الصفحات

الاثنين، 12 أكتوبر 2015

الرد على كتاب آذان الأنعام - د هيثم طلعت

الرد على كتاب آذان الأنعام
د. هيثم طلعت 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه وبعد؛

تهافت النظرية الداروينية والرد على كتاب آذان الأنعام وبيان أخطاؤه الشرعية والعلمية والعقلية!
هذا نص محاضرة " تهافت النظرية الداروينية، والرد على كتاب آذان الأنعام" وبيان أخطاؤه الشرعية والعلمية والعقلية، والتي كنت ألقيتها في دولة السودان!

لماذا الرد على الكتاب:
الإعراض صفحًا عن الكتب التي بها أخطاء منهجية هو منهج العقلاء، خاصةً وأن الردود قد تكون مدعاة لنشر الأعمال، لكن اهتمام قطاع من الشباب في الجامعات السودانية بهذا الكتاب، يجعل مسئولية الرد قائمة!

مقدمة تعريفية بالكتاب:
كتاب آذان الأنعام من تأليف: الدكتور عماد محمد بابكر حسن بالاشتراك مع أخيه المهندس علاء الدين، وهو كتاب يقوم على طرح جديد في باب "أسلمة التطور" فهو يرى أن نظرية التطور مما نصّ عليه القرآن الكريم، وفي نفس الوقت الأنعام –الضأن والمعز والبقر والإبل- نزلت نزولاً مباشرًا من السماء على آدم الأول فكانت آيةً من الله، فالأنعام بناءًا على ذلك لم تدخل نسق التطور، وإذا أثبت العلم أن الأنعام بالفعل خارج شجرة التطور فستكون آية أخرى من الله في آخر الزمان، ولذا كان اسم الكتاب "آذان الأنعام" أي: نداء الأنعام، وكأنها نداء للدلالة على صحة الإسلام!
هذا تقريبًا ملخص ما يريد الكاتبان إيصاله!

واجتهاد الإنسان في تفسير الإشكالات إن ظهرت هو اجتهادٌ مشكور، لكن المهم أن تجتهد في إطارٍ صحيحٍ صريح وليس من منطلق تأويلٍ متحامل خارج على السياق واللغة، وإلا فالتأويل المتحامل عباءة فضفاضة تتسع لكل شيء بدءًا من التفسير الباطني إلى أشد أنواع الكفريات التي ظهرت في تاريخ الإسلام وما من فرقةٍ ضالة ظهرت إلا ولها في التأويل المتحامل نصيب!
ولذا يأتي هذا الرد فقط لبيان هل سلك الكتاب في تعامله مع النصوص: التأويل الصحيح أم التأويل المتحامل وليْ عُنق النص؟
وشتّان يبن: التأويل الصحيح والفتح العلمي المعرفي القرآني، وبين الانحراف بالنص خارج سياقه ودلالته ومبناه، وما أكثر الانحرافات التي سُوّدت فيها آلاف الصفحات ونسيها الزمان بتعاقب الدهور!

لكن قد يسأل سائل: ما هي خطورة التأويل الباطني المتحامل على نصوص الشرع؟
والجواب أن: كتاب الله تعالى نزل بلسانٍ عربيٍ مبين {هذا لسان عربي مبين} ﴿١٠٣﴾ سورة النحل.
فكتاب الله نزل بلغة العرب، ليفهمه الناس وليس لنتأوله تأويلات باطنية تُخرجه عن معناه ومغزاه ومراده.
فالله سبحانه خاطبنا بما نعرفه في لغة العرب فلابد من فهم كلامه بناءً على ما تقتضيه هذه اللغة!

وإلا فالتأويل الباطني قطارٌ طويل يركبه كل أحد ويجد فيه كل ضالٍ مشربه، وعرباته تتسع لكل فكرة مهما كانت سخافتها أو عتوها!
فمثلاً: من التأويلات الباطنية التي أظهرتها فرقة القرامطة قديمًا أن الزنا ليس هو الفاحشة، وإنما المراد به إلقاء نطفة العلم الباطن في نفس من لم يسبق معه عقد العهد، والطهور ليس هو الوضوء المعروف، وإنما المراد به التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى مبايعة الامام.
والصيام في تأويلهم ليس معناه الإمساك عن المفطرات في وقتٍ مخصوص، وإنما الصيام الإمساك عن كشف السر .
أما الطواف بالبيت سبعاً فقالوا هو الطواف بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى تمام الأئمة السبعة، والصلوات الخمس الأصول الأربعة والإمام، وعليه فلا حاجة لأداء هذه الصلوات المعهودة عند المسلمين.
ومن نماذج تأويلاتهم لمعجزات الأنبياء، تأويلهم طوفان نوح عليه السلام بأنه طوفان العلم الذي أغرق المتمسكين بظواهر الكتاب والسنة، وأن نار إبراهيم عليه السلام التي ألقي فيها هي عبارة عن غضب النمرود، وليست نارا حقيقة، وجن سليمان هم باطنية ذلك الزمان والشياطين هم الظاهرية الذين كلفوا بالأعمال الشاقة، إلى آخر هذيانهم الذي يضحك الثكلى، ويبين سخافة عقولهم وسذاجتها! 
وبعض الرافضة يُؤولون الأئمة على أنهم النحل فيقولون ألم يقل الله تعالى [وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ] (النحل: 68)؟
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=67939

وعمومُ البشر على اختلاف لغاتهم يعدون ظاهر الكلام هو العمدة في المعنى.
وأما أسلوب التعمية والإلغاز والتأويل الخارج على السياق فلا وجود له إلا في الفكر الباطني.
ولو اتُّخِذ هذا الأسلوبُ قاعدةً لما أمكن التفاهم بحال، ولما حصلت الثقة بمقال؛ لأن المعاني الباطنية لا ضابط لها ولا نظام.
هذا في الكلام عموماً؛ فكيف بكلام الله المنزل، الذي وصفه الله - عز وجل - بأنه "بيان للناس".
وفي الناس عالمون، و جاهلون، ومنهم أميون، وكاتبون قارئون.
ولكن الله جعله بياناً لهم جميعاً، مُيَسَّراً للذكر؛ ليعبد الناس ربهم على بصيرة.
والمتأمل لمقالة التأويل الباطني يدرك خطورتها في تفسير القرآن، وأنها تقتضي بطلان الثقة بالألفاظ، وتسقط الانتفاع بكلام الله ورسوله، ويصير ما يسبق إلى الفهم لا يوثق به.
ولو كانت تلك التأويلات الباطنية هي معاني القرآن ودلالاته لما تحقق الإعجاز، ولكان من قبيل الإلغاز.
http://www.al-aqidah.com/?aid=show&uid=fkjekgom

