نظرات في حديث خلق الله آدم على صورته ...
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الإخوة والأخوات ..
رغم أن إثارة هذه الشبهة هو قديم من الرافضة ومنكري السنة وغيرهم ..
حيث (يستنكرون) فيها رأي أهل السنة والجماعة أهل الحديث والأثر في هذا الحديث ..
ويُظهرونهم بمظهر (المُجسمة) أو (المُشبهة) إلخ إلخ - زورا وبهتانا وأهل السنة أبعد الناس عن ذلك -
ويقتطعون تارة من كلامهم :
أو يحرفون معناه بالإيحاء من قبله أو من بعده لتوجيه فهم القاريء أو السامع لمعاني مذمومة ..!!
أقول : فرغم قِدم هذه الشبهة :
إلا أن تجدد الجهل في الأمة ودينها يجعلها في حاجة للتذكير بردودها باستمرار وتنوع وحُسن تجميع ..
وهذا ما سأحاول أن أفعله الآن بإذن الله تعالى :
مع هدفي للتوسع في الإجابة قليلا لتوضيح منهج أهل السنة والجماعة منهج الحق في الصفات ..
وكيف كانوا يلتمسون العذر للمخالف أو الذي يخطيء فيهم ولا يُسقطونه كعالم بسبب بعض الأخطاء !
فأترككم مع النقولات التي ما لي إلا جمعها وترتيبها كما تراءى لي ..
والله المستعان ..
وعليه التكلان ..
-------------
1))
وجود الله تعالى ..
معلوم أن الله تعالى هو الموجود بذاته سبحانه : لم يسبقه عدم كسائر مخلوقاته عز وجل ..
وفي هذا رد على مَن يسأل : مَن خلق الله ؟!!.. فنقول له :
الله تعالى لم يأت عليه وقت كان فيه عدما أصلا حتى يوجده أحد !!!..
بل هو موجود بذاته .. وليس العدم بأصل سابق عليه ..
-------
2))
صفات الله تعالى وصورته ..
معلوم أنه لكل موجود : لابد وله صفات وصورة يكون عليها .. وغير ذلك ممتنع عقلا ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وكما أنه لابد لكل موجود من صفات تقوم به : فلابد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها .. ويمتنع أن يكون في الوجود قائم بنفسه : ليس له صورة يكون عليها " !!!..
والصورة في اللغة : هي الشكل والهيئة والحقيقة والصفة .. فكل موجود : لابد أن يكون له صورة ..
ويقول ابن تيمية أيضا رحمه الله :
" الوجه العاشر : ثبوت الوجه والصورة لله : قد جاء في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة المتواترة .. واتفق على ذلك سلف الأمة " ..
-------
3))
هل الاشتراك في الصفة يعني المثلية والتشبيه والتطابق أو يعني الاشتراك في الكيفية ؟
أقول :
منهج أهل السنة والجماعة هو ( أسلم ) منهج وأيسره وسط كل مَن شذ عن بساطة الإسلام ووضوحه !!!..
فهو من جهة : يُسلم بكل ما وصف الله تعالى به نفسه أو ذكر به نفسه في قرآنه أو ذكره نبيه عنه ..
ومن الجهة الأخرى ومن بعد هذا الإثبات والتسليم :
فأهل السنة يقولون بأن لهذه الصفات (كيفية) : ولكن لا يعلمها أحد لقوله عز وجل :
" ليس كمثله شيء : وهو السميع البصير " ...
وأرجو التنبه هنا إلى أنهم : (( يُثبتون الكيفية )) ولكنهم يقولون : (( لا نعلمها )) : والفرق كبير بين ذلك وبين مَن (( ينفي وجود كيفية أصلا )) لهذه الصفات !!!..
< ولذلك قرن الله تعالى بين وصف نفسه بالسميع والبصير : بعد ذكره : ليس كمثله شيء >
ولذلك يشتهر عن أهل السنة أنهم يثبتون الصفات ولكن من غير :
تأويل : ولا تعطيل : ولا تشبيه : ولا تمثيل : ولا تجسيم إلخ ..
ومن كل ذلك نعلم أن :
اشتراكنا في الصفة مع الله تعالى (مثل صفة السمع والبصر والوجه واليدين والكلام إلخ) : لا يعني مشابهتنا لله تعالى ولا مماثلته في شيء من هذه الصفات : " ليس كمثله شيء " ..
فله سمع ( وهو بمعنى صفة السمع المعروف ) ولكن : ليس كسمعنا وكيفيته إلخ
وله بصر : ليس كبصرنا وكيفيته - رغم الاشتراك في أصل الصفة وهو الرؤية - وهكذا ..
وله استواء ولكنه له كيفية : لا نعلمها ..
وله عين وله يدين وله أصابع وله قدم وله نزول وله مجيء وله ضحك وله غضب إلخ ولكننا :
لا نعلم كيفية كل ذلك : ما هي ؟!!..
وله صورة ولكن : ليست كصورتنا من المطابقة والمماثلة والمشابهة ...
ومما يبين هذا المعنى ويؤكده : حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن أول زمرة تدخل الجنة : على صورة القمر " .. رواه البخاري ومسلم ..
فمراده هنا صلى الله عليه وسلم أن أول زمرة هم : على صورة القمر في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه .. وما أشبه ذلك على صورة القمر .. فصورتهم فيها شبه بالقمر : ولكن بدون مماثلة ...!! فتبين من ذلك أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء : أن يكون مماثلاً له من كل وجه ...
فإذا قال قائل : أن كلمة الصورة قد تحمل معنى المشابهة ولا تعني المشابهة :
فماذا نختار ؟ نقول له :
إذا احتملت الكلمة أكثر من معنى : فهي من المتشابه وليس المحكم .. والمتشابه نرده إلى المُحكم .. وهذه قاعدة كبيرة للتعامل مع ألفاظ الدين .. وبهذا نرد وصف " صورته " كما في الأحاديث إلى المُحكم وهو : " ليس كمثله شيء " : وذلك بعد إثباتها لله تعالى كما وردت : وكما سنرى في ظاهر الروايات الصحيحة بعد قليل ..
ومن العجيب أن الكائنات الحية نفسها : ومع اختلافها وتباينها الكبير :
تجد الصفة الواحدة فيها - كالسمع مثلا أو البصر - : ورغم اشتراكهم في أصلها (وهو السمع والرؤية) : إلا أن كيفياتها وقدراتها تتفاوت فيما بينهم !!.. فسمع القطة غير سمع الإنسان غير سمع الخفاش غير سمع الحوت إلخ !!.. وبصر النسر أو الصقر غير بصر الضفدع غير بصر الإنسان غير بصر الأخطبوط غير بصر البومة غير بصر القطة وسائر السنوريات !!!.. وهكذا ..
