الرد على محاضرة العالم ستيفن هوكينج عن إنكار وجود الإله ..
(والتي نقلها عنه وترجمها الملحد عادل أحمد)
والموضوع مُرشح للنشر في العدد الأول للمجلة الدعوية الواعدة بإذن الله : مجلة كشف الأقنعة ..
مع بعض التعديلات والاختصار ..
رابط تحميل نسخة صغيرة من المجلة (10 ميجا) :
http://www.kashfmag.com/kashfmag-1st-smaller.pdf
تصفح مباشر للمجلة :
http://www.kashfmag.com/kashfmag-1st
وعلى بركة الله نبدأ ...
------
بسم الله الرحمن الرحيم ...
بداية أقول وقبل الرد على المقال المُترجم :
لعله من المُستحسن وضع النقاط الأساسية لخلخلة أفكار المقال : والتفاصيل تأتي تباعا إن شاء الله ..
1...
فبعدما استقر الآن في وعي المجتمع العلمي الفلكي والفيزيائي : تهافت فكرة قيادة الصدفة والعشوائية لتكوين الكون الغاية في النظام : وذلك بعد الظهور الطاغي لحقائق الضبط المتناهي لقوانين الكون .. أو ما عرفته الأوساط العلمية بالكون المُعد بعناية Fine-tuning of universe والمتمثل في القيمة البالغة الدقة للثابت الكوني Cosmological constant أقول :
بعد نفض العقلاء أيديهم من خرافات الصدفة والعشوائية في خلق الكون وتكوينه : ظهرت لدينا طغمة جديدة منهم : تمسكت بالعكس تماما ألا وهو : ادعاء أصالة القوانين نفسها والموجودة في الكون الآن !!!.. وأنها كانت لديها القدرة للظهور من ((العدم)) بلعبة ضخ طاقة موجبة وطاقة سالبة في نفس الوقت ! - لأن ذلك في ظنهم لا يتنافى مع معنى العدم وهو ما سنفنده ! - !!!.. فصارت القوانين القائمة بذاتها هي إلههم الجديد !
وما يهمني الآن هو توضيح شيء هام جدا يجب على كل عاقل الانتباه إليه وهو أن كلا من الصدفة والعشوائية : أو القوانين والنظام :
هما ((طريقتان لظهور التصرفات والسلوك والأفعال)) !!!.. وليستا (فاعلين) على الحقيقة !!!.. وهي نقطة جوهرية إذا واجهنا بها أي ملحد فضحنا منهجه بإذن الله !!!..
مثال :
عندما آتي بمجموعة كبيرة من طلبة المدرسة وأطلب منهم الانتشار في الملعب بغير توجيه : فهذا المنظر والسلوك العشوائي لهم : لا يمكن وصفه بأنه فاعل !!.. وإنما طريقة للفعل !
وفي المقابل أيضا :
إذا قمت برسم خطوط معينة ودوائر في أرض الملعب : ثم طلبت منهم الانتشار والاصطفاف عليها : فالنظام الذي حصلت عليه هنا وقانون الاصطفاف الذي وضعته لهم : لا يمكن وصفه هو أيضا بأنه فاعل !!.. وإنما طريقة للفعل !
وكلا الأمرين احتاج في النهاية لفاعل هو الذي يختار لفعله : إما سلوك العشوائية : وإما سلوك النظام أو القوانين !!..
ولا يمكن أبدا لدى عاقل من العقلاء وصف الفعل بأنه الفاعل !!!!.. فيصف الصدفة والعشوائية - التي ليس لها وجود مادي في الحقيقة - بأنها فاعل ! أو يصف النظام والقوانين - والتي ليس لها وجود مادي أيضا - أنها فاعل !!..
2...
بل وإذا تماشينا مع هذا التصور الطفولي لخلق الكون وتطوره حسب قوانين صارمة : ثوابتها لا تتغير : لكان على كل عاقل أن يسأل هؤلاء القوم سؤالا غاية في الأهمية ألا وهو :
من أين ظهر الوعي الفردي وحرية الاختيار والإرادة المستقلة والعقل لدى الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان ؟!!!..
من أين ظهر ذلك إذا كان الكون وليد نظم وقوانين وثوابت صارمة لا تتغير ولا تتبدل في سلوكياتها ونتائجها وخصائصها ؟!!!..
سؤال في مقتل !!!..
3...
