التسميات

السبت، 6 يوليو 2013

المرأة في الشريعة الإسلامية

المرأة في الشريعة الإسلامية

بقلم إحدى الأخوات من موقع الدكتور أحمد فواقة : القدس ..

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وعليه نتوكل السلام عليكم ورحمه الله وبركاته .

أحمد الله وأشكره ، على أني عانيت على اختياره والعمل به... فقد عانيت من قلة المراجع و خاصة فيما يتعلق بالرجال في الإسلام بارك الله في الدكتور أحمد فواقه الذي سمح لي بأن يكون بحثي عن المرأة في الإسلام فقط .
وأصلي وأسلم على حبيبي محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين " رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً "
سبب الموضوع: اخترت هذا الموضوع لكوني أنثى وأعتز بديني الذي كرمني الله به وبانتمائي إليه
وأسأل الله أن يبلغني وقارئ تقريري ...منزله المؤمنين المتقين وأن لا يجعلني ممن منّ عليه بإسلامي..
كما قال تعالى في محكم آياته:   "يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين)) " سوره الحجرات))
و من خلال هذا التقرير و البحث المتواصل في المراجع في المكتبة ، رأيت أن المرأة منذ القدم تعاني من الذلة و الاستحقار في جميع الديانات ، و لكن عندما جاء الإسلام أعاد لها كرامتها و وضع لها حقوقها و واجباتها ، و ساواها مع الرجل في كثير من الأمور .  



(1)

تعليقي


أكرمني الله منذ ولادتي بالفطرة التي فطر الله الناس عليها لحديث حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم "" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ""
وقوله تعالى: " صبغه الله ومن أحسن من الله صبغه ونحن له عابدون " سوره البقرة
ثم أكرمني بأن جعل والداي من أهل الإسلام فلم يبدلا فطرتي وربياني تربيه أسلاميه....
وأكرمني ربي بوصيه رسوله صلى الله عليه وسلم...لي بأن قال "" من عال جاريتين حتى يكبرا فأنا وهو كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى ""
فتلك الوصية تحث الآباء على أن يحرصا أشد الحرص بتربيتي وإعالتي وتعليمي....فأنا أعتبر طريقاً يوصلهم إلى صحبه الرسول صلى الله عليه وسلم.....وما أروع هذا الطريق أن حفز بتقوى الله .
وأكرمني ربي بأن جعل القوامة للرجل حيث حمله مشقه طلب الرزق والشقاء والتعب والعناء من أجل إسعادي وتلبيه طلباتي ورغباتي.... وأنا أنعم برغد العيش في كنف بيت مطمئن أمن....لقوله تعالى  الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم .." سوره النساء . ولم يتخلى الإسلامعني في مواضيع شتى لا أحصيها الآن
فمن تمعن وتدبر القرآن وجد تكريم المرأة في كل شيء وضمن لها حقوقها ......فلم يكتفي الإسلام بحفظ حقها وهي زوجه بل وهي مطلقه أيضاً....لله ما أروع الإسلام فسوره الطلاق دليل واضح وجلي لتكريمها بعد الطلاق....فكيف وهي تحظى بزوج وولد.....
فقد أكرمني ربي بالولد الذي جعل عليه تأدية حقوقي الثلاثة ، لحديث رسولي صلى الله عليه وسلم "" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه سلم فقال:يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال:أمك,قال ثم من؟ قال :ثم أمك , قال ثم من؟ قالأمك قال ثم من؟قال ثم أبوك ""
وأكرمني بعد سن اليأس حينما أمر الله برعايتي لقوله تعالى: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهمآ أو كلاهما فلا تقل لهمآ أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً , واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً "
أي كرم ...أكرم من هذا يا ربي فلك الحمد .
وأكرمني يميزه الحجاب الذي له دور كبير بمصونتي وحفظي من شر الذين في قلوبهم مرض لقوله تعالى : "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "
وقال سبحانه وتعالى: "يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً " سوره الأحزاب

فأي أنثى احتظت بهذه الكرامة....سواء المرأة المسلمة المعتزة بدينها الراضية به قولاً وعملاً


الموضوع
رقم الصفحة
المقدمة
1
المرأة في الشريعة الإسلامية
2 - 4
إصلاح الإسلام في العلائق الزوجية
6
 إصلاح الإسلام بحقوق المرأة المدنية
7
المرأة و الرجل في الإسلام
1.    المفاضلة بين الرجل و المرأة في الإسلام
2.    الفرق بين الرجل و المرأة في الشريعة الإسلامية
تسوية المرأة في الرجل في أصل الخلقة
9 - 15
نماذج من استقلال شخصية المرأة المسلمة في الإسلام

16
المرأة في مختلف الملل
17- 18
المرأة في الإسلام
19- 20
تعليقي
21




 1. تطور الأفكار حتى الإسلام
2 .المرأة في نظر الإسلام
3 .الاصطلاح الإسلامي في شأن المرأة


تطور الأفكار حتى الإسلام
       اشترك الرجل و المرأة في معترك هذه الحياة ، و بحسب سنة الكون من سيطرة الأقوى ، و استئثاره ، و غرور القوي بقوته ، سيطر الرجل على رفيقته في الحياة ، و استبد بمعاملتها ، و جعل نفسه و نفسه ، زيادة على ذلك يتوهمان بأن كلا من سلطته و استعبادها ، أمر طبيعي ديني ، و قد أفصح عن مثل ذلك القرآن الكريم بقوله : ( إن الإنسان ليطغى إن رآه استغني ) .
       جرت على ذلك الأمم منذ وجدت الأمم ، حتى لا يستثنى منها أمة عرفت ، و لو بالتمدن الواسع ، ولا نظام اشتهر بالعدل و التسامح ، فتعدد الزوجات ، و الحجاب و الإجحاف بالحقوق المدنية ، كل ذلك شاع عند أكثر الأمم القديمة سيان منها المتمدنة و المتوحشة . شاع حتى كادت أن تكون عمومية .
       و كما أن اليونان و الرومان كان كل منهما على مثل تلك الشريعة في معاملة المرأة ، إذ المرجح أن حضارة الهند أصل لحضارتهما ، فان فارس و الصين و اليابان كانت تنظر أيضا للمرأة نظرها إلى الرقيقة . و مثلما كان لليوناني الحق أن يهدي امرأته بموجب وصيته إلى أي صديق يختاره ؛ و بذلك لم يقتصر على التصرف بها في حياته بل جعلها تحت الوصاية من المهد إلى اللحد ؛ فكان للفارسي أيضاً التصرف بها أنها سلعة ،و أن يحكم عليها بالموت (1) ، كأنها حيوان أعجم .
       و زيادة على ذلك فقد اعتقد بعضهم بأنه ليس لها روح خالدة ، و قرر آخرون : أنه لا ينبغي أن تعيش بعد زوجها ، و تسامح البعض بجواز تقديمها للضيف تكريماً له .
       على أن بعض رجال الإصلاح كانوا ينكرون هذا الإجحاف في حقوق المرأة ، فيحاولون تحسين حالتها ، و لكن إصلاحهم كان تدريجياً و تحويرهم بطيئاً ، ذلك لأن الإنسان (أولاً) مهما كان بعيد النظر سامي المدارك فلا مندوحة لنظرته و أفكاره عن التقليد و أفكاره عن التقليد بسلسلة الأفكار العامة : لأن الاستقلال الفكري التام أشبه بالمحال ، ( و ثانياً ) لأن البشر يسيرون في تحوير أفكارهم تدريجياً ، فينكرون كل انقلاب فجائي ، لعدم ملائمته لتربيتهم و عاداتهم ؛ و لمضرته أيضاً بحياتهم ، كان أوضح ذلك غوستاف لوبون في كتابه ( روح الاجتماع ) .
       أوصى موسى بالنساء خيراً ، و نهى عن الشدة في معاملتها ، ثم كيف جاء بعده عيسى فقرر و أيد وصية موسى و أتباعه ، فضلا عن منعه تعدد الزوجات ، و دفعه تيار الطلاق ، و تحسين معاشرتها ، ثم خلفهم نبينا العربي ، فبذل أيضاً اهتماماً في إصلاح شأن المرأة ، و تحسين معاشرتها ، و في إعطائها كثير من الحقوق التي ساوتها بالرجل في بعض المقامات الاجتماعية ، و بلغ من اهتمامه بالتوصية بها ، انه ذكرها في خطبته في حجة الوداع ؛ بل لم ينسها أيضاً في وصيته لأصحابه عند ساعة الموت فقد لبث يوصي بها حتى تلجلج لسانه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قاسم أمين ، تحرير المرأة ،213

