هل كان يمس ابن عمر ثدي وعجز الجارية التي يريد شراؤها
في البداية نقول :
ما أعجب هذا الأثر المروي عن صحابي جليل مثل ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه عمر (الغيور) - وهو الذي صاحب النبي (الحيي) في حياته وتشرب منه حياء القرآن والسنة منه !! فكيف يصدر عنه مثل هذه الأفعال التي جوزها البعض من باب أنه يحل بنية الشراء فقط من باب المعاينة ...
على العموم سأتعمد النقل التالي لأحد الانتقادات القوية على سند هذا الأثر بطريقة أهل الحديث فيقول :
--------------------------------
نبدأ بهذا الأثر عند البيهقى
أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا ابن نميرعن عبيد الله بن عمرعن نافع عن ابن عمرأنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقها ووضع يده بين ثدييها وعلى عجزها . وكأنه كان يضعها عليها من وراء الثوب .
و هذا الأثر هو الأكثر انتشارا حاليا فى مواقع النصارى و الملاحدة و الشيعة فى هذا الباب
و سر انتشاره هو تصحيح الشيخ الألبانى رحمه الله له
فقد قال الشيخ الألبانى رحمه الله :
روى أبوحفص بإسناده : " أن ابن عمر كان يضع يده بين ثدييها ( يعني الجارية ) وعلى عجزها منفوق الثياب ويكشف عن ساقها " ذكره في الوقع ) . صحيح . أخرجه البيهقي ( 5 / 329)من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : " أنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقها ووضع يده بين ثدييها وعلى عجزها " . وفي آخره زيادة : " وكأنه كان يضعهاعليها من وراء الثياب " . ولعلها من البيهقي أو من بعض رواته . والسند صحيح (إرواء الغليل للامام الالباني 6/201)
و الشيخ الألبانى رحمه الله و جزاه الله عما تركه من العلم خير الجزاء إنما صحح الأثر لأن كل رواته ثقات و لكن فيما ذهب إليه الشيخ الألبانى من صحة سند الأثر نظر لوجود انقطاع فى سند الحديث بين ابن نمير و عبيد الله بن عمر
فإذا نظرنا في إسناد هذا الأثر سنجد أن (ابن نمير) رواه عن (عبيد الله بن عمر)
عبيد الله بن عمر توفى نحو سنة 145 أو 147طبقا لكتاب سير أعلام النبلاء
ولد بعد السبعين أو نحوها ولحق أم خالد بنت خالد الصحابية ، وسمع منها ، فهو من صغار التابعين .
......
قال الهيثم بن عدي : مات سنة سبع وأربعين ومائة وقال غيره : مات سنة خمس وأربعين أو في التي قبلها .
بينما ولد ابن نمير بعد سنة 160
ولد سنة نيف وستين ومائة ، فهو من أقران أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني .
فابن نمير ولد بعد وفاة عبيد الله بن عمر بنحو 13 أو 15 سنة
فهناك على الأقل راوى واحد مجهول نقل الخبر من عبيد الله بن عمر إلى ابن نمير
و بالتالى فالأثر إسناده لا يصح
----------------------------------------
و هناك أثر آخر مشابه و بإسناد مشابه فى مصنف ابن أبي شيبة
نا علي بن مسهرعن عبيد الله عن نافععن ابن عمرأنه كان إذا أراد أن يشتري الجارية وضع يده على أليتيها أو بين فخذها وربما كشف عن ساقيها
و علة هذا الإسناد على بن مسهر
قال عنه الحافظ ابن حجر العسقلانى فى (تقريب التهذيب) :
4800-علي ابن مسهر بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي قاضي الموصل ثقة له غرائب بعد أن أضر من الثامنة مات سنة تسع وثمانين ع
قلت و هذا الخبر بأن ابن عمر رضى الله عنهما كان إذا أراد أن يشترى جارية وضع يده على آليتيها أو بين فخذها هو لا شك من غرائبه
و على كل حال فالأثر إسناده لا يصح
------------------------------------
و هناك أثر آخر فى مصنف عبد الرزاق
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَمَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً ، فَرَاضَاهُمْ عَلَى ثَمَنٍ ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَجُزِهَا ، وَيَنْظُرُ إِلَى سَاقَيْهَا وَقُبُلِهَا يَعْنِي بَطْنَهَا " ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَمِثْلَهُ .
و هذا الأثر مروى بثلاثة أسانيد إلا أن الإمام عبد الرزاق الصنعانى للأسف مزج بينها و لم يفرق بين لفظ كل سند و الآخر و لكن هذه الأسانيد فيها علل
فالإسناد الأول
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
هذا الإسناد علته عبد الله بن عمر و هو ليس الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بل هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب فهو الحفيد الخامس لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب
و قد كان رجلا صالحا و هو من نسل طيب بطبيعة الحال إلا أن من أهل العلم من ضعفه فى رواية الحديث
قال عنه الحافظ ابن حجر فى التقريب :
-3489 عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن العمري المدني ضعيف عابد من السابعة مات سنة إحدى وسبعين وقيل بعدها م
و فى تحفة الأحوذى :
(وعبد الله بن عمر العمر يضعفه بعض أهل الحديث من جهة حفظه منهم يحيى بن سعيد القطان) قال الحافظ في التقريب ضعيف عابد ، وقال الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شيء ، روى عن نافع وجماعة ، روى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه ، وقال الدارمي قلت لابن معين: كيف حاله في نافع قال صالح ثقة ، وقال الفلاس : كان يحيى القطاني لا يحدث عنه ، وقال أحمد بن حنبل صالح لا بأس به ، وقال النسائي وغيره ليس بالقوي ، وقال ابن عدي في نفسه صدوق ، وقال أحمد : كان عبيد الله رجلا صالحا كان يسأل عن الحديث في حياة أخيه عبيد الله فيقول : أما وأبو عثمان حي فلا ، وقال ابن المديني : عبد الله ضعيف ، وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للآثار فلما فحش خطؤه استحق الترك ومات سنة 173 ثلاث وسبعين ومائة ، انتهى ما في الميزان .
فأهل العلم قالوا أنه رجل صدوق عابد صالح إلا أنه ضعيف و ليس بالقوى فى رواية الحديث و فى حفظه شئ و قال بعضهم أنه فحش خطؤه فى الرواية فاستحق الترك
أما الإسناد الثانى
وَمَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
و علة هذا الإسناد هو أن رواية معمر عن أيوب السختيانى أو عن العراقيين بصفة عامة
ففى كتاب (شرح علل الترمذى)
قال ابن رجب الحنبلى تحت عنوان
(الضرب الثاني: من حدث عن أهل مصرٍ أو إقليمٍ فحفظ حديثهم وحدث عن غيرهم فلم يحفظ)
ومنهم معمر بن راشد أيضاً
كان يضعف حديثه عن أهل العراق خاصة .
قال ابن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول : (( إذا حدثك معمر عن العراقيين فخفه إلا عن الزهري ، وابن طاوس ، فإن حديثه عنهما مستقيم ، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا ، وما عمل في حديث الأعمش شيئاً )) .
فكما نرى رواية معمر عن أهل العراق ضعيفة و أيوب السختيانى من أهل العراق و بصرى تحديدا كما جاء فى سير أعلام النبلاء :
أيوب السختياني ( ع )
الإمام الحافظ ، سيد العلماء أبو بكر بن أبي تميمة كيسان ، العنزي ، [ ص: 16 ] مولاهم ، البصري ، الأدمي ويقال : ولاؤه لطهية ، وقيل : لجهينة .عداده في صغار التابعين .
و بالتالى فرواية معمر عن أيوب و هو أحد العراقيين لا تصح
أما الإسناد الثالث فهو
عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَمِثْلَهُ .
و هذا الإسناد ظاهره الصحة و لكن الإمام عبد الرزاق لم يذكر لفظه بل فقط قال (مثله) ... أما لفظ هذه الرواية فليس موجودا عندنا و لا يمكننا أن نجزم فيه أن ابن عمر كان يضع يده على عجز الجارية و ينظر إلى بطنها إذا أراد أن يشتريها أم لا ... فربما كان فيه أن ابن عمر إذا اتفق مع التجار على ثمن الجارية نظر إلى ساقها ... أيا كان ما فى هذه الرواية فما دام لفظها غير مذكور فلا يمكن استخدامها فى إثبات أن ابن عمر رضى الله عنه كان يضع يده على عجز الجوارى
بل و جدير بالذكر أن هذا الإسناد أيضا يحتمل الكلام فيه
ففى كتاب (طبقات المدلسين ) ذكر ابن حجر الإمام الزهرى فى الطبقة الثالثة من المدلسين
فقال
102 -ع محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري الفقيه المدني نزيل الشام مشهور بالإمامة والجلالة من التابعين وصفه الشافعي والدارقطني وغير واحد بالتدليس
و الطبقة الثالثة هذه هى التى وصفها ابن حجر فى أول كتابه على نفس الرابط بقوله
الثالثة
مَن أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقا ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي
و على حسب كلام ابن حجر السابق فإن الإمام الزهرى قد لا يقبل من حديثه إلا ما قال فيه (حدثنا) لا ما قال فيه (عن فلان)
و الإمام الزهرى فى الأثر السابق قال عن سالم و لم يقل حدثنا سالم
و على كل حال كما قلنا من قبل لفظ الأثر غير مذكور فلا يمكن استخدامه فى إثبات أن ابن عمر رضي الله عنه كان يمس أعجاز الجوارى فى الأسواق
و هناك أثر رابع فى مصنف عبد الرزاق
13205 - عبد الرزاق عن بن جريج عن نافع أن بن عمر كان يكشف عن ظهرها وبطنها وساقها ويضع يده على عجزها ((7/286
و هذا الأثر أيضا لا يصح
و علة هذا الإسناد أن ابن جريج ذكره بقوله (عن نافع) و لم يقل (حدثنا نافع)
و أهل العلم يفرقون بين الصيغتين فاستخدام (عن) لا يقتضى السماع المباشر و ربما كان هناك رواة ضعفاء تم إسقاطهم من الإسناد
فقد جاء عن (ابن جريج) فى كتاب (سير أعلام النبلاء) :
وروى الأثرم ، عن أحمد بن حنبل قال : إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت ، جاء بمناكير . وإذا قال : أخبرني وسمعت ، فحسبك به . وروى الميموني عن أحمد : إذا قال ابن جريج: " قال " فاحذره . وإذا قال : " سمعت أو سألت " ، جاء بشيء ليس في النفس منه شيء . كان من أوعية العلم .
....
وروى إسماعيل بن داود المخراقي ، عن مالك بن أنس قال : كان ابن جريج حاطب ليل . وقال محمد بن منهال الضرير ،عن يزيد بن زريع قال : كان ابن جريج صاحب غثاء .
.....
وقال جعفر بن عبد الواحد ، عن يحيى بن سعيد قال : كان ابن جريج صدوقا . فإذا قال : " حدثني " فهو سماع ، وإذا قال : " أنبأنا ، أو : أخبرني " فهو قراءة ، وإذا قال : " قال " فهو شبه الريح .
و فى كتاب ( تهذيب التهذيب) عن ابن جريج :
وقال الدارقطني : تجنب تدليس بن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما وأما بن عيينة فكان يدلس عن الثقات (6/405)
و من الكلام السابق يتبين أن ابن جريج حديثه مقبول إذا قال (سمعت) أو (حدثنا) أما إذا قال (قال فلان) أو (عن فلان) كما هو الحال فى هذا الأثر فحديثه فيه كلام
و يتبين مما سبق أنه لا يصح أثر في أن ابن عمر رضى الله عنه
كان يمس عجز الجارية إذا أراد شراءها