ولذا اشتد نكير أهل العلم عبر الزمان على التأويلات الباطنية المتحاملة على نصوص الشرع لما في السير على خطها من إفسادٍ للدين وتخريبٍ للسنن!
لذا كان الأخذ بظواهر الكلام أو التأويل بقرينة أمراً لازماً في الذكر الحكيم والسنّة القطعية، أمر لا يمكن النقاش فيه ، ولا يصحّ استثناء آية من تلك الضابطة، فلو تبيّن بالدلائل القطعية ما هو الظاهر يجب اتّباعه، فالذي يجب الأخذ به هو الظهور الجملي المستقر، وإلا لاحتملت النصوص كل شيء ولفسدت الديانة كما وضّحنا!

بعد هذه المقدمة اليسيرة ننطلق على بركة الله في تحليل كتاب "آذان الأنعام" لننظر هل يهتدي بنسق التفسير المباشر أم التأويل المتحامل الباطني الفاسد!


آدم عليه السلام من وجهة نظر الكاتب:
يقرر الكاتب أن آدم عليه السلام في القرآن الكريم ليس شخص وإنما هو تجمع بشري عبارة عن 32 نسمة!
وهذا خلاف ما أطبق على العلم به كشخصٍ واحد المسلمون واليهود والنصارى والمجوس والجينيين وأهل العلم والدين عبر كل العصور!

لكن لماذا بالتحديد العدد 32 شخص؟
يقرر الكاتب أن حساب عدد الأشخاص الذين هم آدم جاء باقتراح شخصي منه، وذلك من خلال أن الأنعام التي نزلت ثمانية أزاوج، اثنين من الإبل واثنين من الضأن واثنين من البقر واثنين من الماعز. 
وبما أن الإبل تكفي لسبعة في الهدي أثناء الحج، والبقر يكفي لسبعة، والماعز واحد والضأن –الخراف- واحد، إذن يكون المجموع 32 وبالتالي عدد آدم كان 32 .
كتاب آذان الأنعام، نسخة الكترونية، صفحة 285.
ويقول الكاتب تأكيدًا على صحة هذا الهراء أن رقم دونبار Dunbar's number لبداية الخليقة هو 32 وبالتالي فهذا سبق علمي!
لكن هذا الكلام خاطيء تماماً. فروبن دونبار هو باحث بريطاني مغمور وليس صاحب نظرية عملية مثلاً أو بحث يُعتد به. كل ما قام به دونبار أنه كتب في بدايات القرن العشرين أن العلاقات الاجتماعية يمكن الحفاظ عليها دون قوانين في تجمع بشري يتكون من عدد قليل من البشر!
يقول الكاتب أن العدد القليل من البشر طبقًا لدونبار هو 32 . وهذا خطأ تمامًا فما قاله دنبار هو 100-250 بمتوسط 150 .
إذن كاتبنا ارتكب أربعة أخطاء: خطأ ديني و3 علميين.
أما الديني فهو افتراض أن آدم هو أكثر من شخص.
أما العلميين فهم: 1- افتراض أن كلام دونبار مرجعية مع أنه اجتهاد مغمور شعبي بلا قيمة!
2- وافتراض أن العدد الذي قاله هو 32 والصحيح 150 في المتوسط.
3- وافتراض أن هذا العدد يختص ببداية الخليقة مع أن الأمر هو قضية اجتماعية لتجمع بشري لا يحتاج لقوانين. لا أكثر.

معصية آدم عند الكاتب:
يفترض الكاتب أن آدم الذي هو 32 شخص نزلوا إلى عرفات بعد المعصية، والمعصية عند الكاتب ليست أكل من الشجرة كما هو صريح اللفظ القرآني، وإنما المعصية هي الجماع!
{وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} ﴿٣٥﴾ سورة البقرة.
فالشجرة عند الكاتب هي الجماع، حيث أن الشجرة من الشجْر والشجر هو التداخل والتلاحم. كما يقول في صفحة 96.
لكن ما لم يذكره الكاتب أن الشجر ليس من معانيه في اللغة الجماع!
ولم يذكر ذلك أحد!
وكلمة شجرة في كتاب الله اسم لذات ولم ترد كفعل!
وكتاب الله تعالى نزل بلسانٍ عربيٍ مبين { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} ﴿١٠٣﴾ سورة النحل.
فكتاب الله نزل بلغة العرب، ليفهمه الناس!
ثم ما الذي نستفيده إذا ألغينا ظاهر النص ولجأنا إلى هذا التأويل؟
ما الفرق الذي سنحصل عليه إذا افترضنا أن المعصية هي جماع وليست أكل من شجرة؟
لا أرى استفادة من هذا التأوليل إلا الخروج على السائد وتسويد صفحات من الكتاب والبزّ على الأفهام!

التوبة من المعصية عند الكاتب:
بعد المعصية ونزول آدم الذي هو كما أوضحنا 32 شخص، تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، ويفترض الكاتب أن الكلمات التي تاب الله بها على آدم ليست هي الواردة في سورة الأعراف على الراجح من قول أهل العلم: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} ﴿٢٣﴾ سورة الأعراف.
وإنما الكلمات طبقًا لكاتبنا هي تقطيع لأحجار –كما يحدث مع المساجين الآن مع أن قطعهم للحجارة هي وظيفة وليست عمل دون جدوى - وهذه الأحجار تم رصها على شكل جبلين صغيرين هما الصفا والمروة.
هكذا بدون أي دليل على الإطلاق تتحول الكلمات إلى سُخرة في الجبل ويصبح الجبل هو الصفا والمروة!
ولم يرد مثل هذا التأويل في حديث صحيح ولا ضعيف ولا موضوع، ولم يقل به أحد أصلاً ولا يوجد له مستند!
وإنما خيالات ما أنزل الله بها من سلطان!