(2)



المرأة في نظر الإسلام
     
 جاء الإسلام مصدقاً لما قبله من الرسل  منهم أصحاب التوراة ، و الإنجيل ، و الزبور . و على حسب تطورات الأفكار و مقتضيات الزمان و طبيعة الأمة ، أدخل في شأن المرأة بعض التبديلات ،و كثيراً من الإصلاحات ؛ و لا سيما من حيث الحقوق القضائية و الاجتماعية .
و لكن الناظر خلال تلك الإصلاحات ، إلى المرأة في العائلة الإسلامية ، يجدها لا تزال مستمرة على أكثر ما أقرتها الشرائع السالفة : فالرجل هو السيد المتبوع ، نافذ الأمر و النهي المختص بحقوق تعدد الزوجات و الطلاق  ، و المرأة هي التابعة له المحتجبة عن سواه المقيدة بإرادته ، المعدة لشخصه في الدنيا و كذلك في الآخرة .
       حقاً إن النبي جعل المرأة راعية على بيت زوجها و ولده لقوله ( كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته : و الأمير راع على أهل بيته ، و المرأة راعية على بيت زوجها و ولده ؛ فكلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته )(2).و حقاً جاء في القرآن : ( و لهن مثل ما عليهن بالمعروف ) .
       و لكن مع ذلك بسط كلا القولين ، رعاية الرجل على المرأة : ففي الحديث المذكور ( الرجل راع على أهل بيته ) كما أن بقية الآية القرآنية : و للرجال عليهن درجة . و ناهيك بما جاء صراحة عن سيادة الرجل و عظم حقه على المرأة في مواضع أخرى طالما أشار الحديث الشريف إلى سمو مقام الرجل على زوجه و واجباتها له . من ذلك قوله ( يا معشر النساء اتقين الله و التمسن مرضاة أزواجكن : فإن المرأة لو تعلم حق زوجها لم تزل قائمة ما حضر غداؤه و عشاؤه ) (3) .
       و قد قدر مقام الرجل و بين حقه على المرأة تمام التقدير و التبيين ما أورده ابن ماجه ، عن النبي أنه قال : ( لما قدم معاذ من الشام ، سجد للنبي � صلى الله عليه و سلم � قال : ما هذا يا معاذ !؟ قال أتيت الشام ، فواقفتهم يسجدون لأساقفتهم و بطارقتهم ، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك ، فقال رسول الله � صلى الله عليه و سلم - : فلا تفعلوا فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، و الذي نفس محمد بيده ، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ،و لو سألها نفسها و هي على قتب لم تمنعه ) (4) .ففي ذلك إشارة إلى مقام الرجل العظيم حتى يجعل حقه على امرأته فوق حق صاحب الرسالة على أمته . و قد النبي ذلك بالفعل في مناسبة أخرى تشير أيضاً لتقييد المرأة بإرادة الرجل :
( كان الرجل قد خرج إلى سفر و عهد لإلى امرأته أن لا تنزل من العلو إلى السفل و كان أبوها في الأسفل فمرض فأرسلت المرأة إلى رسول الله � صلى الله عليه و سلم � تستأذن في النزول إلى أبيها فقال  - صلى الله عليه و سلم � : أطيعي زوجك ، فمات فاستأمرته فقال : أطيعي زوجك ، فدفن أبوها فأرسل رسول الله � صلى الله عليه و سلم � إليها يخبرها أن الله غفر لأبيها بطاعتها لزوجها ) (5) .
       على أن الإسلام لم يقل بأرجحية الرجال على النساء ، لمجرد تفضيل إلهي فقط ، بل بنى حجته أيضاً على قواعد اجتماعية منة حيث أن سيد القوم خادمهم .
و ضح ذلك القرآن بقوله : ( الرجال قوامون على النساء ، بما فضل الله بعضهم على بعض ، و بما أنفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ ، و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع ، و اضربوهن فأن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، إن الله كان علياً كبيرا ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2. صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، ص 216
3. يوسف الباوي ( عن البذار ) ألف باء ، ج1 ص 401 .
4. سنن ابن ماجة ،ج1 ص291 .
5. الغزالي : إحياء علوم الدين ، ج2 ، ص 27 .
(3)

الإصلاح الإسلامي في شأن المرأة

       ظهر الإسلام أثناء ما كان العرب يحتقرون المرأة ، إلى حد أن بعضهم كان يرى وأد البنات من المكرمات .ظهر حين كان العرب يتمتعون باستخدام المرأة ، و في الزواج منها و طلاقها ،فأنكر هذه الفوضى ، و اتخذ في سبيل الإصلاح وظيفتين :
الأولى : تحوير الأخلاق و التقاليد ، بتحبيب النساء إلى الرجال و الحض على معاملتهن بالمعروف ، و النهي عن إيذائهن .
الثانية : وضع أحكام ، فيها حدود للمعاملات : من حقوق و واجبات متبادلة ، إصلاحا للزواج و الطلاق و الحجاب و غيرها من العلائق الزوجية ، و لحفظ حقوق المرأة المدنية .
1. إصلاح الإسلام في معاشرة المرأة .ظهر الإسلام بين قوم يقدسون القوة و الأقوياء ، و
يحتقرون الضعف و الضعفاء. فعز عليه أن يرى الرجل ، وه صاحب الأمر يسترسل في التحكم و الاستبداد ، في شقيقته الإنسانية . فوقف موقف الآمر الناهي ، واضعاً من الوصايا بهذا الشأن ما هو حري بأن يكون قواعد إصلاح لتقاليد الأمم القديمة المتمدنة فضلاً عن العرب . فبحث الإسلام عن كل دور من أدوار المرأة ، من المهد إلى اللحد ، و جهز الرجل بالتوصيات الجمة بها ، سواء كانت طفلة أو فتاة أو أختا أو زوجة أو أماً .
البنت : منذ فرّق البشر بين الذكر و الأنثى و رجحوا الأول على الأخرى ، صارت قلوبهم تختلف في شعورها  بما بين ولادة الأبناء و البنات ،فالإنسان في طبعه أكثر رغبة غي الراجح منه في المرجوح . ثم لما توسع في نظرهم الفرق بين الجنسين و قدسوا الرجل القوي بقدر ما امتهنوا المرأة الضعيفة ازداد استيائهم من ولادة البنات حاسبين استيائهم هذا طبيعيا حتى أثروا بذلك على عقائدهم .
       اعتبر ذلك مثل شريعة إسرائيل . و ما تقرر عندهم مدة الطهر بعد الولادة : من حاجة والدة الأنثى إلى ضعف الوقت الذي تقضيه أم الذكر ! و لم يكن اليهود وحدهم خاضعين لذلك الوهم ؛ بل لتجدن هذا التأثير يشمل سواهم من الأمم القديمة ؛ ، فإن الهنود يعلقون على ولادة الذكور أهمية كبرى ؛ اعتقادا منهم بأنهم المخلصون من النار ، بما يثابرون عليه من الصلوات لوالديهم و تقديم الضحايا عنهم ، تلك المهمة التي لا يسوغ للمرأة مزاولتها ، و كذلك الصينيون ، فلطالما قتلوا طفلاتهم خشية إملاق فضلاً عن كره جنسين . هذا ولم يشذ قدماء الأوروبيين عن ذلك ، فقد كانت في العادة أثينة حين ولادة الذكور أن يعلنوا بذلك فرحين ، و يعلقوا إكليلا من الزيتون فوق الباب (6) .
       و أما في إسبارطة فكان الآباء يقتلون سبع بنات من عشر يولدن لهم (7) .
       و ما كان قدماء الرومان خيراً من اليونان ، فكانت العادة عندهم أن لا يتعرفوا بالمولود قبل أن يرفعه والده عن الأرض عقب الولادة (8) .
       أما عرب الجاهلية فقد فاقوا سواهم في الكدر من ولادة البنات كما جاء وصفهم في الآية : ( و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسوداً و هو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ، ألا ساء ما يحكمون ) .
الزوجة : لم تكن الزوجة في نظر الأمم القديمة رفيقة الرجل و مكملة له ، بل كانت تابعة له قاصرة من جملة التابعين ، و لكن لها درجة على الرقيقات ، و لذلك كان الرجل يستأثر بالسلطة ، سواء عليها أو على أعمالها أو على أملاكها !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6..Henri Marion , psychologie de la Femme, p.13
7..E.Le Goue, Histoire Morale des Femmes, p.15
8.. Adam, Antiquites Romaines, L. I, p. 1

