التسميات

الاثنين، 24 يونيو 2013

نقض الأساطير العلمانية
الأسطورة الثانية : أن إتيان المعاصي من قبل المسلمين هو نفاق اجتماعي فإما أن يكون المسلم معصوما عن الخطأ وإما أن يترك الإسلام !!

وهي أسطورة مستخرجة من بعض الكتاب الغربيين في القرون الماضية خاصة فرويد لكن العقل العلماني أسقطها تعسفا على المسلمين، لأن فرويد قصد بها التعاليم المسيحية المغالية التي لا تراعي النفس الإنسانية والفطر البشرية لكن عادة العلمانيين العرب الإسقاط التعسفي للأطروحات الغربية على المجتمعات الإنسانية الأخرى وهي من طوام هذا العقل الخرب، فهم يقولون بأن إتيان المسلمين للمعاصي هو نفاق وبالتالي عليهم إما أن يكفروا بدينهم ويتمتعوا بشهواتهم أو أن يتركوا المعاصي ويلتزموا بالإسلام أصولا وفروعا وجواب هذا من وجوه : 

أولا :
أن هذه الأسطورة تعكس جهلا بالنفس البشرية من جهة وبأطروحات علم الاجتماع المعاصر من جهة ثانية، فالنفاق حسب اصطلاح الأصوليين المستنبط من الشرع هو : إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وهو أخطر شعب النفاق والمخرج من الملة والذي حذر منه القرآن الكريم في قوله تعالى : {وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ} وقوله :{ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } وقوله عز وجل { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وقوله تعالى : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } وأهل النفاق هؤلاء خارجون من الملة بصريح النصوص وإجماع أهل العلم، وتوعدهم الله تعالى بالعذاب الشديد والخلود فيه { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً }وهؤلاء هم من حذر منهم الشرع يكفرون بدينه ويظهرون تقواهم يحبون أن تشيع الفواحش في الذين آمنوا ويكيدون للإسلام بالليل والنهار، وهؤلاء الفئة هم الأقرب إلى أساليب العلمانيين العرب ممن يعلم أشد العلم بمناقضة العلمانية لدين الإسلام فينشرون أفكارهم الخبيثة بين الناس ويدعون في الأخير أنهم مسلمون ! 

أما النفاق الأصغر فهم مجموعة من الناس لا يخرجون عن ربقة الإسلام لكنهم من أهل الرياء وفي شعب من شعب النفاق حيث يقومون بشتى الوسائل للنصب على عباد الله تعالى وتحقيق أغراضهم الدنيوية وهؤلاء خارج ما تقصده العَلمانية .إنما هم يقصدون بذلك كل من يعصي الله تعالى من المسلمين، فهل هؤلاء من أهل النفاق ؟ 

الواقع هو كلا، فالإسلام في تشخيصه لكل النفسيات البشرية أخذ بعين الاعتبار فئة العصاة من أهل الإسلام، الذين لا يسمون منافقين إنما عصاة قل إيمانهم في فترات معينة من أعمارهم، واستدرجتهم شهواتهم، فأهل الإسلام ليسوا على درجة واحدة في الرقي الإيماني ،و المسلم لا يزال في ارتقاء صعودا لمراتب الدين ومدارج القرب والسالكين حتى يفضي إلى ربه، والنار كما لها دركات فإن للجنة درجات، حسب درجة تدين كل فرد، ومن هذا شعر الحافظ الحكمي الذي يقول :

إيماننا يزيد بالطاعات ** ونقصه يكون بالزلات
وأهله فيه على تفاضل ** هل أنت كالأملاك أو كالرسل
والفاسق الملي ذو العصيان ** لم ينف عنه مطلق الإيمان
لكن بقدر الفسق والمعاصي ** إيمانه مازال في انتقاص

