التسميات

الخميس، 1 نوفمبر 2012

الاحتمالية والصدفة ..
بقلم الأخ Mahmoud Muhammad  منتدى التوحيد ..

وفيه بيان لفارق هام جدا ًبين وجود احتمال ما مهما بلغت ضآلته : وبين إمكانية حدوثه أصلا ً!
وفي الشرح ستعرفون ما أعني ..
أترككم مع النقل ..
-------

بالرغم من كون مفهوم " الاحتمالية " هو مفهوم شائع و مكون طبيعى من خبراتنا ، فلا يوجد تأويل أو تعريف علمى معين متفق عليه لمصطلح " الاحتمالية " من قِبَل الإحصائيين والفلاسفة وغيرهم من أهل الاختصاص .
فعبر السنين كان كلما طرح بعض جهابذة العلم والفكر والرأى تأويلا معيناً لمصطلح " الاحتمالية " إلا وانبرى بالنقد لهذا التأويل آخرين من نظرائهم .
ولا يزال المعنى الدقيق لمصطلح " الاحتمالية " مثاراً للجدل ومادة للنقاشات الفلسفية ذات التعلق بأسس علم الاحصاء .

وسنعرض هنا لثلاثة من التأويلات أو التعريفات المطروحة والاعتراضات التى عليها 

>> أولها الاحتمالية التكرارية Frequentist probability :
ويقصد بها أن احتمالية وقوع نتيجة outcome معينة لعملية ما process يمكن تفسيرها على أنها تعنى عدد مرات حصول هذه النتيجة بالنسبة لباقى النتائج المحتملة للعملية محل الاعتبار اذا ما تم تكرار العملية مرات عديدة تحت نفس الظروف ، فعلى سبيل المثال اذا تم القاء قطعة نقود فى الهواء فإن احتمال الحصول على أحد و جهى العملة بمعنى عدد مرات الحصول على هذا الوجه المعين بالنسبة للوجه الآخر سيكون ½ تقريبا 
غير أن مفهوم " تحت نفس الظروف " هو مفهوم غامض بما لا يؤهله ليفى بالغرض كأساس ينبى عليه تعريف علمى " للاحتمالية " بل ان الظروف أو الشروط التى يتم تحتها القاء " العملة " لابد الا تكون متماثلة والا حصلنا على نفس النتيجة كل مرة فلابد أن يكون هناك شىء من العشوائية فى هذه العملية .
كما أن مفهوم " مرات عديدة " غير محدد فلا يوجد هناك تعيين لعدد معين من المرات ، كبير " بدرجة كافية " ، التى يتم القاء قطعة النقود فيها .
كما أنه نُصَّ على أن عدد مرات الحصول على أحد وجهى العملة بالنسبة للآخر يساوى تقريبا ½ إلا أنه لم يُشار إلى أى مدى من الممكن أن تختلف النسبة التى يتم الحصول عليها عند اجراء العملية عن النسبة المذكورة فلو تم إلقاء قطعة النقود 100 ألف مرة فلن نتوقع أن نحصل على أحد وجهى العملة 50 ألف مرة بالضبط بل لو حصلنا على هذه النتيجة سيكون أمرا مثيرا للدهشة ، كما أنه لا يفترض للرقم الذى سنحصل عليه أن يختلف كثيرا عن 50 ألفا
كما يجدر بنا أن نذكر احتمالية الحصول على كل رقم من الارقام المحتمل الحصول عليها لوقوع العملة على أحد وجهيها وهو ما يعتمد بدوره على تعريف او تأويل مصطلح " الاحتمالية " الذى نحن بحاجة للوصول لتعريف أو تأويل له .
كما ان هذا التأويل يمكن تطبيقه من حيث المبدأ على العمليات التى يمكن تكرارها لعدد كبير من المرات بخلاف عمليات أخرى بطبيعتها لا تتكرر مثل احتمالية أن يتزوج أحد الأقارب أو أن يسفر أحد الابحاث العلمية عن نتائج إيجابية ونحو ذلك .