سجود الملائكة لآدم عند الكاتب:
لكن يا ترى كيف يرد كاتبنا على سجود الملائكة لآدم؟
وآدم عند الكاتب هو كائنات بدائية عددها 32 شخص، مجرد حلقة وصل بيننا وبين الحيوانات. فكيف تسجد الملائكة لهذه الكائنات البدائية؟
يرى كاتبنا أن الملائكة التي أُمرت بالسجود لآدم هي النواميس الكونية وال mRNA أو الحمض النووي داخل الخلية الحية المسئول عن نقل شيفرات تخليق البروتين كما يقول ذلك في كتابه ص75 و76.
ومع مخالفة ذلك لكل فهمٍ إلا أننا لا ندري كيف كان آدم موجودًا أصلاً إلا بوجود هذه الموصلات الكيميائية في جسده قبل الأمر بالسجود.
ثم إن هذه الموصلات في كل حشرة وحيوان فما الذي يميز هذه الكائنات البدائية حتى يأمر الخالق mRNA أن تخضع لها؟
ثم أليس المفترض طبقًا للكاتب أن الانسان جاء من هذه الحشرات والحيوانات فلماذا الموصلات الكيميائية تعمل في الحشرات وتنتظر الأمر الإلهي لتعمل في الكائنات البدائية؟
ثم كيف ظهرت الكائنات البدائية وانتظرت الmRNA إشارة العمل؟ 
أصلاً mRNA لو توقف لحظة في الجنين فإنه يهلك، فهي أحماض نووية مسئولة عن تصنيع البروتين!
ثم لماذا mRNA وليس الريبوسومات مثلاً؟ أو DNA مثلاً أو أجهزة جولجي؟

لكن في المقابل هناك نصوص صريحة على سجود هيئة للملائكة وليس أحماض نووية في ذهن كاتبنا صاحب الفروض العجيبة. 
وأحد النصوص الصريحة على سجود الهيئة للملائكة قوله تعالى: فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. 
لكن كاتبنا له رأي آخر هنا، فهو يرى أن قوله تعالى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ كلمة "فقعوا" ليست فعل أمر كما يفهمها كل المسلمين وإنما هي من الفقع أي سيفقع ملائكة الأرض كما قال بالحرف في كتابه صفحة 82!
وللقاريء أن يندهش ما شاء، فنحن أمام قراءة تأويلية خرافية من أسخف ما يكون فلا تتسق مع لغة ولا شرع ولا علم ولا فهم!

وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين
وماذا عن قوله تعالى لمحاولات الشيطان المتتالية لإغواء آدم وحواء {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} ﴿٢١﴾ سورة الأعراف؟
فالشيطان أقسم لهما أي لآدم وحواء وليس ل32 نسمة. 
لكن يبدو أن كاتبنا كالعادة يقوم بتحميلات من أعجب ما يُسطّر في عالمنا العربي، فقام بتأويل هذه الآية تأويلاً لم يسبقه به أحد من العالمين وهو أن كلمة قاسمهما تعني قسّمهما أي قسّم آدم الذي هو 32 نسمة إلى أقسام ذكور وإناث وعصاة ومطيعين.
ولا أدري كيف لم يدرك الذكر أنه ذكر إلا بعد أن قام الشيطان بهذه الوظيفة الغريبة وقسّمه إلى ذكر والأنثى إلى أنثى!
ولا أدري كيف ينتظر إنسان أو حيوان أو حتى حشرة أو وحيد خلية ليعرف نوع جنسه!
أما تقسيمهم إلى عصاة ومطيعين فهذا تقسيم أعجب. إذ كيف يقول لكلا القسمين العصاة والمطيعين أنه لهم من الناصحين أليس العصاة متقبلين لما يقوله دون إخبار؟ أليس الأولى أن يكون حديثه للقسم الآخر مباشرةً!
إن هذا التأويل العجيب لتنفر منه الأذهان والألسن العربية والأفهام السليمة!
لكن الكاتب مضطر لهذا التأويل حتى يخرج من فكرة أن الشيطان يُقسم لكائنات بدائية جاهلة -طبقًا للكاتب- أنه لها من الناصحين.
ويمكن لمدقق أن يخرج بعشرات الأخطاء المعرفية واللغوية والفكرية والفلسفية والعلمية في كل عبارة من عبارات كاتبنا!

سفينة نوح عند الكاتب هي سفينة انتخاب طبيعي:
أما تبرير الكاتب لقضية الانتخاب الطبيعي في القرآن الكريم فشيء صراحةً شديد الغرابة.
فالكاتب يرى أن ابن نوح كان غير صالح من ناحية الخِلقة وليس من ناحية الديانة . كما يقول في صفحة166-168 
وبالتالي فالخالق سبحانه طلب من نوح أن يترك ابنه حتى يغرق لأن بِنيته لم تكن سليمة –انتخاب طبيعي - وهذا لعمري تأويل من أعجب ما يكون!
فالله أغرق العجزة والمعاقين. هكذا هي قضية نوح وصراعه مع قومه يتم تأويلها للانتصار لهذه السخافات.
فالكاتب يرى أن سفينة نوح كانت سفينة تطور –نعوذ بالله من الخذلان- وأن نوح عليه السلام ضمّ الصالحين بدنيًا من عائلته في السفينة، في حين غرق العجزة والمعاقين والمرضى!
وليست سفينة انتصار للحق وإهلاك للظالمين!
بل إن آدم الأول الحقيقي عند الكاتب هو سيدنا نوح عليه السلام!
هل مثل هذه التأويلات تصح أمام النصوص القرآنية الصريحة التي تحكي قصة نوح عليه السلام كما يلي: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ﴿٢٥﴾ أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ﴿٢٦﴾ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ﴿٢٧﴾ قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ﴿٢٨﴾ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ﴿٢٩﴾ ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ﴿٣٠﴾ ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين ﴿٣١﴾ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ﴿٣٢﴾ قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ﴿٣٣﴾ ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون ﴿٣٤﴾ أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون ﴿٣٥﴾ وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ﴿٣٦﴾ واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ﴿٣٧﴾ ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ﴿٣٨﴾ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ﴿٣٩﴾ حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ﴿٤٠﴾ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ﴿٤١﴾ وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ﴿٤٢﴾ قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ﴿٤٣﴾ وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ﴿٤٤﴾ ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ﴿٤٥﴾ قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ﴿٤٦﴾ قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ﴿٤٧﴾ قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ﴿٤٨﴾ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ﴿٤٩﴾} سورة هود.
هل هذا انتخاب طبيعي لإهلاك المعاقين والضعفة والعجزة، أم انتصار للحق وإهلاك للمفسدين والمتجبرين الذين رفضوا الاستجابة لدعوة نوح عليه السلام؟

