التسميات

الجمعة، 6 يوليو 2012

متفرقات ...
أكذوبة ما أسموه : نظرية التطور المحمدية !

هذه المشاركة : هي بتصرف وزيادات : من موضوع أستاذنا الفاضل : د / حسام الدين حامد :
(( خرافة نسبة نظرية التطور لأهل القبلة : من قبل داروين )) على الرابط التالي من صفحة مقالاته من منتدى التوحيد :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread...CF%C7%D1%E6%E4!

والهدف من هذه المشاركة هنا :
هو الرد على أكذوبة نشرها البعض من أن نظرية التطور في الكائنات الحية : 
لها سند ٌقديم عند بعض علماء ( السلف ) من المسلمين !!..

وهذا الكلام المتهافت قد صاغوا له مؤخرا ًمُسمىً خادعا ًرنانا ًوهو : (( نظرية التطور المحمدية )) !!..
فما هي حقيقة أو صحة هذه الادعاءات ؟!!!..
------ 

1...
من الجميل أن نرى سبق الإسلام (قرآنا ًوسنة) لإحدى الحقائق العلمية المكتشفة حديثا ً: حيث يُعد ذلك دليلا ًآخرا ًيُضاف إلى غيره الكثير من الأدلة على كون هذا الإسلام هو من عند الله عز وجل.. خالق هذا الكون .. والذي يحوي كلامه أو ما يوحيه إلى نبيه : على حقائق كونية تليق بأن يكون قائلها هو العليم الخبير بكونه ومخلوقاته وما فيهم !!..
ولكن ...
بعض المسلمين للأسف الشديد : قد يستبق الأحداث بهذه الاندفاعة لنصرة الدين من جهة : أو لدفع المذمة المُتوهمة عنه من الجهة الأخرى ...
ولكنه يندفع بذلك على غير علم ولا تخصص .. فيقع بذلك في المحظور .. وفي فخاخ أعداء الدين ..
ولنأخذ مسألة التطور كمثال ...

2...
فقد نفخ فيها القوم الملاحدة وبنفوذ الدول الاستعمارية ساعتها وفرضها على المدارس والجامعات والمجالس العلمية : وتصوير الآلة الإعلامية الماسونية لنظرية التطور على أنها قد صارت حقيقة الحقائق والتي لا شك فيها !!!.. وأن أدلتها من حفريات ونحوه : هي صحيحة مائة بالمائة - وكل ذلك قد اتضح كذبه وتدليسه فيما بعد وحتى اليوم - .. أقول :
كل ذلك عمل على زعزعة عدد من أبناء المسلمين في مسلماتهم !!!..
حتى صار شغلهم الشاغل - بحُسن نية في باديء الأمر - هو :
محاولة التوفيق بين نصوص الخلق المباشر - ولاسيما لآدم عليه السلام - : وبين نظرية التطور :
حتى لا يصير الإسلام في قفص الاتهام بمخالفته للحقائق العلمية !!!..
أقول :
هذه كانت البداية وهي : حُسن النية لنصرة الدين أو رفع المذمة المُتوهمة عنه ...
وقد سلكوا في سبيل ذلك كل مسلك أمكنهم سلوكه للأسف ...
بدءا ًمن التلاعب في معاني الألفاظ القرآنية والحديثية الظاهرة المعنى : عن طريق تأويلها بما يناسب التطور !!!
وانتهاءً بتلمس أي إشارة من أقوال المسلمين الأوائل أو السلف كما نسميهم : تشير لهذا التطور ولو تلميحا ًأو حتى من بعيد !!..
تلك كانت البداية ... - مثل كتاب الدكتور عبد الصبور شاهين : أبي آدم - ...