بل وحتى محاولة ستيفن هوكينج لنفي الحاجة لإله تحت حجة معرفة البشر للقوانين التي يسير بها الكون : فهي محاولة فاشلة وصبيانية لأقصى حد !!.. لأننا - وبكل بساطة - سنسأل بدورنا : ومَن الذي قنن القوانين وحدد قيمها وثوابتها واختارها ؟!!..
واعتراضنا عليه بمعنى آخر هو :
وهل تنفي معرفتنا لتفاصيل وقوع أي فعل : لزوم حاجة هذا الفعل إلى فاعل (سواء عشوائية أو نظام) وكما شرحنا ؟!!..
هل إذا وجد أحدنا غسالة أو ثلاجة وقام بالبحث فيها وتفحصها إلى أن فهم كيفية عملها : فهل يعني ذلك أن يقول بابتسامة عريضة : أن الغسالة أو الثلاجة لا تحتاج لصانع لأنها لديها نظامها الخاص الذي تسير عليه ؟!!..
هل هذا كلام عقلاء ؟!!!.. والحق أقول لكم :
إن الإلحاد أول ما يضرب : يضرب العقل ويتنصل من البديهيات والمنطق لترويج كفره بالخالق عز وجل !!!..
ففي الوقت الذي نرى كلا من الإيمان والإلحاد لا بد لهما من إيمان بغيب - أي الإيمان بوجود أشياء لم يعاينوها بحواسهم ولم يحضرها أحد - : نجد فارقا جوهريا بينهما وهو أن إيمان المؤمنين بالغيب : يقوم على ممكنات عقلية .. في حين إيمان الملاحدة بالغيب : يقوم على مستحيلات عقلية بل وفيزيائية أيضا كما سنرى !!.. وكله هدم وتنصل من أبسط قواعد العقل والمنطق والتي إذا وافقناه عليها : فلا ثقة بعد ذلك في عقولنا أنفسها التي نحكم بها على الأشياء بناء على المنطق والبديهيات !!..
أم أنهم يستخدمون المنطق والبديهيات في كل شيء في حياتهم : فإذا جاء الحديث عن الله تعالى خالقهم : تنصلوا منها ؟!!..
عجيب !!!..
4...
ومن كمالة هذه المستحيلات العقلية والفيزيائية : ادعاء خروج شيء من العدم المحض !!!.. فاضطرهم ذلك لوصف العدم بأوصاف مادية : وأنه كان يحمل في طياته أشياء (طاقة موجبة / سالبة) !!.. وهو ما يتنافى مع المعنى الحقيقي للعدم الذي هو عكس الوجود وأنه لا شيء !! ولا فيه شيء البتة !!.. ولا موجب ولا سالب !!.. والصواب : أنه لو تم تخيير العاقل بين : الإيمان بأن الوجود هو الأزلي أو هو الأصل (وكما يؤمن المؤمنون بأن وجود الإله هو الأصل ولم يكن أبدا هناك عدم محض) :
وبين الإيمان بأن العدم هو الأزلي أو هو الأصل : ثم خرج منه بعد ذلك أي شيء (إله أو مادة أو قوانين أو أيا ما كان) :
لما تردد العاقل في اختيار الأولى لو كان بالفعل يحترم عقله الذي هو مناط الحكم على الأشياء ببداهة ومنطق !!..
لأنه على الرغم من أن كلا الاختيارين لم يشاهدهما أحد - فهما من الغيب - : إلا أن الاختيار الأول للمؤمنين : تضافره كل الدلائل والممكنات العقلية .. وهو الحل البديهي الوحيد أمام معضلة تسلسل الخالقين أو المُحدثين أو المُسببين إلى مالا نهاية !!!.. وأما الاختيار الآخر للملاحدة : فتحفه كله المستحيلات العقلية والفيزيائية !!!..
وشتان بين الثرى والثريا !!!.. وبين مَن يدعي خروج شيء من العدم (وبذلك خالف مفهوم العدم نفسه) : وبين مَن يُسلم لرب العالمين سبحانه الأول بلا بداية !!..
وهناك بعض الأخطاء الأخرى والتي سأشير إليها كذلك في موضعها ...
وسوف يسير الرد بنظام الاقتباس لكل فقرة من المقال وتلوينها : ثم الرد عليها ..
والله تعالى من وراء القصد ...