فإذا كان ذلك كله هو اختلاف في (مخلوقات) الله تعالى :
فما بالنا باختلاف صفات تلك المخلوقات عن صفات خالقها عز وجل في الكيفية والقدرات ؟!
إذا ًخلاصة هذه النقطة :
أن إثبات اشتراك الصفة بين الله تعالى ومخلوقاته : لا يعني تماثلها ولا تشابهها ..
ولا ولم يقل بذلك أي عالم سنة محترم سلفا ولا خلفا ...
وأما اللجوء لتأويل صفات الله (مثل أن يقول قائلهم اليد هي القدرة - العرش هو الملك - العين هي الرعاية - السمع والبصر هما العلم إلخ) .. فرغم صدوره عن حسن ظن من بعض العلماء لما تصوروه من تنزيه الله تعالى مما قد ينتقصه - في نظرهم - فاختاروا التأويل .. إلا أن هذا فيه :
1-
تقول على الله تعالى إذ لو كان التصريح بهذه الصفات فيه انتقاص له بالفعل : ما كان وصف بها نفسه ابتداء في قرآنه ولا نبيه في سنته !!..
2-
فيه نفي لما أثبته الله لنفسه صريحا : وذلك بتأويلات تختلف من إنسان لآخر ومن عقل وتفكير لثاني !!..
فإذا جيء بالناس يوم القيامة :
فأما أهل السنة والجماعة فمعهم حجتهم إذ يقولون : يا رب أثبتنا لك ما أثبته لنفسك في كتابك : وتركنا الخوض في كيفيته ..
وأما غيرهم : فلا حجة معهم إذا علموا أن لله تعالى يدين وقدم وعينين إلخ !!.. وقد نفوها أو عطلوها أو أولوها !!..
3-
أن فتنة تأويل ظاهر نصوص القرآن والسنة بغير صارف معتبر للتأويل : هو يفتح باب نفي أي كلام صريح أو محكم من الله تعالى لنا !!.. وذلك أن يبدأ المؤول بادعاء أن فيه (انتقاص) من قدر الله تعالى : ثم يبدأ بعدها في التأويل لصرف ذلك الانتقاص !!.. والمشكلة أن ذلك - وعلى ما فيه من خطأ - سيتعدى في باديء الأمر بعض الصفات : إلى باقي الصفات : ثم إلى باقي آيات القرآن نفسه !!!.. وتاريخ الإسلام مليء بالعديد من الأفكار الضالة التي انطلقت من هذا المنطلق للتأويل .. حيث في نهاية الأمر لن يعد هناك آيات محكمات وأخر متشابهات !!.. بل ستصير آيات الله تعالى كلها متشابهات عند هؤلاء : طالما فتحوا على أنفسهم ذلك الباب !!..
4-
القول بالكناية : لا يُبيح القول بالتأويل ..! بمعنى .. قد يقرأ أحدهم مثلا قوله عز وجل : " واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا " فيقول : هذه كناية عن عظيم الاهتمام بالنبي ورعايته : ثم يؤول العين هنا بذلك المعنى ولا يثبتها لله تعالى !!!.. فنقول له : أخطأت .. بل اثبت صفة العين لله كما أثبتها هو لنفسه سبحانه : ولكن سلم في الكيفية : فنحن نجهلها كيف هي هذه العين لله تعالى سبحانه .. وهكذا .. إذا ً: القول بالكناية في بعض آيات الصفات - مثل : يد الله فوق أيديهم إلخ - : لا ينفي إثبات الصفة لله تعالى على ظاهرها : وكما أثبتها لنفسه عز وجل ..
--------
4))
الحديث مثار الشبهة ..
والآن نستعرض أشهر حديث في المسألة .. والذي يقول فيه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
" خلق الله آدم على صورته .. طوله ستون ذراعًا .. فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك .. فإنها تحيتك وتحية ذريتك .. فقال : السلام عليكم .. فقالوا : السلام عليك ورحمة الله .. فزادوه : ورحمة الله .. فكل مَن يدخل الجنة على صورة آدم .. فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن " ..
والحديث رواه البخاري ومسلم .. وسنده صحيح ..
والخلاف المستحدث الآن هو على : 1- أن لله تعالى صورة ..
2- أن هاء الضمير في " على صورته " : عائد إلى الله تعالى وليس إلى آدم عليه السلام ..
فأقول وبالله التوفيق ...
--------
5))
نسبة صفة الصورة إلى الله : هو كنسبة باقي صفاته إليه ..
حيث قد ظهر لنا من قبل أنه ما من موجود إلا وله صورة .. يقول شيخ الإسلام فيما مضى نقله بالأعلى :
" وكما أنه لابد لكل موجود من صفات تقوم به : فلابد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها .. ويمتنع أن يكون في الوجود قائم بنفسه : ليس له صورة يكون عليها " ..
أقول : وقد ورد إثبات الصورة لله تعالى صريحا في روايات حديثية أخرى صحيحة مثل :
" فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة " - وهو جزء من حديث الشفاعة الطويل ..
ومثل حديث الرؤيا المنامية الشهير :
" أتاني ربي في أحسن صورة فقال : يا محمد .. قلت : لبيك رب ِوسعديك .. قال : فيمَ يختصم الملأ ُالأعلى " ؟!..
يقول الشيخ الغنيمان :
" وبهذا يتبين أن الصورة : كالصفات الأخرى : فأي صفة ثبتت لله تعالى بالوحي : وجب إثباتها والإيمان بها " ..
أي أنه ومن هذه الأحاديث : يُعلم أن الصورة : هي ثابتة لله تعالى : وعلى ما يليق به جل وعلا .. وشأنها في ذلك شأن باقي صفاته كالوجه واليد إلخ .. فصورته صفة من صفاته : لا تشبه صفات المخلوقين .. وكما أن ذاته لا تشبه ذواتهم ..
< ملحوظة هامة : لا يقبل أهل السنة أي صفة منسوبة لله تعالى : إلا بنص صحيح لأنها توقيفية لا يستطيع الإخبار بها إلا الله تعالى نفسه أو رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تتأتى باجتهاد ولا تأمل ولا تخمين فتكون من التقول على الله بغير علم وهو من أظلم الظلم إلخ >
وفي ذلك يقول أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لفظ الصورة في الحديث : كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد .. وإذا أطلقت على الله : اختصت به .. مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير .. ومثل خلقه بيديه .. واستواءه على العرش .. ونحو ذلك " ..