(4)
        غير أن الإسلام أصلح كثيراً من ذلك ، ولا سيما في الأحكام المتعلقة بها ، من تملك و تصرف و وراثة و شهادة و غير ذلك من حيث تعدد الزوجات و الطلاق ، ولم يهمل أيضاً التوصية بمعاملتها معاملة الرأفة و الرحمة .و في مصر الشهيرة كان يتسلط الرجل على المرأة فلقد شوهد بين نقوش المقابر ما يفيد أنّ اعتبار النساء فيها كان على نسبة تقديسهن الحقوق الزوجية (9) . فضلاً أنه قد ذكر المؤرخون أن المرأة المصرية منذ حكم ( بوخورس حتى داريوس الأول )كانت متاعاً للرجل .
       أما شريعة البراهمة فإنها تكاد تكون أقسى الشرائع على الزوجة ، حتى ذهب (مانو) إلى أنها لا تحرر من سلطة زوجها ، لا في بيعها و لا في هجرها (10) . و قد أفرط البراهمة حتى عمد الأرامل اللحاق بأزواجهن حرقاً بالنار ؛ و إذا لم يفعلن ذلك فلم يكن يسلمن من سلطة أهل أولئك الأزواج .
       و ما كان (كنغوشيوس) نبي الصين مخالفا لمانو نبي الهند في استعباده المرأة : فقد أوصى بوجوب خضوعها لزوجها و تقدس أهله إلى درجة الإفراط ، و بنقل السلطة عليها من زوجها ، إذا تتوفي و لم يكن له أبناء إلى أبويه حتى إنّ لهما أن يزوجاها ممن شاءا (11) .
و كذلك لم يشذ قدماء الغربيين عن أمر استعباد المرأة ، بل إن برابرة أوروبا مثلما جعلوها تحت وصاية و ليها و هي ابنة ، فقد ألقوها و أملاكها في قبضة بعلها متى تزوجت (12) .و كان بعض أهل الجاهلية يضر المرأة و يضيق عليها لتسقط عنه المهر إذا طلقها (13) أو يبهتها بفاحشة لتفتدي منه بما أعطاها ، إلى ما هنالك من الأساليب المتنوعة في ظلم الجنس اللطيف.
       فلما ظهر الإسلام أبطل كل ذلك معظماً شأن الزوجات فارضاً لهن مثلما عليهن في الحقوق . كما أنّه نبه للخطأ العام في فهم معنى ميزة الرجل عن المرأة ، و أوضح أنّها و الرجل نفس واحدة فقال : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيرا و نساء ) .أما الزوجان فإنهما يعيشان مجتمعين ، كل منهما متمم لوجود الآخر ، حتى كان نصف ماهيته ، و يكون ذلك بانفصال كل منهما عن والديه لاتصاله بالآخر ، فبهذا كانت حقوق المعيشة بينهما آكد ، و لهذا تقرر في الشريعة أن يكون حق بأحدهما ، وجب عليه أن يجعل الثاني لامرأته ، لا لأحد أبويه و لا لغيرهما من أقاربه . فصلة الزوجين أشدّ و أقوى صلة  حيوية اجتماعية .حتى إنّ صلة البنوة فرع منها  ، و إن كان حق الأولاد أقوى من جهة أخرى .
       روي أنّ رجلاً جاء عمر بن الخطاب يشكو إليه خلق زوجته ، فوقف في بابه ينتظر خروجه ، فسمع امرأته تستطيل عليه بلسانها ، و هو ساكت لا يحر جواباً ؛ فانصرف الرجل قائلاً : إذا كان هذا حال أمير المؤمنين فكيف حالي ؟ ، فخرج عمر فرآه مولياً ، فناداه و قال له :  ما حاجتك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ،جئت أشكو إليك خلق زوجتي و استطالتها عليّ فسمعت زوجتك كذلك ، فرجعت و قلت إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي ؟  ، فقال : يا أخي احتملها لحقوق لها عليّ . إنها طباخة طعامي ، خبازو لخبزي ، غسالة لثيابي ، مرضعة لولدي و ليس ذلك بواجب عليها ، و يسكن قلبي بها عن الحرام فأنا  احتملها لحقوق لها عليّ . إنها طباخة طعامي ، خبازو لخبزي ، غسالة لثيابي ، فإنها مدة يسيرة ) (14)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9.G. Paturet, Loc, Cit, p.37
10. Lois de Manou, L LX. P.46
11. Simon, Nouvelle revue, 1886, p. 406
12. C. Letourneau, La condition de la Femme, p .463
13. مصطفى الغلاييني : الإسلام روح المدنية ، ص 222 _ 224
14. إرشاد العباد ، ص 144
(5)



إصلاح الإسلام في العلائق الزوجية
     
        الزواج : نظر الإسلام للحياة الدنيا غير نظر النصرانية إليها ، فقد اعتبرها ساحة عراك ، و تنازع بقاء ، و أن الفوز فيها للأقوى و الأنسب ، فكما دعا للآخرة ، لم ينس الدنيا ، فورد عدد من أمثال قوله : ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، و أعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ).
       و كما نهى عن اعتزال الدنيا بالتقشف مظهراً أفضلية السعي و إعالة العيال على مجرد العبادة و الاعتزال فجاء بالقرآن . و لما كان من مطامح الإسلام الأساسية التغلب و الفتح ، تأييداً للدين ، و كان تعدد الزوجات من الوسائل التي تؤدي إلى بلوغ تلك المطامح فضلاً عن أنها تكفل إملاء فراغ  الرجال تجاه النساء الكثيرات ، في أمة حربية كالأمة العربية ، رأى الإسلام مصلحته إثبات عادة التعدد . و لم يلبث التاريخ أن أيد ما كان للمسلمين من الفائدة في تعدد الزوجات اعتبر ذلك بقول درابر : ( إذا كانت الخيانة أدخلت العدو � أي العرب �  لإسبانيا فإن تعدد الزوجات هو الذي أيد الفتح )(15) .

