ولكن ..
عاهدني أن لا تنصدم كثيرا مما ستسمعه للأسف .....
>< لا عليك .. هات ما عندك ...
-------------
(7)
>< ملحد !!!!..
بالفعل : لم أكن أتصور أن تقول هذه الكلمة قط فيما ستحكيه لي !!!!..
أما مأساتك مع زوجتك الخائنة وأخيك الذي مات بسببك : فهذه قضاءات من الله تعالى وقدره :
وقد انقضت ووقعت بالفعل .. وكن على يقين أنك لن تملك إرجاعها أبدا من جديد أو إصلاحها ...
وأما مسألة الإلحاد هذه : فهذه هي التي تملكها .. وهذه هي المصيبة الكبرى والطامة العظمى !!!!..
ملحد ؟؟!!!..
هذا وعصام المسكين يظنك متدينا وملتزما : وأنك مَن أرسله الله إليه ليأخذ بيده إلى الجنة ؟!!!..
هههههههه .... حقا ... صار كل مَن يراه الناس يقرأ في المصحف أو يصلي في المسجد : متدينا وملتزما !!
>> أعتذر أني فجعتك بحكايتي يا أستاذ شكري .. ولكن هذه هي قصتي صدقني ...
>< أصدقك يا حامد ... ودعني أدعوك بحامد فعلا :لعلها تكون بداية خير جديدة لك ..
بل بداية حياة بعدما كنت قاب قوسين أو أدنى من الانتحار ....!
>> وتعليقك ؟؟؟..
>< الذي في عقلي الآن تعليقين .. واعذرني لأني أصير مشوش الذهن في نهاية الليل ..
التعليق الأول :
هو ورغم أني لست عالم دين ولا ذرة :
إلا أني لا أعرف صراحة ً : كيف يستسيغ إنسان عاقل إنكار وجود الله تعالى بالكلية !!!..
فالأمر إما صدفة : وإما إله حكيم مريد فعال قادر خبير مبدع وخالق !!!..
وما نراه في أجسامنا وفي كل ما حولنا لا يمكن أن يكون صدفة أبدا !!!!...
إذا ً- وعن يقين – وبكل بساطة وبعيدا عن التفاصيل : يوجد إله خالق عز وجل ...!!
هذه هي الحقيقة الأساسية في العقل والبداهة والفطرة لو تعرف !!!..
أما كل ما قد يطرأ بعد ذلك من شكوك وشبهات :
فهو لا يرقى أبدا لدرجة اليقين مثل هذه الحقيقة الأولى !!!.. أبدا !!!!!..
وإنما غاية ما فيها : هو أن يُقال عنها أنها أشياء : لم يُعلم الإجابة عنها بعد !!..
أو : لها حكمة ولكنها : تخفى على عقولنا القاصرة !!..
وليس أدل على ذلك من أن بعض الناس يكتشف هذه الحكم بالفعل مع التفكر والتدبر ..
فعن نفسي : لا أعلم أسئلة لم يستطع العلماء الإجابة عليها لصالح الدين !!.. سواء علماء الشرع أو غيرهم ..
هذا كل ما في الأمر ...
ومعلوم أن العاقل لا يترك اليقين من أجل الشك أبدا !!!!...
فكيف تترك يا حامد يقين إيمانك بوجود الله عز وجل : بسبب شكوكك التي يكون مصدرها هو قصورك أنت ؟!!..
غريب !!!..
>> هذه سوف أجيبك عليها يا أستاذ شكري .. ولكن : وما هو تعليقك الثاني ؟؟..
>< تعليقي الثاني :
هو أنك ملحد نص نص !!!.. أي أنك : إلى الربوبي أقرب منك إلى الإلحاد ....
ورغم أني لست متمكنا من هذه المسائل ولم أقرأ فيها كثيرا :
إلا أنك ربوبي ومهما قلت غير ذلك !!!..
بل أنت متذبذب للأسف وذو نفسية متذبذبة بسبب مخاصمتك لفطرتك ودينك !!..
>> وما الذي جعلك متأكدا من هذه المسألة هكذا يا أستاذ شكري ؟؟..
>< النغائص يا حامد .. النغائص ..!!
نغائص الإيمان .. ونغائص الكفر ...!
>> لم أفهم شيئا !!.. ماذا تعني بالنغائص هنا ؟؟...
>< بسيطة يا حامد ..
نغائص الإيمان : هي أن يقع منك من التصرفات أو الأقوال والأفعال ما يناقض إيمانك بينك وبين نفسك !
أن تكذب .. أو تخون .. تسرق .. تظلم .. تقتل بغير حق .. تزني ..... إلخ ..
هذه هي نغائص الإيمان ...
وأما نغائص الكفر والإلحاد : فهو عندما يقع منك من التصرفات أو الأقوال أو الأفعال :
ما يناقض هذا الإلحاده وماديته وإنكار الخالق !!!!..
مثل أن تكون صادقا ًوتخسر ماديا ً!!.. أمينا ً!!.. عفيفا ً!!.. مخلصا ً!!.. مؤثرا لغيرك على نفسك !!.. وهكذا ..
فهنا : وكما تجد المؤمن الحقيقي المحب لله وللإيمان : يكره هذه التغائص ويتمنى أن لم تكن :
فكذلك الملحد الحق : أي الذي يهوى الإلحاد ويريده بالفعل والعياذ بالله :
تجده يتضايق إذا وقعت منه تلك النغائص الإلحادية التي تناقض ماديته المفترض أن يكون عليها !!!!..
وإذا وقع منه بعضها في بعض المواقف : سيلوم نفسه ويتضايق لأنه من المفترض لا يؤمن بإله ولا حساب !
وهذا ما لم ألاحظه في كلامك عن إلحادك يا حامد !!!..
بل شعرت أنك كنت (تدفع) نفسك دفعا لـ (تعيش) حياة الإلحاد بلوازمها وماديتها البغيضة :
ولكنك لم تستطع .. فشلت !!.. فشلت من خارجك !!.. وفشلت من داخلك أيضا !!..
فهل أنا على صواب ؟؟؟..
المؤمن : يسعد إذا ذكرته بلوازم إيمانه : وأنه لم يكن من المفترض أن يقع منه الشر ونغائص الإيمان ..
وكذلك الملحد الحق أيضا : يسعد إذا ذكرته بلوازم إلحاده : وأنه لم يكن من المفترض أن يقع منه خير لغيره !
فهل أنت كذلك يا أستاذ حامد ؟؟..
الإجابة عندك أنت وحدك : لتخبرني بها الآن ...
--------------
(8)
>> إذا أردت الحق يا أستاذ شكري : فلقد جرحت إيماني للأسف منذ زمان بعيد !!..
كانت بعض الشبهات في الدين نتيجة التفكير الزائد في مقابل الجهل الشرعي ...
أعتقد أن مسلمين عديدين تمر بهم شبهات في حياتهم عن الله تعالى وأقداره ..
وخصوصا في الأوقات العصيبة أو أوقات تأخر الدعاء ..
المشكلة عندي أن الأمر تخطى مجرد الحوار بيني وبين نفسي : أو بيني وبين صديق ..
المجتمع الذي نشأت فيه كان متحررا أكثر من اللازم للأسف ..
وكان الانقلاب فيه على كل قديم أو موروث : يتم تشجيعه سواء كان بحق أو بباطل !
كان الوالدين منشغلين عن حراسة باب عقل أولادهما !!!..
لا أتذكر يوما سألني فيه والدي : ماذا تقرأ ؟!!..
رغم أنه دكتور في جامعة وشبه مثقف !!!..
لا أعرف .. هل اعتبر ذلك التجاهل هو الحرية المنشودة أو نظام : جرب حياتك بنفسك ؟!
ولا أعرف ماذا كان شعوره عندما يراني أنتقد أشياء جوهرية في الدين !!..
هل كان ذلك في نظره هو علامة النبوغ ؟؟.. أو حرية الرأي والانفلات من أي تبعية ؟؟!!..
كل ذلك أستاذ شكري : لم يظل حبيسا في قلبي وعقلي وإنما :
سرعان ما وجدت في هذا العصر الحديث عصر الإنترنت : متنفسا لنشره للأسف !!!..
كم أتمنى اليوم لو لم يوجد إنترنت البتة !!!..
أعتقد أن شبهاتي كانت ستزول مع الوقت لأن جانب الدين ووجود الله بداخلي كان قويا ..
ولكن هيهات ...
خليط من أمراض النفس التي لم أتلقى المصل الواقي منها عن طريق التربية ولا التعليم !!!..
الغرور .. العجب بالنفس ..
الجهل الذي يتحول في عين صاحبه بقدرة قادر إلى عظمة وعبقرية لا يقدرها أحد !!!..
العناد حتى مع ظهور الحق .. حب الشهرة والتميز حتى ولو في الباطل !!..
كل تلك الأمراض مررت بها .. أو إن شئت قل : مرت هي بي لما وجدت استعدادا وغياب حماية !
وظل الأمر يتطور مع الأيام .. وفجوة إيماني في قلبي تتسع ..
حتى كانت الطامة .. وهي غياب الحياء من الله خالقي عز وجل !!!..
عندها :
شعرت أنه اتسع الخرق على الراقع !!.. وأنه لم يعد هناك أمل في العودة - أو هكذا بدا لي -
وأنه طالما لا عودة : إذا : فلا توقف حتى لا أكون خاسرا ممَن وقفوا في منتصف الطريق !!!..
لا نالوا من ثمرات الإيمان : ولا نالوا من ثمرات الإلحاد - حيث كنت أظن له ثمرات - !
وطوال السنين التي تلت ذلك :
وأنا أحاول جاهدا أن (أطبق) الإلحاد على نفسي وحياتي بحذافيره ..
لا أدري ..
أهي الرغبة في نول ثمرات موهومة للملحد الحق فعلا ؟!!.. أم هي محاولة نفسية لإثبات أني على حق :
والدليل : أني أعمل جاهدا في الطريق الذي اخترته لنفسي في الحياة : بلا خوف .. بلا ندم .. بلا عودة !
>< قصتك مؤثرة يا حامد .. ولا تعدو في نظري قصة من قصص ضياع الكثير من شبابنا في هذا العصر !
وكأني بها سيناريوهات تتكرر وتتشابه في مقدماتها ومراحلها : وإن اختلفت في محطاتها النهائية !!!..
فذلك انتهى به الحال باللادينية .. وذلك باللامبالاة أو اللا أدرية .. وذلك بالإلحاد .. وتلك بالعلمانية ..
وذلك بالتنصر : وما درى المسكين أن من ترك الإسلام فهو أفشل خلق الله على أن ينجح في غيره !!!..
ولكن قل لي يا حامد ...
ما هي حالتك الآن ؟؟.. هل صرت ربوبيا كما توقعت ؟؟.. أم لا زلت ملحدا ؟؟.. أم ماذا ؟؟..
>> إن قلت لك : فلن تصدقني يا أستاذ شكري !!!..
>< قل لي وسأصدقك .. فقد سمعت عجبا كثيرا اليوم !!.. يمكنك أن تجرب ...
>> الحال الذي أشعر أني أقرب إليه الآن هو ..........
هو ...........
هو أني كالمسلم العاصي المجروح في قلبه بذنب كبير لا يستطيع أن ينسى وجوده أو يتجاوزه !!!..