وذلك مفصل في القرآن والسنة ومنه قول الله تعالى : { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً } وقوله : { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } وقوله تعالى : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } .. ثم تزيدنا سورة فاطر بتقسيم أهل الإيمان إلى ثلاث درجات كلية في قوله تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ فأهل الإسلام متفاضلون في الإيمان حسب تدين كل شخص وهم متفاوتون في العلم والإرادة والعمل، فإن نظرنا لغالب العصاة في مجتمعاتنا ممن ابتلاهم الله رأينا غالبهم يعصي الله وهو يعلم بخطأ عمله ويقر بأنه يأتي الحرام لكنه لا يستحله ويتمنى الهداية والاستقامة على الطريقة، فطامته بأنه ضعف نفسيا عن مجاهدة الهوى الشيطاني مع إيمانه وعمله بمقتضيات الإسلام، يقول الرحمن تعالى : {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ} ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ] - المستدرك صححه الحاكم والألباني وغيره- 

فلا يخرج الإنسان عن ربقة الإسلام حين معصيته وإنما يحث الشارع الناس على الاستغفار والتوبة، وهو قوله تعالى : { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } .. فالله عز وجل العليم الخبير بالنفس الإنسانية يجعل أساس الإمتحان مدافعة الشهوات المحرمة حتى أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقرر [ والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ] - رواه مسلم - والاستغفار باب كبير في علم الرقائق.


والشاهد أن الإسلام هو أول مذكر بأن الإنسان به خير وشر، يتدافعان في قلبه كما بان لك أعلاه، فليس معنى إتيان المؤمن للمعصية وإقباله عليها نفاق، إنما هي حالة ضعف نفسي إيماني إن وقعت بادر الإنسان بالاستغفار والتوبة، والله تعالى يقول : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
}، ويقول كذلك { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } . وأيضا { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ومنه الحديث المتفق عليه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. ] - اللفظ لمسلم -

فالعلمانيون هؤلاء يتصورون في عقولهم الخربة أن المسلمين معصمون عن الزلل والخطأ ؟ وليت شعري لا يقول هذا إلا جاهل بالنفس البشرية وكنه الامتحان الدنيوي الذي يمتحنه الله للبشرية، فمتى كان إتيان الذنب في لحظة ضعف نفاقا كما يعنيه هؤلاء ؟ ومتى كان إما ألا تذنب فتكون مسلما وإما أن تذنب وتكون كافرا ؟ فهذا لا يوجد إلا في العقل العلماني المفلس الذي يحاول تسويق مذهبه بأي كان .

ومن الفائدة القول بأن أهل العلم قسموا أحوال العباد في دوام التوبة إلى أقسام أربع : 

الطبقة الأولى‏:‏ :
تائب يستقيم على التوبة إلى آخر عمره، ويتدارك ما فرّط من أمره، ولا يحدِّث نفسه بالعودة إلى ذنوبه، إلا الزلات التي لا ينفك عنها البشر فى العادات، فهذه هي الاستقامة في التوبة، وصاحبها هو السابق بالخيرات‏.‏وتسمى هذه التوبة‏:‏ النصوح، وتسمى هذه النفس‏:‏ المطمئنة، وهؤلاء يختلفون منهم من سكنت شهوته تحت قهر المعرفة ففتر نزاعها، ومنهم من تنازعه نفسه وهو ملئ بمجاهدتها‏.‏ ..

الطبقة الثانية‏:‏
 تائب قد سلك طريق الاستقامة فى أمهات الطاعات وكبائر الفواحش، إلا أنه لا ينفك عن ذنوب تعتريه، لا عن عمد، ولكنه يبتلى بها فى مجارى أحواله من غير أن يقدم عزماً على الإقدام عليها، وكلما أتى شيئاً منها لام نفسه، وندم وعزم على الاحتراز من أسبابها، فهذه هي النفس اللوامة لأنها تلوم صاحبها على ما يستهدف له من الأحوال الذميمة، فهذه رتبة عالية أيضاً، وإن كانت نازلة عن الطبقة الأولى، وهى أغلب أحوال التائبين، لأن الشر معجون بطينة الآدمي ، فقلما ينفك عنه، وإنما غاية سعيه أن يغلب خيره شره، حتى يثقل ميزانه، فترجح حسناته، فأما إن تخلو كفة السيئات، فبعيد‏.‏ وهؤلاء لهم حسن الوعد من الله سبحانه وتعالى، إذ قال ‏:‏‏{‏الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة‏}‏ ‏[‏ والى هذه الرتبة الإشارة بقوله صلى الله عليه آله وسلم ‏:‏‏"‏ إن الله يحب المؤمن المُفتّن التواب‏"‏ ‏