3...
وأما بعد أن أوقف الله تعالى لفضح أكاذيب التطور رجالا ًمن المسلمين وغيرهم ...
وبدأت عوراتها التي كان يتم التكتم عليها إعلاميا ًوعلميا ً: تظهر تباعا ًحتى بلغت عشرات الأكاذيب والخدع والتلفيقات !
بان لهؤلاء الذين حاولوا (قسرا ً) التوفيق بينها وبين نصوص الإسلام وكلام علمائه : عوار ما كانوا يفعلون : 
فتراجعوا أو خمدوا .. 
ولكن ...
ظهر اليوم جيل ٌجديد ...
بدأ في إحياء هذه الادعاءات مرة ًأخرى لمحاولة لصق نظرية التطور المتهافتة بنصوص الإسلام !!!..
فمنهم الذي ما زال مخدوعا ًمبهورا ًمأخوذا ًبأكاذيب الغرب الملحد الكافر ونفخه الإعلامي مع كل اكتشاف يوهم بصحة التطور !
ومنهم الذي ربط اعتراف الإسلام بصحة التطور : ببقائه مسلما َ(وكأن التطور عنده هو أعلى المسلمات) !
ومنهم الخبيث الذي لما وجد أن قبول المسلمين المثقفين اليوم للتطور بات شبه مستحيل : بعد انفضاحه في عصر ثورة المعلومات وتناقلها وتبادلها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب : فعمد ذلكالخبيث لمحاولة دس أفكار التطور من جديد في حنايا النصوص الإسلامية وكأنها : لا تتعارض مع تلك النصوص بل : ويحاول تصوير احتواء النصوص الإسلامية لإشارات التطور وكأنه : إعجاز علمي : وذلك استمالة ًلقلوب وعقول العوام والمثقفين الذين يفرحون بأي سبق علمي لنصوص الإسلام !!!!..
وفي سبيل ذلك كله :
سلك نفس المسلكين السابقين للتدليس ...

وقد تعرضت لتفنيد أولهما من قبل وهو التلاعب بكلمات النصوص القرآنية والحديثية (مثل التلاعب بمعنى قوله تعالى : " ما لكم لا ترجون لله وقارا ً: وقد خلقكم أطوارا " .. ففسروا الأطوار أي المراحل : بالتطوير !!.. وهذا كذب على اللغة أولا ً: وعلى معنى الطور أو المرحلة ثانيا ً!!.. فالنطفة طور .. والعلقة طور .. والمضغة طور .. وهكذا : وليس لذلك أي علاقة بالتطور من كائن حي لآخر من قريب ولا بعيد !) ...

وأما في هذه المشاركة ومن بعد الاستعانة بالله عز وجل :
فسأسوق إليكم تفنيد الدكتور حسام الدين حامد الماتع : لأكذوبة قول المسلمين الأوائل و ( السلف ) بالتطور ....
----------- 

1... إخوان الصفا ...

والنقل عن رسائل إخوان الصفا : هو أول نقل يعتمد عليه هؤلاء في نسبة القول بالتطور إلى الإسلام ...
وقبل ذكر مثال لهذا النقل : أود الإشارة أولا ًإلى : مَن هم إخوان الصفا ؟!!..
وهل هم من ( علماء ) ( السلف ) المعتبرين فعلا ًوالمُعتبر كلامهم حقا ًأم لا ؟!!!..

>>
الحقيقة أن إخوان الصفا هؤلاء هم جماعة سرية باطنية (والباطنية أي الذين يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر) .. مزجوا الفلسفة الإغريقية والعقيدة الباطنية والتشيع والتصوف بالمبادئ الإسلامية ..وتستروا بالإسلام من خلف كل ذلك لنشر رسائلهم وأفكارهم الهدَّامة بأسلوب متلون غير صريح وغامض لا يفهم العوام حقيقة ما وراءه ..
ولذلك خفي أمرهم على كثير من الناس : وحتى في عصرنا هذا بعد إصرار اليونسكو الهدام لإحياء تراثهم عالميا ًمن جديد : بسبب تميعهم في العقيدة ومساواتهم بين كل الكفر والإيمان في الحياة وبعد الممات ونفي العقاب والعذاب في جهنم إلخ - مثل ابن عربي وجلال الدين الرومي لو تذكرون - .. حتى صاروا لغزًا مبهَمًا في التاريخ الإسلامي .. واختلف الباحثون والعلماء في تصنيفهم : إلا القليل من العلماء النقَّاد المحققين : والذين كشفوا عن هويتهم وأهدافهم وعن فحوى رسائلهم ...

فمن أباطيلهم مثلا ً:
أنهم يرون أن الإسلام وحده لا يكفي الإنسان ظاهرا ًوباطنا ً.. بل رأوا بدلا ًمن ذلك في جميع المذاهب الفلسفية والوثنية والموحدية : مذهبًا واحدًا يوفِّق بين جوهر الأديان !!.. ولذلك قالوا في (رسائل إخوان الصفا 4/ 240) : 
الرجل الكامل يكون : فارسي النسب .. عربي الدين .. عراقي الأدب .. عبراني المخبَر .. مسيحي المنهج .. شامي النسك .. يوناني العلم .. هندي البصيرة .. صوفي السيرة .. ملَكيَّ الأخلاق " !!..