>< هذه أخبار جيدة .. وهي تفوق ما توقعت !!!!.. ولكن أريد تفاصيل ...
>> ليست هناك تفاصيل ..! لقد أخبرتك عما في قلبي بكل تلقائية ومن غير تحضير ..!!
أشعر أن وجود الله تعالى وصحة الإسلام : هي قضايا باتت يقينية في قلبي وعقلي ...
ولكن المشكلة لم تعد في ذلك ..
المشكلة صارت في البحث عن حالتي الإيمانية الأولى !!.. إيمان سن الطفولة والمراهقة الفطري ..
إيمان بلذة !!.. إيمان نظيف وصادق ومتحمس رغم الوقوع في بعض المعاصي !!!..
أشعر بأن هناك شيء ما قد انكسر في قلبي وإيماني ...
وأخشى ما أخشاه هو أن تصدق فيّ مقولة : ما ينكسر : لا يعود كما كان !!!..
>< ممممممم .. نعم .. ولكن : يمكنه أن يعود أفضل مما كان !!!..
ولا شيء على الله ببعيد !!!.. تفاءل فقط ولا تتشاءم طالما عرفت الحق ..
المهم .. أنت طمئنتني كثيرا بكلامك الأخير هذا يا حامد ..
وأرى أن كل ما تحتاجه الآن هي فترة استراحة واستجمام مع الوقت .. وحديث صادق مع النفس ..
ولكن قبل كل شيء :
يجب أن ترسل لأهلك رسالة على الأقل تطمئنهم عن نفسك فيها وأنك بخير ..
هذا لو لم تستطع الذهاب إليهم بنفسك .. ولكن أهم شيء : سواء ذهبت أنت أو أرسلت غيرك :
أن تحضر بطاقتك الشخصية بارك الله فيك .....
-----------
(9)
# استعد يا شيخ حامد .. لقد أخبرت الزملاء أنك من سيصلي بنا في المسجد الصغير إماما من الآن فصاعدا ..
>> هه ؟!!.. ماذا ؟!!.. لا لا لا .. أقصد .. أتعرف يا عصام ماذا أحب وماذا أتمنى ؟؟..
# ماذا يا أستاذ حامد ؟؟.. هل تريد الزواج مثلي أنت أيضا هههه ؟؟..
>> لا لا .. ولكني أحب وأتمنى أن أصلي خلف إمام حسن الصوت في القرآن ...
لي زمان لم أستمع لتلاوة عذبة للقرآن للأسف ((قطع الله دابر الشبهات التي أفقدتني لذة القرآن)) ..
# ماذا تقول يا أستاذ حامد ؟؟.. أية شبهات هذه التي تقصد ؟؟..
>> انظر يا عصام .. لقد كنت أقضي أوقاتا في الرد على شبهات بعض النصارى والمتخلفين عن القرآن ..
ولكثرة ما سمعت وقرأت في ذلك .. غابت حلاوة القرآن من قلبي للأسف والتلذذ به ..
حتى أني صرت أحوج ما يكون لتلاوة عذبة تعيد لي حلاوة سماع كلام الله من جديد واستشعار لذته وإعجازه ..
# رغم أنه لو انقطعت يدي فلن أفهم كثيرا مما قلت يا أستاذ حامد .. إلا أني فهمت أنك كنت تدافع عن الدين ..
وأنك تحتاج الآن لتلاوة عطرة للقرآن ....!
ممممممم .. حسنا ..
وبما أن وقتك في المخازن أفضل من وقتي .. والبحبوحة عندك أفضل من عندي ..
فالأمر سيكلفك عشر دقائق سيرا قبل كل صلاة : ومثلهن بعدها ...
هل ترى هذا الشارع هناك ...
>> نعم .. أراه ..
# إذا مشيت فيه لآخرة : ستجده مغلقا .. قم عندها بالسير يمينا حتى تخرج للشارع الرئيسي .. وهناك مسجد الفرقان ..
>> مممم .. هل هو مسجد جيد كما أتمنى ؟؟؟..
# الذي أعرفه وتأكدت منه بنفسي مرات معدودات قليلات : هو أن القائمين على الصلوات الجهرية فيه :
هم مجموعة متناوبة من الشيوخ الشباب من حفظة القرآن .. وكلهم أصواتهم ندية بالفعل ..
ولذلك تجد المسجد مكتظا في صلاتي المغرب والعشاء .. ولولا أنه مسجد كبير : ما كان اتسع للمصلين فيه ..
>> حسنا يا عصام .. وطالما أنت مَن رشحته لي : فأنا أثق في اختيارك ...
ادعو الله لي ...
# بل انت ادعو الله لي يا شيخ حاتم .. لم يتبق على حفل الزواج والبناء إلا قليل ههه .. وأنت أول المعزومين ..
----------
(10)
>< ما شاء الله ما شاء الله .. وجهك صار أكثر إشراقة يا حامد عن أول يوم رأيتك فيه ...
>> هذا بفضل الله ثم فضلك عليّ يا أستاذ شكري .. ومهما ذكرت لك : لن أوفيك حقك أنت وعصام ..
>< لا تبالغ .. لا تبالغ .. ولكن قل لي .. هل تحتاج مني أن أبحث لك عن أية كتب تقرأها ؟؟؟..
أعلم أنه قد تمر عليك أوقات في المخزن بلا عمل ولا انشغال ... هل تود ؟؟..
>> لا لا لا .. شكرا يا أستاذ شكري ..
إني أعيش هذه الأيام بعض بدايات طعم السعادة مع كتاب الله .. بل .. مع كلام الله ....!
مسجد الفرقان هذا مسجد فوق الممتاز بالفعل ... إني لأدعو لهؤلاء المجموعة من الشيوخ والشباب بالخير ..
تخيل أنهم شجعوني أكثر للاستيقاظ لصلاة الفجر والذهاب للصلاة فيه !!..
صلاة الفجر هذه : طعم خاص جدا .. سبحان الله .. لا تساويها لا مغرب ولا عشاء !!!..
وقد تعودت ألا أنام بعد العودة منها أيضا ... ولأول مرة في حياتي أشعر بمعنى كلمة البركة في البكور !!..
ذكرتني عندما كنت أبكر بالاستيقاظ أيام امتحانات المرحلة الثانوية للمذاكرة .. كان وقتا مباركا وطويلا بالفعل !
رغم أنه هو هو في عدد ساعاته مقارنة بأي وقت آخر مثله من اليوم !!..
>< بشرك الله بالخير يا حامد .. الآن فسرت لي سر تلك الهمة والإنجاز في الأسبوعين الأخيرين هههه ...!
ومساهمة من عندي : لا بأس إن أردت أن تتأخر هناك قليلا بعد الصلاة .. أو تذهب إليهم باكرا قبل الصلاة والزحام ..
>> جزاك الله خيرا .. أيضا فكرتك للتواصل مع أهلي ولو من بعيد : كان لها تأثير إيجابي كبير في نفسي ..
فإلى حد ما قد خف الشعور بالذنب بداخلي .. واستطعت النوم في هدوء ..
>< أتعرف يا حامد .. أفكر لو تبدأ في محاولة حفظ القرآن مع هؤلاء الشيوخ من مسجد الفرقان ..
أعتقد أنهم يقرأون القرآن بالترتيب .. صواب ؟؟..
>> لا للأسف .. لقد ظننت ذلك أنا أيضا .. ولكنهم كثيرا ما يعرقلون الترتيب ..
وكثيرا ما يعيدون أجزاء كاملة من قصة موسى عليه السلام والسحرة .. ومن سورة الجن ...
>< ههههههههه .. هل يحضرون عفاريت أم ماذا ؟؟... هذا أمر غريب .....!!
>> هههههه .. عفاريت ... ربما ...
------------
(11)
# يفكون السحر ولبس الجن ؟!!.. هذا ما لم أتوقعه أبدا ...! لم يخبرني أحد بذلك من قبل ...
>> الأمر يتم بهدوء تماما يا عصام ودونما أي رغبة في الظهور أو الإعلان عن أنفسهم أو التكسب ..
يفعلونه لوجه الله ... وأنا أيضا لم أنتبه لذلك في الأسابيع الأولى رغم ملاحظتي تكرار تلاوتهم لآيات معينة ..
# آيات السحر ؟؟..
>> نعم .. بمعدل كل يومين أو ثلاثة أيام .. إلى أن كانت تلك الليلة ..
# وماذا حدث فيها يا أستاذ حامد ؟؟.. أرجو لو كان شيئا مخيفا ألا تقصه عليّ لأني لن أنام بعدها هههه ..
>> لا تخف ..
في تلك الليلة وصلت قبل صلاة المغرب بخمس دقائق .. وشعرت أني أود الجلوس والاسترخاء في بيت الله :
ولم أقرأ القرآن كعادتي في استغلال تلك الدقائق قبيل الصلاة ... وأثناء ذلك :
لفت نظري شاب طويل عادي المظهر .. دخل فصلى ركعتين نفل ولكنه في التشهد الأخير :
كان يلتفت برأسه يمينا ويسارا بشكل ملاحظ وغريب وسريع !!.. وأخذ ذلك منه وقتا إلى أن سلم ..
ثم بعد تسليمه : أخذ يهز رأسه بطريقة غريبة يمنة ويسرة وكأنه ينظر إلى ناس لا نراهم !!!..
واستمر على هذا الحال إلى أن أقيم للصلاة ...
أكثر ما جذبني هو شكله العادي جدا قبل هذه الحركات ... ثم بعد الصلاة : تعمدت أن أراقبه ...
فإذا به يجلس ويحرك رأسه بهذه الصورة الغريبة : إلى أن جاءه الشيخ الشاب الذي صلى بنا وكأنه ينتظره ..
وهنا ...
أخذه من يده بهدوء بعدما سلم عليه .. ثم سارا معا لشيخ في الأربعينات في آخر المسجد ...
ثم دخلوا جميعا إلى حجرة المكتبة أو ما شابه ...
وانتظرت هناك لمدة عشر دقائق عسى أن أسمع شيئا أو أن يخرج أحدهم : فلم أرى أو ألحظ شيئا ..
فمضيت خوفا من التأخر على العمل ...
# وماذا حدث بعد ذلك ؟؟..
>> لن تصدق ... هههه ..
# قل لي ؟
> لقد سألت بعض المصلين : وعرفت منهم أن الشيوخ يعالجون من السحر ولبس الجن ...
فجمعت أمري وشجاعتي وتحدثت مع أحد الشيوخ الشباب واسمه الشيخ ياسر ..
وطلبت منه أن أحضر إحدى الجلسات وأن هذا أمر هام جدا بالنسبة لي : فوافق !!!.. بشرط :
أن أتحلى بأذكار الصباح والمساء ولا أفرط فيها أبدا بجانب وردي اليومي من القرآن لأحصن نفسي ..
# لا أصدق !!!.. هل ستحضر جلسة علاج السحر أو إخراج جن ؟!!..
> نعم إن شاء الله ... إنها تجربة مهمة جدا في حياتي يا عصام ..
إنها لمحة من عالم الغيب وعالم ما وراء المادة الذي ينكره البعض للأسف ...
ولا أريد أن أحرم نفسي من هذه الإطلالة التي ربما لا تتكرر !!..
----------
(12)
== كاميرا تصوير فيديو ؟ هل جننت يا أستاذ حامد ؟؟..