---------
في العصور القديمة كانت كل الظواهر تفسر على أساس كائنات خارقة، كالبرق والعواصف، وكان لهم إله لكل ظاهرة،
فكانت ظاهرة الشمس تفسر على أساس أن هناك إله اسمه "اسكول" وهو في صورة ذئب، وهو يقوم بابتلاع الشمس في حالة الكسوف، وكانوا يقومون بإقامة الطقوس حتى تعود الشمس، وما لم يكونوا يعلمونه هو أن الشمس كانت ستعود في جميع الأحوال حتى وإن لم يقيموا هذه الطقوس،
أقول : ما أبعد هذا الكلام عن الإسلام الذي جاء ليهدم الخرافات والأساطير : ويدعو الناس للتأمل والتدبر في الكون وفي كل ما حولهم : ليعلموا كمال خلق الله تعالى الذي :
" خلق كل شيء : فقدره تقديرا " الفرقان 2 ..!
ومن المعلوم أن العالم ستيفن هوكينج هو من أجهل الناس بالإسلام - أو يتعمد ذلك - ومثله في هذا مثل داوكينز !
يقول عز وجل حاثا على النظر في الكون وآياته الدالة على الخالق :
" إن في خلق السماوات والأرض : واختلاف الليل والنهار : لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم : ويتفكرون في خلق السماوات والأرض : ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك : فقنا عذاب النار " آل عمران 190 - 191 ..
ولذلك نرى الكثير من الآيات في القرآن : والتي يستعرض الله تعالى فيها بالفعل : الأسباب المادية والتصريفات الكونية للكثير من الظواهر : ويلفت نظر الناس إليها !!!.. لأنهم بوقوفهم على دقة التصريف والقوانين : سيعلمون ((حتما)) أنها وراءها خالق قادر عليم : وبعكس الملاحدة !
لذلك :
فبرغم ذكر الله تعالى صراحة في أكثر من موضع في القرآن أنه هو (الفاعل) الأوحد في الكون لما يريد : ومثل قوله تعالى مثلا في نزول الغيث :
" وهو الذي يُنزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد " الشورى 78 ..
ومثل قوله أيضا :
" إن الله عنده علم الساعة ويُنزل الغيث " لقمان 34 ..
إلا أنه قد وضح في مواضع أخرى : تفاصيل الأسباب المادية التي وضعها سبحانه وتعالى لذلك ! فقال مثلا :
" وهو الذي يُرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " الأعراف 57 ..
وقال أيضا :
" ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار " النور 43 ...
وهذه الآية وحدها فيها من السبق العلمي القرآني ما فيها لو بحثنا !!.. وقال كذلك :
" الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون " الروم 48 ..
وقال أخيرا وليس آخرا :
" والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور " فاطر 9 ..
وعلى هذا نقيس العديد من الآيات القرآنية التي تناولت أشهر الظواهر الكونية بعين التفصيل المادي : داعية البشر للنظر والتدبر فيهم : بعيدا عن تأثير الخرافات والأساطير التي كانت تسود المجتمعات الوثنية والجاهلة والمُحرفة لرسالات الله عبر القرون !!!..
وحتى برغم توغل الكثير من الخرافات والأساطير الوثنية والإسرائيلية في كتب السيرة والتفاسير وبعض كتب الحديث : إلا أن علم الحديث كان لها بالمرصاد : إذ لن نجد حديثا يُمثل خرافة من الخرافات : إلا وفي سنده مطعن وإشكال وخلاف بين العلماء !!.. ولن نجد سنده إلا مقطوعا أو موقوفا أو مرفوعا وفيه ضعفاء أو متروكين ومدلسين ...!
ولعل من أنسب الأمثلة هنا هو رواية سوق الرعد للسحاب بمخاريق من البرق - وما شابهها من روايات أخرى - !!.. وهي الرواية التي جاءت في بعض كتب الحديث والتفاسير بأسانيد مختلفة ليس فيها سند صحيح للنبي !!.. وإنما كلها موقوفة أو مرفوعة ضعيفة !!.. ويُنظر في بيان ذلك لبحث مُفصل للدكتور خالد بن محمود الحايك بعنوان : بحثٌ في الحديث المرفوع ((الرعد مَلك)) .. والتي خلص منها إلى أن تلك الرواية أصلها كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم في عصر الصحابة والتابعين ..