وقالوا كذلك في (إخوان الصفا 4/ 42) في عدم التنفير من كتب السحر والزندقة والكفر : 
ينبغي لإخواننا : ألاَّ يعادوا عِلمًا من العلوم !!.. أو يهجروا كتابًا من الكتب !!.. ولا يتعصبوا على مذهب من المذاهب ..!! لأن رأينا ومذهبنا : يستغرق المذاهب كلها : ويجمع العلوم كلها " !..

ولذلك يقول عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى 4/ 79) : 
كانوا من الصابئة المتفلسفة المتحنفة .. جمعوا - بزعمهم بين دين الصابئة المبدِّلين : وبين الحنيفية !!.. وأتوا بكلام المتفلسفة : وبأشياء من الشريعة : وفيه من الكفر والجهل شيء كثير " !!..

وذكرهم الإمام الذهبي أيضا ًفي ترجمته لأبي حامد الغزالي في (سير أعلام النبلاء 19/ 328) بقوله عن أبي حامد : 
وحُبِّبَ إليه إدمان النظر في كتاب (رسائل إخوان الصفا.. وهو داء ٌعضال !!.. وجَرَبٌ مُرْدٍ !!.. وسُمٌّ قاتل !!.. ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء : لتَلَف " !!!!..
----

والآن ...
ماذا ينقل الناقلون عن إخوان الصفا في ادعائهم القول بالتطور ؟!!..
وهل مع زندقة إخوان الصفا : هل فعلا ًقالوا بالتطور ؟؟!!..
جاء في رسائل (إخوان الصفا وخلان الوفا 2 / 111- 115) التالي :

الكائنات التي دون فلك القمر وهي أربعة أجناس : المعادن .. والنبات .. والحيوان .. والإنسان .. وذلك أن كل جنسٍ منها : تحته أنواعٌ كثيرة .. فمنها ما هو في أدون المراتب .. ومنها ما هي في أشرفها وأعلاها .. ومنها ما هي بين الطرفين .. فأدون أطراف المعادن مما يلي التراب : الجص .. والزاج .. وأنواع الشبوب .. والطرف الأشرف : الياقوت .. والذهب الأحمر .. والباقية : بين هذين الطرفين من الشرف والدناءة : كما بينا في رسالة المعادن .. وهكذا أيضًا حكمُ النبات : فإنها أنواعٌ كثيرةٌ متبائنةٌ متفاوتة .. ولكنّ منها ما هي في أدون الرتبة : مما يلي رتبة المعادن .. وهي خضراء الدمن .. ومنها ما هي في أشرف الرتبة : مما يلي رتبة الحيوان : وهي شجرة النخل .. واعلم يا أخي : أن أول مرتبة الحيوان : متصلة بآخر مرتبة النبات .. وآخر مرتبة الحيوان : متصلة بأول مرتبة الإنسان .. كما أن أول مرتبة النباتية : متصلٌ بآخر مرتبة المعدنية .. وأول مرتبة المعدنية : متصلٌ بالتراب والماء : كما بينا قبل ذلك .. فأدون الحيوان وأنقصه : هو الذي ليس له إلا حاسةٌ واحدةٌ فقط وهو الحلزون ... رتبة الحيوانية مما يلي رتبة الإنسانية لما كانت معدنًا للفضل .. وينبوعًا للمناقب : لم يستوعبها نوعٌ واحدٌ من الحيوان ولكن عدة أنواع .. فمنها ما قارب رتبة الإنسانية بصورة جسده مثل القرد .. ومنها ما قارب بالأخلاق النفسانية كالفرس في كثيرٍ من أخلاقه .. ومنها كالطائر الإنساني أيضًا : ومثل الفيل في ذكائه .. وكالببغاء والهزار ونحوهما من الأطيار الكثيرة الأصوات والألحان والنغمات .. ومنها النحل اللطيف الصنائع ... فهذه الحيوانات في آخر رتبة الحيوان : مما يلي رتبة الإنسان : لما يظهر فيها من الفضائل الإنسانية .. وأما باقي أنواع الحيوانات : فهي فيما بين هاتين المرتبتين " ....