       الطلاق : لا يخفى أن الزواج هو بالحقيقة عقد مثل بقية العقود كالشركات و الاتفاقات ، بل هو أقرب شيء لتعاقد اثنين على شركة اقتصادية متساعدين متضامنين ، فيتوزع بينهما العمل على حسب استعداد كل منهما ، فكما أنّ كل عقد شراكة إما للهناء أو للشقاء ، و لما كان من المعقول و المطلوب وجوب انحلال كل عقد أدى للشقاوة ، لأن القوانين وضعت لسعادة البشر ،و ليس لتعاستهم صار من الواجب خضوع عقد الزواج للانحلال ، متى أمسى يحول دون الهناء .
       فلهذا الاعتبار وضع الطلاق مذ وضع الزواج ، و أثبتته على شروط كل الشرائع ما عدا أكثر الكنائس المسيحية ، و لكن المدنية الحديثة لم تلبث أن رأت ضرورة الهيئة الاجتماعية إليه فأوجدته في أنظمتها و منحت المرأة الحق فيه ، أسوة بالرجل .

       الحجاب : حدث كثيراً ، لبعض العصريين ، أن حادوا عن مقررات الدين ، في أثناء محاولتهم التطبيق بينه و بين مستحسنات التمدن الحديث .
       و من ذلك ما جرى في قضية الحجاب و ذهب بعضهم في أنه غير شرعي ، و الذي تم استنتاجه بخصوص الحجاب أنّ الإسلام لم يحول فيه ما كان عند الجاهلية ، قدر ما أصلح من شؤونهم الأخرى ، بل إنه أثبته جرياً على سنته معظم الشرائع و المدنيات السابقة فضلاً عن العرب .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
15. J. W. Draper, Histoire du development inteellectuel l'Europe


(6)
إصلاح الإسلام بحقوق المرأة المدنية

       نعم أصلح الإسلام في قضية الحقوق الزوجية ، غير أننا إذا قابلنا ذلك فيما فعله بحقوق المرأة المدنية فإزاء إصلاحاته هذه لا نجد عمله بشأن تعدد الزوجات و الطلاق و الحجاب شيئاً مذكوراً . بل إنما الذي امتازت به الشريعة الإسلامية من حيث تحسين حال المرأة هو فيما منحته إياها من الحقوق المدنية ، التي حرمها منها كثير من الأمم من قبل ، و من بعد .
للمرأة حقوقها المدنية و هي التملك و التصرف و العلاقة في الشؤون العامة ، و ما أشبه ذلك . فإن حال المرأة إزاء هذه الحقوق تطور بالتاريخ مع تطور أفكار البشر تطوراً كثيراً حتى بلغ الآن مستوى المساواة . إن الأمم القديمة التي جعلت الرجل مالكا شخص المرأة ليس بمستكثر عليها أن تقول ما كان يقوله برابرة أوروبا ( لا بنت إزاء الابن ) ، و أن تمد سلطة الرجل أيضاً إلى حرمانها من الإرث و التصرف ، و إلى التوالي على أموالها إن ملكت ، ثمّ إلى منعها من الخدمات العامة .
       فقد كانت الهند البرهمية و الصين و الجرمن و برابرة أوروبا يحرمون المرأة من الميراث . و اليونان جرت مجراهم ، فلم تورث البنات إلا حينما لا يوجد ذكور (16) . و كذلك قضت شريعة إسرائيل و المسيحية ، ابنتها . فلما ورد في التوراة من كلام الرب لموسى ، بشأن ما طلبه بنات صلفحاد بن حافر : ( و تكلم بني إسرائيل قائلاً : أيما رجل مات و ليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته ) (17) .
       غير أن الشريعة الرومانية امتازت بهذا الشأن ، إذ جعلت للبنا نصيباً مما ترك الوالدان أسوة بالبنين
       كانت تعتبر شيء من الأشياء و تزويجهن من غير استشارتهن ! عادة ما أظلمها و ما أضرها ؛ مشت بين البشر مذ توسع نطاق السلطة الفردية ؛ فاستعبد الرجل المرأة و الأب الأولاد و القوي الضعيف استعباداً فادحاً . و المدنيات الأسيوية من هندية و صينية و أشورية و فارسية و يهودية ، كانت تمنح الآباء تارة : بيع الأولاد ، و تارة إيجارهم لميعاد . و كيف أنها كانت تسمح لهم في تزويج البنات في آشور ، بيع الكاهن إياهن .
       و على طريقة آسيا هذه الأمم الأوروبية القديمة ؛ حتى إنه عدا البرابرة و بقية الأمم المتوحشة ،فإنّ دولتي التاريخ اليونان و الرومان ، ما كانتا خيراً من سواهما بهذا الأمر :
       فالأب في اليونان كان مطلق التصرف في زواج ابنته ، من غير أن يكون لها حق ما في معارضته . وأما عند الرومان فلم يكن له ذلك فقط ، بل كان له أن يفصل بين ابنته و بين زوجها الذي اختاره بنفسه قبل ؛ و لو كان لهما أولاد ، ثم ولو توطد قلباهما على المحبة (18).
       الزواج هو قبيل عقود الشركات السائرة ، ينكر فيه الغش كما يشترط فيه تراضي الشريكين أنفسهما و استفتاء قلبيهما مع عقليهما و عقول أهلهما .و ما كان العلم إلا ليثبت صحة استفتاء القلوب . فهو قد يوحي للإنسان عفواً ما لا يدركه بالتفكير .
     و لقد استمر هذا الحرمان حتى التمدن الحديث ، بل حتى حين من هذا التمدن . ولكن الإسلام مثلما منح المرأة حق الشهادة فقد جوز لها أن تتولى القضاء و النظارة على الوقف ، و الوصاية على اليتيم (19)
     
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
16.E. LE Gouve, Histoire Morale des Femme, o. 27
17.  التوراة سفر العدد ، اصحاح 27 .
18.Revue de legislation, octobre 1845.
     19. الدر المختار ورد المحتار، ج4 ، ص 392 .


(7)
 و روي أن عمر بن الخطاب ولي امرأة على الأسواق . فقد استدل علماء الشرع بحرمان المرأة من الإمامة و الإمارة مما جاء في الحديث : ( لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة )(20)
       المرأة بالواجبات المدنية : الغرم بالغنم : قاعدة شرعية عادلة تقضي بالتوازن بين الحقوق و الواجبات ، فكان بموجبها على المرأة واجب ، مثل ما لها من الحق على الهيئة الاجتماعية .
       المرأة هي نصف العائلة البشرية المعروفة بالهيئة الاجتماعية فلذلك فكما عليها التعاون مع رجلها على حفظ كيان عائلتهما  ، فعليها مثل ذلك للهيئة الاجتماعية أيضاً : عائلتهما الكبرى .
       و فضلاً عن اشتراكها معه في واجب خدمة الإنسانية ، و عمل المعروف ، كان عليها واجبات تقسم إلى قسمين :
1- فروض كفاية إذا قام بها فريق من النساء سقط عن الباقي .
2- فروض عين تطالب بها كل واحدة .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
20. شرح العزيزي للجامع الصغير ، ج3 ، ص 190


(8)


المرأة و الرجل في الإسلام

1.   المفاضلة بين الرجل والمرأة في الإسلام .
2.   الفرق بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية .
3.   تسوية المرأة بالرجل في أصل الخلقة .