>> والله يا شيخ ياسر أنت لا تدري ماذا يمكن أن يحدث من خير عميم خلف هذا التصوير ...
أنتم كنز يا رجل !!!!..
تصوير هذه الجلسات كفيل بإيقاظ عشرات الغافلين والغارقين في مستنقع الإلحاد من غفلتهم !!!..
حسنا يا شيخ ياسر .. سأخبرك شيئا ...
لقد ابتلاني الله تعالى بمصيبة الإلحاد لفترة ليست بالقليلة للأسف ... ولله الحمد خرجت منها قريبا ...
وصدقني : مررت بفترات كنت أتمنى لو أرى فيها أي شيء أو دليل (غير مادي) يخرجني من (مادية) الإلحاد !
هل فهمتني الآن ؟؟؟..
== لا حول ولا قوة إلا بالله .. تعالى هنا يا أستاذ حامد .. اجلس هنا إذا سمحت ....
انظر يا أخي الطيب ... سألخص لك كلامي في نقاط ... ولعلك تفهمه وتقتنع به إن شاء الله ..
أولا :
الآيات والمعجزات ليست سببا للإيمان .. وإنما هي مساعدات لمن يريد الإيمان أو يحترم عقله ..
ولذلك فالله تعالى يصرفها إلى أقوام بما علمه فيهم :
فينفع بعضا بها وهم المؤمنين ويزيد حجته على البعض الآخر المعاند وهم الكافرين !.. ولو كانت سببا للإيمان :
لكان آمن كل مَن رأى معجزات الأنبياء رأي العين .. عصا موسى عليه السلام وهي تلقف إفك السحرة ..
شفاء عيسى للأكمه والأبرص وإحيائه الموتى بإذن الله .. قرآن الإسلام وانشقاق القمر والإسراء ...
ولكن الذي وقع هو العكس تماما !!!.. فكان أكثر مَن شاهدوا وعاينوا : هم الذين عاندوا واستكبروا وكفروا !!..
ثانيا :
إذا كانت مشكلة الملحد المنكر لله : هي في عدم إيمانه بالغيبيات أو ما وراء المادة :
فهذا غباء ما بعده غباء !!!.. ونعم : قد يكون تعرضه لحالة لبس أو سحر أو تعرض قريب له سببا في يقظته ولكن :
لا تعول كثيرا على ذلك للأسف .. لأن أغلب الكفر هو عناد وهوى ..
والمعاند وصاحب الهوى لديه القدرة على قلب الحقائق وتبريرها بما يريد !!!..
فقوم موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام : لما أعجزتهم معجزاتهم وآياتهم : قالوا عنهم أنهم سحرة !
وأوهموا أنفسهم بصحة هذه الحجة رغم الفارق الكبير بين السحر وبين المعجزات التي يعجز عنها الجن والإنس !!!!..
وعلى هذا :
فالنت واليوتيوب وبعض البرامج التافهة : قامت بعمل تمثيليات وتقليد لحالات خروج الجن وتلبسه ...
والنتيجة : أن هذه المسألة بحد ذاتها صارت محل تشكيك لدى العوام والجهلة ومن لا علم له بها ولم يعاينها بنفسه !
فما أسهل - والوضع هكذا - أن يقابلك الملحد بحجة أن ما ستعرضه عليه هو (تمثيل) وليس حقيقي !!!..
وهو صادق في هذا الشك .. وإن كان مخطئا في إنكاره لأنه متواتر واقعي بين مختلف الأمم مؤمنهم وكافرهم ..
وأما إذا أراد شيئا غيبيا أو روحيا أو لا ماديا : وكان صادقا في طلبه :
لكفاه أمر الأحلام والرؤى المستقبلية التي تتحقق !!!..
فهذه أكثر انتشارا وتنوعا بين الناس .. وأعجز لدعاة المادة والإلحاد على التفسير إلا بالغيب مثل المؤمنين !
بل يكفيه أن الإنسان لا يكون إنسانا ولا حتى حيوانا إلا بعلاقته بالغيب التي تميزه في إدراكه واستدلاله بعكس الجماد الحسي !
يكفيه أنه لا يتخيل ولا يحلم إلا ما فيه روح !!!.. ألا ترى القط وهو نائم كيف يتحرك ويحلم مثل الإنسان ؟!!!..
ولكن ماذا تفعل في صاحب الهوى الذي لا يكفيه ألف دليل : في حين طالب الحق يكفيه دليل واحد فقط ؟..
ثالثا وأخيرا :
وهل تظن يا هداك الله أن مسألة تصوير أبناء وبنات الناس في تلك الحالات من الصرع واللبس : هو بهذه البساطة ؟
هل تظن أنهم - أو أهلهم - سيوافقونك هكذا على التصوير والنشر ؟؟؟..
ألا ترى معي أن في ذلك إيذاء لهم ولخصوصياتهم ولمرضهم عفاهم الله وشفاهم ؟..
>> ممممم .. فعلا والله .. حقا ما قلته يا شيخ ياسر فتح الله عليك .. كل كلامك صواب ما شاء الله ..
إذن .. وداعا لفكرة التصوير .... ولكن طلب أخير يا شيخ ياسر إذا سمحت ...
== تفضل يا أخي ...
>> هل يمكن أن تقبلوني مساعدا لكم ؟؟.. يمكنني أن أتدبر أمر تأخري بعض الليالي والأوقات مع صاحب العمل ..
== والسبب ؟؟!!..
>> لا أخفي عليك يا شيخ ياسر ... أنا أبحث عن تقوية إيماني من جديد ...
أبحث عن سبيل لقتل كل بقايا الباطل في داخلي : وزيادة كل بذور الخير وترسيخها في قلبي بارك الله فيك ..
== وهل تظن أنك بحضورك معنا ستصيب هذا الهدف يا أستاذ حامد ؟؟..
من خبرتي المتواضعة بالناس ومن قراءتي في كتب الخاصة والقلوب والرقائق : لا أرى ما تظنه يا صديقي ..
>> وماذا ترى يا شيخ ؟؟.. بماذا تنصحني وأنا أدين لك به بقية عمري ..؟
== الموت .....
>> أنتحر ؟!!!!!!!..
== هههههه .. لا يا أخي ... قصدت أن تقترب من الموت ...
أن تلمسه .. تقف بجواره .. تعاين الداخلين إليه .. التاركين لدنيا الزور والغرور ....
>> لم أفهم يا شيخ ياسر ؟؟.. ماذا تريدني أن أفعل بالضبط ؟؟..
== هل لديك مانع إذا قمت بمساعدة الشيخ أيمن في تغسيل الموتى ؟؟؟...
----------
(13)
# السلام عليكم يا أستاذ شكري ...
>< وعليكم السلام يا عصام .. هل هناك شيء ؟؟.. هل تريد مني شيئا ؟؟..
# كنت أريد التحدث لدقائق فقط مع الأستاذ حامد إذا سمحت ..
وأعتذر عن مقاطعة مراجعتكما للحسابات .. ولكنه أمر ضروري قبل سفري لإجازتي مساء الغد للبلد ....
>< حسنا يا عصام .. لا إشكال ..
اجلس معه يا حامد .. وأنا سأنتظر أختي هنا .. فربما وصلت الآن في حاجة لها ...
>> ماذا هنالك يا عصام ؟؟.. هل تريد مني شيئا ؟؟؟..
>< نعم يا أستاذ حامد .. هو شيء بدأته منذ عدة شهور تقريبا ولا يعرفه أحد .. ولا أثق إلا بك ..
>> ما هو ؟؟..
>< مع النفحة الإيمانية التي عشتها مؤخرا ومعك خصوصا :
قررت أن أتردد عصر كل يوم جمعة تقريبا على جمعية الأيتام التي في شارع بهجت ..
أشاركهم تارة باللعب معهم .. أو بشراء بعض الألعاب البسيطة لهم .. أو بعض الحلوى والملابس والأدوية ..
وكل ذلك على قدر المستطاع ..
ووالله يا أستاذ حامد : لا تدرك مدى تعلقي بهم جميعا .. ومدى البركة التي كانت تحل علي بسببهم ..!
حتى أني لمست عن صدق وعن قرب فعلا : كيف أنه لا ينقص مال من صدقة كما أخبرتني عن النبي ..
المهم حتى لا أطيل عليك :
رغم أني قررت أن يكون ذلك الأمر سرا بيني وبين ربي .. إلا أن غيابي لمدة الشهر الذي قد يزيد قليلا :
جعلتني مضطرا لإخبارك بذلك لتقوم بسد مكاني عنهم بارك الله فيك ..
وأرجو أن أكون قد أهديتهم بهدية أفضل مني : ألا وهو أنت يا أستاذ حامد ... فهل لديك مانع ؟
>> سبحان الله العظيم يا عصام !!!.. وهل يرفض مثل هذا الخير العميم أحد ؟؟..
بل أنت الذي لك كامل الشكر والتحية والمنة علي أن دللتني على هذه الفكرة التي لم تخطر ببالي ..
يكفيك يا رجل أنك شغلتني في يوم عطلتي بما يفيد .... < وأنا الذي كنت أتساءل أين تختفي كل جمعة > ؟!
# حسنا .. اتفقنا يا أستاذ حامد .. ستذهب معي عصر الجمعة غدا لأعرفك عليهم ...
وبهذا أقضي إجازتي السنوية في البلد وفي الاتفاق على أثاث الزواج وتشطيب الشقة وأنا مطمئن ...
جزاك الله خيرا ... وموعدنا غدا إن شاء الله .....
حسنا يا أستاذ شكري .. أنهيت حديثي مع الأستاذ حامد .. وأنا أعتذر لك كثيرا عن هذه العطلة ..
وأرجو منك الدعاء لي بالتوفيق في سفري مساء غد وفي إجازتي ...
>< لا بأس يا عصام .. وبارك الله فيك ولك وحفظك من كل سوء في سفرك وفي بلدك حتى ترجع ..
>> أين كنا يا أستاذ شكري ؟؟..
>< ممممم .. هنا .. عند هذه العلامة .. 20 أغسطس .. أكمل معي الحساب من هنا ...
>> أنا سأقرأ لك صافي الدخل : وأنت راجعه بـ .............
-*- السلام عليكم ؟؟؟..
>< أهلا بالأستاذة الكبيرة هبة .... ما كل هذا التأخير ؟؟؟..
-*- أعتذر .. ولكني كنت أحاول محاولة أخيرة مع اللاب توب تغنيني عن هذا المشوار أو تعطيلك ..
>< يا أختي العزيزة .. لا عطلة ولا شيء .. هذا مكتب كمبيوتر لأحد أصدقائي وسوف يتوصى بي ..
-*- فقط أرجوك أن تركز معه على سرعة التصليح .. البحث كله بداخل اللاب توب وتقديمه غدا ..
ولم أحتفظ بأي نسخة كاملة منه للأسف إلا التي في اللاب توب ..
وأخشى لو تأخر في إصلاحه أن يضيع كل مجهودي في الماجستير .. كلما أتذكر ذلك أبكي ...
>< لا تبكين يا هبة .. وجيد أنك ترتدين النقاب الآن ههههههه ...