الطبقة الثالثة 
:‏ 
أن يتوب ويستمر على الاستقامة مدة، ثم تغلبه شهوته فى بعض الذنوب، فيقدم عليها لعجزه عن قهر الشهوة، إلا أنه مع ذلك مواظب على الطاعات، وترك جملة من الذنوب مع القدرة عليها والشهوة لها، وإنما قهرته شهوة واحدة أو شهوتان، وهو يود لو أقدره الله على قمعها، وكفاه شرها، فإذا انتهت ندم، لكنه يعد نفسه بالتوبة عن ذلك الذنب، فهذه هي النفس المسؤولة، وصاحبها من الذين قال الله تعالى فيهم ‏:‏‏{‏وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً‏}‏ فأمر هذا من حيث مواظبته على الطاعات وكراهيته لما يتعاطاه مرجو لقوله تعالى ‏:‏‏{‏عسى الله أن يتوب عليهم‏}‏ ‏[‏ وعاقبته خطرة من حيث تأخيره وتسويفه، فربما يختطف قبل التوبة، فإن الأعمال بالخواتيم، فعلى هذا يكون الخوف من الخاتمة، وكل نفس يمكن أن يتصل به الموت، فتكون الخاتمة، فليراقب الأنفاس، وليحذر وقوع المحذور‏.‏
الطبقة الرابعة 
:‏ 
أن يتوب ويجري مدة على الاستقامة، ثم يعود إلى الذنوب منهمكاً من غير أن يحدث نفسه بالتوبة، ومن غير أن يتأسف على فعله، فهذا من المصرين، وهذه النفس هي الأمارة بالسوء، ويخاف على هذا سوء الخاتمة‏.‏ فإن مات هذا على التوحيد، فإنه يرجى له الخلاص من النار، ولو بعد حين، ولا يستحيل أن يشمله عموم العفو بسبب خفي لا يطلع عليه، إلا أن التعويل على هذا لا يصلح، فإن من قال‏:‏ إن الله تعالى كريم، وخزائنه واسعة، ومعصيتي لا تضره، ثم تراه يركب البحار فى طلب الدينار، فلو قيل له‏:‏ فإذا كان الحق كريماً فاجلس فى بيتك لعله يرزقك، استجهل قائل هذا وقال‏:‏ إنما الأرزاق بالكسب فيقال له‏:‏ هكذا النجاة بالتقوى ] - أنظر مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة -

ثانيا : 
أنه لا يعقل أن تفتح الأنظمة العَلمانية الباب للفتن ومراتع المعاصي ثم تخنق العلماء وتحول بينهم وبين الناس ثم تستغرب الإقبال على المعصية ؟؟ فإن الإنسان مختلف عن أخيه في مراتب إيمانه واصطباره، فمن الناس من تجده كغصن مع أي ريح يميل، ومن الناس من قد يعرض عليه المال الحرام في بيئة موبوءة ومحاطا بالزناة ولا ينظر مجرد النظر إليهم كجبل شامخ لا تهزه الأعاصير، رزقه الله الصبر عن المعصية وحب الإيمان والطهر، { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }ومن هذا قول الله تعالى { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } وقوله { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : [طوبى للغرباءِ أناسٌ صالِحونَ في أناسٍ سوءٍ كثيرٍ ، مَنْ يَعصيهم أكثرُ ممَّنْ يُطِيعُهُمْ] - صحيح الجامع - وفي رواية أخرى عن ابن وهب [ طوبى للغرباء الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك ، ويعملون بالسنة حين تطفى ] - الاعتصام - 