فهذا هو قول إخوان الصفا (وأصله من الفلسفات القديمة كما بينا نقل إخوان الصفا عنها) ...!
وبمثل هذا النقل ولكن أدنى منه في الوضوح : 
نُسب القول بنظرية التطور أيضا ًإلى : القزويني .. والفارابي .. وابن مسكويه .. وغيرهم .. رغم أنّ هذا النقل وأمثاله : لا يمت إلى نظرية التطور بصلة !!!.. بل على العكس من ذلك : فإنّه يصب في صالح قضيةٍ : حلّت نظرية التطور محلها .. ألا وهي قضية :
(السلسلة العظمى للموجودات) ... 
وهي قضية تصنيف وبيان دناءة وشرف الموجودات - وكما سنرى بعد لحظات - لا تطورها من بعضها البعض !!..
تلك القضية الفلسفية التي ينسب وضعها إلى أفلاطون .. ومنه انتقلت إلى الفلسفة العربية والأوربية على السواء .. وسأبين هذه القضية وما آلت إليه باختصار (والكلام هنا للدكتور حسام) : ثم أعود إلى كلام "إخوان الصفا" لننظر إليه في ضوء ذلك !!!..
--------

2... مفهوم السلسة العظمى للموجودات ...

قد نشأ مفهوم (السلسلة العظمى للموجوداتGreat Chain of Beings : في الفكر اليوناني منذ القدم .. حيث تتراص فيه الكائنات الصنف تلو الآخر : ففي القاع مثلا ًتقبع الجمادات .. ثم يليها النبات .. ثم الحيوان .. ثم الإنسان .. ثم الملائكة .. ثم الرب .. وهذا الترتيب : لا يعني أن الكائنات يمكن أن تتحول من نوعٍ إلى الذي يليه !!!.. بل هو ترتيبٌ وصفيٌّ لحالةٍ ثابتةٍ : تتدرج فيها الكائنات في الشرف من أدنى إلى فاضل !!... فالخالق في هذا المفهوم : قد خلق الكائنات جميعًا مرةً واحدة : ثم ينظر الفيلسوف من أولئك بعد ذلك : ليقوم بترتيب هذه الكائنات من حيث الفضل أو الحيوية : من غير أن يعني ذلك تطور الحيوان إلى إنسان !!.. أو تطور النبات إلى حيوان !!.. 



صورة تمثل السلسلة العظمى للموجودات ...
The evolution wars .. A guide to the debates – Michael Ruse – P21

وأما بمرور الوقت .. فقد اكتُشِفت أنواعٌ جديدةٌ من الحيوانات لتأخذ مكانها – أو بتعبير أدق لتوضع - في هذه السلسلة : بحسب ما يُنسب لها من صفات .. حتى صار اكتشاف الكائنات المنقرضة: يُزعزع الثقة في مفهوم السلسلة .. بل كان ذلك ضربةً قويةً لمفهوم الكمال المفترض في السلسلة ..!! ثم ظهرت الحاجة لتطوير هذه السلسلة والتعديل فيها .. وبالفعل : تعرضت لتعديلاتٍ كثيرة .. حتى آل الأمر حديثًا إلى ما يُعرف بـ :
التصور الشجري للكائنات الحية .. حيث يوضح لنا التفرع والتشعب .. ولا مانع من انتهاء أحد الفروع عند جنسٍ منقرض .. وفي هذا التصور : ينتج كلُّ فرعٍ عن أصله ..

ونعود إلى نص "إخوان الصفا" .. فنجد أنه ينسجم مع فكرة "سلسلة الموجودات" ... 
فما هو إلا ترتيب الكائنات جميعًا : دون ادعاء أن نباتًا يتحول إلى حيوان : أو أن حيوانًا يتحول إلى إنسان .. 
وكيف يُنسب القول بالأصل الواحد للأنواع لمَن يقول :
واعلم يا أخي بأن الحيوانات التامة الخلقة : كلها كان بدء كونها من الطين أولًا : ذكرًا وأنثى .. ثم توالدت وتناسلت : وانتشرت في الأرض سهلًا وجبلًا وبرًّا وبحرًا من تحت خط الاستواء ... وهناك أيضًا تكون أبونا آدم أبو البشر وزوجته .. ثم توالدا وتناسلت أولادهما : وامتلأت الأرض منهم " ؟!!
(إخوان الصفا وخلان الوفا 2/ 121).



في الشكل صورة ضوئية من رسائل "إخوان الصفا" :
تنفي تمامًا ما يقوم به بعض الكتّاب من محاولة نسبة القول بالتطور إليهم !!!..

فهذا مثالٌ من حال من يُنسب إلى القول بالداروينية رغمًا عنه : وليًّا لعنق قوله !!.. في حين أنّ حقيقة قوله : هي إثبات قضيةٍ حلت الداروينية محلها .. وهي قضيةٌ ليست من الإسلام في شيء أصلا ً.. وإنما دخلت في كتابات بعض المسلمين من تأثرهم بفلسفة اليونان .. وإذ رأيتَ أن ما نسبوه لإخوان الصفا لا يصح : فمثله ما نُسب لابن مسكويه والقزويني وغيرهم .. إذ ما استدلوا على نسبتهم للقول بالتطور : إلا بنصوصٍ تشبه – أو هي أدنى من - ما نقلوا من "إخوان الصفا" !!.. وقد أُخذت بسوء فهمٍ وحكمٍ مسبق .. ولكنها عندما تؤخذ في سياقها : تكون على نقيض ما نسبها إليه بعض الباحثين : في محاولتهم التوفيق بين الإسلام ونظرية التطور المزعومة الساقطة !!..
-------

3... ابن رشد الحفيد ..