>> هل يمكنني تقديم أي مساعدة يا أستاذ شكري ؟؟.. أرى أخت حضرتك في وقت سيء وظرف حرج ؟
>< هل لك في تصليح اللاب توبات ؟؟.. أم تفسد الأمر وعندها لن يكفيني طردك < أمزح معك >
>> أريد أن أتعرف على المشكلة أولا لأرى ....
>< حسنا .. هذا هو الأستاذ حامد الذي حدثتك عنه يا هبة .. يمكنك أن تشرحي له المشكلة بالضبط ؟
>> أهلا بك يا أستاذ حامد ... سأشرح لك الأمر المعقد باختصار ...
كل بحثي في صورته النهائية قبل التنسيق الأخير : هو على القرص الثاني (d) من اللاب توب ..
مؤخرا وقعت مشاكل فيروسات كثيرة : وقد أهملت في تتبعها وعلاجها خوفا من ضياع ملفات عملي :
ولكني مهددة الآن بسبب هذا الإهمال للأسف بضياع كل شيء ...
لا مانع عندي من عمل تهيئة للقرص الأول للنظام (c) .. بل اللاب توب فيه إمكانية استعادة النظام :
وهو يقوم بصورة تلقائية بمسح وتهيئة ذلك القرص : وعدم المساس بالقرص الثاني الذي عليه بحثي ...
>> حسنا .. وما المشكلة الآن ؟؟.. لماذا لا تقومين بعمل استرجاع للنظام ؟؟..
-*- لا أعرف .. الزر الذي من المفترض الضغط عليه عند بدأ الجهاز ودخول النظام لا يعمل ..
ولا أعرف السبب للأسف ...
المشكلة الحقيقية هنا هو خوفي إذا تجاوزت هذه المشكلة : أن يكون بحثي قد تأثر بالفايروسات ..
أو يضيع أو لا يمكنني فتحه على الجهاز مرة أخرى ... ولذلك أردت متخصصا يساعدني كما أخبرني أخي ..
>> هل يمكنني أن أرى الجهاز ؟؟..
-*- تفضل ...
>> همممممممممم ..
حسنا .. المشكلة ليست في هذا الزر تحديدا .. المشكلة في لوحة مفاتيح اللاب توب نفسها ...!
ما لا يقل عن ستة أزرار هي لا تعمل !!!.. ولا أعرف كيف كنت تقومين بعمل بحثك بواسطته ؟!!!..
>< هذه المشاكل أكيد بسبب أختنا الصغيرة هالة ههههه .. هي الوحيدة التي تكتب بيديها وقدميها على الجهاز !
-*- والحل ؟؟؟..
>> سهل .. سأقوم بتوصيل لوحة مفاتيح الجهاز المكتبي للأستاذ شكري باللاب توب ... وستعمل إن شاء الله ..
-*- فكرة عبقرية .......... تماما كما حكى عنك حامد ....
>< يا أستاذة هبة ....... هذه أسرار بارك الله فيك ... !
-*- آسفة ...
>> ها هو الجهاز قد عاد الآن .. وسوف يقوم باستعادة النظام .. ولكن بسبب تخوفاتك ..
فسوف أقوم بعملية احتياطية أخرى تضمن لك ملف بحثك قبل أي شيء ..
دقائق سأشتري وصلة يو إس بي من المحل هناك وآتي ...
>< يا أستاذة هبة أحرجتيني !.. ترى حامد ذكي .. وأنا حذرتك ...
-*- اعذرني أخي .. أول مرة أقابله وجها لوجه بهذا القرب .. وخصوصا وأنا متوترة بسبب مشكلة الجهاز ..
التفكير عندي مضطرب ...
>< صدقيني : هو أنسب إنسان فيمَن حولنا أراه يصلح لأن يكون زوجا لك ...
حاله في تحسن من يوم إلى يوم .. ولكأنه يولد في كل يوم ولادة جديدة !!!..
أخلاقه ما شاء الله .. ويحمل ذنب التائب ووزر العائد إلى الله في كل وقت .. وهذا رأي كل مَن حوله كذلك ..
ثم الميزة الكبرى التي تجعله رقم واحد من بين الملايين : أنه عقيم مثلك !!!.. أراها صدفة لن يصدقها عندما يسمعها !
صدفة تضاهي الصدف المزعومة التي كان يراها في إلحاده ههه .. أستغفر الله !.. بل هو قدر الله ومشيئته .. المهم يا هبة :
أنا لكي أستطيع أن ألمح له بموضوع الزواج : أريد تفكيرا وطريقة مناسبين .. وخصوصا إذا تمت ترقيته إن شاء الله ..
لا أريده أن يشعر أن الأمر كالمساومة ...! فهو إنسان كفء بالفعل وأمين وجدير بالترقية ........ وبالزواج ..
ها هو قادم .. لا تفضحينا يا هبة وإلا أخبرت أبيك ههههه ..
>< ماذا أحضرت يا بطل ؟؟..
>> سأقوم بفك اللاب توب وأستخرج الهارد وأصله باليو إس بي على جهازك المكتبي كأي هارد خارجي :
ثم نستخرج ملف الأستاذة هبة لتطمئن .. ثم سأعيد كل شيء إلى ما كان عليه بإذن الله ...
>< حسنا حسنا .. بالتوفيق يا رجل ...
>> طب والحساب ؟؟..
>< سأخصمه من المرتجعات التي عليك ههههه ....
----------
(14)
^^ هل لديك مانع أن أجلس معك قليلا يا أخ حامد ؟؟؟..
>> تفضل يا عم فتحي تفضل .. الملجأ ملجأكم هههه .. أنا الذي حللت ضيفا عليكم ....
^^ أبدا أبدا يا أستاذ ... أنت منذ الأسبوع الثاني الذي زرتنا فيه : وقد شعر الجميع أنك معنا منذ سنوات !
وهذا قبول رزقك الله به : ويضعه الله لأحبائه في الدنيا ويُحبب فيهم الناس ...
>> الحمد لله ... هذا من لطيف كلامك يا عم فتحي .. وأنا أقل من ذلك بكثير .. لي شهر فقط معكم ..
^^ ولكنه في عين أولئك الأيتام هو كالعمر الذي يمر ....
أنت لا تتخيل مدى تعلقهم بك بعدما تتركهم في كل مرة .. ومدى انتظارهم لك في كل جمعة ....
لو أخبرتك : لبكيت ....
>> أنا أبكي الآن من قبل أن تخبرني يا عم فتحي ......!
هل تعلم .......
مممممم .. هل تعلم أني محروم من أن يكون لي ولد ؟؟؟.. فأنا عقيم ...
^^ لا حول الله يا رب .....
>> يا عم فتحي : قل : لا حول ولا قوة إلا بالله .. ولا تقل : لا حول الله ...
لا حول الله : تعني ان الله تعالى لا حول له ولا قوة !!!.. وأما لا حول ولا قوة إلا بالله :
ترجع كل حول وكل قوة في الحقيقة لله .. فعليه نتوكل .. وبه نستعين ...
^^ أصبت يا أستاذ حامد .. أنا آسف .. لم أعرف هذه المعلومة ... ولكني عرفت الآن لماذا تبكي ..
>> لماذا ؟؟..
^^ ألم تقل أنك حرمت من أن يكون لك ولد ؟؟..
>> نعم .. نعم .. ولكن هذا ليس سبب بكائي يا عم فتحي .. آسف إن تداخلت العبارتان فظننت ذلك ..
أنا أبكي لسبب آخر كلما جلست لأنظر للأطفال وهم يلعبون ويجرون أمامي ...
^^ ولماذا تبكي عندما تراهم هكذا ؟؟..!
>> لأني أقوم بتغسيل الموتى يا عم فتحي ............................!
لقد استعصت على قلبي عشرات الأسلحة والمفاتيح لسنوات ...... وهزمني الموت يا عم فتحي .....!
التفكير في الموت : أعاد لي صوابي .. غسل قلبي من كل بقايا ضلالات الأفكار وسفسطات المسفسطين ..!
لقد ساعدت في تغسيل وغسلت أحد عشر ميتا إلى الآن ...
وفي كل مرة : لكأني أنا الذي أموت !!.. ولكأني أنا الذي أولد من جديد ....!
تخيل هذا الإنسان الذي كانت له حياة ومرح وأمل وسعي وأحلام : ثم يموت فجأة !!!!..
هل يُعقل أن هذا الكيان البشري بكل عواطفه وحياته الحافلة وروحه ونفسه : يذهب هباء هكذا بلا شيء ؟!!!..
أين الماديين وأين الملاحدة يا عم فتحي ؟؟؟..
^^ طب التلاحدة دول وفئة مهنية معروفة .. ما هم المادليين دول يا أستاذ حامد معلش عشان أنا ما تعلمتش ؟
>> لا عليك يا عم فتحي .. لا عليك ...
أردت فقط أن ألفت نظرك للمفارقة العجيبة التي ساقها الله إلي بين تغسيل ميت على باب فراق الدنيا :
وبين ملاعبة أطفال يمتلئون رغبة وسعيا للحياة ....
سبحان الله العظيم ..
ما أتفه هذه الحياة يا عم فتحي .. ما أتفه هذه الحياة ...!
كنت منذ سنوات أنطلق فيها جامحا مثل هؤلاء الصبية الصغار : ظنا مني أنها أعم من أن أكون فيها ذا هدف ..
وأما اليوم :
فأشعر وكأن الدنيا تضيق من حولي وكأنها صُممت لي أنا فقط !!!.. أشعر بأن كل شيء من حولي هو اختباري الخاص !
أشعر وكأني داخل غرفة مغلقة تم إعدادها لهذا الاختبار وعين الله تراقبني لتسجل عليّ كل ما أفعله وأنا الذي كنت غافلا !
^^ الدنيا غرورة يا أستاذ حامد .. الدنيا غرورة ولا تستاهل شيء إلا الله ...
>> صدقت يا عم فتحي والله ...
عندما أمسك بيد الميت وهو ممدد أمامي على طاولة التغسيل : أتعجب :
أين حياتك يا رجل ؟!!.. أين سعيك ؟؟.. فهذا جسدك كامل أمامي : ما الذي أُخذ منك ؟!!!..
أنت الذي كنت تستحم في دقيقة أو دقيقتين عندما كانت لك إرادة على تحريك جسمك تحت الماء :
نقلبك نحن الآن في ثلث الساعة ونصف الساعة لنغسل لك جسدك !!!..
آآآآآآآآآآآآآه يا ابن آدم .. ما أضعفك لو تعرف ...
وما أعماك إذا لم تر ربك من بين كل هذا الركام الزائل للدنيا وتجعله نصب عينيك !!!..
هذا يبكي على ميته اليوم ... وناسه سيبكون عليه غدا ...! صغيرا كبيرا : الموت لا يفرق إذا جاء أحدنا !!!..
تكلم كثيرا .. وفعل كثيرا .. وصدق وكذب .. وأحسن وأساء .. وما أقرب حسابه لو يعقل !!!..
ثم ها هي حفرة ضيقة يُدفن فيها في مترين قماش : هي كل ما ناله من الدنيا : وما عند ربك خير وأبقى ...!
هيييييييييه يا عم فتحي ...! يقول ابن آدم : مالي .. مالي .....
وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا : ما أكلت : فأفنيت ؟!!.. وما لبست : فأبليت ؟؟!!!..
وما تصدقت فأبقيت ؟!!!..