ومنه قول بعض السلف من الصالحين : 
قال الفرج بن مزيد : [ طُوبَى لِمَنْ غَلَبَ بِتَقْوَاهُ هَوَاهُ ، وَبِصَبْرِهِ الشَّهَوَاتِ ]، وروي أن صالحا المري كان يدعو : [اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا صَبْرًا عَلَى طَاعَتِكَ ، وَارْزُقْنَا صَبْرًا عَنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَارْزُقْنَا صَبْرًا عَلَى مَا تُحِبُّ ، وَارْزُقْنَا صَبْرًا عَلَى مَا نَكْرَهُ ، وَارْزُقْنَا صَبْرًا عِنْدَ عَزَائِمِ الأُمُورِ ] وكذلك ميمون بن مهران يقول : [ الصَّبْرُ صَبْرَانِ ، الصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرُ عَنِ الْمَعَاصِي ]. - الصبر والثواب لابن أبي دنيا - 

ونحن في زمن الفتن والغربة حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم [ أشرَفَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أُطُمٍ من آطامٍ المدينةِ، فقال : هل تَرَونَ ما أَرَى، إني لأَرَى مَواقعَ الفِتَنِ خِلالَ بُيوتِكم كمَواقعِ القَطرِ ] - البخاري -. 

فنجيب نعم يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، نحن نرى هذه الفتن تتهاطل علينا تعم البلاد والعباد، من أفلام إباحية يسيرة الوصول إليها، ومن تساهيل لأسباب المعصية في التلفاز وعلى جهاز الأثير، وهنا خمارت، وعلى قارعة الطريق زانيات يبعن الهوى بثمن بخس، وذاك ينشر الكفر جهارا ونهارا، وذاك يقتل أخيه لا يعلم فيما قتله، وذاك متجر للكحوليات، وأولئك باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل .. فانقلبت الموازين وانمسخت الفطر إلا من رحم الله، والغرب ينفث سمومه ليغير ثقافات المجتمعات، فالطفل المسلم الذي يشب على إيحاءات جنسية في الرسوم المتحركة، والإشهارات المختلفة، ويرى أن مدار الأفلام حول الحب والعشق والغرام والعلاقات العاطفية والجنسية ما قبل الزواج، ويرى بأن الممثل يصطحب الممثلة إلى علبة ليلية يرقصون فيها ويعاقرون الخمر وشتى أنواع المخدرات، ويتأمل طريقة لباسهم وعيشهم وتفكيرهم، ثم يسمع الأغاني الهابطة التي مدارها أيضا على الهوى الجنسي " يا حبيبي تعال " " حبيبي يأتي عندي للدار مش تبرد لي نار " " وبلاش تبوسني في عيني " " أشبعني رحيق شفتيك " وكل هذا من المحرم سماعه إجماعا، ثم تدور إلى الأغاني الغربية المنتشرة انتشار النار في الهشيم حيث المغني يتكبر فيها على مستمعيه بالسيارات الفاخرة والملايين وتدخينه للماريخوانا وشربه للكحوليات وحصوله على العاهرات وغيره كثير .. كل هذا يساهم في إنشاء جيل متأثر بالمادية ضعيف الإيمان منمسخ الفطرة لن ينتشله منها إلا تدينه وفراره إلى الله . 

فكيف بالله عليكم أيها العلمانيون تفتحون للناس ذريعة المعصية وتحاربون الفضيلة ليل نهار وتضيقون على العلماء وتترصدونهم ثم تستغربون إقبال بعض الناس عليها ؟ بل وتتهمون كل من ضعفت نفسه واقترف معصية بأنه منافق لا يجب أن يبقى على الإسلام ؟ إن هذا لشيء عجاب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.