المفاضلة بين الرجل والمرأة في الإسلام

       تفضيل الرجل على المرأة � و ليس كل رجل يفضل كل المرأة � في الإسلام ، إنما هي ثمرة ظروف و تكوين طاقات ، فأوجب الإسلام على الرجل الجهاد و صلاة الجمعة و العمل خارج البيت لطلب الرزق و السعي على العيال و جعله عزيمة ، و اسقط ذلك عن المرأة و جعلها معفوه من ذلك مكفولة المؤنة تتفرغ هي لإدارة بيتها و تربية أولادها و يتفرغ الرجل لعمله ، فخفف عن المرأة في ذلك مراعاة لإمكاناتها الجسدية و ظروفها الشخصية و تكاليفها العائلية ، جعل ذلك رخصة لها ، كما و أن الإسلام اسقط الجهاد عن الشيخ الهرم الكبير و الصبية غير البالغين و من كان فيه عاهة من عمى أو عرج أو جنون و أمثالها .
       فالإسلام قد راعى الفروق الفردية في بنية المرأة و بنية الرجل ، فحبب إلى المرأة أن تكون ربة البيت تبني أسرة صالحة ، لأن الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع ، فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع و إذا فسدت الأسرة فسد المجتمع ، و كره إلى المرأة أن تسيب بيتها لتعمل خارجه مع عدم الضرورة لذلك ، و لتنشئ جيلاً صالحاً بعطف أمومتها الصالحة بما لم يقوَ عليه الآباء .
       و الإسلام و إن كان قد أعفى المرأة من وجوب الجهاد و عزيمته ملاحظة لبنيتها و لتتفرغ لعملها البيتي في إدارة البيت و تربية الأسرة في حالة غياب الأب بسفر أو جهاد أو تجارة أو كسب ، فقد جعله رخصة في حقها ، ولقد ندبها الإسلام لمعاونة المجاهدين في مواطن الحاجة إليها لتقوم بدور الممرضة لجرحى المجاهدين و قتلاهم ، ولبث الحماسة و أناشيد الدفاع لتعبث بالمجاهدين روحاً قوية و تلهبهم ناراً مجرقة لأعدائهم ، كما فعل الرسول � عليه الصلاة و السلام � ذلك في بعض غزواته ، ولا يخفى ما لأنغام المرأة من إصابة سريعة  في نفس المسلم الغيور للذود عن دينه و عرضه و ماله و وطنه و نفسه ، و ما أسرع في مثل هذه الحالات أن يلقى المجاهد بنفسه في لهوات المنايا و سوح الجهاد و هو لا ينظر إلا إحدى الحسنين إما النصر و هو فوز الدنيا و إما الشهادة و هو فوز الآخرة .
     و لكن رغم مواقف الإسلام الحاسمة في محاربة النظرة الجاهلية إزاء المرأة ، فهي لا تزال تحت الرواسب المتوارثة قبلياً في كثير من البقاع في الوطن الإسلامي الكبير ، و خاصة في الأماكن التي تعيش حياة بدائية فهي لا تزال تنظر إلى المرأة نظرة سطحية تقترب من نظرة إنسان الغاب .
       و إنّ المتتبع للمصادر الإسلامية من كتاب و سنة و سيرة السلف الصالح يتأكد من أنّ الإسلام رغم احترامه للمرأة و رعايته لها و اعتبارها كإنسان لها حقوقها الإنسانية في الحياة ، إلا أنه في نفس الوقت ينظر إليها من حيث العموم نظرته إلى الضعيف في جسده و إرادته و تفكيره يستوجب العطف و الرعاية ، و من ثم شبهها بالقارورة أي الزجاجة فقال النبي � عليه الصلاة و السلام - : (( رفقاً بالقوارير )) و قال الإمام علي : ( المرأة ريحانة ) .
       هذا بعد أن حررها مما كانت فيه قبل الإسلام عند جميع ملل العالم من قيود الظلم و التعسف أعطاها حريتها و حقوقها الإنسانية كاملة في إطار مصلحتها و المصلحة العامة . و ما فرّق بينها و بين الرجل في الحقوق و الواجبات إلا حيثما فرقت الطبيعة بينهما ، و حيثما تفرضه مصلحة كل منهما من تلك التفرقة .
       ففرض الحجاب عليها دون الرجل ، و جعل أمر الطلاق بيد الرجل ، و جعل شهادتها أمام القضاء نصف شهادة الرجل ، و أعطاها في الميراث نصف حصة الرجل ، و منعها من تولي الحكم و القضاء و الإدارة العامة و هذه و غيرها ، إنما هي لأسباب تكمن في طبيعة كل من الرجل و المرأة تستوجب ذلك التفريق .
       فقد قال العالم الغربي دوفارين ما نصه : ( إنّ الرجل أكثر ذكاء و إدراكاً ، و أما المرأة فأكثر انفعالاً و تهيجاً إلى أن يقول : أما القلب فهو مركز القوة و الحيوية و هو عند المرأة
(10)
أصغر و أخف بمعدل 60 غراماً منه عند الرجل ، و أما الجهاز التنفسي فهو عند الرجل
أقوى أيضاً ، حيث تبين أنّ الرجل يحرق في الساعة الواحدة أحد عشر غراماً تقريباً من الكربون بينما المرأة تحرق في نفس المدة ستة غرامات تقريباً و بذلك تكون حرارة الرجل أقوى من حرارة المرأة . و أما المخ الذي هو مركز الجهاز العصبي في الإنسان فمعدل وزنه في الرجل يزيد على معدل وزنه في المرأة بمائة و ثلاثين غراماً تقريباً . (21) 
       يقول عباس محمود العقاد : أما الأعمال المباحة للمرأة فهي الأعمال المباحة للرجل بغير تمييز إلا ما تحاط به من حدود الفطرة و المصلحة العامة ، التي ليس من المعقول أن يتساوى فيها الجنسان . و يستطرد العقاد فيقول : و إن حقوق المرأة في دستور القرآن كفيلة لها بكل ما تطلبه رسالتها الفطرية في هذا المجتمع المثالي السليم  . (22)
       و يصرح العالم الروسي الشيوعي الذي هو من علماء الطبيعة انطوني ميلاف : ينبغي أن لا نخدع أنفسنا بزعم أنّ التساوي بين الرجل و المرأة في الحياة العملية أمر هين ميسور فإنّ الحق بخلاف ذلك ، لأن المبادئ الانقلابية تصطدم دائماً بالواقع و هو هنا ، أنه لا مساواة بين الجنسين حسب علم الأحياء ، و لم تكلفهما الفطرة بأعباء سواء . الحق أن جميع العمال قد بدت فيهم عوارض الفوضى الجنسية و هي حالة جد خطيرة تهدد النظام الاشتراكي بالدمار . (23)
الخلاصة : الإسلام قد وضع المرأة في مكانها الطبيعي من الحياة و أعطاها من الحقوق و فرض عليها من الواجبات ما يليق بكرامتها و يضمن لها كامل مصلحتها في إطار المصلحة العامة .
       




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
21. كتاب دائرة المعارف الكبرى ، نقله الشهرستاني في كتاب ، التبرج .
22. كتاب القيم ، مبحث ( المرأة في القرآن ) .
23. كتاب الاختلافات الطبيعية بين الجنسين ، نقله الاستاذ المودودي في كتاب ( الحجاب )  


(11)