^^ كلامك جميل جدا يا أستاذ حامد والله .. لقد جعلتني أبكي يا رجل .... ولكن :
ما معنى أكلت فأفنيت ؟؟؟.. معلش عشان أنا جاهل لم أتعلم ...
>> أولا : هذا ليس كلامي يا عم فتحي .. هذا حديث للنبي صلى الله عليه وسلم ..
ثانيا : كل ما نأكله بالمال الكثير أو القليل : أين يذهب يا عم فتحي ؟؟؟!!..
^^ في دورة المياه والصرف أعزك الله ...
>> هذا هو يا عم فتحي .. وكذلك ما نلبسه .. لن يُعمر معك لبسا واحدا عمرك كله ..
ولكن صدقتك وحدها - ووحدها فقط - : هي التي ستبقى لك مما تنفقه ...
ويوم القيامة يعرف الناس مَن الفائز بما جمع ..
ومَن الذي ضيع رأس ماله في الدنيا بلا جدوى !
----------
(15)
>> أفهم من ذلك أن سفرك القادم سيكون زواجك إن شاء الله يا عصام ؟؟؟..
# نعم يا أستاذ حامد .. إن شاء الله ...
تستطيع القول بأن كل شيء جاهز الآن ... ولم يبق إلا عشرة آلاف جنيه فقط ...
أنا سأتكفل بنصفهم .. ووالدي وأمي وعدوني بتكفل الباقي ...
رغم أني سعيد بمالي الذي في حسابي في البنك الآن قبل أن ننسفه نسفا للزواج هههه ..
>> بارك الله لك فيه طالما تؤدي زكاته عاما بعام يا عصام ....
ترررررن تررررررن .. تررررررررن تررررررررن ..
# هذا رقم الملجأ .. يا ترى ماذا يريدون الآن في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟؟؟..
----------
(16)
>< السلام عليكم يا حامد ...
>> وعليكم السلام يا أستاذ شكري .. تفضل ...
>< هل تعرف لماذا لم يأت عصام اليوم ؟؟.. إنه لم يأت الصباح وقد اعتذر .. وها هو المساء أيضا لم يأت ؟
>> هل اتصلت عليه ؟؟..
>< يدق هاتفه المحمول ولكن لا إجابة .... هذه ليست عادته ....
>> طب هل سألت عم صلاح .. عادة ما يكون آخر مَن يغادر غرفتنا في السكن ؟؟؟..
>< سألته .. قال لي أن عصام قضى معظم الصباح والظهر في المشوار الذي استأذن فيه .. ثم عاد متعبا ..
ولما حاول إيقاظه لفترة العمل المسائي عصرا : أخبره أنه سينعس قليلا ثم يلحق به ... ولكنه إلى الآن لم يأت !
/// يا أستاذ حامد .. يا أستاذ شكري : لقد مات عصام !!!.. مات عصام وهو نائم في الغرفة !!!..
لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم !!.. لا حول ولا قوة إلا بالله !!.. إنا لله وإنا إليه راجعون !!!!!..
-----------
(17)
>< ما هذه الدموع يا رجل .. هون على نفسك ... لقد احمرت عيناك لكأنها الدم ....!
أرى والله أنه من رحمة ربك بك أن هداك لتغسيل الموتى قبل هذا الموقف العصيب .... أعني ربما خفف ذلك عنك قليلا ..
>> لا أعرف والله يا أستاذ شكري لا أعرف ....
أشعر وكأنني في حلم .. وأن عصام سيخرج علي من باب الغرفة الآن كما كان يفعل ....
لا أعرف كيف ؟ كيف وقد غسلته بيدي ودفنته بيدي ؟
لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله ...
هذه ثاني موتة في حياتي بعد موتة أخي الأكبر : أشعر وكأن الدنيا ضاقت علي أن أبقى فيها !!!..
اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك ....
آآآآآآآآآآآه يا عصام !!!..
والله لظفرك بألف مني يا رجل !!!.. أنت الخير وأنا الذي كنت أتعلم منك ولا تدري !!!..
لا إله إلا الله ...
أتعرف يا أستاذ شكري .. لقد كنت أمشي في جنازته بالأمس وأنا أحمله :
وأكاد أصرخ في اللاهين على المقاهي وفي البلكونات !
يا أيها الناس : هذا مصيركم فانتبهوا !!!.. هنا معي شاب من خيرة الشباب وقد أفضى لما قدم :
فماذا أنتم فاعلون ؟!!!..
ولكن ..... هو الإنسان للأسف .. ولا أظن مصدر اسمه إلا من النسيان !!!!..
فسرعان ما تؤثر في أحياء القلوب المواعظ ... وسرعان ما ينسى وقعها أغلبهم بعدها !!!!...
ويعود الحال كما كان عليه !!!.. فاللهم أعنا ....
هذا خاتم خطبته ... أخذته من يده !!!.. يا إلهي ... اللهم صبر قلب والديه ومَن كانت خطيبته !!..
ما أشد بغتة الموت إذا جاء .. وما أصعب امتحانه على قلوب الأباء والأمهات أن يموت أبناءهم قبلهم !!!..
/// تليفون يا أستاذ حامد ...
>> مَن يا عم صلاح ؟؟..
/// شخص اسمه فتحي .. يقول أنه من ملجأ الأيتام ويريد التحدث معك .....
>> يا لمصابك يا عم فتحي أنت الآخر .. بالتأكيد لم يصله الخبر إلا الآن .... هات التليفون يا عم صلاح ..
السلام عليكم .. نعم يا عم فتحي .. الله يرحمه .. صبرك الله .. وأهله يا رب ..
تريدني في ماذا ؟؟.. لا .. لم يقل لي .. لقد كان كتوما في علاقته بكم وما يؤده لكم ...
ماذا ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!..
ماذا تقول ؟!!..
لا حول ولا قوة إلا بالله !!!.. لك الله يا عصام ؟!!.. لك الله أيها الطاهر العفيف الشريف ...!
نعم يا عم فتحي .. سآتيك حالا بإذن الله ... مسافة الطريق ... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
>< ماذا هناك يا حامد ؟؟!!.. ماذا عن عصام رحمه الله ؟
>> هذا الشاب كان ملاكا يمشي على الأرض يا أستاذ شكري ......!
ولا أعرف والله ..
أهو قدر الله تعالى أن يأتي هذا العمل الخير قبل موته بليلة ؟!!!..
أم أن الله تعالى بشره بموته ففعل ما فعل ؟!!!..
لك الله يا عصام ...
>< وماذا فعل يا أستاذ حامد .. أجبني بالله عليك ؟ ماذا حدث ؟؟..
>> منذ يومين وجدوا طفلا وليدا على باب الملجأ .... له من العمر أيام ....
ومعه ورقة أن الطفل مريض بثقب في القلب .. ويحتاج أن يكون في حضّانة : إلى حين إجراء عملية لإنقاذ حياته ..
ولم يكن شيئا مكتوبا في الورقة غير هذا .....
وبالسؤال عن تكاليف الحضانة والعملية : وصل إلى علم الملجأ بالمبلغ الكبير الذي يتطلبها ...
فقرروا أن يحاولوا جمع التبرعات بقدر ما يتطيعون من أهل الخير لإنقاذ حياة هذا الوليد ...
وكان أول من اتصلوا به هو عصام .. لأنه أكثر من كان يتبرع للملجأ بالأدوية والعلاج بقدر استطاعته ...
وما أن أبلغوه مساءً : حتى وعدهم بأداء التكاليف كلها صباحاً !!!!..
ولذلك غاب في صباح أمس الذي مات فيه !!!.. حيث ذهب وسحب المبلغ من البنك : ليعطيه كله لهم !
فلم يتحمل قلبه أن ينتظر هذا الطفل المسكين بين الحياة والموت وبين رحمة ملائكة الرحمة وجشع زبانية العذاب !
وبالفعل تم ترتيب العملية .. وسيتم إجراؤها اليوم بإذن الله ...
وقد أوصاهم عصام أن إذا حصل له أي شيء : أن يعهدوا برعاية هذا الوليد لي !!!!..
وأنا ذاهب الآن لمتابعته في المستشفى ....
وأرى والله ييسر الخير : أني سأطلب من الملجأ كفالته !!!.. فهذا أقل ما أفعله لإكمال ما بدأه عصام ...
بل سأسميه عصام .....!
يا ربي .............
الآن وقد اتضحت لي الصورة ......!
ماذا لو كانت هذه رسالة من الله تعالى إليّ ؟!!.. ماذا لو أنه أراد أن يعوضني بتوبتي عن كل ما فقدت ؟!
ياااااااااااااااااااااااااا الله !
هل أنا أستحق كل هذا ؟!!!!..
>< لا .....
>> لا ؟؟؟!!!!..
>< بلى ... فأنت تستحقه وزوجة أيضا .........!
>> ماذا تقول ؟؟..>< أقول ربما اشترطوا عليك أن تكون متزوجا لتكفله .. وأنت تستحق كل خير يا حامد ..
بل أنت السبب في الكثير من الخير الذي فعله عصام رحمه الله في آخر حياته إن كنت تعلم ..
اذهب يا حامد ...
اذهب وانظر ماذا ستفعل في المستشفى مع هذا الوليد .. ولي كلام معك غدا إن شاء الله ..
أدعو الله عز وجل أن يثبتنا وإياك على الهدى .. وأن يزيدنا وإياك من الإيمان والتقى والعفاف والغنى ...
فإنه جابر كل مكسور .. وهو ملاذ التائبين وحده سبحانه ...
توكل على الله ...
# يفكون السحر ولبس الجن ؟!!.. هذا ما لم أتوقعه أبدا ...! لم يخبرني أحد بذلك من قبل ...
>> الأمر يتم بهدوء تماما يا عصام ودونما أي رغبة في الظهور أو الإعلان عن أنفسهم أو التكسب ..
يفعلونه لوجه الله ... وأنا أيضا لم أنتبه لذلك في الأسابيع الأولى رغم ملاحظتي تكرار تلاوتهم لآيات معينة ..
# آيات السحر ؟؟..
>> نعم .. بمعدل كل يومين أو ثلاثة أيام .. إلى أن كانت تلك الليلة ..
# وماذا حدث فيها يا أستاذ حامد ؟؟.. أرجو لو كان شيئا مخيفا ألا تقصه عليّ لأني لن أنام بعدها هههه ..
>> لا تخف ..
في تلك الليلة وصلت قبل صلاة المغرب بخمس دقائق .. وشعرت أني أود الجلوس والاسترخاء في بيت الله :
ولم أقرأ القرآن كعادتي في استغلال تلك الدقائق قبيل الصلاة ... وأثناء ذلك :
لفت نظري شاب طويل عادي المظهر .. دخل فصلى ركعتين نفل ولكنه في التشهد الأخير :
كان يلتفت برأسه يمينا ويسارا بشكل ملاحظ وغريب وسريع !!.. وأخذ ذلك منه وقتا إلى أن سلم ..
ثم بعد تسليمه : أخذ يهز رأسه بطريقة غريبة يمنة ويسرة وكأنه ينظر إلى ناس لا نراهم !!!..
واستمر على هذا الحال إلى أن أقيم للصلاة ...
أكثر ما جذبني هو شكله العادي جدا قبل هذه الحركات ... ثم بعد الصلاة : تعمدت أن أراقبه ...
