عدنان إبراهيم ..والمسيح الدجال (1)
بدر بن سليمان العامر
12 / 7 / 1433 هــ
كثيراً ما يحتاط الدكتور عدنان إبراهيم لنفسه حين يريد تقرير أو تمرير قضية التي يريد ، ولكن احتياطه يكون " ناقصاً " ، بحيث يحاول قطع الطريق فقط على خصمه من خلال " التمويه " على قضية هي في حقيقتها نقضاً لفكرته الأساسية ، فيقدمها حتى يسلم منها ..
حين سمعت خطبته عن " المسيح الدجال .. تدجيل أم تغفيل " لفت انتباهي انه بدأ بالحديث عن " الشيطان " ، مختزلاً الشيطان وقصته في القرآن بـ ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) ، وخلص من هذا إلى أن الشيطان حقيقة ليس له سلطان إلا على الذين يريدون اتباعه .. فلماذا قدم بهذه المقدمة ؟
كانت بداية كلام الدكتور عن الدجال من خلال تساؤل عقلي : إذا كان الدجال بهذه القدرة الفائقة على " الإضلال " ، أوليس الناس معذورون باتباعه ؟ أليس من يحمل هذه الصفات فتنة يريد من قدّر خروجه وهو" الله تعالى " ان يضل الناس ويفتنهم عن دينهم ؟ وأن الآيات إنما تأتي" تخويفاً " فقط وليست إضلالاً وتكفيراً للناس ؟ إن الله لا يمكن أن يفعل هذا ، فإن قال قائل بأن " إبليس " نفس الحكاية ، قال لا ، إبليس لا يملك لقدرة على هذا ..والنتيجة : الدجال تدجيل وتغفيل .
هذه القضية الكلية هي التي انطلق منها الدكتور عدنان إبراهيم ، ومن ثم بدأ يسرد ما ورد في أحاديث الدجال من تناقضات كثيرة عنده ، ولأن أحاديث الدجال وردت في " الصحيحين " البخاري ومسلم وغيرهما من الصحاح ، فلا بد كعادته أن يهيئ النفوس للطعن في أحاديث الصحيحين بقضايا يدرك المختص أنها داخلة في " التجديف المعرفي " لا الكلام العلمي كما سيأتي إن شاء لله ..
نعود إلى أصل القضية .. المقارنة بين ( إبليس والدجال ) والتي أفضت إلى إنكار الآخر بناء على أن ابليس ليس له سلطان على الناس ، فكيف يخرج الله في آخر الزمان من يكون له سلطان على الناس يجعلهم يعبدونه ويكفرون بالله ؟
إذن فالقضية عنده هي قضية " لا يقبلها عقله" ، وهي مصادمة كذلك للقرآن .. وماهي إلا تقولات وتخرصات وخرافات .
ماهي المشكلة الأساسية ؟
- إن المشكلة الأساسية في هذا البحث المعرفي لدى عدنان إبراهيم الاعتماد على مقدمات خاطئة ، توصل بلا ريب إلى نتائج كارثية وخاطئة كذلك ، وهي كذلك نتائج توصل إلى متتالية من "الإنكارات " التي هي في حقيقتها متلازمة متراصة ، فمن ينكر الدجال حتماً سينكر المسيح ، ومن ينكر نزول المسيح حتماً سينكر المهدي ، ولو أثبت أحدها سيقع حتماً بالتناقض والذي يحاول الفرار منه بعملية " كنس " لكثير من هذه القضايا التي تحدث عنها وقدمها على أنه نتيجة لكد معرفي ، وتحرر فكري ، وإعمال للعقل .
* تبسيط الشيطان من خلال آية :
إذا قال عدنان إبراهيم كيف يمكن أن يخرج المسيح الدجال بهذا الكم من القدرة على الإضلال يمكن ببساطة أن يقال : كيف يمّكن الله مخلوقاً يقال له " إبليس " على أن يحيا منذ خلق الله الخلق إلى أن يبعثون وهو يضل الناس بصفات كثيرة هي اعظم من حقيقة الدجال وإضلاله .
فإن كان الدجال منظوراً موصوفاً للناس ، فإن أبليس لا يرى ، بل حكى الله عنه أنه يقول عن مهمته العظيمة { ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِم وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } ، فبسبب هذا المكر لا يكون أكثر الناس شاكرين لله .