ويقول ابن قتيبة رحمه الله :
" الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين .. وإنما وقع الإلف لتلك (أي وصف اليدين والعين) : لمجيئها في القرآن .. ووقعت الوَحشة من هذه (أي وصف الصورة) لأنها لم تأت في القرآن .. ونحن نؤمن بالجميع .. ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد " ..
ونفيه للكيفية والحد هنا : أي كيفية معلومة : أو حد معلوم : وليس نفيا للكيفية والحد بإطلاق .. وكما شرحت في الأعلى ..
والآن يتبق لنا مناقشة نسبة هاء الضمير في " صورته " إلى الله تعالى ..
--------
6))
نسبة هاء الضمير في " صورته " إلى الله تعالى ...
وهنا سأكتفي غالبا بالنقولات لأهل العلم سلفا وخلفا لبيان أن ذلك هو الأصل .. والذي لم يشذ عنه إلا القليل ..
ولكني أولا سأعرض باقي روايات الأحاديث مثار الشبهة وعلى رأسها الحديث الذي ذكرته آنفا وهو أشهرهم :
" خلق الله آدم على صورته .. طوله ستون ذراعًا .. فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك .. فإنها تحيتك وتحية ذريتك .. فقال : السلام عليكم .. فقالوا : السلام عليك ورحمة الله .. فزادوه : ورحمة الله .. فكل مَن يدخل الجنة على صورة آدم .. فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن " .. رواه البخاري ومسلم ..
" إذا قاتل أحدكم أخاه : فليجتنب الوجه : فإن الله خلق آدم على صورته " .. رواه مسلم ..
" لا تقبحوا الوجوه : فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن " .. رواه ابن أبي عاصم في السنة عن ابن عمر .. وقال عنه الشيخ عبد الله الغنيمان :
" هذا حديث صحيح صححه الأئمة : الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية .. وليس لمَن ضعفه دليل إلا قول ابن خزيمة .. وقد خالفه مَن هو أجلّ منه " .. أقول : وضعفه الشيخ الألباني وله كلام مطول فيه ..
" إذا قاتل أحدكم : فليجتنب الوجه .. فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه " .. رواه ابن أبي عاصم أيضا في السنة عن أبي هريرة : وصححه الألباني في ظلال الجنة 516 .. وله كلام هناك ..
والآن مع نقولات كلام العلماء .. ونبدأ أولا بمَن قال أن هاء الضمير راجعة على آدم عليه السلام - أي أن الله خلق آدم على صورته التي عليها رأس وقدمين ويدين وعينين وأذنين إلخ - :
1...
قال الإمام الشوكاني رحمه الله :
" منها : أن الضمير في قوله : صورته : راجع إلى آدم .. وهذا هو الظاهر .. لأن أقرب اللفظين هو المرجع في الغالب .. ويتعين المصير إليه عند الاشتباه .. ولا سيما إذا استلزم الإرجاع إلى البعيد لازمًا فاسدًا .. وهذا لا ينبغي أن يعد تأويلًا .. بل هو الظاهر .. والمراد أن الله - جل جلاله -أخبر عباده على لسان نبيه أنه خلق آدم : على الصورة التي رأوه عليها بلا زيادة ولا نقصان " ..
2...
وقال الإمام المناوي رحمه الله :
" أي : على صورة آدم التي كان عليها : من مبدأ فطرته إلى موته : لم تتفاوت قامته : ولم تتغير هيئته " ..
3...
وقال الإمام النووي رحمه الله :
" قوله صلى الله عليه وسلم : خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا : هذا الحديث سبق شرحه وبيان تأويله .. وهذه الرواية ظاهرة في أن الضمير في صورته : عائد إلى آدم .. وأن المراد أنه خلق في أول نشأته : على صورته التي كان عليها في الأرض .. وتوفي عليها وهي : طوله ستون ذراعًا .. ولم ينتقل أطوارًا كذريته .. وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير " ..
4...
ومعهم الإمام ابن خزيمة رحمه الله ...
حيث نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس الجزء 3 : عن الشيخ محمد الكرخي الشافعي أنه قال في كتابه " الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاماً لذوي البدع والفضول :
" فأما تأويل مَن لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول .. وإن صدر ذلك عن إمام معروف غير مجهول .. نحو ما يُنسب إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في تأويل الحديث : خلق آدم على صورته : فإنه يفسر ذلك بذلك التأويل .. ولم يتابعه عليه من قبله من أئمة الحديث : لما رويناه عن أحمد رحمه الله .. ولم يتابعه أيضاً من بعد " ...
ثم قال شيخ الإسلام :
" قلت : فقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني فيما جمعه من مناقب الإمام الملقب بقوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التميمي صاحب كتاب الترغيب والترهيب قال : سمعته يقول : أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة .. ولا يُطعن عليه بذلك .. بل لا يؤخذ عنه فحسب .. قال أبو موسى : أشار بذلك إلى أنه قلَّ من إمام إلا وله زلة .. فإذا ترك ذلك الإمام لأجل زلته : ترك كثير من الأئمة !!.. وهذا لا ينبغي أن يفعل " ..
وقال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء 14/ 374 في ترجمة محمد بن إسحاق بن خزيمة :
" وكتابه في التوحيد : مجلد كبير .. وقد تأول في ذلك حديث الصورة .. فليُعذر من تأول بعض الصفات .. وأما السلف : فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا .. وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله .. ولو أن كل مَن أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق – أهدرناه : وبدعناه : لقل مَن يسلم من الأئمة معنا !!.. رحم الله الجميع بمنه وكرمه " ...
-----------
هذه كانت عن مَن رأوا نسبة هاء الضمير في " على صورته " إلى آدم عليه السلام وليس إلى الله ..
وأما في المقابل فمن أشهرهم سلفا وخلفا :
5...
الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله ..
حيث جاء في طبقات الحنابلة 1/ 309 :
" قال الإمام أحمد – لما ذكر له قول أبي ثور المتقدم – : مَن قال إن الله خلق آدم على صورة آدم : فهو جهمي !!.. وأيُّ صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه ؟ " !!..
وجاء في الشريعة للآجري 1/ 291 :
" حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال : حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج قال : قلت لأحمد - يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا .. أليس تقول بهذه الأحاديث ؟.. ويراه أهل الجنة : يعني ربهم عز وجل ؟.. ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته ؟.. واشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه ؟.. وإن موسى لطلم ملك الموت ؟.. قال أحمد : كل هذا صحيح .. قال إسحاق : هذا صحيح .. ولا يدعه (أي يتركه أو يطعن في صحته) إلا مبتدع أو ضعيف الرأي " ..