فإذا به يجلس ويحرك رأسه بهذه الصورة الغريبة : إلى أن جاءه الشيخ الشاب الذي صلى بنا وكأنه ينتظره ..
وهنا ...
أخذه من يده بهدوء بعدما سلم عليه .. ثم سارا معا لشيخ في الأربعينات في آخر المسجد ...
ثم دخلوا جميعا إلى حجرة المكتبة أو ما شابه ...
وانتظرت هناك لمدة عشر دقائق عسى أن أسمع شيئا أو أن يخرج أحدهم : فلم أرى أو ألحظ شيئا ..
فمضيت خوفا من التأخر على العمل ...
# وماذا حدث بعد ذلك ؟؟..
>> لن تصدق ... هههه ..
# قل لي ؟
> لقد سألت بعض المصلين : وعرفت منهم أن الشيوخ يعالجون من السحر ولبس الجن ...
فجمعت أمري وشجاعتي وتحدثت مع أحد الشيوخ الشباب واسمه الشيخ ياسر ..
وطلبت منه أن أحضر إحدى الجلسات وأن هذا أمر هام جدا بالنسبة لي : فوافق !!!.. بشرط :
أن أتحلى بأذكار الصباح والمساء ولا أفرط فيها أبدا بجانب وردي اليومي من القرآن لأحصن نفسي ..
# لا أصدق !!!.. هل ستحضر جلسة علاج السحر أو إخراج جن ؟!!..
> نعم إن شاء الله ... إنها تجربة مهمة جدا في حياتي يا عصام ..
إنها لمحة من عالم الغيب وعالم ما وراء المادة الذي ينكره البعض للأسف ...
ولا أريد أن أحرم نفسي من هذه الإطلالة التي ربما لا تتكرر !!..
----------
(12)
== كاميرا تصوير فيديو ؟ هل جننت يا أستاذ حامد ؟؟..
>> والله يا شيخ ياسر أنت لا تدري ماذا يمكن أن يحدث من خير عميم خلف هذا التصوير ...
أنتم كنز يا رجل !!!!..
تصوير هذه الجلسات كفيل بإيقاظ عشرات الغافلين والغارقين في مستنقع الإلحاد من غفلتهم !!!..
حسنا يا شيخ ياسر .. سأخبرك شيئا ...
لقد ابتلاني الله تعالى بمصيبة الإلحاد لفترة ليست بالقليلة للأسف ... ولله الحمد خرجت منها قريبا ...
وصدقني : مررت بفترات كنت أتمنى لو أرى فيها أي شيء أو دليل (غير مادي) يخرجني من (مادية) الإلحاد !
هل فهمتني الآن ؟؟؟..
== لا حول ولا قوة إلا بالله .. تعالى هنا يا أستاذ حامد .. اجلس هنا إذا سمحت ....
انظر يا أخي الطيب ... سألخص لك كلامي في نقاط ... ولعلك تفهمه وتقتنع به إن شاء الله ..
أولا :
الآيات والمعجزات ليست سببا للإيمان .. وإنما هي مساعدات لمن يريد الإيمان أو يحترم عقله ..
ولذلك فالله تعالى يصرفها إلى أقوام بما علمه فيهم :
فينفع بعضا بها وهم المؤمنين ويزيد حجته على البعض الآخر المعاند وهم الكافرين !.. ولو كانت سببا للإيمان :
لكان آمن كل مَن رأى معجزات الأنبياء رأي العين .. عصا موسى عليه السلام وهي تلقف إفك السحرة ..
شفاء عيسى للأكمه والأبرص وإحيائه الموتى بإذن الله .. قرآن الإسلام وانشقاق القمر والإسراء ...
ولكن الذي وقع هو العكس تماما !!!.. فكان أكثر مَن شاهدوا وعاينوا : هم الذين عاندوا واستكبروا وكفروا !!..
ثانيا :
إذا كانت مشكلة الملحد المنكر لله : هي في عدم إيمانه بالغيبيات أو ما وراء المادة :
فهذا غباء ما بعده غباء !!!.. ونعم : قد يكون تعرضه لحالة لبس أو سحر أو تعرض قريب له سببا في يقظته ولكن :
لا تعول كثيرا على ذلك للأسف .. لأن أغلب الكفر هو عناد وهوى ..
والمعاند وصاحب الهوى لديه القدرة على قلب الحقائق وتبريرها بما يريد !!!..
فقوم موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام : لما أعجزتهم معجزاتهم وآياتهم : قالوا عنهم أنهم سحرة !
وأوهموا أنفسهم بصحة هذه الحجة رغم الفارق الكبير بين السحر وبين المعجزات التي يعجز عنها الجن والإنس !!!!..
وعلى هذا :
فالنت واليوتيوب وبعض البرامج التافهة : قامت بعمل تمثيليات وتقليد لحالات خروج الجن وتلبسه ...
والنتيجة : أن هذه المسألة بحد ذاتها صارت محل تشكيك لدى العوام والجهلة ومن لا علم له بها ولم يعاينها بنفسه !
فما أسهل - والوضع هكذا - أن يقابلك الملحد بحجة أن ما ستعرضه عليه هو (تمثيل) وليس حقيقي !!!..
وهو صادق في هذا الشك .. وإن كان مخطئا في إنكاره لأنه متواتر واقعي بين مختلف الأمم مؤمنهم وكافرهم ..
وأما إذا أراد شيئا غيبيا أو روحيا أو لا ماديا : وكان صادقا في طلبه :
لكفاه أمر الأحلام والرؤى المستقبلية التي تتحقق !!!..
فهذه أكثر انتشارا وتنوعا بين الناس .. وأعجز لدعاة المادة والإلحاد على التفسير إلا بالغيب مثل المؤمنين !
بل يكفيه أن الإنسان لا يكون إنسانا ولا حتى حيوانا إلا بعلاقته بالغيب التي تميزه في إدراكه واستدلاله بعكس الجماد الحسي !
يكفيه أنه لا يتخيل ولا يحلم إلا ما فيه روح !!!.. ألا ترى القط وهو نائم كيف يتحرك ويحلم مثل الإنسان ؟!!!..
ولكن ماذا تفعل في صاحب الهوى الذي لا يكفيه ألف دليل : في حين طالب الحق يكفيه دليل واحد فقط ؟..
ثالثا وأخيرا :
وهل تظن يا هداك الله أن مسألة تصوير أبناء وبنات الناس في تلك الحالات من الصرع واللبس : هو بهذه البساطة ؟
هل تظن أنهم - أو أهلهم - سيوافقونك هكذا على التصوير والنشر ؟؟؟..
ألا ترى معي أن في ذلك إيذاء لهم ولخصوصياتهم ولمرضهم عفاهم الله وشفاهم ؟..
>> ممممم .. فعلا والله .. حقا ما قلته يا شيخ ياسر فتح الله عليك .. كل كلامك صواب ما شاء الله ..
إذن .. وداعا لفكرة التصوير .... ولكن طلب أخير يا شيخ ياسر إذا سمحت ...
== تفضل يا أخي ...
>> هل يمكن أن تقبلوني مساعدا لكم ؟؟.. يمكنني أن أتدبر أمر تأخري بعض الليالي والأوقات مع صاحب العمل ..
== والسبب ؟؟!!..
>> لا أخفي عليك يا شيخ ياسر ... أنا أبحث عن تقوية إيماني من جديد ...
أبحث عن سبيل لقتل كل بقايا الباطل في داخلي : وزيادة كل بذور الخير وترسيخها في قلبي بارك الله فيك ..
== وهل تظن أنك بحضورك معنا ستصيب هذا الهدف يا أستاذ حامد ؟؟..
من خبرتي المتواضعة بالناس ومن قراءتي في كتب الخاصة والقلوب والرقائق : لا أرى ما تظنه يا صديقي ..
>> وماذا ترى يا شيخ ؟؟.. بماذا تنصحني وأنا أدين لك به بقية عمري ..؟
== الموت .....
>> أنتحر ؟!!!!!!!..
== هههههه .. لا يا أخي ... قصدت أن تقترب من الموت ...
أن تلمسه .. تقف بجواره .. تعاين الداخلين إليه .. التاركين لدنيا الزور والغرور ....
>> لم أفهم يا شيخ ياسر ؟؟.. ماذا تريدني أن أفعل بالضبط ؟؟..
== هل لديك مانع إذا قمت بمساعدة الشيخ أيمن في تغسيل الموتى ؟؟؟...
----------
(13)
# السلام عليكم يا أستاذ شكري ...
>< وعليكم السلام يا عصام .. هل هناك شيء ؟؟.. هل تريد مني شيئا ؟؟..
# كنت أريد التحدث لدقائق فقط مع الأستاذ حامد إذا سمحت ..
وأعتذر عن مقاطعة مراجعتكما للحسابات .. ولكنه أمر ضروري قبل سفري لإجازتي مساء الغد للبلد ....
>< حسنا يا عصام .. لا إشكال ..
اجلس معه يا حامد .. وأنا سأنتظر أختي هنا .. فربما وصلت الآن في حاجة لها ...
>> ماذا هنالك يا عصام ؟؟.. هل تريد مني شيئا ؟؟؟..
>< نعم يا أستاذ حامد .. هو شيء بدأته منذ عدة شهور تقريبا ولا يعرفه أحد .. ولا أثق إلا بك ..
>> ما هو ؟؟..
>< مع النفحة الإيمانية التي عشتها مؤخرا ومعك خصوصا :
قررت أن أتردد عصر كل يوم جمعة تقريبا على جمعية الأيتام التي في شارع بهجت ..
أشاركهم تارة باللعب معهم .. أو بشراء بعض الألعاب البسيطة لهم .. أو بعض الحلوى والملابس والأدوية ..
وكل ذلك على قدر المستطاع ..
ووالله يا أستاذ حامد : لا تدرك مدى تعلقي بهم جميعا .. ومدى البركة التي كانت تحل علي بسببهم ..!
حتى أني لمست عن صدق وعن قرب فعلا : كيف أنه لا ينقص مال من صدقة كما أخبرتني عن النبي ..
المهم حتى لا أطيل عليك :
رغم أني قررت أن يكون ذلك الأمر سرا بيني وبين ربي .. إلا أن غيابي لمدة الشهر الذي قد يزيد قليلا :
جعلتني مضطرا لإخبارك بذلك لتقوم بسد مكاني عنهم بارك الله فيك ..
وأرجو أن أكون قد أهديتهم بهدية أفضل مني : ألا وهو أنت يا أستاذ حامد ... فهل لديك مانع ؟
>> سبحان الله العظيم يا عصام !!!.. وهل يرفض مثل هذا الخير العميم أحد ؟؟..
بل أنت الذي لك كامل الشكر والتحية والمنة علي أن دللتني على هذه الفكرة التي لم تخطر ببالي ..
يكفيك يا رجل أنك شغلتني في يوم عطلتي بما يفيد .... < وأنا الذي كنت أتساءل أين تختفي كل جمعة > ؟!
# حسنا .. اتفقنا يا أستاذ حامد .. ستذهب معي عصر الجمعة غدا لأعرفك عليهم ...
وبهذا أقضي إجازتي السنوية في البلد وفي الاتفاق على أثاث الزواج وتشطيب الشقة وأنا مطمئن ...
جزاك الله خيرا ... وموعدنا غدا إن شاء الله .....