وأشد من ذلك في الجناية على أصول البحث الحيادي والدقيق والصادق : ما فعله جون آفري في كتابه (Information theory and evolution – John Avery – p2) من نسبة القول بالتطور لابن رشد الحفيد : خلفًا عن أرسطو : زاعمًا أن كتابات ابن رشد أحدثت صدمةً للقارئ المسلم والنصراني على السواء !!.. 

لمَن لا يعرف : هناك ابن الرشد الجد : وهو من أشهر علماء قرطبة والأندلس من أهل السنة في زمانه : وكان مالكي المذهب .. وتبعه ابن رشد حفيده في شهرته وسعة علمه واطلاعه .. ولكنه ابتـُلي للأسف بنزعته إلى ضلالات وزندقات علم الكلام والفلسفة بل : وتعظيم الفلاسفة وخاصة أرسطو .. وهو ما أثار العلماء عليه وولي الأمر وإلى موته >

ثم يزيد جون آفري أن فكر ابن رشد وصل إلى أوربا : ومنه كانت البذرة التي نمت إلى الداروينية بعد ذلك !!!!.. والسؤال الذي نبحث عن جوابه : ليس في تأثير ابن رشد في الفكر الأوربي : ولا في دور ابن رشد في نشر فكر أرسطو : فذانك أمران ثابتان تضافرت على صحتهما الأدلة .. ولكن السؤال هو عن : قضية التطور في أنواع الكائنات الحية : هل حقًّا قال ابن رشد بها ؟!..



صورة من ترجمة شرح ابن رشد لأعمال أرسطو إلى اللغة اللاتينية في عام 1563م ...
(كتاب : الفيلسوف ابن رشد .. مفكرًا عربيًّا ورائدًا للاتجاه العقلي - إشراف وتصدير د. عاطف العراقي ، صفحة 15)

الحقيقة :
أنّ الجواب عن هذا السؤال بالنفي : هو من أوضح وأسهل ما يكون !!.. إذ إن أرسطو نفسه : لا يُعرف عنه القول بتطور الكائنات الحية كما زعم آفري أصلا ً!!!.. بل القول بثبات الأنواع : مشتهرٌ عنه بما يغني عن التوثيق !!.. حتى أن بعض الباحثين في تاريخ الفلسفة : يرى أنّ أرسطو هو أصل القول بثبات الأنواع في الفكر الإنساني !!.. وهذه وإن كانت مبالغةً لا دليل عليها : إلا أنها تكفي في بيان مخالفة آفري وشططه في نسبة أرسطو للقول بالتطور !!.. وقد تبعه في هذه النسبة موقع aboutdarwin.com للأسف .. 
حيث ذكر الموقع أنّ أرسطو :
درس الحيوانات البحرية ووضع أنموذجًا للتطور : لا يعتمد على الجينات .. ووضع نظامًا لتصنيف جميع الحيوانات " !!!..
http://www.aboutdarwin.com/literature/Pre_Dar.html

ونعم أيضًا :
فقد درس أرسطو الحيوانات البحرية وغير البحرية .. ولكن لا يصح أن أرسطو قد وضع نظريةً أو أنموذجًا للتطور !!.. بل : وليس ثمّ دليلٌ على ذلك !!.. وإنما الذي قاله أرسطو هو اختلاف الحيوية في النباتات عن بعضها البعض .. وكذا اختلافها في النبات عن الحيوان .. ولم يقل بقابلية الأنواع للتحول إلى غيرها !!!.. وما قال بما يشبه نظرية التطور في شيء : فهذه جهة قويةٌ في نفي نسبة ابن رشدالحفيد للقول بالتطور خلفًا لأرسطو : إذ أن أرسطو نفسه لم يقل بالتطور !!!..