أقول : وذم الإمام أحمد هنا للقائلين بذلك : مبني على ضعف حجتهم لقرب عهدهم بالصحابة والتابعين إلخ .. ولا يشمل ذمه مَن أخطأ في اجتهاده من الأئمة الأفاضل كما تقدم بيانه عند الحديث عن ابن خزيمة وغيره رحم الله الجميع ..
6...
ابن قتيبة رحمه الله ..
يقول في تأويل مختلف الحديث ص 221 :
" الصورة : ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين !!.. وإنما وقع الإلف لتلك (أي اليدين والعين) لمجيئها في القرآن .. ووقعت الوَحشة من هذه (أي الصورة) لأنها لم تأت في القرآن .. ونحن نؤمن بالجميع .. ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد " .. وقد تقدم ذكري له ..
ويقول بعد تعليقه على كلام الإمام أحمد ص 318 :
" ولو كان المراد هذا : ما كان في الكلام فائدة !!.. ومَن يشك في أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته ؟.. والسباع على صورها ؟.. والأنعام على صورها " ؟؟..
7...
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ..
وهو من أكثر مَن تكلموا في هذه المسألة .. يقول في نقض التأسيس 3/ 202 :
" لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث : عائد إلى الله تعالى .. فإنه مستفيض من طرق متعددة : عن عدد من الصحابة .. وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة : جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى .. حتى نــُــقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم : كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم .. ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة " ..
وقد ساق شيخ الإسلام أوجها كثيرة لإبطال هذا القول منها :
" أنه في مثل هذا لا يصلح إفراد الضمير !!.. فإن الله خلق آدم على صورة بنيه كلهم .. فتخصيص واحد لم يتقدم له ذكر بأن الله خلق آدم على صورته : في غاية البعد !!.. لا سيما وقوله : (وإذا قاتل أحدكم .. وإذا ضرب أحدكم) عام في كل مضروب .. والله خلق آدم على صورهم جميعهم .. فلا معنى لإفراد الضمير .. وكذلك قوله : (لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك) : عام في كل مخاطب .. والله قد خلقهم كلهم على صورة آدم "..
" أن ذرية آدم خلقوا على صورة آدم : لم يخلق آدم على صورهم !.. فإن مثل هذا الخطاب إنما يقال فيه : خلق الثاني المتأخر في الوجود على صورة الأول المتقدم وجوده .. لا يقال : إنه خلق الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود .. كما يقال : خلق الخلق على غير مثال أو نسيج هذا على منوال هذا " ..
" أنه إذا أريد مجرد المشابهة لآدم وذريته : لم يحتج إلى لفظ خلق على كذا .. فإذ هذه العبارة إنما تستعمل فيما فطر على مثال غيره .. بل يقال إن وجهه يشبه وجه آدم .. أو فإن صورته تشبه صورة آدم " ..
" أنه لو كانت علة النهي عن شتم الوجه وتقبيحه أنه يشبه وجه آدم : لنهى أيضاً عن الشتم والتقبيح وسائر الأعضاء !!.. لا يقولن أحدكم قطع الله يدك ويد من أشبه يدك " ... إلخ
وغير ذلك ...
8...
الشيخ الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري 2/41 :
" وبهذا يتبين أن الصورة كالصفات الأخرى .. فأي صفة ثبتت لله تعالى بالوحي : وجب إثباتها والإيمان بها " ..
وله كلام مطول في نفس الموضع ..
9...
الشيخ ابن باز رحمه الله :
حيث سُئل عن الحديث كما في مجموع فتاوى الشيخ 4/ 226 فأجاب رحمه الله :
" الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته " وفي لفظ آخر : " على صورة الرحمن " وهذا لا يستلزم التشبيه والتمثيل ... والمعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا : متكلما إذا شاء .. وهذا وصف الله فإنه سميع بصير متكلم إذا شاء : وله وجه جل وعلا ..
وليس المعنى التشبيه والتمثيل .. بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق .. وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ومتى شاء .. وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا : ذا وجه وذا يد وذا قدم .. لكن ليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر .. وليس المتكلم كالمتكلم .. بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته .. وللعبد صفاته التي تليق به .. صفات يعتريها الفناء والنقص .. وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء .. ولهذا قال عز وجل : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .. الشورى / 11 .. وقال سبحانه : " ولم يكن له كفوا أحد " .. الإخلاص / 4 .. فلا يجوز ضرب الوجه ولا تقبيح الوجه " .. انتهى ..
10...
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ..
حيث سُئل أيضا عن المراد من الحديث فأجاب - وكما جاء في كتاب العقيدة سؤال 45/ ص 88 :
" هذا الحديث أعنى قول النبى صلى الله عليه وسلم : [إن الله خلق آدم على صورته] ثابت فى الصحيح .. ومن المعلوم أنه لا يراد به ظاهره بإجماع المسلمين والعقلاء .. لأن الله عز وجل وسع كرسيه السماوات والأرض وهى كلها بالنسبة للكرسى- موضع القدمين - كحلقة ألقيت فى فلاة من الأرض .. وفضل العرش على الكرسى : كفضل الفلاة على هذه الحلقة .. فما ظنك برب العالمين ؟ لا أحد يحيط به وصفا ولا تخيلا .. ومن هذا وصفه : لا يمكن أن يكون على صورة آدم ستون ذراعا .. لكن يحتمل على أحد معنين :>>
الأول : أن الله خلق آدم على صورة اختارها : وأضافها إلى نفسه تعالى تكريما وتشريفا ..
>>
الثانى : أن المراد خلق آدم على صورته تعالى من حيث الجملة : ومجرد كونه على صورته لا يقتضى المماثلة ..
كقوله صلى الله عليه وسلم: [إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر .. ثم الذين يلونهم على أضوء كوكب فى السماء] .. ولا يلزم أن تكون هذه الزمرة مماثلة للقمر !!.. لأن القمر أكبر من أهل الجنة بكثير !!.. فإنهم يدخلون الجنة طولهم ستون ذراعا : فليسوا مثل القمر " ..
وأكتفي بهذا القدر ...
والله تعالى أعلى وأعلم ..
-----
< ملحوظة أخيرة : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب أو سب الوجه أو تقبيحه - حتى من الزوج للزوجة أو غيرهما - حيث يقول القائل : قبح هذا الوجه !!.. أو قبح الله هذا الوجه !!.. إلخ .. كما نهى رسولنا الكريم أيضا عن وسم حيوان في وجهه - أي حرقه بعلامة في وجهه لتمييزه عن حيوانات غيره - .. ولعن مَن فعل ذلك كما في الحديث الصحيح >
بالتوفيق ...