بما سبق نكون قد أوضحنا كيف أن الكتاب مجرد تأويلات باطنية متحاملة من أشد ما يكون ولا أدري لماذا هذه التأويلات الثقيلة؟
من أجل ماذا؟
وهروبًا من ماذا؟
وعلى أي أساس؟
ووفق أي فهم؟
وإذا وصلنا إلى هذا التأويل فعند أي حد نصف التأويل أنه باطني ضال أو أنه روح النص؟

ثم ما الفرق بين الأنعام والريش؟
فعندما يفترض الكاتب أن الأنعام نزلت نزولاً مباشراً من السماء كما في صفحة 142 فأنا سأفترض أن الريش نزل نزولاً حقيقًا {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} ﴿٢٦﴾ سورة الأعراف.
وسأسميها نظرية ريش السوأة وإذا أثبت العلم أن الريش لم يظهر في الأرض فسيكون سبق علمي معرفي!
مع ملاحظة أن نظريتي أقرب علمياً من نظرية الكاتب، لأن الريش حتى الساعة لايوجد تأويل علمي لظهوره داخل نظرية التطور!

أخطاء فيزيائية:
أيضًا الكتاب يحتوي على مقولات عجيبة مثل قوله صفحة 114: "رفعت السماوات عن الأرض في مكة بقوة طرد".
أين دليل ذلك في الشرع أو في الفيزياء؟
هل فقط لأن مكة مكان طاهر مقدس إذن لابد من وضع فروض من أجلها؟
حين كسفت الشمس لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يضع النبي فرض أن ابراهيم ابن نبي وبالتالي الشمس كسفت من أجله، ومع أنه لو افترض ذلك لسّلم له بذلك الموافق والمخالف ولن يجد المعارض، لكنه صلى الله عليه وسلم قالها صريحة: الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته!
هذا هو الشرع وليس التحميل على الشرع والتأويل عليه فهذا ليس انتصارًا له!

الأخطاء الدينية عند الكاتب:
أما الأخطاء الدينية التي قام عليها الكتاب فأكثر من أن تُحصى
فهو يفترض أن:
1- أجداد الأنبياء كانوا حيوانات-عياذًا بالله-.
2- وأن أول البشر والده المباشر هو حيوان بشري يسير في الغابة.
3- وأن الله لم يخلقنا بيده مباشرةً من طين الأرض كما ورد في نص الحديث" خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ".
4- وأن أول البشر هذا كان مرحلة تطورية سيعقبها مراحل أفضل، ومصادمة ذلك للحديث المتفق عليه " فلم يزل ينقص الخلق حتى الآن". 
5- وأن الأصل هو البقاء للأصلح –سفينة نوح-.

لكن كل هذه الافتراضات تخالف بما لا يدع مجالاً للشك روح الإسلام التي تنص على أن:
1- أول البشر هو إنسان " آدم عليه السلام" خلقه الله بيده {قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } ﴿٧٥﴾ سورة ص .
2- هذا الإنسان خلقه الله من طين الأرض، وهذا الطين تحول إلى صلصال كالفخار {خلق الإنسان من صلصال كالفخار} ﴿١٤﴾ سورة الرحمن.
وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وصححه الألباني رحمه الله.
وقد روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما صور الله آدم عليه السلام في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركه!
3- والإنسان الأول هو آدم عليه السلام، لم يكن ناقصًاً ثم اكتمل! بل العكس هو ما يخبرنا به النص الديني " فلم يزل ينقص الخلق حتى الآن".
4- أصل الخلق قضية غيبية لم نطلع عليها {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا} ﴿٥١﴾ سورة الكهف، فكيف نُسلم لفرضيات ومغالطات لا تستقل حتى بذاتها؟
5- قضية الخلق تقوم على التعاون والتكافل لا الصراع الدارويني وإهلاك الأضعف{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} ﴿١٣﴾ سورة الحجرات.


استدلالات أصحاب فرضية التطور الموجه:
يستدل أصحاب فرضية التطور الموجه على أدلة من القرآن الكريم يزعمون أنها تعضد موقفهم مثل استدلالهم ب:
1- قوله تعالى{وقد خلقكم أطوارا} ﴿١٤﴾ سورة نوح، باعتبار أنها تشير إلى مراحل خلق الإنسان كنوع، بينما الآيه تشير إلى مراحل تخلق الجنين في رحم أمه، يقول الإمام الطبري في تفسير الايه " وقد خلقكم حالاً بعد حال طورًا نُطْفة وطورًا عَلَقة وطورًا مضغة". 
2- أيضًا الاستدلال بقوله تعالى "خلقكم من نفسٍ واحدة" ولو أكمل أصحاب فرضية التطور الموجه الآية ما انتهوا إلى ما انتهوا إليه من تأويلٍ ضعيف . قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) يعني: آدم عليه السلام، ( وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) يعني: حواء، ( وَبَثَّ مِنْهُمَا ) نشر وأظهر، أليس هذا دليلاً على الخلق المباشر؟
3- أيضًا الاستدلال بإنزال الأنعام عجيب ( وَأَنـزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ) معنى الإنـزال هاهنا: الإحداث والإنشاء, كقوله تعالى: أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ ( الأعراف- 26 ). 
9- أيضًا استدلالهم بقوله تعالى وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا على صحة التطور، وكأن الإنبات يقتضي ما تقوله فرضية التطور من التدرج في الخلق، لكن ماذا عن قوله تعالى عن السيدة مريم عليها السلام وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا؟
فقوله تعالى: ( والله أنبتكم ) خلقكم ( من الأرض ) إذ خلق أباكم آدم منها بالصيغة التي نعرفها جميعًا من الأحاديث الصحيحة.