ومن جهةٍ أخرى : 
فإنّ مثل ابن رشد الحفيد عندما يقول بفكرة تطور الكائنات الحية عن أصلٍ واحد : فهذه زلة ٌلها الطبل !!!.. أي أنه من المفترض ساعتها أن كان سيرد عليه كثيرٌ من أهل العلم : وكما رُدّ عليه فيما وقع فيه من ضلالات فلسفية وكلامية أخرى !!.. ولكنّ ذلك : لم يشتهر ولم يُعرف عنه !!.. ولم يُردّ عليه في ذلك ولم يُشنّع عليه !!.. ولا دليل على أنّ كلامه أحدث "صدمةً للقارئ المسلم والنصراني" على السواء كما ادعى جون آفري !!!..

ومن جهةٍ ثالثةٍ :
فإن البينة على من ادعى .. ومَن ينسب ابن رشد الحفيد للقول بنظرية التطور : لا يوثق كلامه !!!.. وهاهي كتبه ومؤلفاته : لا نجد فيها أنموذجًا تطوريًّا !!!.. ولم يذكر عنه خصومه والمبطلين لأقواله هذا القول !!!.. 
ويلخص ذلك جيدًا قول د. زينب عفيفي في (العالم في فلسفة ابن رشد الطبيعية – د.زينب عفيفي – صفحة 148) : 
والواقع أن فهمه لتلك الكائنات : كان قائمًا على إدراكه لغاياتها ونشوئها وتطورها .. كما هو الحال عند أرسطو .. فتطور هذه الكائنات : لم يكن قائمًا على أسس مادية فقط .. بل على أسس غائية .. وإن كان ذلك لم يبعده في دراسته لتلك الكائنات عن منهج المشاهدة والملاحظة والاستقصاء والتجربة ... مع التزامه بالأصول والمبادئ والعلل التي قرّرها من قبل : واعتبرها مبادئ للموجودات .. يقول يوسف كرم : 
إن الغائية : تحكم تكيف الكائنات في البيئة .. فكل كائنٍ في الطبيعة : يحاول تحقيق كماله الممكن .. والطبيعة : تحقق هذا بدرجاتٍ متفاوتة .. ولذلك نجده متابعًا لأرسطو : يبدأ بالمواد المعدنية في أسفل : ثم النبات : ثم يصعد أكثر وأكثر إلى الحيوان الكامل : وأخيرًا إلى الإنسان .. وكانت فكرة الثبات وعدم التغير في العالم تحكمه ..!!! ولذلك : كان يؤكد أن الأنواع : علاقات ثابتة أبدية للكمال أو عدم الكمال !!.. وهذه الأنواع : خالدة أبد الدهور .. وهي توجد على الهيئة التي توجد عليها !!!.. وأن ما يطرأ عليها من تحولاتٍ كثيرةٍ : فإنها لا تمس جوهرها " !!!..

فالقول بنسبة نظرية التطور لابن رشد الحفيد أو غيره من المسلمين من قبل دارون : هو من المجازفة التي لا دليل عليها !!!.. وهي تقوم على غلطٍ كبير : وخطأٍ في فهم قول المتكلم : وعدم معرفةٍ بالسياق الذي يتكلم فيه !!!.. فإن اجتمع إلى هذا الرغبة المحمومة في البحث عن سلف : ولاسيما السلف "التنويري!" ذي الوزن الذي يغلب على الظنّ أنه لن ينهض لتحرير مذهبه أحد : وزيد على ذلك أنّ هذا "عملٌ صالحٌ" : يسعى المرء من خلاله للتوفيق بين "العلم!" والدين : 
يتبين لنا ضرورة الحذر من قبول مثل هذه الدعاوى : وأهمية العودة إلى الأصول لتمحيصها ومعرفة حقيقتها !!..
--------

4... نقد وجهة نظر الدكتور عبد الصبور شاهين ...