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الإخوة والأخوات ..
رغم أن إثارة هذه الشبهة هو قديم من الرافضة ومنكري السنة وغيرهم ..
حيث (يستنكرون) فيها رأي أهل السنة والجماعة أهل الحديث والأثر في هذا الحديث ..
ويُظهرونهم بمظهر (المُجسمة) أو (المُشبهة) إلخ إلخ - زورا وبهتانا وأهل السنة أبعد الناس عن ذلك -
ويقتطعون تارة من كلامهم :
أو يحرفون معناه بالإيحاء من قبله أو من بعده لتوجيه فهم القاريء أو السامع لمعاني مذمومة ..!!
أقول : فرغم قِدم هذه الشبهة :
إلا أن تجدد الجهل في الأمة ودينها يجعلها في حاجة للتذكير بردودها باستمرار وتنوع وحُسن تجميع ..
وهذا ما سأحاول أن أفعله الآن بإذن الله تعالى :
مع هدفي للتوسع في الإجابة قليلا لتوضيح منهج أهل السنة والجماعة منهج الحق في الصفات ..
وكيف كانوا يلتمسون العذر للمخالف أو الذي يخطيء فيهم ولا يُسقطونه كعالم بسبب بعض الأخطاء !
فأترككم مع النقولات التي ما لي إلا جمعها وترتيبها كما تراءى لي ..
والله المستعان ..
وعليه التكلان ..
-------------
1))
وجود الله تعالى ..
معلوم أن الله تعالى هو الموجود بذاته سبحانه : لم يسبقه عدم كسائر مخلوقاته عز وجل ..
وفي هذا رد على مَن يسأل : مَن خلق الله ؟!!.. فنقول له :
الله تعالى لم يأت عليه وقت كان فيه عدما أصلا حتى يوجده أحد !!!..
بل هو موجود بذاته .. وليس العدم بأصل سابق عليه ..
-------
2))
صفات الله تعالى وصورته ..
معلوم أنه لكل موجود : لابد وله صفات وصورة يكون عليها .. وغير ذلك ممتنع عقلا ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وكما أنه لابد لكل موجود من صفات تقوم به : فلابد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها .. ويمتنع أن يكون في الوجود قائم بنفسه : ليس له صورة يكون عليها " !!!..
والصورة في اللغة : هي الشكل والهيئة والحقيقة والصفة .. فكل موجود : لابد أن يكون له صورة ..
ويقول ابن تيمية أيضا رحمه الله :
" الوجه العاشر : ثبوت الوجه والصورة لله : قد جاء في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة المتواترة .. واتفق على ذلك سلف الأمة " ..
-------
3))
هل الاشتراك في الصفة يعني المثلية والتشبيه والتطابق أو يعني الاشتراك في الكيفية ؟
أقول :
منهج أهل السنة والجماعة هو ( أسلم ) منهج وأيسره وسط كل مَن شذ عن بساطة الإسلام ووضوحه !!!..
فهو من جهة : يُسلم بكل ما وصف الله تعالى به نفسه أو ذكر به نفسه في قرآنه أو ذكره نبيه عنه ..
ومن الجهة الأخرى ومن بعد هذا الإثبات والتسليم :
فأهل السنة يقولون بأن لهذه الصفات (كيفية) : ولكن لا يعلمها أحد لقوله عز وجل :
" ليس كمثله شيء : وهو السميع البصير " ...
وأرجو التنبه هنا إلى أنهم : (( يُثبتون الكيفية )) ولكنهم يقولون : (( لا نعلمها )) : والفرق كبير بين ذلك وبين مَن (( ينفي وجود كيفية أصلا )) لهذه الصفات !!!..
< ولذلك قرن الله تعالى بين وصف نفسه بالسميع والبصير : بعد ذكره : ليس كمثله شيء >
ولذلك يشتهر عن أهل السنة أنهم يثبتون الصفات ولكن من غير :
تأويل : ولا تعطيل : ولا تشبيه : ولا تمثيل : ولا تجسيم إلخ ..
ومن كل ذلك نعلم أن :
اشتراكنا في الصفة مع الله تعالى (مثل صفة السمع والبصر والوجه واليدين والكلام إلخ) : لا يعني مشابهتنا لله تعالى ولا مماثلته في شيء من هذه الصفات : " ليس كمثله شيء " ..
فله سمع ( وهو بمعنى صفة السمع المعروف ) ولكن : ليس كسمعنا وكيفيته إلخ
وله بصر : ليس كبصرنا وكيفيته - رغم الاشتراك في أصل الصفة وهو الرؤية - وهكذا ..
وله استواء ولكنه له كيفية : لا نعلمها ..
وله عين وله يدين وله أصابع وله قدم وله نزول وله مجيء وله ضحك وله غضب إلخ ولكننا :
لا نعلم كيفية كل ذلك : ما هي ؟!!..
وله صورة ولكن : ليست كصورتنا من المطابقة والمماثلة والمشابهة ...
ومما يبين هذا المعنى ويؤكده : حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن أول زمرة تدخل الجنة : على صورة القمر " .. رواه البخاري ومسلم ..
فمراده هنا صلى الله عليه وسلم أن أول زمرة هم : على صورة القمر في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه .. وما أشبه ذلك على صورة القمر .. فصورتهم فيها شبه بالقمر : ولكن بدون مماثلة ...!! فتبين من ذلك أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء : أن يكون مماثلاً له من كل وجه ...
فإذا قال قائل : أن كلمة الصورة قد تحمل معنى المشابهة ولا تعني المشابهة :
فماذا نختار ؟ نقول له :
إذا احتملت الكلمة أكثر من معنى : فهي من المتشابه وليس المحكم .. والمتشابه نرده إلى المُحكم .. وهذه قاعدة كبيرة للتعامل مع ألفاظ الدين .. وبهذا نرد وصف " صورته " كما في الأحاديث إلى المُحكم وهو : " ليس كمثله شيء " : وذلك بعد إثباتها لله تعالى كما وردت : وكما سنرى في ظاهر الروايات الصحيحة بعد قليل ..
ومن العجيب أن الكائنات الحية نفسها : ومع اختلافها وتباينها الكبير :
تجد الصفة الواحدة فيها - كالسمع مثلا أو البصر - : ورغم اشتراكهم في أصلها (وهو السمع والرؤية) : إلا أن كيفياتها وقدراتها تتفاوت فيما بينهم !!.. فسمع القطة غير سمع الإنسان غير سمع الخفاش غير سمع الحوت إلخ !!.. وبصر النسر أو الصقر غير بصر الضفدع غير بصر الإنسان غير بصر الأخطبوط غير بصر البومة غير بصر القطة وسائر السنوريات !!!.. وهكذا ..