>> ثانيها التأويل الكلاسيكى Classical interpretation :
وهذا يعتمد على مفهوم النتائج الواردة بنفس الدرجة فعلى سبيل المثال لو أن لدينا حجر نرد له ستة أوجه كل وجه يحمل رقما ( من 1 - 6 ) ثم قمنا بإلقائه فإن كل وجه وراد الحصول عليه بنفس الدرجة ففى هذه الحالة هناك 6 نتائج محتملة فإذا قمنا بتعيين احتمالية متساوية لجميع النتائج فإن احتمال وقوع أحد النتائج يساوى 1/6 .
غير أن الاشكال فى هذا التأويل يكمن فى كون مفهوم " النتائج الواردة بنفس الدرجة " بدوره يعتمد على مفهوم الاحتمالية الذى نحن بصدد البحث عن تأويل له 
كما أننا إذا جوزنا أن النتائج المحتملة فى حالة حجر النرد واردة بنفس الدرجة فليس الأمر كذلك فى كل الحالات فإذا كان الحديث عن احتمال ان تشرق الشمس صباحا مقابل ألا تشرق فلا يمكن أن نقول أن الاحتمالين واردين بنفس الدرجة وبالتالى لا يمكن أن نعين Assign لهما نفس الاحتمالية 
وإذا كان الأمر كذلك فنحن بحاجة لآلية لتعيين " درجة ورود " لكل النتائج المحتملة .
ومن هنا نخلص للتأويل الثالث وهو التأويل الذاتى subjective interpretation ومفاده أن الشخص المعنى بدراسة عملية معينة هو الذى يعين assign " درجة ورود " معينة لكافة النتائج المحتملة لهذه العملية استنادا لتقييمه الخاص بناءا على قناعاته و المعلومات المتاحة لديه عن العملية محل الدراسة . 
** راجع كتاب Probability and Statistics
 Morris H. DeGroot- Fourth Edition

>> ولا يخفى بطبيعة الحال اللاموضوعية فى التأويل الأخير 
ومن هنا نخلص إلى نتيجة مفادها القول بأن كافة الاحتمالات التى قد يقدرها العقل قد لا تكون واردة بنفس الدرجة بل قد لا تكون واردة بالأساس على الأقل فى تقدير البعض 
وهذا يلقى بالضوء على مغالطة يكررها البعض عندما يقول ان الكون والأنظمة البيولوجية ربما نشأت بمحض الصدفة لأن انتظام الذرات والجزيئات على نحو معين لتكون الكون المنظور وتلك الانظمة البيولوجية المعقدة هو أحد الاحتمالات من الناحية النظرية لطريقة انتظام تلك الذرات والجزيئات حتى وان كان احتمال انتظامها على هذا النحو بشكل عشوائى من الناحية النظرية هو ضئيل للغاية ومتناهى فى الصغر بحيث يؤول للصفر إذ قورن بالنسبة لكافة احتمالات الانتظام الأخرى التى تكاد تكون لا متناهية ، إلا أن الأمر من الناحية النظرية لا يزال واردا

والرد على ذلك من وجهة نظرى انه يفرق بين الاحتمالات النظرية وبين واقع الأمر
فواقع الأمر أننا فى وجهة نظرى لابد أن نعين assign درجة ورود واقعية تساوى " الصفر " لهذا الاحتمال النظرى بحيث أنه من الناحية العملية ليس واردا على الطلاق ، بخلاف انتظام الذرات والجزيئات عشوائيا على نحو لا ينجم منه انظمة بيولوجية معقدة مؤدية لوظائف ونظام بيئى متزن يكفل البقاء لهذه الانظمة البيولوجية
فبالدليل التجريبى مثلا لا يمكن للحياة ان تنشأ بمحض الصدفة أو بشكل عشوائى بل الحياة لا تنشأ إلا من حياة سابقة عليها فى الوجود وهو مؤدى تجربة باستير Pasteur والقانون المعروف ب Biogenesis.
بل إن العلماء عجزوا على ما أوتوا من العلم والتكنولوجيا أن يخلقوا أكثر أنواع الحياة بدائية من عناصرها الأولية مباشرة ونحن نتكلم هاهنا عمن له عقل وتدبير وغرض وقدرة على التصميم فكيف تعجز أعظم العقول البشرية فى حين يمكن للطبيعة التى لا تعقل وقواها العشوائية التى لا إدارك لها ولا قصد ولا تدبير أن تنجح فيما لم تفلح فيه العقول البشرية 
هذا لا يدع عمليا مجالا للشك لأن الشك الذى له مسوغ لابد أن يكون مؤسسا على قاعدة موضوعية 
فنحن نطمئن لأمور ولا يساورنا فيها الشك فى حين أنها لا تحظى بهذا القدر من الدليل المقتضى لهذه الدرجة من اليقين ولا نصفه ولا ربعه ولا عشره مثل اطمئنان القارىء لأننى لست برنامج حاسوبى قام بالتسجيل فى هذا المنتدى ويقوم بكتابة المواضيع والمناقشة والجدال أو أننى لست قردا تنهال اصابعه بطريقة عشوائية على لوحة المفاتيح !