بل إن الكاتب وقع في أخطاء لا تتفق وفرضية التطور نفسها: 
فهو يُسلِّم بصحة التطور وفي نفس الوقت يقرر نزول الأنعام من السماء مباشرةً وخروجها خارج نسق نظرية التطور ككل!
ولا أدري كيف استقام للكاتب الأمران معًا؟
فالتطوريون يقررون عكس ذلك تمامًا حيث يؤكدون وجود الأنعام داخل فرضية التطور.
Science 24 April 2009: 
Vol. 324 no. 5926 pp. 522-528
وبالتالي فالأنعام لها مكانها في شجرة التطور!
فإما أن تُسلم بالتطور وإما أن تسلم بالخلق المباشر، أما أن تخترع مزيجًا لم يسبقك إليه أحد من العالمين ولا يُسلم لك به التطوريون ولا المؤمنون فهذا لعمري في القياس بديع.
وهذا لا فرق بينه وبين أي سخفٍ طالما خلا من الدليل!
فما هو الدليل على استقلال الأنعام خارج منظومة التطور؟
الدكتور يفترض أن المستقبل قد يُثبت ذلك!
إذن نكل الفروض السخيفة إلى حيث نكون غير موجودين! هل هذا منطق؟
هذه فجوة مستقبلية تتعلق عليها فرضية، وهذا أسلوب يتسع لأي شيء!

نقد فرضية التطور!
مشكلة أصحاب التطور الموجه أنهم يُفوتون فرصة كبرى بموافقتهم للملاحدة في فرضية التطور، مع أنهم لو استخدموا حججًا علمية ضد التطور وطوّروا هذه الحجج، فإنهم بذلك يوجهون أكبر ضربة للإلحاد، فالكائنات الحية على وجه الأرض إما جاءت عبر المسار التطوري التدريجي وإما عبر الخالق المباشر، ولا بديل ثالث، فإذا سقط التطور بحجج رصينة سقط الإلحاد وانهارت مدارسه الكهنوتية المادية قولاً واحدًا!

والتطور في أساسه يقوم على فرض فلسفي تأويلي، وهو تشابه الكائنات الحية وبالتالي خروج أحد هذه الكائنات من الآخر!
لكن ينسى الكهنة المروجون لهذه الفرضية أن السؤال الأول والأصل والجذع بلا إجابة، فكيف نتحدث عن أسئلة بعدية أو فروع أو أغصان؟
والسؤال الأول هو: كيف نشأت الحياة على الأرض؟
النشوء قبل الارتقاء!
وطبقًا لحسابات عالم الفلك الإنجليزي الملحد فريد هويل Sir Fred Hoyle، فإن فرصة الحصول على فقط مجموعة الإنزيمات لأبسط خلية حية تصل إلى 10 أس 40,000 مع أن عدد الذرات في الكون كله لا تتجاوز 10 أس80. 

وفي هذه اللحظة يستنتج فريد هويل أن مجرد طرح احتمالية ظهور البرنامج المنظم للخلية الحية، بالمصادفة في الحساء البدئي لبيئة الأرض الأولى على أنه نوع من الهراء على أعلى مستوى ممكن
Is evidently nonsense of a high order. 
Sir Fredrick Hoyle and Chandra Wickramasinghe, Evolution from Space (New York: Simon & Schuster, 1984), p. 148.

وفريد هويل لمن لا يعرفه هو عالم فلك بريطاني شهير وصاحب مصطلح الانفجار العظيم Big Bang وكان ملحدًا، إلا أن أبحاثه في فرضيات نشأة الحياة على الأرض جعلت إلحاده يهتز بشدة "greatly shaken" كما يقول عن نفسه. 
وقد اعترف هويل صراحةً أن أبسط بديهيات العقل حين تتحرى لحظة الظهور الأولى للحياة فإنها تُسلم لحقيقة التصميم والإبداع كونها بديهة ماثلة أمام الأعين، يقول هويل: "ولو تابعنا بشكل مباشر ومستقيم في هذه المسألة ، ودون أن نبالي بالخوف من مخالفة الرأي العلمي السائد، نصل إلى استنتاج مفاده أن المواد البيولوجية بما تحويه من قياس ونظام يجب أن تكون ثمرة تصميم ذكي ، ولا توجد أي احتمالية أخرى يمكنني التفكير بها". 
Hoyle, Fred, Evolution from Space, Omni Lecture, Royal Institution, London, 12 January 1982; Evolution from Space (1982) pp. 27–28

أما ديفيد بيرلنسكي David Berlinski عالم الرياضيات والبيولوجي الأمريكي الشهير، فيؤكد أن مسألة النشوء وكل ما كُتب فيه مِن قبل الماديين مجرد خيال علمي لا أكثر! 
https://web.archive.org/web/20080420082802/http://www.slate.com/id/2189178/entry/2189179/

ويقرر اللاديني فرانسيس كريك Crick Francis مكتشف جزيء الDNA أن نشأة بروتين واحد وظيفي بسيط بالصدفة هو ضرب من الاستحالة يكاد يفوق 10 أس 260 مع أن عدد ذرات الكون ككل لا تتجاوز 10 أس 80، هذا في بروتين وظيفي بسيط مع أن أدنى الكائنات به آلاف البروتينات، وفي النهاية يعترف فرانسيس كريك قائلاً: "كرجل منصف، ومُسلح بالعلم المتاح لنا الآن، أستطيع أن أُقرر بشيءٍ من المنطق، أن نشأة الحياة معجزة."
Life Itself: Its Origin and Nature, P.88

فإذا كانت نشأة الحياة معجزة، فبالأحرى ما بعدها أكثر إعجازًا وتعقيدًا وإبهارًا!
وإذا خرجت قضية النشوء خارج نسق الحسابات المادية فليس من المنطق أن نتحدث عن الفرع وهو الارتقاء!