فإذا كان ذلك كله هو اختلاف في (مخلوقات) الله تعالى :
فما بالنا باختلاف صفات تلك المخلوقات عن صفات خالقها عز وجل في الكيفية والقدرات ؟!
إذا ًخلاصة هذه النقطة :
أن إثبات اشتراك الصفة بين الله تعالى ومخلوقاته : لا يعني تماثلها ولا تشابهها ..
ولا ولم يقل بذلك أي عالم سنة محترم سلفا ولا خلفا ...
وأما اللجوء لتأويل صفات الله (مثل أن يقول قائلهم اليد هي القدرة - العرش هو الملك - العين هي الرعاية - السمع والبصر هما العلم إلخ) .. فرغم صدوره عن حسن ظن من بعض العلماء لما تصوروه من تنزيه الله تعالى مما قد ينتقصه - في نظرهم - فاختاروا التأويل .. إلا أن هذا فيه :
1-
تقول على الله تعالى إذ لو كان التصريح بهذه الصفات فيه انتقاص له بالفعل : ما كان وصف بها نفسه ابتداء في قرآنه ولا نبيه في سنته !!..
2-
فيه نفي لما أثبته الله لنفسه صريحا : وذلك بتأويلات تختلف من إنسان لآخر ومن عقل وتفكير لثاني !!..
فإذا جيء بالناس يوم القيامة :
فأما أهل السنة والجماعة فمعهم حجتهم إذ يقولون : يا رب أثبتنا لك ما أثبته لنفسك في كتابك : وتركنا الخوض في كيفيته ..
وأما غيرهم : فلا حجة معهم إذا علموا أن لله تعالى يدين وقدم وعينين إلخ !!.. وقد نفوها أو عطلوها أو أولوها !!..
3-
أن فتنة تأويل ظاهر نصوص القرآن والسنة بغير صارف معتبر للتأويل : هو يفتح باب نفي أي كلام صريح أو محكم من الله تعالى لنا !!.. وذلك أن يبدأ المؤول بادعاء أن فيه (انتقاص) من قدر الله تعالى : ثم يبدأ بعدها في التأويل لصرف ذلك الانتقاص !!.. والمشكلة أن ذلك - وعلى ما فيه من خطأ - سيتعدى في باديء الأمر بعض الصفات : إلى باقي الصفات : ثم إلى باقي آيات القرآن نفسه !!!.. وتاريخ الإسلام مليء بالعديد من الأفكار الضالة التي انطلقت من هذا المنطلق للتأويل .. حيث في نهاية الأمر لن يعد هناك آيات محكمات وأخر متشابهات !!.. بل ستصير آيات الله تعالى كلها متشابهات عند هؤلاء : طالما فتحوا على أنفسهم ذلك الباب !!..
4-
القول بالكناية : لا يُبيح القول بالتأويل ..! بمعنى .. قد يقرأ أحدهم مثلا قوله عز وجل : " واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا " فيقول : هذه كناية عن عظيم الاهتمام بالنبي ورعايته : ثم يؤول العين هنا بذلك المعنى ولا يثبتها لله تعالى !!!.. فنقول له : أخطأت .. بل اثبت صفة العين لله كما أثبتها هو لنفسه سبحانه : ولكن سلم في الكيفية : فنحن نجهلها كيف هي هذه العين لله تعالى سبحانه .. وهكذا .. إذا ً: القول بالكناية في بعض آيات الصفات - مثل : يد الله فوق أيديهم إلخ - : لا ينفي إثبات الصفة لله تعالى على ظاهرها : وكما أثبتها لنفسه عز وجل ..
--------
4))
الحديث مثار الشبهة ..
والآن نستعرض أشهر حديث في المسألة .. والذي يقول فيه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
" خلق الله آدم على صورته .. طوله ستون ذراعًا .. فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك .. فإنها تحيتك وتحية ذريتك .. فقال : السلام عليكم .. فقالوا : السلام عليك ورحمة الله .. فزادوه : ورحمة الله .. فكل مَن يدخل الجنة على صورة آدم .. فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن " ..
والحديث رواه البخاري ومسلم .. وسنده صحيح ..
والخلاف المستحدث الآن هو على : 1- أن لله تعالى صورة ..
2- أن هاء الضمير في " على صورته " : عائد إلى الله تعالى وليس إلى آدم عليه السلام ..
فأقول وبالله التوفيق ...
--------
5))
نسبة صفة الصورة إلى الله : هو كنسبة باقي صفاته إليه ..
حيث قد ظهر لنا من قبل أنه ما من موجود إلا وله صورة .. يقول شيخ الإسلام فيما مضى نقله بالأعلى :
" وكما أنه لابد لكل موجود من صفات تقوم به : فلابد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها .. ويمتنع أن يكون في الوجود قائم بنفسه : ليس له صورة يكون عليها " ..
أقول : وقد ورد إثبات الصورة لله تعالى صريحا في روايات حديثية أخرى صحيحة مثل :
" فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة " - وهو جزء من حديث الشفاعة الطويل ..
ومثل حديث الرؤيا المنامية الشهير :
" أتاني ربي في أحسن صورة فقال : يا محمد .. قلت : لبيك رب ِوسعديك .. قال : فيمَ يختصم الملأ ُالأعلى " ؟!..
يقول الشيخ الغنيمان :
" وبهذا يتبين أن الصورة : كالصفات الأخرى : فأي صفة ثبتت لله تعالى بالوحي : وجب إثباتها والإيمان بها " ..
أي أنه ومن هذه الأحاديث : يُعلم أن الصورة : هي ثابتة لله تعالى : وعلى ما يليق به جل وعلا .. وشأنها في ذلك شأن باقي صفاته كالوجه واليد إلخ .. فصورته صفة من صفاته : لا تشبه صفات المخلوقين .. وكما أن ذاته لا تشبه ذواتهم ..
< ملحوظة هامة : لا يقبل أهل السنة أي صفة منسوبة لله تعالى : إلا بنص صحيح لأنها توقيفية لا يستطيع الإخبار بها إلا الله تعالى نفسه أو رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تتأتى باجتهاد ولا تأمل ولا تخمين فتكون من التقول على الله بغير علم وهو من أظلم الظلم إلخ >
وفي ذلك يقول أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لفظ الصورة في الحديث : كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد .. وإذا أطلقت على الله : اختصت به .. مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير .. ومثل خلقه بيديه .. واستواءه على العرش .. ونحو ذلك " ..