أيضا من المناسب هنا أيضا - وفي مقابل هذه الرواية الضعيفة - : ذكر روايات أخرى صحيحة - بل في أصح كتب الحديث وبأصح الأسانيد في البخاري ومسلم - : تترجم لنا حرص النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الابتعاد بالمؤمنين عن الخرافات التي كانت سائدة في عصره !!.. حيث جاء في الحديث الصحيح وقوع كسوف للشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي .. فربط الناس بين موته وبين الكسوف كعادة الناس في هذا الزمان وما قبله !!.. فقال لهم النبي قولته الشهيرة الواضحة :
" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله : لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته !.. فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي " ..
فقد اتضح أن هذا الكون غير خارق للطبيعة، ولكن يحتاج إلى الشجاعة لكي تواجه حقيقته. في حوالي عام 300 قبل الميلاد، كان هناك فيلسوف يدعى أرستقراط،
الاسم بهذه الطريقة غريب عليّ .. ولعل الجهل مني أو من المترجم والله أعلم ..! ولو كان تم وضع رابط المقال الأصلي لكان أفضل !
(ملحوظة : الأرستقراطية : هي طبقة النبلاء وعِلية القوم كما ذكرهم أرسطو في فلسفاته السياسية القديمة)
انبهر بكسوف الشمس وخسوف القمر أيضاً، وبعد دراسات قام بها تبين له أن الكسوف ليس إلا ظل القمر واقعاً على الأرض
سليم ...
كما قاده هذا الاكتشاف إلى أن الأرض ليست مركز الكون، حيث أن في بعض الأحيان يقع ظل الأرض على القمر وفي أحيان أخرى يقع ظل القمر على الأرض، كما خلص إلى أن النجوم ليست ملقاة على أرض الجنة كما ظن معاصروه،
ولكنها شموس أخرى مثل شمسنا، ولكنها بعيدة جداً، وبذلك عرف أن الكون عبارة عن ماكينة، تتكم فيها قوانين معينة، وفي بعض العصور كانت عصية على الاكتشاف بالعقل البشري.
إن اكتشاف هذه القوانين هو أكبر إنجاز للكائن البشري، وإن قوانين الطبيعة هذه يمكنها أن تخبرنا أننا لسنا في حاجة إلى إله أبداً لكي يفسر لنا هذا الكون، فهو محكوم داخلياً من قبل قوانين الطبيعة،
أقول : حتى الماكينة إذا رأيناها كعقلاء : فلن تمنعنا أبدا من سؤال الملحد عن : مَن الذي صنعها وحدد آليتها وقوانين عملها ؟!!..
فالعاقل لا يرى ماكينة تعمل أبدا : ثم يدعي أنها بغير صانع قادر على ضبطها ووضع آلية تسييرها وتركيب أجزائها بدقة وعناية !!!!..
فأجزاء السيارة مثلا إذا رميتها بعشوائية في فراغ الجراج : فلن تعطيني سيارة أبدا ولو بعد مليارات مليارات عمر الكون !!.. وذلك لأنها تحتاج لفاعل يقوم بتركيبها معا وفق تصميم معين ! تحتاج فاعلا : لديه ((القدرة)) على حمل كل جزء ووضعه في مكان معلوم له سابقا وفق تصميم وغاية معينة !!.. وهذا لا يتوافر أبدا في العشوائية : بجانب أن العشوائية ليس لها كيان مادي أصلا ليبذل ((قدرة)) لحمل وتركيب الأشياء في بعضها البعض وتسييرها !!!..
وهذا ما يعني وكما كررناها أكثر من مرة إلى الآن : أنه حتى العشوائية تحتاج إلى فاعل يختارها ويقوم بها !!!.. وفي المقابل أيضا :
فيمكنني تركيب أجزاء هذه السيارة - ومن أول مرة - : وفق تصميم أعلمه مسبقا وأريده وله غاية (وهو السيارة والسير بها) : فتتحقق !!..
وهو أيضا يحتاج لفاعل !!!..
ولعل أقوى سؤال قصم ظهر الملاحدة أمام الدقة الهائلة في قوانين الكون وحصرها في هذه القيم المدهشة هو :
لماذا هذه القوانين والقيم بالذات : وليست غيرها ؟!!!.. لماذا هذه القيم الغاية في الدقة والضبط للثوابت الفيزيائية الكونية ؟!!..
وذلك بعد أن رأى العلماء تجاوز دقة الثابت الكوني Cosmological constant لعشرة أس 122 (أي واحد وأمامه 123 صفرا) !!!!..
وهو ما يتجاوز القيمة الرياضية للمستحيل الرياضي النظري نفسه بأضعاف !!!!..