ولأنه في مثل هذا المقام : سيكون من القصور ألّا ننظر في قول الدكتور عبد الصبور شاهين وفقه الله (والكلام للدكتور حسام) .. إذ إنّ المتوقع أنه قد بحث الدكتور في كتابه (أبي آدم) عن سلفٍ له فيما ذهب إليه من وجود "أوادم" قبل آدم عليه السلام !!!!.. ويغلب على ظنّي أن الدكتور لو كان وقفَ على النصوص المنقولة أعلاه : لكان استدل بها على وجود سلفٍ له فيما قال : بدلًا من أن يقول الكلام التالي بكل ما فيه من تدليس للأسف : فضلا على روايات خرافية لا تصح !!!.. 
حيث قال في (أبي آدم .. قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة ص 51 و 52) : 
إذا كان علماء السلف قد اتفق جمهورهم على أن آدم هو أول الخليقة وأول ما خـُلق من تراب : فإن بعضهم قد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك .. فتصوروا لهذه الخليقة وجودًا ممتدًا في أعماق الزمان قبل آدم .. ربما إلى ملايين السنين .. والمهم أن أحدًا ممَن قال بهذا المذهب : لم يلق نكيرًا من الفريق الآخر ..!!!!! بل عاشت الآراء المتناقضة جنبًا إلى جنب : حتى تلقيناها ورأينا كيف أنار الله بصيرة الأقدمين : فامتدت رؤيتهم إلى أعماق الغيب قبل التاريخ على هذه الأرض !!!!... وتنوعت رؤيتهم تبعًا لاختلاف التخيلات !!!... وما نحسب أنهم اعتمدوا على شواهدَ مادية بل : هي محض تخيلاتٍ : هداهم إليها تأملهم المنطقي في أحوال الدنيا ..!!!!
ذكر المسعودي في كتابه عن بعض العلماء : أن الله سبحانه وتعالى خلق في الأرض قبل آدم : ثمانيًا وعشرين أمةً على خِلق مختلفة !!!..
وهي أنواع ..
منها ذوات الأجنحة وكلامهم قرقعة !!.. ومنها ما له أبدانٌ كالأسود ورؤوسٌ كالطير !!.. ولهم شعورٌ وأذنابٌ وكلامهم دوي !!.. ومنها ما له وجهان واحدٌ من قبله والآخر من خلفه وأرجل كثيرة !!.. ومنها يشبه نصف الإنسان بيدٍ ورجلٍ وكلامهم مثل صياح الغرانيق !!.. ومنها ما وجهه كالآدمي وظهره كالسلحفاة وفي رأسه قرن وكلامهم مثل عوي الكلاب !!.. ومنها ما له شعرٌ أبيض وذنَبٌ كالبقر !!.. ومنها ما له أنيابٌ بارزةٌ كالخناجر وآذانٌ طوال !!.. ويقال : إن هذه الأمم تناكحت وتناسلت : حتى صارت مائة وعشرين أمة ..
 "المستظرف / 398" ..
هذه صورةٌ من تفكير الأقدمين وتخيلاتهم عن الماضي السحيق قبل هذه الخليقة .. فقد لفقوا أشكالًا من المخلوقات : لا دليل على أنها وجدت إلا في الاحتمال الخيالي .. ومع ذلك يبقى
 – بعد استبعاد ما لا دليل عليه من الأشكال – : أن الأرض كانت معمورة قبل آدم .. سواء بمثل تلك الأصناف : أو بأصناف أخرى كالديناصورات أو الماموث أو بأوادم آخرين قبل آدم أبينا : على ما قرره بعض العلماء !!.. أي إن آدم : لم يكن أول مخلوق عاقل على هذه الأرض " !!!!...

فأبدأ في تناول هذه الفقرة التي خلطَ فيها باطلٌ بباطل : أبدأ في تناولها من جهة موضوعنا وهو ( السلف ) الذي بحث عنه الدكتور !!.. وأحسب أن الدكتور ذهب في الكتب جيئةً وذهابًا بحثا ًعنعالم سلفي واحد معتبر ذكر التطور : فما وجدَ له سلفًا إلا في كتاب "المستظرف" ينقل عن "المسعودي" !!.. ويبدو أنّ الدكتور لم ينقل من كتاب المسعودي !!.. لأنّه ما وجد هذا الكلام المنقول عند المسعودي حقًّا !!!.. فاكتفى بنقله من كتاب "المستظرف" ليكون سلفه هو : " ذكر المسعودي في كتابه عن بعض العلماء أن ..... إلى آخر ما قال " ! 
فمَن هم هؤلاء العلماء ؟! وما حقيقة قولهم !؟.. وهل هم حقا يخالفون السلف أو يقولون بنظرة تطورية للكائنات ؟!!.. هذا هو ما خرج به الدكتور عبد الصبور شاهين وفقه الله ! وما أداه إليه البحث العلمي الرصين !!!..