ثم قال : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) فقال الله تعالى [في سورة الإسراء] إقراراً لهذا ( قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا )، فهو إقرار بأن القضية ليست فقط إغواء ، بل تبعية لمخلوق سخره الله تعالى لهذه المهمة ؟ أوليس من يريد أن يسير على طريقة عدنان إبراهيم أن يقول : هل الله الرحيم بعباده ، العظيم في علاه ، الشفيق على من عصاه يسخر مخلوقاً مثل إبليس ليكون سبباً في إضلال الناس ؟ كيف يعطيه هذه القدرة من البقاء إلى قيام الساعة ، وكثرة الأتباع ، والقدرات الخارقة التي تجعله يتسلل إلى عقل الإنسان وبصيرته فيوسوس له ، ويزين له الكفر والشرك والعصيان ؟ أليس هذا هو نفس المنطق الذي انطلق منه الدكتور عدنان لإنكاره للمسيح الدجال ؟
- وإن كان " الدجال" يأتي من خارج الذات ليضل الناس ، أليس الذي يأتي ليتمثل " ضمير "الإنسان فيوسوس له ويغريه بلا شعور أعظم من شخص يدرك العاقل المؤمن أنه دجال أفاك بصفاته وطريقته وما بيّن النبي من حاله ؟
- وإن كان الدجال يغوي أناساً في " آخر الزمان " حين انقضاء الآجال ، واقتراب الارتحال من الدنيا ، ألا يكون من أخذ على نفسه العهد ، وسار بإذن الله الخالق أن يكون همه الإغواء والذي أردى الملايين المملينة من البشر منذ خلق آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أعظم عملاً وفتنة ؟ حتى أنه سيعين الدجال على الإغواء والإضلال بتزيين فعله ، وتعمية عقول الناس عن تلمس حقيقة فتنتنه ؟ أليس ما يرد على الدجال من تساؤل يرد على إبليس الذي بسط الدكتور عدنان أمره في أول الحديث ليسلم له الاعتراض في نهايته ؟
إن السبل التي رسمها الله تعالى لعباده المؤمنين في الخلوص من الشيطان الرجيم ، من وسوسته ، وتزيينه للمنكر ، وإضلاله للناس كانت في ترسيخ ( حقائق الإيمان ومعرفة وصف الشيطان ومنهجه وطريقته في الإضلال ) ، والطريقة التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم لتوقي فتنة الدجال هي ذات الطريقة في ترسيخ ( حقائق الإيمان ، ومعرفة الله وأسمائه وصفاته ، والتحذير منه ووصف طريقته في الإضلال والأغواء ) ، إلا أن المهمة في التعامل مع الشأن المحسوس المشاهد أهون من التعامل مع أمر لا يرى ولا يدرك ولا يمكن أن يحتاط الإنسان منه في كل أحواله ..إلا أن يقال في الشيطان – وهي النتيجة التي نخشى أن تكون من متتاليات الدكتور القادمة – والتي قالها بعض الماديين الذين نكسوا الايات والأحاديث لتتوافق مع" عقولهم " زعموا بان الشيطان لا وجود له على الحقيقة وإنما هو كناية عن الشر في الارض .. كما كان آدم كناية عن الخير في الارض . ولا شي بعيد!
- وإذا كان الله تعالى قال في شان الشيطان (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) ، فيقال في شأن " الدجال " ، إنه لا سلطان له على الذين آمنوا واستبصروا حقيقته بخبر الصادق وعرفوا حجم فتنته وضعفه وتخييله وقدرته على الإيهام ، وإنما يكون سلطانه على الذين لم يستبصروا حقيقته ، فغابت النذر عن أذهانهم فسقطوا في وبال فعلهم مع رقة دينهم وضعف تمسكهم بكلام نبيهم ...
هذا الشيطان الذي يقول الدكتور أنه لا سلطان له علينا بطريقة تبسيطية هو الذي يقول الله تعالى عنه : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ }
وهو الذي يخذل الانسان ( وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا ) ، وإن كان قد أغوى آدم أبو البشر فأخرجه من الجنة ألا يغوي من دونه ؟ (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ - وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ - فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ .. الآيات ) .
بل حتى أن الشيطان يوحي لأوليائه بطريقة جدال أهل الحق وهو أمر لم يفكر به الدجال : ( إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) . وغيرها من مكائده العظيمة التي يتسلل بها إلى النفس الإنسانية ، بالوعد بالفقر ، وتزيين الفواحش ، والتفنن في أسلوب الغواية حتى بنزع الانسان عن العلم او تقليل موجبات تقواه وغيرها مما يطول الحديث عنه .. أليس السؤال نفس السؤال ؟ والتفريق بين المتماثلات لا يصح عقلاً ولا شرعاً ؟؟
في الحلقة القادمة ستتم مناقشة منهجية الدكتور العلمية في إنكار أحاديث الدجال .. وبيان حجم المغالطات العلمية والمنطقية في قوله.
ودمتم سالمين ..