حسنا يا أستاذ شكري .. أنهيت حديثي مع الأستاذ حامد .. وأنا أعتذر لك كثيرا عن هذه العطلة ..
وأرجو منك الدعاء لي بالتوفيق في سفري مساء غد وفي إجازتي ...
>< لا بأس يا عصام .. وبارك الله فيك ولك وحفظك من كل سوء في سفرك وفي بلدك حتى ترجع ..
>> أين كنا يا أستاذ شكري ؟؟..
>< ممممم .. هنا .. عند هذه العلامة .. 20 أغسطس .. أكمل معي الحساب من هنا ...
>> أنا سأقرأ لك صافي الدخل : وأنت راجعه بـ .............
-*- السلام عليكم ؟؟؟..
>< أهلا بالأستاذة الكبيرة هبة .... ما كل هذا التأخير ؟؟؟..
-*- أعتذر .. ولكني كنت أحاول محاولة أخيرة مع اللاب توب تغنيني عن هذا المشوار أو تعطيلك ..
>< يا أختي العزيزة .. لا عطلة ولا شيء .. هذا مكتب كمبيوتر لأحد أصدقائي وسوف يتوصى بي ..
-*- فقط أرجوك أن تركز معه على سرعة التصليح .. البحث كله بداخل اللاب توب وتقديمه غدا ..
ولم أحتفظ بأي نسخة كاملة منه للأسف إلا التي في اللاب توب ..
وأخشى لو تأخر في إصلاحه أن يضيع كل مجهودي في الماجستير .. كلما أتذكر ذلك أبكي ...
>< لا تبكين يا هبة .. وجيد أنك ترتدين النقاب الآن ههههههه ...
>> هل يمكنني تقديم أي مساعدة يا أستاذ شكري ؟؟.. أرى أخت حضرتك في وقت سيء وظرف حرج ؟
>< هل لك في تصليح اللاب توبات ؟؟.. أم تفسد الأمر وعندها لن يكفيني طردك < أمزح معك >
>> أريد أن أتعرف على المشكلة أولا لأرى ....
>< حسنا .. هذا هو الأستاذ حامد الذي حدثتك عنه يا هبة .. يمكنك أن تشرحي له المشكلة بالضبط ؟
>> أهلا بك يا أستاذ حامد ... سأشرح لك الأمر المعقد باختصار ...
كل بحثي في صورته النهائية قبل التنسيق الأخير : هو على القرص الثاني (d) من اللاب توب ..
مؤخرا وقعت مشاكل فيروسات كثيرة : وقد أهملت في تتبعها وعلاجها خوفا من ضياع ملفات عملي :
ولكني مهددة الآن بسبب هذا الإهمال للأسف بضياع كل شيء ...
لا مانع عندي من عمل تهيئة للقرص الأول للنظام (c) .. بل اللاب توب فيه إمكانية استعادة النظام :
وهو يقوم بصورة تلقائية بمسح وتهيئة ذلك القرص : وعدم المساس بالقرص الثاني الذي عليه بحثي ...
>> حسنا .. وما المشكلة الآن ؟؟.. لماذا لا تقومين بعمل استرجاع للنظام ؟؟..
-*- لا أعرف .. الزر الذي من المفترض الضغط عليه عند بدأ الجهاز ودخول النظام لا يعمل ..
ولا أعرف السبب للأسف ...
المشكلة الحقيقية هنا هو خوفي إذا تجاوزت هذه المشكلة : أن يكون بحثي قد تأثر بالفايروسات ..
أو يضيع أو لا يمكنني فتحه على الجهاز مرة أخرى ... ولذلك أردت متخصصا يساعدني كما أخبرني أخي ..
>> هل يمكنني أن أرى الجهاز ؟؟..
-*- تفضل ...
>> همممممممممم ..
حسنا .. المشكلة ليست في هذا الزر تحديدا .. المشكلة في لوحة مفاتيح اللاب توب نفسها ...!
ما لا يقل عن ستة أزرار هي لا تعمل !!!.. ولا أعرف كيف كنت تقومين بعمل بحثك بواسطته ؟!!!..
>< هذه المشاكل أكيد بسبب أختنا الصغيرة هالة ههههه .. هي الوحيدة التي تكتب بيديها وقدميها على الجهاز !
-*- والحل ؟؟؟..
>> سهل .. سأقوم بتوصيل لوحة مفاتيح الجهاز المكتبي للأستاذ شكري باللاب توب ... وستعمل إن شاء الله ..
-*- فكرة عبقرية .......... تماما كما حكى عنك حامد ....
>< يا أستاذة هبة ....... هذه أسرار بارك الله فيك ... !
-*- آسفة ...
>> ها هو الجهاز قد عاد الآن .. وسوف يقوم باستعادة النظام .. ولكن بسبب تخوفاتك ..
فسوف أقوم بعملية احتياطية أخرى تضمن لك ملف بحثك قبل أي شيء ..
دقائق سأشتري وصلة يو إس بي من المحل هناك وآتي ...
>< يا أستاذة هبة أحرجتيني !.. ترى حامد ذكي .. وأنا حذرتك ...
-*- اعذرني أخي .. أول مرة أقابله وجها لوجه بهذا القرب .. وخصوصا وأنا متوترة بسبب مشكلة الجهاز ..
التفكير عندي مضطرب ...
>< صدقيني : هو أنسب إنسان فيمَن حولنا أراه يصلح لأن يكون زوجا لك ...
حاله في تحسن من يوم إلى يوم .. ولكأنه يولد في كل يوم ولادة جديدة !!!..
أخلاقه ما شاء الله .. ويحمل ذنب التائب ووزر العائد إلى الله في كل وقت .. وهذا رأي كل مَن حوله كذلك ..
ثم الميزة الكبرى التي تجعله رقم واحد من بين الملايين : أنه عقيم مثلك !!!.. أراها صدفة لن يصدقها عندما يسمعها !
صدفة تضاهي الصدف المزعومة التي كان يراها في إلحاده ههه .. أستغفر الله !.. بل هو قدر الله ومشيئته .. المهم يا هبة :
أنا لكي أستطيع أن ألمح له بموضوع الزواج : أريد تفكيرا وطريقة مناسبين .. وخصوصا إذا تمت ترقيته إن شاء الله ..
لا أريده أن يشعر أن الأمر كالمساومة ...! فهو إنسان كفء بالفعل وأمين وجدير بالترقية ........ وبالزواج ..
ها هو قادم .. لا تفضحينا يا هبة وإلا أخبرت أبيك ههههه ..
>< ماذا أحضرت يا بطل ؟؟..
>> سأقوم بفك اللاب توب وأستخرج الهارد وأصله باليو إس بي على جهازك المكتبي كأي هارد خارجي :
ثم نستخرج ملف الأستاذة هبة لتطمئن .. ثم سأعيد كل شيء إلى ما كان عليه بإذن الله ...
>< حسنا حسنا .. بالتوفيق يا رجل ...
>> طب والحساب ؟؟..
>< سأخصمه من المرتجعات التي عليك ههههه ....
----------
(14)
^^ هل لديك مانع أن أجلس معك قليلا يا أخ حامد ؟؟؟..
>> تفضل يا عم فتحي تفضل .. الملجأ ملجأكم هههه .. أنا الذي حللت ضيفا عليكم ....
^^ أبدا أبدا يا أستاذ ... أنت منذ الأسبوع الثاني الذي زرتنا فيه : وقد شعر الجميع أنك معنا منذ سنوات !
وهذا قبول رزقك الله به : ويضعه الله لأحبائه في الدنيا ويُحبب فيهم الناس ...
>> الحمد لله ... هذا من لطيف كلامك يا عم فتحي .. وأنا أقل من ذلك بكثير .. لي شهر فقط معكم ..
^^ ولكنه في عين أولئك الأيتام هو كالعمر الذي يمر ....
أنت لا تتخيل مدى تعلقهم بك بعدما تتركهم في كل مرة .. ومدى انتظارهم لك في كل جمعة ....
لو أخبرتك : لبكيت ....
>> أنا أبكي الآن من قبل أن تخبرني يا عم فتحي ......!
هل تعلم .......
مممممم .. هل تعلم أني محروم من أن يكون لي ولد ؟؟؟.. فأنا عقيم ...
^^ لا حول الله يا رب .....
>> يا عم فتحي : قل : لا حول ولا قوة إلا بالله .. ولا تقل : لا حول الله ...
لا حول الله : تعني ان الله تعالى لا حول له ولا قوة !!!.. وأما لا حول ولا قوة إلا بالله :
ترجع كل حول وكل قوة في الحقيقة لله .. فعليه نتوكل .. وبه نستعين ...
^^ أصبت يا أستاذ حامد .. أنا آسف .. لم أعرف هذه المعلومة ... ولكني عرفت الآن لماذا تبكي ..
>> لماذا ؟؟..
^^ ألم تقل أنك حرمت من أن يكون لك ولد ؟؟..
>> نعم .. نعم .. ولكن هذا ليس سبب بكائي يا عم فتحي .. آسف إن تداخلت العبارتان فظننت ذلك ..
أنا أبكي لسبب آخر كلما جلست لأنظر للأطفال وهم يلعبون ويجرون أمامي ...
^^ ولماذا تبكي عندما تراهم هكذا ؟؟..!
>> لأني أقوم بتغسيل الموتى يا عم فتحي ............................!
لقد استعصت على قلبي عشرات الأسلحة والمفاتيح لسنوات ...... وهزمني الموت يا عم فتحي .....!
التفكير في الموت : أعاد لي صوابي .. غسل قلبي من كل بقايا ضلالات الأفكار وسفسطات المسفسطين ..!
لقد ساعدت في تغسيل وغسلت أحد عشر ميتا إلى الآن ...
وفي كل مرة : لكأني أنا الذي أموت !!.. ولكأني أنا الذي أولد من جديد ....!
تخيل هذا الإنسان الذي كانت له حياة ومرح وأمل وسعي وأحلام : ثم يموت فجأة !!!!..
هل يُعقل أن هذا الكيان البشري بكل عواطفه وحياته الحافلة وروحه ونفسه : يذهب هباء هكذا بلا شيء ؟!!!..
أين الماديين وأين الملاحدة يا عم فتحي ؟؟؟..
^^ طب التلاحدة دول وفئة مهنية معروفة .. ما هم المادليين دول يا أستاذ حامد معلش عشان أنا ما تعلمتش ؟
>> لا عليك يا عم فتحي .. لا عليك ...
أردت فقط أن ألفت نظرك للمفارقة العجيبة التي ساقها الله إلي بين تغسيل ميت على باب فراق الدنيا :
وبين ملاعبة أطفال يمتلئون رغبة وسعيا للحياة ....
سبحان الله العظيم ..
ما أتفه هذه الحياة يا عم فتحي .. ما أتفه هذه الحياة ...!
كنت منذ سنوات أنطلق فيها جامحا مثل هؤلاء الصبية الصغار : ظنا مني أنها أعم من أن أكون فيها ذا هدف ..
وأما اليوم :
فأشعر وكأن الدنيا تضيق من حولي وكأنها صُممت لي أنا فقط !!!.. أشعر بأن كل شيء من حولي هو اختباري الخاص !