أيضًا الارتقاء وتطور الأنواع يعاني من خلل معرفي عميق في بنيته، والهجوم المباشر عليه ليس مِن قِبل المناوئين للنظرية كما يبدو –وكما يزعم الملاحدة- وإنما مِن قِبل المنتظمين في سِلكها.
يقول التطوري إدوارد وايلي Edward O. Wiley أن آخر ما وصلت إليه النظرية بشأن ظهور الأنواع – الإنتواع speciation – ما يلي: "لقد قُتِلت هذه العملية -أي: الانتواع- بحثا، والحق أنَّ إشكالَ ما هو النوع، وإشكال كيف ظهرت الأنواع، بعيدان عن الحل." 
Wiley, E.O. (1992) the Evolutionary Species Concept Reconsidered, p.79

أما الانتخاب الطبيعي عمدة التطور وقوام النظرية وأصل الداروينية الكلاسيكية والداروينية الجديدة فلم يدخل حتى الساعة دائرة العلم التجريبي ولا العلم الرصدي وإنما تخمينات أركيولوجية – أحفورية- لا أكثر. 
يقول عالم البيولوجيا التطورية والوراثة السكانية الأمريكي الشهير ويليام بروفاين Provine :"الانتخاب الطبيعي لا يعمل على أي شيء. فلا هو ينتخبُ لصالح شيء أو ضده، ولا هو يقهر، ولا يُكثّر، ولا يخلق، ولا يعدّل، ولا يُشكّل، ولا يشغّل، ولا يقود، ولا يصطفي، ولا يحافظ على شيء ما، ولا يدفَع، ولا يكيّف. الانتخاب الطبيعي لا يقومُ بشيء". 
Provine, W.B. (2001) the Origins of Theoretical Population Genetics, p.199.

وهي نفس النتيجة التي توّصل إليها الداروينيَيْن الملحدَين جيري فودور Jerry Fodor
وماسيمو بياتيلي بالماريني Massimo Piattelli-Palmarini ، حيث لم يجدا بدًا من تخطئة داروين رأساً، وصنَّفا في تهافت مفهوم الانتخاب الطبيعي كتابهما: "الأمر الذي أخطأ فيه داروين What Darwin Got Wrong". وكان مما صدّرا به كتابهما ما يلي: "هذا ليس كتاباً عن الله، ولا عن التصميم الذكي، ولا عن الخلق. ليس أياً من أحدنا متورطٌ في شيءٍ من ذلك. لقد ارتأينا أنه من المستحسن أن نوضح هذا منذ البداية، لأن رأينا الأساسي فيما سيأتي يقضي بأن هناك خطأ ما - وربما خطأ لدرجة قاتلة - في نظرية الانتخاب الطبيعي". 
Fodor, J. & Piattelli Palmarini, M. (2011) What Darwin Got Wrong, p.15 (تصميم الحياة، دار الكاتب، مقدمة الدكتور: عبد الله الشهري)

وداخل البحث الأحفوري والرصدي المباشر للكائنات الحية نجد أنه لا توجد مثلاً سلاسل متدرجة من الأحافير تملأ الفراغ بين الأسماك والبرمائيات أو بين الزواحف والطيور، بل تظهر الأحافير كاملة النمو والتمايز والوظيفة من أول ظهورٍ لها في السجل الأحفوري. وتُظهر أحافير الأسماك الأولى كل الصفات المعروفة للأسماك اليوم. وكذلك تُظهرُ الزواحفُ في السجل الأحفوري كلَّ صفات الزواحف الحية اليوم. هذا النمط ظاهر عبر السجل الأحفوري ككل..
فالسجل الأحفوري لا يقدّمُ أيَّ دليلٍ على أنَّ الشُعب المنقرضة مرتبطة مع بعضها بمراحل تطورية وسيطة.
إن الأشكال الانتقالية التي يُزعم وجودها. عددها اليوم أقلَّ مما كان معروفاً أيام داروين. فالتطوريون مثلاً اضطروا لنفي بعض الحالات التقليدية المشهورة للتغيرات الداروينية في السجل الأحفوري، كتطور الحصان في أمريكا الشمالية بعد ظهور المزيد من المعلومات المفصلة حول ذلك. 
فالزعم بأن الزمن كفيل بإظهار الحلقات المفقودة جاء بنتيجةٍ عكسية غير مُتوقعة!

يقول عالم الفيزياء النظرية –والحاصل على الدكتوراة في فيزياء الكم النظرية- أميت جوسوامي Amit Goswami أن: "أنصار نظرية التطور يمارسون نفس عناد السابقين، فهم يقومون بتعديلات لا نهائية للنظرية الأُم لتواكب تلك الاكتشافات، فكان المفترض لو أن الأمر كما يزعمون أن تتحقق توقعات النظرية في كل كشف أحفوري جديد لكن الحاصل أنه لا شيء يتحقق البتة، بل إن كل كشف جديد يتطلب رسم دوائر جديدة لا أكثر، وصارت النظرية حبلى بالدوائر عاجزة عن التنبؤ بشيء ولا يقدم الكشف الأحفوري إلا إضافة دوائر جديدة حول النظرية.
-ويقول في موضع آخر على موقعه الرسمي أن- الجميع يعلمون الآن بشأن الفجوات الأحفورية، وخلافاً لتوقعات عدد كبير من علماء الأحياء، لم تمتليء الفجوات الأحفورية يومًا ما حتى مع آلاف آلاف الحلقات الوسيطة المتوقعة!
إذن ما هو الدليل-على النظرية-؟
ما الذي يحاول هؤلاء إثباته بالضبط؟ " 
http://www.amitgoswami.org/2014/11/05/darwins-mistake/

وهي نفس النتيجة التي توصل لها كولين باترسون Colin Patterson -من كبار علماء الحفريات-، والذي عمل في مجال التطور طيلة عشرين سنة ثم قال: " لقد استيقظت ذات يوم واكتشفت أنني بعد عشرين عامًا من العمل في التطور لا أجد دليلاً عليه سوى تخمينات اعتباطية."
وقال: " نعم أتفق معكم تمامًا، لا توجد أحفورة واحدة نستطيع أن نجادل بشأنها." 
Colin Patterson, (Creation Science Foundation, Revised Quote Book, 1990)
لقد أوضح كولين باتريسون وغيره أن مشكلة التطور تقوم على الفروض الفلسفية والأُطر التأويلية لا أكثر، ولو كانت النظرية تملك دليلاً علميًا واحدًا لتوقف الجدل بشأنها منذ زمنٍ بعيد.

