الصفحات

الاثنين، 24 يونيو 2013

من آليات الكذب العلمي الإعلامي : عدد الشيعة في مصر نموذجا ..

استثارنا اليوم (الاثنين 24/6/2013) خبراً إعلامياً (1) يقول :
[حسب تقرير الحريات الدينية الذي أصدرته الخارجية الأميركية في العام 2006، يشكل الشيعة أقل من 1% من عدد سكان مصر البالغ في حينه 74 مليون نسمة أي نحو 740 ألف شخص]
بقلم الأستاذ الباحث عز الدين كزابر ...

ورغم أننا لم نكن على علم بالعدد الحقيقي لعدد الشيعة في مصر، إلا أن تقديرنا الانطباعي كان يشير إلى أنه قريباً من 0.0% ، حتى الرقم العشري الثاني أو الثالث، لذلك استشعرنا أن الخبر ينطوي على تلاعب خطير، يجب تمحيصه.

وبعد التدقيق والتمحيص، وجدنا أن خلاصة هذا التلاعب أو الخداع في أبسط معانيه – قبل ذكر أشدها رصانة – أن القول (أقل من 1%) يصدق على (0.9% .. أو 0.1% .. أو 0.01% .. أو 0.001% .... أو حتى 0.000001%) من حيث مقارنة الأرقام بشكل ساذج.

فإذا ما تم تداول الخبر، يتعلق الذهن سامعه وقارئه بسقف القيمة، ثم يلتصق التقدير به أو يكاد، ويصبح الخبر- كما يلاحظ القارئ – هو: أن 1% من تعدد 74 مليون مصري؛ أي 740 ألف شخص! شيعة.... وحيث أن التعداد الحالي (2013) لسكان مصر هو 92 مليون، فينبغي أن يكون عدد الشيعة في مصر 920 ألف شخص، وعند التقريب الإخباري التبسيطي سيكون أن عدد الشيعة في مصر هو مليون مصري. !!!

- ولكن .....!!!
ولكن هناك خبر من مصدر مصري (2) نُشر بتاريخ 18 أبريل 2013 ، نقلاً عن الكاتب الصحفي الشهير محمد حسنين هيكل يؤكد فيه : [أن عدد الشيعة في مصر 18 ألفًا] !!!

وإذا تفحصنا نسبة هذا العدد من أصل 92 مليون مصري، سنجده 0.000196، أي أقل من شخصين لكل 10,000 شخص، أي أقل من 0.02%، أي أن تقدير الخارجية الأميركية القائل بأن النسبة أقل من 1%، قد بالغ في سقف العدد بـ 50 ضعف. ... وقد يقولون ... حسناً،، إننا لم نخطيء .. لأن 0.02% أقل بالفعل من 1%، وهذا ما قلناه !!! ... وإذا قبل منهم المغفلون ذلك، لكان عليه أن يقبل أيضاً أن عدد الشيعة في مصر أقل من 30% أو أقل من 50% ،، ومن شاء أن يزيد ويزرع التوتر والفتنة وتعكير الأجواء يمكنه أن يزيد ... طالما أن كل هذه الأخبار صادقة، وأن المغفلين كثيرون.

ونسأل العلم، ماذا يقول في مصداقية التصريحات الأمريكية الواردة أعلى، والأخبار الإعلامية المنتبهة أو الغافلة، الذي يمثل هذا الخبر بعض أسلوبها وآليات نشر الخبر فيها؟

يقول المشتغلون بـ "علم النفس" (3):" أن طرق الخداع تُصنّف إلى عدد من الأنماط الخادعة Heuristics Lead Astray ، وهي أنماط ذات "ملامح متواطئة معرفيا" Heuristics Cognitive Biased، أي متحيزة أو غير عادلة، وأهمها نوع يُسمّى "التبسيط المخل" Anchoring، والذي فيه يختصر الإنسان التعريف في أقرب الصفات بروزاً، مثل إجابة سؤال: ما هو أفضل الحواسيب؟ فتكون الإجابة: ذوات المعالجات الأسرع، أو إجابة سؤال: من هو الصيني؟ فتكون الإجابة: ذو العيون الضيقة.

ومن أنواع "التبسيط المخل، ما يتعلق بالأرقام، ويُسمّى: Anchoring and Adjustment، وفيه يقوم المخادع بتعيين رقم أولي يعمد به إلى توجيه الحوار أو المساومة (مع خصمه) على أساسه، وفائدة هذا الرقم عنده هو شدة تأثيره على الخصم دون أن يعي الخصم ذلك subconsciously، وأن الخصم سيبتعد عنه – إن ابتعد – في حدود ضيقة. 

وفي دراسة نفسية قام بها تفيرسكي و كاونمان Tversky and Kahneman، وجهوا فيها سؤالاً للمبحوثين الذين تشملهم الدراسة، يقول السؤال: ما هي نسبة الدول الأفريقية التي يظنون أنهم أعضاء في الأمم المتحدة؟ .. وقسموا المبحوثين إلى مجموعتين، وسألوا المجموعة الأولى: هل النسبة المسؤول عنها أكبر أو أقل من 10%؟، وللمجموعة الثانية: هل النسبة المسؤول عنها أكبر أو أقل من 60%؟ وطالبوا من كلا المجوعتين بأن يجيبوا بنسبة محددة يتوقعونها.

فجاء متوسط إجابات المجموعة الأولى أن نسبة الدول الأفريقية في الأمم المتحدة هي 25% 
وجاء متوسط إجابات المجموعة الثانية أن نسبة الدول الأفريقية في الأمم المتحدة هي 45%

وأثبت الباحثان في هذه الدراسة بذلك أن طرح رقم أولي للمبحوثين قد خدعهم لحدِّ كبير دون وعي منهم، وأثر على تقديراتهم اللاحقة.

ويُستخدم هذا الأسلوب بكثرة دوائر البيع والتفاوض والإعلام؛ الخبيرة بالطرق النفسية والتأثير المخادع على الأبرياء، وكان منها ما رأيناه أعلى، ونُشر اليوم (الاثنين 24/6/2013) من تقدير عدد الشيعة في مصر من قبل مؤسسة أمريكية، وقعت الجزيرة في حبالها، وأذاعت على الناس خبراً كاذباً دون أن تدري أنها تكذب. 

مصادر:
(2) http://shorouknews.com/news/view.asp...6-220ab63a2b7d, الخميس 18 أبريل 2013 
(3) TTC Video - Steven Novella - Your Deceptive Mind, Lecture: 9. Heuristics and Cognitive Biases.