الفرق بين الرجل و المرأة في الشريعة الإسلامية

       لقد سبق الإسلام الشرائع و القوانين كلها إلى تحرير المرأة و إقرار حقوقها بعد أن كان الرجل يعاملها معاملة السلع و الحيوانات ، حتى في أوروبا و أميركا إلى عهد قريب . و إذا ميز الإسلام الرجل عن المرأة بأشياء فإنّ هذا التمييز تفرضه الفروق الطبيعية بينهما ، أو مصلحة الجماعة ، و ليس من العقل و العدل و المساواة في كل شيء بين من تهتم بالفساتين و الموضة و تسريحات الشعر و ما إليها ، و بين من يشعر بالمسؤولية عنها و عن أولادها ، و يتحمل المصائب و المشاق من أجلها و أجلهم .. و مهما يكن ، فإنّ فقهاء الإسلام ذكروا فروقاً بين الرجل و المرأة في الأحكام الشرعية تشير إلى جملة منها فيما يلي :
1-    أن دية المرأة نصف دية الرجل .
2-    الطلاق و الرجعة بيد الزوج دون الزوجة .
3-    ليس لها أن تمتنع عن فراشه ، ولا أن تسافر ، و تخرج من بيته إلا برضاه ، و له أن يفعل ما يشاء .
4-    لا تجب عليها صلاة الجمعة ، حتى ولو تحققت الشروط الموجبة بالنسبة للرجل .
5-    لا يجوز لها أن تتولى الإمرة ، ولا القضاء إلا عند أبي حنيفة في حقوق الناس خاصة دون حقوق الله .
6-    لا يجوز أن تكون إماماً في الصلاة للرجال ، ويجوز أن يكون الرجل إماماً للنساء .
7-    لا تقبل شهادتها إطلاقاً في غير الأموال ، لا منفردة ولا منضمة إل شهادة الرجال إلا في مسألة الولادة ، وتقبل في الأموال منضمة إلى الرجال ، على أن تكن شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد .
8-    للأنثى من الميراث سهم و للذكر سهمين .
9-    على المرأة أن تستر عن الرجال الأجانب شعرها و جميع بدنها ما عدا الوجه و الكفين ، ولا يجب على الرجل أن يستر عن النساء سوى القبل و الدبر .
10-  لا جهاد عليها و لا جزية ، ولا تقتل في الحرب ما لم تقاتل .
11-  لا تشارك الأم الأب في الولاية على ولديهما الصغير في الزواج ، ولا التصرف في أمولاه ، و يستقل الأب في جميع ذلك .
12-  لا تصح معها المسابقة و الرماية . (24)
13-  أفتى الفقهاء بأن من قتل إنساناً عن خطأ يحمل الدية عن القاتل من يقترب إليه بالأب ، كالأخوة و الأعمام و أولادهم ، و يسمون بالعاقلة ، ولا تدخل المرأة معهم .
14-  إذا قتلت امرأة رجلاً قتلت به بلا شرط ، و إذا قتل رجل امرأة فلا يقتل بها إلا بعد أن يدفع وليها نصف الدية لورثة القاتل . (25)
  





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
24. الرماية : أن يتباريا في الرمي على هدف على أن يأخذ الجعل من يصيب الهدف . و قد أجاز الإسلام ذلك .
25. التفسير الكاشف 3 ص 79 � 81
(12)

تسوية المرأة في الرجل في أصل الخلقة

       لقد سوى الإسلام بين المرأة و الرجل في أصل الخلقة (26) و جعلهما من نفس واحدة ، و أن الرجل و المرأة خلقا من طينة واحدة خلقهما الله سبحانه بقدرته و أبدعهما بحكمته ، و يشير إلى ذلك قوله تعالى : (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساء )) . (27)
و قال تعالى : (( و الله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً و جعل لكم من أزواجكم بنين و حفدة و رزقكم من الطيبات )) (28)

المرأة جزء من المجتمع

       إنّ الإسلام وضع المرأة في مكانها اللائق بها فاعتبرها جزءاً مكملاً للمجتمع و مقوماً له ، و إن المجتمع يتقوم بالرجل و المرأة ، و يشير إلى ذلك قوله تعالى : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) . (29)

الحقوق متبادلة بين الرجل و المرأة

       لقد جعل الإسلام الحقوق بين الرجل و المرأة قائمة على أساس التبادل المشترك ، بحيث لا يغبن أحدهما الآخر .
قال تعالى : ( و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) . (30)
و قال صلى الله عليه و سلم : ( إنما النساء شقائق الرجال )
و لقد فاضل بينهما فيما لا يمكن التسوية به فقال تعالى : (( و الرجال قوامون على النساء ، بما فضل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم )) . (31)
فالرجل هنا يفضل المرأة من حيث تفوقه العقلي و مقدرته على الإدارة و الإنفاق على المرأة.

قيمة المرأة الاجتماعية

       المرأة في الإسلام تساوي الرجل أمام القانون أو الشرع � أي تطبيق القانون على الجميع سواء � أو حصول العدالة الاجتماعية للجميع . و الإسلام كما أوجب احترام الرجل أوجب احترام المرأة و حرّم إيذائها بالشتم و السباب و الضرب و الغز و اللمز و أي شيء يثير شعورها و يجرح كرامتها ، و قد جعلها كالرجل في ذلك .
       و لكن المرأة لا تساوي الرجل من حيث القيمة الاجتماعية و الحقوق الموضوعية .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
26. (( المرأة إنسان خلقت من أجل خدمة الرجل )) .
27. سورة النساء ، آية 1 .
28. سورة النحل ، آية 72 .
29. سورة الحجرات ، آية 13 .
30. سورة البقرة ، آية 228 .
31. سورة النساء ، آية 34 .
(13)

تكليف المرأة بالتكاليف الشرعية

       فالإسلام قد كلف المرأة كما كلف الرجل بالتكاليف الشرعية و الأعمال الدينية التي هي منشأ الأخلاق بين الأفراد ، فهي في القيمة و المقام و المقام عند الله و رسوله و المؤمنين في الإسلام
إنما تكون بحسب عملها فقد تكون خيراً منه و قد تكون دون الرجل .
       فالإسلام ليس فيه امتياز لفرد على فرد ولا طبقة على طبقة إلا بالتقوى ، ورب امرأة تقية خيراً من ألف رجل بدون تقوى .
قال تعالى (( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى ، و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) . (32)

الحقوق المتساوية بين الرجل و المرأة

       الله سبحانه و تعالى قد أكرم الإنسان و جعل الإيمان معياراً للتكريم ، و ليس الجنس حيث أعطى الله سبحانه و تعالى للمرأة مكانتها في ذلك مساوية للرجل فقال تعالى : (و المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله أولئك سيرحمهم الله إنّ الله عزيز حكيم ) (33) فالآية الكريمة توضح مابين المؤمنين من ولاء أخوة و مسؤولية و تكافل .
       و امتدادً لهذه المكانة الإنسانية بين الرجل و المرأة في نظر الإسلام ، فإنه يحذر من الوقوع في الإثم بسبب إيذاء المؤمنين و المؤمنات على حدٍ سواء من غير تفريق بين الرجل والمرأة و في ذلك يقول الحقّ تبارك و تعالى : (( و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً و إثماً مبينا ً )) .(34)
       و على أساس وحدة القيمة الإنسانية بين الرجل و المرأة ساوى بينهم في أصول التكاليف الشرعية ، و رتّب على ذلك جزاءً واحداً يتساوى فيه الرجل و المرأة سواء كان الجزاء ثواباً أو عقاباً .
       ففي جانب الثواب فقد قال سبحانه و تعالى : (( و من يعمل الصالحات من ذكرٍ أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً )) . (35)
       و قد تكفل الله سبحانه و تعالى بحفظ العمل للجميع دون استثناء ، فقال سبحانه و تعالى: ((
فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا لأكفرنَّ عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنّات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله و الله عنده حسن الثواب )) (36)
و ساوى سبحانه و تعالى بينهم فيما أعدّ لهم من المغفرة و الأجر العظيم ، فقال سبحانه : (( إنّ المسلمين و المسلمات و المؤمنين والمؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين والصائمين و الصائمات الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيراً و الذاكرات أعدّ لهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
32. سورة النحل ، آية 97 .
33. سورة التوبة ، آية 71 .
34. سورة الأحزاب ، آية 58 .
35. سورة النساء ، آية 124 .
36. سورة آل عمران ، آية 195 .
(14)
مغفرة و أجراً عظيماً )) (37)
أمّا المساواة في جانب العقاب فقد قال سبحانه وتعالى (( و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم )) (38)
وقال سبحانه وتعالى : (( الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )) . (39)