أما الملحد اللاأدري الشهير ديفيد بيرلنسكي David Berlinski فيرى أن التطور طبقًا لمعطياتنا الأحفورية من مفهوم رياضي-وهو مجال تخصصه- مستحيل! حيث يؤكد أن التطور وهم وخرافة من منظور إحصائي رياضي، وطبقًاً له فإنه عندما تقرر البقرة أن تتحول إلى حوت -كما يفترض التطور- فإنها بحاجة إلى 50 ألف تغير جسدي بها، ولابد أن تكون هذا التغيرات متزامنة، ولابد أيضاً من وجود ملايين الكائنات الوسيطة في كل تغير، والنتيجة التي نعرفها جميعاً أنه لا وجود لأيٍ من هذه الكائنات الوسيطة وفي النهاية يبقى السؤال:مَن هو الموجه لهذا التغير؟ 
http://www.youtube.com/watch?v=OMw3OzQfVvI

من العدل أنْ نقولَ أنَّ علماء الأحافير قد شغلوا أنفسهم بجهودٍ ملحمية لاكتشاف الروابط المفقودة باحثين في آلاف السفوح الرسوبية وفي أطنان الصخور الصلبة (ليس فقط الأحجار الرملية أو الصخور الطينية بل حتى في صخور الكوارتز التي تحتاج لتقطيعها إلى شرائح رقيقة). 
نستنتج أنَّ ندرةَ الأحافير الانتقالية لا تعود لنقصٍ متأصلٍ في السجل الأحفوري، ولا إلى قلّة الجهود المبذولة لاكتشافه. 
خلاصة ما في الموضوع أن: الداروينية لا تملك الدليل إلَّا من غياب الدليل الأحفوري الذي وضعت النظرية من أجل تفسيره.
وحين بذل العلماء جهوداً جبارة في الأحافير فمن العدل أن نتخلى عن مثالية التطور كحقيقة علمية لتفسير تنوع الكائنات الحية.

يعترف التطوري الشهير هنري جي Henry Gee والذي يعمل محررًا علميًا في مجلة الطبيعة Nature أيضاً أن هوس صحة التطور من خلال الأحافير أصبح سرابًا فيقول: "لا تُدفن الأحفورة مع شهادة ميلادها، وأصبح من المستحيل عملياً محاولة ربط هذه الأحافير في سلاسل مقبولة من نمط سبب ونتيجة... إنّ أخذ سلالة من الأحافير وادعاء أنها تمثل خطاً تكاثرياً لا يعتبر فرضية علمية قابلة للاختبار، وإنما هو تأكيد على قصة تحمل نفس القيمة العلمية للقصص التي تروى قبل النوم". 
Henry Gee, In Search of Deep Time, p.116

والتشابه بين الكائنات الحية الدليل الأكثر شعبية على التطور على الإطلاق، هو افتراض فلسفي تأويلي وليس قضية علمية، فتشابه الشكل الخارجي للكائنات الحية كدليل على التطور والسلف المشترك! هذه التعويذة تعني أنه لا يوجد شيء آخر يمتلكه صاحب دعوى التطور، فلولا فقدان الدليل لما احتجّ التطوري بتخمين حمّال أوجه مثل تخمين التشابه. 

وحُجة التشابه بين الكائنات الحية ليست حجة علمية تجريبية وإنما حُجة اصطلاحية لغوية متعلقة بالتعريف الاصطلاحي لمعنى كلمة "تشابه"!
ثم ماذا يفيد التشابه؟ 
ومِن أين لنا أن التشابه دليل تقارب؟ 
ولم لا يُستخدم التشابه كدليل على وحدة الصانع –أليس في التشابه بين الكائنات الحية دليلاً مباشرًا للمؤمنين بالخالق الواحد-؟ 
ولم يفيد التشابه التقارب التطوري؟ لم لا يعني التشابه مثلاً: التماثل في الخلق والخِلقة حيث الكائنات الحية خلقت بنظامٍ متماثل {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } ﴿٣٨﴾ سورة الأنعام.
ولم يفيد التشابه السلف المشترك ولا يفيد سير العالم بنسقٍ واحد {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} ﴿٣﴾ سورة الملك؟
وما لا حصر له من الأسئلة!
وهنا نحن الآن خارج دائرة العلم تمامًا حيث أخذ الجدال طابع الطرح الفلسفي!

فتشابه الهيكل المعدني للسيارات على اختلاف موديلاتها وأصنافها لا يعني بداهةً انحدارها من سلفٍ مشترك، بل هي مُصممة على نَسق معين وليست منحدرة أحدها من الأخرى!

لن تستطيع الأحفورة مهما كانت مكتملة ومُعبِّرة أن تثبت علاقتها بسلفٍ لها أو خلفٍ جاء بعدها!
كتب غاريث نيلسونGareth Nelson خبير الأحافير بالمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي كتب يقول: "فكرة الذهاب للسجل الأحفوري من أجل الحصول على استنتاج تجريبي لعلاقة السلف-الخلف بين الأنواع، والأجناس، والعائلات، أو كل ما كان، أو ما يمكن أن يكون، ما هو إلا وهمٌ خبيث".
From a presentation by Gareth Nelson in 1969 to the American Museum of Natural History, quoted in David M. Williams and Maire C. Ebach, "The Reform of Palaeontology and the Rise of Biogeography- 25 Years after 'Omogeny, Phylogeny, Palaeontology and the Biogenetic Law' (Nelson, 1978)," Journal of Biogeography31 (2004): 709.