ثمّ إنّ الدكتور يبدأ الفقرة بقضية (آدم هو أول الخليقة) .. فيزعم أن ( جمهور السلف ) على أنّ آدم هو أول الخليقة (وهذا افتراء على العلماء فقد خلق الله الجن قبل آدم وخلق الأرض وما فيها من كائنات حية قبله كذلك قرآنا وسنة) : ثم يزعم أنّ هناك ( بعضٌ من علماء السلف ) على الرأي بأنّ آدم ليس أول الخليقة !!!.. ولا أدري : من أين أتى الدكتور بهذه الدعاوى ؟!!.. وما علاقتها بنظرية التطور أو وجود "أوادم" قبل آدم !؟.. 
وعلى أيّ من القولين :
فإنّه إما أن يكون آدم أول الخليقة .. أو أن تكون غيره من الأمم قد سبقته .. 
وليس في أحد القولين أنّ هناك "أوادم" قبل آدم !!.. ونحل "جمهور السلف" قولًا بأن آدم أول الخليقة : هو مجازفةٌ عظيمة !!!.. إذ ليس في السلف واحدٌ يقول – أو ينسب إليه القول – إن آدم أول الخليقة !!.. وليس فيهم مَن يقول إن هناك "أوادم" قبل آدم !!!.. ولا أدري : أحقّا يظن الدكتور أنّ هناك خلافًا "عاشت فيها الآراء المتناقضة جنبًا على جنبٍ" بخصوص "الأوادم" ؟!.. أم هو يسعى إلى اختلاق ذلك اختلاقًا ؟!...

أما ما حكاه الدكتور عن المستظرف : عن المسعودي : عن بعض العلماء : من وجود عجائب المخلوقات قبل آدم : 
فإن الدكتور نفسه يقول :
"ما نحسب أنهم اعتمدوا على شواهدَ مادية " .. ثم يقول إنها :
محض تخيلاتٍ : هداهم إليها تأملهم المنطقي في أحوال الدنيا " !!!.. 
فما هو التأمل المنطقي الذي يؤدي إلى القول بوجود هذه الكائنات العجيبة ؟!!.. ولا يمتنع في العقل أن توجد مثل هذه الكائنات لكن : لا يقال إن القول بوجودها يؤدي إليه "التأمل المنطقي" !!!.. غير أنّ الدكتور يريد أن يضفي على القول "الذي يحسبه – أو يجعله - سلفًا له" : شيئًا من المنطقية !!!..

وهذه الكائنات العجيبة التي ذكر الدكتور حكايتها : عن المستظرف : عن المسعودي : عن بعض العلماء هي : 
(ذوات الأجنحة ... أبدانٌ كالأسود ورؤوسٌ كالطير .... نصف الإنسان بيدٍ ورجلٍ .... وجهه كالآدمي وظهره كالسلحفاة....إلخ) ! 
فالعجب أن يقفز الدكتور على هذا القول ليقول إنه بعد استبعاد ما لا دليل عليه من الأشكال :
أن الأرض كانت معمورة قبل آدم : سواء بمثل تلك الأصناف أو : بأصناف أخرى كالديناصورات .. أو الماموث .. أو بأوادم آخرين قبل آدم أبينا على ما قرره بعض العلماء " !!.. فهل يرى امرؤٌ عنده مسحةٌ من إنصافٍ وعدلٍ أنّ "بعض العلماء" : قد قرروا وجود "أوادم آخرين" قبل آدم ؟!!..
--------

5... الخاتمة ....

إذن ... ما استطاع واحدٌ من الذين يحاولون التوفيق بين نظرية التطور والإسلام : أن يأتي بسلفٍ واحدٍ من المسلمين جميعًا : يقول بأن الإنسان انحدر عن حيوانٍ أدنى منه !!.. أو أنّ صنوف الكائنات : أتت من أصلٍ واحدٍ مشتركٍ بعمليةٍ تطوريةٍ طبيعية !!.. فهذه النظرية : خارجة تمامًا عن العقيدة الإسلامية !!!.. بل : لم توجد في أعمال أهل الضلال والبدع والباطنية أنفسهم كما رأينا من إخوان الصفا وابن رشد الحفيد !!.. أفتراهم جميعًا كانوا على ضلالةٍ ولا يحسنون فهمَ النصوص - رغم يسر تصور نظرية التطور - : 
حتى جاء دارون ليصلح لهم عقيدتهم ويسدد فهمهم ؟!!.. 
وما الذي يضطر إخواننا للتوفيق بين الإسلام وهذه النظرية ؟!!.. 
ولو أنهم تعلموا وصبروا لوجدوا أنهم : قد أساءوا في تصحيح هذه النظرية : 
كما أساء من نسبها لسلفٍ من المسلمين إذ أراد إحسانًا ...! 
-----

انتهى كلام د/ حسام الدين حامد وفقه الله مع بعض التصرف والزيادة مني كما ذكرت ...
وتليه مشاركة ٌبإذن الله تعالى عن النسبة الذهبية في الكائنات الحية وغيرها : 
تمهيدا ًللحديث عن نظرية التصميم الذكي : وما حاول بعض اللاعبين من الملاحدة والصدفيين التشغيب عليها ..
والله الموفق ...