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
37. سورة الأحزاب ، آية 35 .
38. سورة المائة ، آية 38 .
39. سورة النور ، آية 2 .
(15)


نماذج من استقلال شخصية المرأة المسلمة في الإسلام

ميمونة أم المؤمنين تعتق جاريتها دون علم رسول الله � عليه الصلاة و السلام � :
       عن كريب مولى ابن عباس : أنّ ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة و لم تستأذن النبي � صلى الله عليه وسلم � فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت : أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي  ؟ قال  : أوفعلت  ؟ قالت : نعم : قال : ( أمّا إنّكِ لو أعطيتِها أخوالَكِ كان أعظمَ لأجرِكِ ) . (40)

أم سليم بنت ملحان تهدي رسول الله � عليه الصلاة و السلام � يوم عرسه و ذلك باسمها لا باسم زوجها :
       قالت أم سليم : يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله � صلى الله عيه و سلم � فقل : بعثت بهذا إليك أمي و هي تقرئكَ السلام و تقول : إنّ هذا لك قليل منها يا رسولَ الله . (41)

أسماء بنت عميس تحاور عمر بن الخطاب ثم رسول الله � صلى الله عليه وسلم � ثم تروي قصة الحوار في الهجرة ، و ذلك دون حضور زوجها ، و ربما حضر المرحلة الأخيرة فحسب :
       قال عمر لأسماء : سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحق برسول الله منكم ، فغضبت و قالت : كلا والله كنتم مع رسول الله �صلى الله عليه وسلم � يطعم جائعكم و يعظ جاهلكم ، و كنّا في دار البعداء والبغضاء بالحبشة و ذلك في الله و في رسول الله � صلى الله عليه و سلم � ، و أيم الله لا أطعم طعاماً و لا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله � صلى الله عليه و سلم � فقال لها رسول الله � صلى الله عليه و سلم � : ( ليس بأحق بي منكم . وله و لأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ). قالت : فلقد رأيت أبا موسى و أصحاب السفينة يأتوني أرسالاً (42) يسألوني عند هذا الحديث . (43)

أسماء بنت أبي بكر تتصدق بثمن جاريتها دون علم زوجها :
       قالت أسماء : فبعت الجارية فدخل عليّ الزبير و ثمنها في حجري . فقال هبيها لي . قلت : إني قد تصدقت بها . (44)   
      
عاتكة بنت زيد تتمسك بحقها في صلاة الجماعة بالمسجد دون رضا زوجها :
       قال لها ابن عمر : لم تخرجين لصلاة الصبح و العشاء و قد تعلمين أنّ عمر يكره ذلك و يغار ؟ قالت : و ما يمنعه أن ينهاني ؟ قال : يمنعه قول رسول الله � صلى الله عليه وسلم � : (( لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله )) . (45)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
40. صحيح البخاري كتاب الهبة و فضلها و التحريض عليها . باب : هبة المرأة لغير زوجها .. ج6 ، ص 146 .
41. صحيح مسلم كتاب النكاح باب : زواج زينب بنت جحش و نزول الحجاب .
42. يأتون أرسالاً أفواجاً ناساً بعد ناس .
43. البخاري كتاب المغازي باب : غزوة خيبر ، ج9 ، ص 24 . مسلم كتاب فضائل الصحابة باب : من فضل جعفر بن أبي طالب ، و أسماء بنت عميس و أهل سفينتهم ، ج7 ، ص 172 .
44. مسلم كتاب السلام باب : جواز إرداف المراة الأجنبية ، ج 7 ، ص 12 .
45. البخاري كتاب الجمعة باب : هل على من يشهد الجمعة غسل من النساء و الصبيان و غيرهم ، ج3 ، ص 34 .


(16)

  
المرأة في مختلف الملل

1-    المرأة لدى ملة فارس :  كانت المرأة لدى ملة فارس في انحطاط و ذلة أيضاً ، فإن التقاليد القديمة في فارس كانت تهين المرأة و تنظر إليها نظرة التعصب المذهبي الباطل و التشاؤم بها ، و إنّ الأفراد المتبعين المتعصبين في الديانة ( الزرادشتية ) كانوا يحقرون شأن المرأة ، و يتقدون أنها سبب هيجان الشرور التي توجب العذاب و السخط لدى الآلهة ، و لهذا يبيحون عليها أن تعيش تحت أنواع من الظلم ، و كانت المرأة في مذهب فارس القديم تحت سلطة الزوج حتى أن الزوج كان يتصرف في زوجته تصرفه في ماله و متاعه و كان له أن يحكم بقتلها ، مع أنّ تعدد الزوجات أيضاً كان شائعاً بدون شرط أو تحديد عدد .
2-    المرأة لدى ملة إسرائيل : كانت المرأة لدى ملة إسرائيل و طوائفهما في الذلة و الهوان ، حيث كانوا ينظرون إليها نظرة الأذلال و التحقير ، و كانوا يعتبرون البنات في منزلة الخادمات ، و كانت تقاليدهم تعطي لهم الحقّ في أن لا يزوجوا بناتهم فتعيش طول الحياة في الخدمة ، كما كان لهم الحق في أن يبيعهم بيع الإماء ، كما أنه لم يكن للبنات حقّ في الميراث .
3-    المرأة لدى العرب الجاهلي : أمّا العرب في عهد الجاهلية فإنهم كانا يعتبرون المرأة جزءاً من الثروة ، و لهذا فإنّ الأرملة كانت تعد ميراثاً لابن المورث ، و كانت هذه العادة الظالمة جارية بصفة خاصة بين قبائل اليمن الذين كانوا يعيشون مع الإسرائيليين و الصائبين . و كان تعدد الزوجات شائعاً في جميع قبائل العرب بدون شرط أو تحديد حد تابعاً لهوى الرجال .و بالإجمال فإنّ مقام المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام كان نازلاً إلى حد ينكره الضمي الإنساني .
4-    المرأة لدى ملة اليونان : إنّ الأثينيين من اليونان كانوا ينظرون إلى المرأة كمتاع و ربما يعرضونها في السوق للبيع و يبيعونها ، و كان هذا من حقّ الزوج على زوجته متى شاء على ما هو المعروف بين مجتمعهم .
       و فوق ذلك فإنهم كانوا يعتبرون النساء رجس من عمل الشيطان ، و على هذا الأساس يجعلوهن محرومات عن حقوق الإنسانية ، و كان قدماء اليونان يعتقدون أن المصائب في الآمال والفشل في نيل المطلوب إنما هي تأتي من غضب الأصنام المعبودة الباطلة لديهم ، و لهذا فإنهم عند حلول أي مصيبة في المجتمع أو خيبة أو فشل كانوا يقدمون البنات قرباناً إلى آلهتهم ، و يلتجئون إليها بهذه الوسيلة الجاهلية في رفع المصيبة.
       فقد روى التاريخ : أنّه عندما وقع خلاف بين اليونان و تروا ( أتاطولية ) و اضطرهم إلى الإقدامات الحربية و السفر إلى تروا ، و أعدّوا قوامهم و سفنهم الحربية و لكنّ الجو لم يساعد حركة السفن ، و مكثوا في الساحل منتظرين ثلاثة أشهر تقريباً فلم يأت لهم فرج ، حتى ضاقوا ذراعاً فشكوا حالهم إلى رئيس الكنيسة و طلبوا منه معالجة الأزمة ، حيث حكم بتقديم ابنة << أجاممنون >> إمبراطور اليونان في عهده قرباناً إلى الآلهة .
       هذا كما كان اللاتينيون يبحثون للرجل أن يتزوج بما شاء من الزوجات بدون تحديد من العدد أما الطائفة الاسبارتية من اليونان فكانوا يمنعون الرجل من تعدد الزوجات و لكنّهم يسمحون للمرأة أن تتزوج بزواج متعددين كما شاءت ، فكن نساء اليونان من هذه الطائفة يزاولن هذه العادة المرذولة و يقبلن عليها بكل حرية .
       مع أنّ هذا العمل عبارة عن الانحطاط و التنزيل لمخالفته حكمة الزواج و مقصده
(17)
الأصلي و هو التناسل الصحيح مع الوقوع في مشاكل النسب ، مما يؤدي إلى الفساد في المجتمع الإنساني .
5-    المرأة لدى ملة الرومان : كانت المرأة في نظر ملة الرومان و عقيدتهم الجاهلية كما كانت في نظر ملة اليونان ، بل كانت في أقبح الحال و أكثر ذلة ، ذلك لأن قدماء الرومان كانوا يعتقدون أن المرأة أداة الإغواء و وسيلة الخداع و إفساد قلوب الرجال ، يستخدمها الشيطان لأغراضه الشيطانية و لهذه العقيدة كانوا ينظرون إلى المرأة نظرة الاستذلال و الاستحقار بل يفرضون عليها عقوبات متنوعة شتى يأباها الضمير الإنساني و يحرمها العقل البشري .
إنّ تاريخ الرومان يروي لنا مؤتمراً كبيراً انعقد في رومية حيث بحث عن شئون المرأة و انتهى إلى اتخاذ قرارات كما يلي :
1.     إنّ المرأة موجودة ليس لها نفس ( شخصية إنسانية ) و لهذا فإنها لا تستطيع أن تنال الحياة في الآخرة .
2.     يجب على المرأة أن لا تأكل اللحم و أن لا تضحك ، و حتى يجب عليها أن لا تتكلم .
3.     إنّ المرأة رجسٌ من عمل الشيطان ، و لهذا فإنها تستحق الذل و الهوان في المجتمع .
4.     على المرأة أن تقضي كل حياتها في خدمة الرجل .
       هذا و قد اهتم الرومانيون في تنفيذ هذا القرارات ، حتى إنهم كانوا يضعون قفلاً على فم المرأة لمنعها حتمياً عن التكلم ، فكانت المرأة تعيش في بيتها و في فمها قفل من حديد ، و تمشي في الشوارع و في فمها قفل من حديد أيضاً ذلك القفل الذي يسمونه << موزلير>> .
       يقول ( مسيو زديز ) أستاذ دار الفنون بواتيه ، و ( أويلر ) أستاذ دار الفنون هانرى الرابع: ( إن الأب في عائلة الروماني كانت له صفة القسيس ، فهو الحاكم ذو السلطة على أعضاء العائلة يجب إطاعته عليهم جميعاً ، و كانت المرأة لابد لها من الدخول في دين زوجها بعد الزواج ، ذلك لأن السلطة كانت تنتقل إلى الزوج فور الزواج ، و لهذا فإنّ الرومانيين كانوا يودون أن يكون أولادهم ذكوراً ، و بالإجمال كانت المرأة في تقاليد الرومان في أحط منزله تعيش في ذلة ، حتى إن التقاليد تعطي للزوج قتل زوجته ). (46)