إذا أراد مؤلف كتاب آذان الأنعام أن ينشر ما يفيد الناس وينتصر فيه لظاهر النص وبداهة العقل فليستغل وقته بدلاً من التأويلات الغريبة في سرد الأدلة العلمية على سخافة التطور، ويقوم بتطوير هذه الأدلة.
ومن أمثلة الأدلة العلمية: انفجار الكامبري!
انفجار الكامبري Cambrian explosion وهو اصطلاح يُسلِّم به التطوريون، وهو يعني ظهور مفاجيء لأغلب الكائنات الحية في بداية العصر الكامبري Cambrian Period.
حيث تفيد دراسة السجلات الصخرية ظهور معظم شعب الحيوانات المعروفة (أكثر من 95%) في هذه الفترة القصيرة من عمر الأرض.
إن هذا الظهور المفاجيء appearance “at once” لهذا العدد الضخم والمدهش من الهياكل والكائنات الحية الجديدة دفعةً واحدة هو على العكس تمامًا مما تقتضيه الداروينية من التدرج مع الزمن والظهور المتقطع!
فالظهور المفاجيء للكائنات الحية يمثل انهيار تام لنظرية التطور، حيث لن يبقى ثمة مبرر لوجودها.
وقد كان تشارلز داروين Charles Darwin يدرك تمامًا أن ظهور قفزات فجائية في السجل الأحفوري سيعني الخلق الخاص -فهذه بديهة عقلية-، ومن أجل ذلك كتب يقول: "إذا ظهرت فجأةً أنواع عديدة من جنسٍ واحد أو عائلةٍ واحدة، فهذا قاتل للنظرية fatal to the theory ، خصوصًا مع إدراكنا لبطء التغييرات خلال عملية الانتقاء الطبيعي." 
On the Origin of Species, chapter9, p.302.

ولو عاصر داروين اكتشاف انفجار الكامبري لربما تخلّى عن النظرية للأبد!
فلا يوجد بديل ثالث؛ إما تدرج بطيء وإما ظهور مفاجيء -خلق مباشر-، أو بلغة الملحد التطوري الشهير ريتشارد داوكينز Richard Dawkins: "إذا لم تكن تغيرات تدريجية بطيئة فإنها المعجزة miracle." 
River out of Eden (1995) p.83

إنها بداهة عقلية لا علاقة لها بكونك ملحد أو مؤمن.
وحتى يتبين لك معنى اللحظة الإعجازية في حقبة الكامبري والتي ظهر فيها الخلق المباشر لأغلب أنواع الكائنات الحية على الأرض، فإننا سنتخيل تاريخ الحياة كاملاً على الأرض على شكل فترة 24 ساعة، وحين قاربت الساعة 21 وفي خلال دقيقتين فقط انفجرت أغلب أشكال الحياة على وجه الأرض فجأةً في شكلها الحالي المكتمل. 
https://www.youtube.com/watch?v=E10JwiELDo0
لقد كان داروين يردد دائمًا جملته الشهيرة: "الطبيعة لا تقفز قفزات فجائية." 
On the Origin of Species, p.156
فها هو الرصد الأحفوري يثبت عكس ذلك تمامًا!

إن العلم مشروعٌ جريء؛ فهو يقوم بالمخاطرات ويتحمل تكلفة القيام بتلك المخاطرات لأنه على اتصالٍ دائم بالدليل التجريبي، ولذا يمكنه أن يصحح نفسه بنفسه في ضوء الحقائق الجديدة. 

وإذا كان العلم المادي يعترف بالفشل الذريع في تفسير أصل الحياة وتفسير ظهور الخلية، فما المانع أن يُقر العلم بالصنع المتقن كقضية مفسرِة لأصل الحياة.
وبما أن الخلية الحية منظومة معلوماتية عالية الإتقان، وطالما أن طرح الصنع المتقن مبني على المعرفة بدلاً من الجهل، فهو مشروع علمياً.
لاحظ أن هذا الاحتمال بالذات يُظهر أن الصنع المتقن قابل للاختبار –وبالتالي فهو قضية علمية-، فالطريقة الوحيدة لتحديد صحة أية فرضية هي من خلال الاعتراف بأنها خيار علمي حي، ويجب إخضاعها لخصائص العلم.
لكن للأسف الشديد الحال اليوم هو رفض الصنع المتقن ابتداءً بسبب مقدمات مادية إلحادية لا يرغب مُنَّظروها في التخلي عنها، رغم فشل تلك المقدمات المادية في الإجابة عن الأسئلة الجوهرية مثل: كيف نشأت الحياة؟ وما مصدرها؟ وما هي الحياة؟ وكيف حدث الانتواع المفاجيء للكائنات الحية في فترة بداية عصر الكامبري Cambrian period القصيرة نسبيًا؟ وكيف ظهرت هذه الأنظمة عالية التعقيد؟ 

مشكلة التطوريون عمومًا أنهم يعيشون على مبدأ فرِّق تسد، فإذا ذكرت لهم تعقيد الخلية الشديد فإنهم ينقلونك إلى خلايا أبسط، مع أن أبسط الخلايا الحية على الإطلاق تحتوي على آلاف البروتينات المتخصصة.
إن الخيال مجاني؛ وقوام ردود التطوريون قائمة على خيالاتٍ لا حقائق، وفروضٍ لا رصد، واحتمالاتٍ لا ثوابت؛ بينما قوام الصنع المتقن على حقائق وبديهيات ومسلمات عقلية ورصد إعجازي لكل منظومةٍ حية.

وها نحن ندعو في نهاية هذا المبحث إلى: الدفع بالعلم باتجاه تحرير قضية الصنع المتقن، ولتكن هذه الدعوة معالجة جديدة تتحد فيها جهود المسلمين والمنصفين من العلماء في كل مكان، لتحليل ظهور الكائنات الحية على وجه الأرض وفق نسق الخلق الإلهي المبدع. وإن كنّا ندرك أن دعاة المادية وإن صادفتهم هذه الدعوة فلن يعيروها اهتمامًا، لأن مقدماتهم الاعتقادية تأبى عليهم ذلك، ولأنهم يريدونها "مادية إلحادية" ولذا لن يقبلوا بالبديل، وإن كان أقوى حجةً وأرسخ قدمًا وأثبت أدلة. 
فلله الأمر من قبل ومن بعد!