ويقول ابن قتيبة رحمه الله :
" الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين .. وإنما وقع الإلف لتلك (أي وصف اليدين والعين) : لمجيئها في القرآن .. ووقعت الوَحشة من هذه (أي وصف الصورة) لأنها لم تأت في القرآن .. ونحن نؤمن بالجميع .. ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد " ..
ونفيه للكيفية والحد هنا : أي كيفية معلومة : أو حد معلوم : وليس نفيا للكيفية والحد بإطلاق .. وكما شرحت في الأعلى ..
والآن يتبق لنا مناقشة نسبة هاء الضمير في " صورته " إلى الله تعالى ..
--------
6))
نسبة هاء الضمير في " صورته " إلى الله تعالى ...
وهنا سأكتفي غالبا بالنقولات لأهل العلم سلفا وخلفا لبيان أن ذلك هو الأصل .. والذي لم يشذ عنه إلا القليل ..
ولكني أولا سأعرض باقي روايات الأحاديث مثار الشبهة وعلى رأسها الحديث الذي ذكرته آنفا وهو أشهرهم :
" خلق الله آدم على صورته .. طوله ستون ذراعًا .. فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك .. فإنها تحيتك وتحية ذريتك .. فقال : السلام عليكم .. فقالوا : السلام عليك ورحمة الله .. فزادوه : ورحمة الله .. فكل مَن يدخل الجنة على صورة آدم .. فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن " .. رواه البخاري ومسلم ..
" إذا قاتل أحدكم أخاه : فليجتنب الوجه : فإن الله خلق آدم على صورته " .. رواه مسلم ..
" لا تقبحوا الوجوه : فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن " .. رواه ابن أبي عاصم في السنة عن ابن عمر .. وقال عنه الشيخ عبد الله الغنيمان :
" هذا حديث صحيح صححه الأئمة : الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية .. وليس لمَن ضعفه دليل إلا قول ابن خزيمة .. وقد خالفه مَن هو أجلّ منه " .. أقول : وضعفه الشيخ الألباني وله كلام مطول فيه ..
" إذا قاتل أحدكم : فليجتنب الوجه .. فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه " .. رواه ابن أبي عاصم أيضا في السنة عن أبي هريرة : وصححه الألباني في ظلال الجنة 516 .. وله كلام هناك ..
والآن مع نقولات كلام العلماء .. ونبدأ أولا بمَن قال أن هاء الضمير راجعة على آدم عليه السلام - أي أن الله خلق آدم على صورته التي عليها رأس وقدمين ويدين وعينين وأذنين إلخ - :
1...
قال الإمام الشوكاني رحمه الله :
" منها : أن الضمير في قوله : صورته : راجع إلى آدم .. وهذا هو الظاهر .. لأن أقرب اللفظين هو المرجع في الغالب .. ويتعين المصير إليه عند الاشتباه .. ولا سيما إذا استلزم الإرجاع إلى البعيد لازمًا فاسدًا .. وهذا لا ينبغي أن يعد تأويلًا .. بل هو الظاهر .. والمراد أن الله - جل جلاله -أخبر عباده على لسان نبيه أنه خلق آدم : على الصورة التي رأوه عليها بلا زيادة ولا نقصان " ..
2...
وقال الإمام المناوي رحمه الله :
" أي : على صورة آدم التي كان عليها : من مبدأ فطرته إلى موته : لم تتفاوت قامته : ولم تتغير هيئته " ..
3...
وقال الإمام النووي رحمه الله :
" قوله صلى الله عليه وسلم : خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا : هذا الحديث سبق شرحه وبيان تأويله .. وهذه الرواية ظاهرة في أن الضمير في صورته : عائد إلى آدم .. وأن المراد أنه خلق في أول نشأته : على صورته التي كان عليها في الأرض .. وتوفي عليها وهي : طوله ستون ذراعًا .. ولم ينتقل أطوارًا كذريته .. وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير " ..
4...
ومعهم الإمام ابن خزيمة رحمه الله ...
حيث نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس الجزء 3 : عن الشيخ محمد الكرخي الشافعي أنه قال في كتابه " الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاماً لذوي البدع والفضول :
" فأما تأويل مَن لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول .. وإن صدر ذلك عن إمام معروف غير مجهول .. نحو ما يُنسب إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في تأويل الحديث : خلق آدم على صورته : فإنه يفسر ذلك بذلك التأويل .. ولم يتابعه عليه من قبله من أئمة الحديث : لما رويناه عن أحمد رحمه الله .. ولم يتابعه أيضاً من بعد " ...
ثم قال شيخ الإسلام :
" قلت : فقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني فيما جمعه من مناقب الإمام الملقب بقوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التميمي صاحب كتاب الترغيب والترهيب قال : سمعته يقول : أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة .. ولا يُطعن عليه بذلك .. بل لا يؤخذ عنه فحسب .. قال أبو موسى : أشار بذلك إلى أنه قلَّ من إمام إلا وله زلة .. فإذا ترك ذلك الإمام لأجل زلته : ترك كثير من الأئمة !!.. وهذا لا ينبغي أن يفعل " ..
وقال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء 14/ 374 في ترجمة محمد بن إسحاق بن خزيمة :
" وكتابه في التوحيد : مجلد كبير .. وقد تأول في ذلك حديث الصورة .. فليُعذر من تأول بعض الصفات .. وأما السلف : فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا .. وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله .. ولو أن كل مَن أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق – أهدرناه : وبدعناه : لقل مَن يسلم من الأئمة معنا !!.. رحم الله الجميع بمنه وكرمه " ...
-----------
هذه كانت عن مَن رأوا نسبة هاء الضمير في " على صورته " إلى آدم عليه السلام وليس إلى الله ..
وأما في المقابل فمن أشهرهم سلفا وخلفا :
5...
الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله ..
حيث جاء في طبقات الحنابلة 1/ 309 :
" قال الإمام أحمد – لما ذكر له قول أبي ثور المتقدم – : مَن قال إن الله خلق آدم على صورة آدم : فهو جهمي !!.. وأيُّ صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه ؟ " !!..
وجاء في الشريعة للآجري 1/ 291 :
" حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال : حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج قال : قلت لأحمد - يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا .. أليس تقول بهذه الأحاديث ؟.. ويراه أهل الجنة : يعني ربهم عز وجل ؟.. ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته ؟.. واشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه ؟.. وإن موسى لطلم ملك الموت ؟.. قال أحمد : كل هذا صحيح .. قال إسحاق : هذا صحيح .. ولا يدعه (أي يتركه أو يطعن في صحته) إلا مبتدع أو ضعيف الرأي " ..