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
46. كتاب تاريخ القرون الأولى .
(18)

المرأة في الإسلام

       المرأة نصف المجتمع. هذه حقيقة يعرفها العقل، ويؤيدها الواقع. وحينما نرجع إلى القرآن الكريم، نجد أنه قد رسم للمرأة شخصية متميزة، قائمة على احترام الذات، وكرامة النفس، وأصالة الخلق، وإذا كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "النساء شقائق الرجال" فإنه يستمد هذا من هدي القرآن الكريم، فإنَّ آيات كثيرة منه تشعرنا بالمساواة البشرية في الحقوق الطبيعية بين الرجل والمرأة، فهو يتحدث عنها بما يُفيد مشاركتها للرجل، وتحملها للتبعة معه، فيقول في قصة آدم أبي البشر: ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ، وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا، وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ). (47) . ويقول عن النساء والرجال: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) . (48)
       ثم نجد القرآن الكريم ـ من إشعاره لنا بشخصية المرأة وكيانها الذي يجب أن يُصان ويرعى ـ يُسمي سورة من أطول سورة باسم " النساء "، يتحدث فيها عن كثير من شئونهن، التي تدل على أن شخصية المرأة في المجتمع الإسلامي مبنية على أساس من التقدير والاحترام في نظر الإسلام، وها هو ذا القرآن يُسمي سورة أخرى باسم " المُجادلة " يفتتحها بالحديث عن استماع الله من فوق سبع سماوات إلى امرأة تجادل النبي وتحاوره . فيقول في بدء هذه السورة: ( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ، وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) . (49)
       ِويحدثنا القرآن الحكيم عن المرأة، فيشير إلى أن شخصيتها تعلو وتسمو حين تتجمل بطائفة من مكارم الأخلاق الدينية والاجتماعية، فيوجه الخطاب إلى بعض نساء النبي في سورة التحريم فيقول: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ) . (50) ، أي مُطيعات لله قائمات بالحقوق، يحفظن ما يجب حفظه من النفس والمال والعِرض والشرف، ففيهن خلق الأمانة والصيانة، وهن مهاجرات وصائمات، وهذه أمهات للأخلاق الكريمة الفاضلة.
       وقد عرض علينا القرآن الكريم نماذج رائعة سامية لفُضْليات النساء في تاريخ البشرية، فهو يُحدثنا عن نساء ضربن المثل في الإيمان والصبر والعفة والاعتصام بحبل الله المتين، فكان لهن على الأيام تاريخ مُخَلَّد، وذكر مُمَجَّد. فلنستمع إلى قول الله تعالى: ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) . (51)
فنفهم أن من مقومات الشخصية الرفيعة عند المرأة الفاضلة: الإيمان بالله والاستعانة بالله ، وحُسن احتمال الأحداث .        وفي القرآن الكريم إشارة إلى أن المرأة استطاعت أن تبلغ في بعض العصور السابقة منازل مرموقة سامية. فهو يُحدثنا عن " مَلِكَة سَبأ " التي تحلَّت بالذكاء وبُعْد النظر، مع تطلب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
47. سورة البقرة ، آية 35 .
48. سورة البقرة ، آية 228 .
49. سورة المجادلة ، الآية 1 .
50. سورة التحريم ، آية 5 .
51. سورة التحريم ، آية 11،12 .


(19)
المشورة والنصيحة، فيقول عنها في أمرها مع سليمان: قالت: ( يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي، مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ، قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بِأْسٍ شَدِيدٍ، وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ) . (52) . وبعد أن يقص القرآن علينا مواقفها مع سليمان تنتهي ملكة سبأ إلى الإيمان، وتُرَدِّد قولها كما حكى القرآن:( وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَان للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . (53)
       إن المرأة تستطيع بشخصيتها الأصيلة، وأخلاقها الجميلة، وأعمالها الجليلة، أن تُقيم البرهان على أنها شطر المجتمع الذي لا يُستهان به بِحَالٍ من الأحوال .





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
52. سورة النمل ، آية  23،33 .
53. سورة النمل ، آية 44 .
(20)



اللهم أحفظنا بالإسلام قائمين أحفظنا بالإسلام قاعدين أحفظنا بالإسلام على جنب أحفظنا بالإسلام نائمين أحفظنا بالإسلام مستيقظين....اللهم أرزقنا من طاعتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن خشيتك ما تبلغنا به رحمتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا أبداً ما أبقيتنا وأجعلهما الوارثمنا.....آآآآمين .
انتهى موضوعي فأن أخطئت فمن نفسي والشيطان وأن أصبت فما توفيقي إلا بالله .
(21)