أشعر وكأني داخل غرفة مغلقة تم إعدادها لهذا الاختبار وعين الله تراقبني لتسجل عليّ كل ما أفعله وأنا الذي كنت غافلا !
^^ الدنيا غرورة يا أستاذ حامد .. الدنيا غرورة ولا تستاهل شيء إلا الله ...
>> صدقت يا عم فتحي والله ...
عندما أمسك بيد الميت وهو ممدد أمامي على طاولة التغسيل : أتعجب :
أين حياتك يا رجل ؟!!.. أين سعيك ؟؟.. فهذا جسدك كامل أمامي : ما الذي أُخذ منك ؟!!!..
أنت الذي كنت تستحم في دقيقة أو دقيقتين عندما كانت لك إرادة على تحريك جسمك تحت الماء :
نقلبك نحن الآن في ثلث الساعة ونصف الساعة لنغسل لك جسدك !!!..
آآآآآآآآآآآآآه يا ابن آدم .. ما أضعفك لو تعرف ...
وما أعماك إذا لم تر ربك من بين كل هذا الركام الزائل للدنيا وتجعله نصب عينيك !!!..
هذا يبكي على ميته اليوم ... وناسه سيبكون عليه غدا ...! صغيرا كبيرا : الموت لا يفرق إذا جاء أحدنا !!!..
تكلم كثيرا .. وفعل كثيرا .. وصدق وكذب .. وأحسن وأساء .. وما أقرب حسابه لو يعقل !!!..
ثم ها هي حفرة ضيقة يُدفن فيها في مترين قماش : هي كل ما ناله من الدنيا : وما عند ربك خير وأبقى ...!
هيييييييييه يا عم فتحي ...! يقول ابن آدم : مالي .. مالي .....
وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا : ما أكلت : فأفنيت ؟!!.. وما لبست : فأبليت ؟؟!!!..
وما تصدقت فأبقيت ؟!!!..
^^ كلامك جميل جدا يا أستاذ حامد والله .. لقد جعلتني أبكي يا رجل .... ولكن :
ما معنى أكلت فأفنيت ؟؟؟.. معلش عشان أنا جاهل لم أتعلم ...
>> أولا : هذا ليس كلامي يا عم فتحي .. هذا حديث للنبي صلى الله عليه وسلم ..
ثانيا : كل ما نأكله بالمال الكثير أو القليل : أين يذهب يا عم فتحي ؟؟؟!!..
^^ في دورة المياه والصرف أعزك الله ...
>> هذا هو يا عم فتحي .. وكذلك ما نلبسه .. لن يُعمر معك لبسا واحدا عمرك كله ..
ولكن صدقتك وحدها - ووحدها فقط - : هي التي ستبقى لك مما تنفقه ...
ويوم القيامة يعرف الناس مَن الفائز بما جمع ..
ومَن الذي ضيع رأس ماله في الدنيا بلا جدوى !
----------
(15)
>> أفهم من ذلك أن سفرك القادم سيكون زواجك إن شاء الله يا عصام ؟؟؟..
# نعم يا أستاذ حامد .. إن شاء الله ...
تستطيع القول بأن كل شيء جاهز الآن ... ولم يبق إلا عشرة آلاف جنيه فقط ...
أنا سأتكفل بنصفهم .. ووالدي وأمي وعدوني بتكفل الباقي ...
رغم أني سعيد بمالي الذي في حسابي في البنك الآن قبل أن ننسفه نسفا للزواج هههه ..
>> بارك الله لك فيه طالما تؤدي زكاته عاما بعام يا عصام ....
ترررررن تررررررن .. تررررررررن تررررررررن ..
# هذا رقم الملجأ .. يا ترى ماذا يريدون الآن في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟؟؟..
----------
(16)
>< السلام عليكم يا حامد ...
>> وعليكم السلام يا أستاذ شكري .. تفضل ...
>< هل تعرف لماذا لم يأت عصام اليوم ؟؟.. إنه لم يأت الصباح وقد اعتذر .. وها هو المساء أيضا لم يأت ؟
>> هل اتصلت عليه ؟؟..
>< يدق هاتفه المحمول ولكن لا إجابة .... هذه ليست عادته ....
>> طب هل سألت عم صلاح .. عادة ما يكون آخر مَن يغادر غرفتنا في السكن ؟؟؟..
>< سألته .. قال لي أن عصام قضى معظم الصباح والظهر في المشوار الذي استأذن فيه .. ثم عاد متعبا ..
ولما حاول إيقاظه لفترة العمل المسائي عصرا : أخبره أنه سينعس قليلا ثم يلحق به ... ولكنه إلى الآن لم يأت !
/// يا أستاذ حامد .. يا أستاذ شكري : لقد مات عصام !!!.. مات عصام وهو نائم في الغرفة !!!..
لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم !!.. لا حول ولا قوة إلا بالله !!.. إنا لله وإنا إليه راجعون !!!!!..
-----------
(17)
>< ما هذه الدموع يا رجل .. هون على نفسك ... لقد احمرت عيناك لكأنها الدم ....!
أرى والله أنه من رحمة ربك بك أن هداك لتغسيل الموتى قبل هذا الموقف العصيب .... أعني ربما خفف ذلك عنك قليلا ..
>> لا أعرف والله يا أستاذ شكري لا أعرف ....
أشعر وكأنني في حلم .. وأن عصام سيخرج علي من باب الغرفة الآن كما كان يفعل ....
لا أعرف كيف ؟ كيف وقد غسلته بيدي ودفنته بيدي ؟
لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله ...
هذه ثاني موتة في حياتي بعد موتة أخي الأكبر : أشعر وكأن الدنيا ضاقت علي أن أبقى فيها !!!..
اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك ....
آآآآآآآآآآآه يا عصام !!!..
والله لظفرك بألف مني يا رجل !!!.. أنت الخير وأنا الذي كنت أتعلم منك ولا تدري !!!..
لا إله إلا الله ...
أتعرف يا أستاذ شكري .. لقد كنت أمشي في جنازته بالأمس وأنا أحمله :
وأكاد أصرخ في اللاهين على المقاهي وفي البلكونات !
يا أيها الناس : هذا مصيركم فانتبهوا !!!.. هنا معي شاب من خيرة الشباب وقد أفضى لما قدم :
فماذا أنتم فاعلون ؟!!!..
ولكن ..... هو الإنسان للأسف .. ولا أظن مصدر اسمه إلا من النسيان !!!!..
فسرعان ما تؤثر في أحياء القلوب المواعظ ... وسرعان ما ينسى وقعها أغلبهم بعدها !!!!...
ويعود الحال كما كان عليه !!!.. فاللهم أعنا ....
هذا خاتم خطبته ... أخذته من يده !!!.. يا إلهي ... اللهم صبر قلب والديه ومَن كانت خطيبته !!..
ما أشد بغتة الموت إذا جاء .. وما أصعب امتحانه على قلوب الأباء والأمهات أن يموت أبناءهم قبلهم !!!..
/// تليفون يا أستاذ حامد ...
>> مَن يا عم صلاح ؟؟..
/// شخص اسمه فتحي .. يقول أنه من ملجأ الأيتام ويريد التحدث معك .....
>> يا لمصابك يا عم فتحي أنت الآخر .. بالتأكيد لم يصله الخبر إلا الآن .... هات التليفون يا عم صلاح ..
السلام عليكم .. نعم يا عم فتحي .. الله يرحمه .. صبرك الله .. وأهله يا رب ..
تريدني في ماذا ؟؟.. لا .. لم يقل لي .. لقد كان كتوما في علاقته بكم وما يؤده لكم ...
ماذا ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!..
ماذا تقول ؟!!..
لا حول ولا قوة إلا بالله !!!.. لك الله يا عصام ؟!!.. لك الله أيها الطاهر العفيف الشريف ...!
نعم يا عم فتحي .. سآتيك حالا بإذن الله ... مسافة الطريق ... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
>< ماذا هناك يا حامد ؟؟!!.. ماذا عن عصام رحمه الله ؟
>> هذا الشاب كان ملاكا يمشي على الأرض يا أستاذ شكري ......!
ولا أعرف والله ..
أهو قدر الله تعالى أن يأتي هذا العمل الخير قبل موته بليلة ؟!!!..
أم أن الله تعالى بشره بموته ففعل ما فعل ؟!!!..
لك الله يا عصام ...
>< وماذا فعل يا أستاذ حامد .. أجبني بالله عليك ؟ ماذا حدث ؟؟..
>> منذ يومين وجدوا طفلا وليدا على باب الملجأ .... له من العمر أيام ....
ومعه ورقة أن الطفل مريض بثقب في القلب .. ويحتاج أن يكون في حضّانة : إلى حين إجراء عملية لإنقاذ حياته ..
ولم يكن شيئا مكتوبا في الورقة غير هذا .....
وبالسؤال عن تكاليف الحضانة والعملية : وصل إلى علم الملجأ بالمبلغ الكبير الذي يتطلبها ...
فقرروا أن يحاولوا جمع التبرعات بقدر ما يتطيعون من أهل الخير لإنقاذ حياة هذا الوليد ...
وكان أول من اتصلوا به هو عصام .. لأنه أكثر من كان يتبرع للملجأ بالأدوية والعلاج بقدر استطاعته ...
وما أن أبلغوه مساءً : حتى وعدهم بأداء التكاليف كلها صباحاً !!!!..
ولذلك غاب في صباح أمس الذي مات فيه !!!.. حيث ذهب وسحب المبلغ من البنك : ليعطيه كله لهم !
فلم يتحمل قلبه أن ينتظر هذا الطفل المسكين بين الحياة والموت وبين رحمة ملائكة الرحمة وجشع زبانية العذاب !
وبالفعل تم ترتيب العملية .. وسيتم إجراؤها اليوم بإذن الله ...
وقد أوصاهم عصام أن إذا حصل له أي شيء : أن يعهدوا برعاية هذا الوليد لي !!!!..
وأنا ذاهب الآن لمتابعته في المستشفى ....
وأرى والله ييسر الخير : أني سأطلب من الملجأ كفالته !!!.. فهذا أقل ما أفعله لإكمال ما بدأه عصام ...
بل سأسميه عصام .....!
يا ربي .............
الآن وقد اتضحت لي الصورة ......!
ماذا لو كانت هذه رسالة من الله تعالى إليّ ؟!!.. ماذا لو أنه أراد أن يعوضني بتوبتي عن كل ما فقدت ؟!
ياااااااااااااااااااااااااا الله !
هل أنا أستحق كل هذا ؟!!!!..
>< لا .....
>> لا ؟؟؟!!!!..
>< بلى ... فأنت تستحقه وزوجة أيضا .........!
>> ماذا تقول ؟؟..>< أقول ربما اشترطوا عليك أن تكون متزوجا لتكفله .. وأنت تستحق كل خير يا حامد ..
بل أنت السبب في الكثير من الخير الذي فعله عصام رحمه الله في آخر حياته إن كنت تعلم ..
اذهب يا حامد ...
اذهب وانظر ماذا ستفعل في المستشفى مع هذا الوليد .. ولي كلام معك غدا إن شاء الله ..
أدعو الله عز وجل أن يثبتنا وإياك على الهدى .. وأن يزيدنا وإياك من الإيمان والتقى والعفاف والغنى ...
فإنه جابر كل مكسور .. وهو ملاذ التائبين وحده سبحانه ...
توكل على الله ...