أقول : وذم الإمام أحمد هنا للقائلين بذلك : مبني على ضعف حجتهم لقرب عهدهم بالصحابة والتابعين إلخ .. ولا يشمل ذمه مَن أخطأ في اجتهاده من الأئمة الأفاضل كما تقدم بيانه عند الحديث عن ابن خزيمة وغيره رحم الله الجميع ..
6...
ابن قتيبة رحمه الله ..
يقول في تأويل مختلف الحديث ص 221 :
" الصورة : ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين !!.. وإنما وقع الإلف لتلك (أي اليدين والعين) لمجيئها في القرآن .. ووقعت الوَحشة من هذه (أي الصورة) لأنها لم تأت في القرآن .. ونحن نؤمن بالجميع .. ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد " .. وقد تقدم ذكري له ..
ويقول بعد تعليقه على كلام الإمام أحمد ص 318 :
" ولو كان المراد هذا : ما كان في الكلام فائدة !!.. ومَن يشك في أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته ؟.. والسباع على صورها ؟.. والأنعام على صورها " ؟؟..
7...
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ..
وهو من أكثر مَن تكلموا في هذه المسألة .. يقول في نقض التأسيس 3/ 202 :
" لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث : عائد إلى الله تعالى .. فإنه مستفيض من طرق متعددة : عن عدد من الصحابة .. وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة : جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى .. حتى نــُــقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم : كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم .. ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة " ..
وقد ساق شيخ الإسلام أوجها كثيرة لإبطال هذا القول منها :
" أنه في مثل هذا لا يصلح إفراد الضمير !!.. فإن الله خلق آدم على صورة بنيه كلهم .. فتخصيص واحد لم يتقدم له ذكر بأن الله خلق آدم على صورته : في غاية البعد !!.. لا سيما وقوله : (وإذا قاتل أحدكم .. وإذا ضرب أحدكم) عام في كل مضروب .. والله خلق آدم على صورهم جميعهم .. فلا معنى لإفراد الضمير .. وكذلك قوله : (لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك) : عام في كل مخاطب .. والله قد خلقهم كلهم على صورة آدم "..
" أن ذرية آدم خلقوا على صورة آدم : لم يخلق آدم على صورهم !.. فإن مثل هذا الخطاب إنما يقال فيه : خلق الثاني المتأخر في الوجود على صورة الأول المتقدم وجوده .. لا يقال : إنه خلق الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود .. كما يقال : خلق الخلق على غير مثال أو نسيج هذا على منوال هذا " ..
" أنه إذا أريد مجرد المشابهة لآدم وذريته : لم يحتج إلى لفظ خلق على كذا .. فإذ هذه العبارة إنما تستعمل فيما فطر على مثال غيره .. بل يقال إن وجهه يشبه وجه آدم .. أو فإن صورته تشبه صورة آدم " ..
" أنه لو كانت علة النهي عن شتم الوجه وتقبيحه أنه يشبه وجه آدم : لنهى أيضاً عن الشتم والتقبيح وسائر الأعضاء !!.. لا يقولن أحدكم قطع الله يدك ويد من أشبه يدك " ... إلخ
وغير ذلك ...
8...
الشيخ الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري 2/41 :
" وبهذا يتبين أن الصورة كالصفات الأخرى .. فأي صفة ثبتت لله تعالى بالوحي : وجب إثباتها والإيمان بها " ..
وله كلام مطول في نفس الموضع ..
9...
الشيخ ابن باز رحمه الله :
حيث سُئل عن الحديث كما في مجموع فتاوى الشيخ 4/ 226 فأجاب رحمه الله :
" الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته " وفي لفظ آخر : " على صورة الرحمن " وهذا لا يستلزم التشبيه والتمثيل ... والمعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا : متكلما إذا شاء .. وهذا وصف الله فإنه سميع بصير متكلم إذا شاء : وله وجه جل وعلا ..
وليس المعنى التشبيه والتمثيل .. بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق .. وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ومتى شاء .. وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا : ذا وجه وذا يد وذا قدم .. لكن ليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر .. وليس المتكلم كالمتكلم .. بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته .. وللعبد صفاته التي تليق به .. صفات يعتريها الفناء والنقص .. وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء .. ولهذا قال عز وجل : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .. الشورى / 11 .. وقال سبحانه : " ولم يكن له كفوا أحد " .. الإخلاص / 4 .. فلا يجوز ضرب الوجه ولا تقبيح الوجه " .. انتهى ..
10...
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ..
حيث سُئل أيضا عن المراد من الحديث فأجاب - وكما جاء في كتاب العقيدة سؤال 45/ ص 88 :
" هذا الحديث أعنى قول النبى صلى الله عليه وسلم : [إن الله خلق آدم على صورته] ثابت فى الصحيح .. ومن المعلوم أنه لا يراد به ظاهره بإجماع المسلمين والعقلاء .. لأن الله عز وجل وسع كرسيه السماوات والأرض وهى كلها بالنسبة للكرسى- موضع القدمين - كحلقة ألقيت فى فلاة من الأرض .. وفضل العرش على الكرسى : كفضل الفلاة على هذه الحلقة .. فما ظنك برب العالمين ؟ لا أحد يحيط به وصفا ولا تخيلا .. ومن هذا وصفه : لا يمكن أن يكون على صورة آدم ستون ذراعا .. لكن يحتمل على أحد معنين :>>
الأول : أن الله خلق آدم على صورة اختارها : وأضافها إلى نفسه تعالى تكريما وتشريفا ..
>>
الثانى : أن المراد خلق آدم على صورته تعالى من حيث الجملة : ومجرد كونه على صورته لا يقتضى المماثلة ..
كقوله صلى الله عليه وسلم: [إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر .. ثم الذين يلونهم على أضوء كوكب فى السماء] .. ولا يلزم أن تكون هذه الزمرة مماثلة للقمر !!.. لأن القمر أكبر من أهل الجنة بكثير !!.. فإنهم يدخلون الجنة طولهم ستون ذراعا : فليسوا مثل القمر " ..
وأكتفي بهذا القدر ...
والله تعالى أعلى وأعلم ..
-----
< ملحوظة أخيرة : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب أو سب الوجه أو تقبيحه - حتى من الزوج للزوجة أو غيرهما - حيث يقول القائل : قبح هذا الوجه !!.. أو قبح الله هذا الوجه !!.. إلخ .. كما نهى رسولنا الكريم أيضا عن وسم حيوان في وجهه - أي حرقه بعلامة في وجهه لتمييزه عن حيوانات غيره - .. ولعن مَن فعل ذلك كما في الحديث الصحيح >
بالتوفيق ...