وهي القيمة التي يقول عنها اللاديني الفيزيائي الشهير ليونارد سوسكايند في كتابه مخطط الكون The Cosmic Landscape :
((الثابت الكوني 10 أس 122 يستحيل أن ينشأ بداهة عن صدفة)) !!!..
والتي يقول عنها الملحد الفيزيائي الأشهر صاحب مقالنا الذي نرد عليه الآن ستيفن هاوكنج في كتابه موجز تاريخ الزمن ص125 :
((الحقيقة الواضحة بخصوص الثوابت الكونية : تؤكد على أنها صُممت بعناية تتيح الحياة وبمنتهى الضبط المدهش)) !!!..
ولذلك : فيتجه اللادينيون والملاحدة الآن لـ (إله ثغرات) جديد خاص بهم : ويتجهون لـ (غيب) لا يستطيع أحد محاسبتهم عليه ألا وهو :
فرضية الأكوان المتعددة multiverse !!!!.. حيث ينقلون خرافة الصدفة والعشوائية وعدم الخلق والقوانين : من داخل كوننا الذي خذلهم : إلى فرضية أكبر لن يستطيع أحد التأكد منها كما اعترف سوسكايند نفسه !!!.. ألا وهي وجود أكوان عشوائية بعدد احتمالات نشوء أكوان عشوائية في الوجود إلى أن نصل إلى كوننا هذا !!!!.. وهي الفرضية التي فاقت غرابة احتماليتها غرابة احتمالات دقة الثابت الكوني نفسه !!..
وحتى وصل بها ستيفن هوكينج إلى قيمة 10 أس 500 كون !!.. وكما في كتابه الأخير - التصميم العظيم - !
وكل ذلك فقط : للهروب من الاعتراف بإله حكيم خالق ؟! وسبحان الله العظيم !!!..
يتجلى لنا ذلك في قول ريتشارد داوكنز في حواره مع ستيفن واينبرج على موقعه الرسمي :
((إذا اكتشفت هذا الكون المدهش المُعد فعليا بعناية .. أعتقد ليس أمامك إلا تفسيرين إثنين .. إما خالق عظيم أو أكوان متعددة)) !
If you discovered a really impressive fine-tuning ... I think you'd really be left with only two explanations: a benevolent designer or a multiverse.
المصدر :
VOICES OF SCIENCE ..Richard-Dawkins-Steven-Weinberg-Lawrence-Krauss-PZ-Myers-David-Buss
وهناك ملحوظة أخرى : وهي بخصوص نفي أن الأرض قد تكون مركزا للكون (علميا) !!!..
حيث (الجزم) بالنفي هنا : لا دليل (علمي) عليه لمَن لا يعرف !!!..
وسأترك الإشارة لذلك بعد أن نقرأ الاقتباس التالي الذي ذكر فيه هوكينج من الشواهد : ما ظن أنها تعزز هذه الفكرة الإلحادية لتهميش البشر وكوكب الأرض في الكون : وللتأكيد على لاغائية وجودهما !.. إذ يقول الكاتب - وسأغض الطرف عن نقد كلامه عن عدم الحاجة لإله حيث فندنا ذلك بالفعل - :
ولكي نفهم ذلك سنضرب مثال بلعبة التنس وهناك نوعان من القوانين تحكم اللعبة، الأولى هي التي وضعها اإلنسان، وهي قابلة للتغيير من قبله , أما النوع الآخر من القوانين فهي ثابتة لا تتغير، مثل القوة المؤثرة على الكرة، أو مرونة المضرب، وهذه القوانين بالإضافة إلى أنها ثابتة، فهي أيضاً كونية، فهي لا تطبق على كرة التنس فقط ، ولكن على كل شيء في الكون، فهذه القوانين لا يمكن نهائياً كسرها، وهذا ما يجعلها في غاية القوة، فإن قبلت معي أن قوانين الكون ثابتة، ولا يمكن كسرها، فلن تأخذ وقت طويل حتى تتساءل:
ما هو دور الله إذن؟ وهذا هو التناقض الكبير بين العلم واإليمان، وهذا التناقض ليس حديث، ولكنه أقدم من عصرنا بكثير.
ففي العام 1277م بوب جون السابع عشر شعر أنه مهدد بقوانين الطبيعة، وكان يسميها بالإلحادية، ولكن وجدت منظمة دينية حلاً لهذه المشكلة، فلعدة قرون لاحقة تم تفسير هذه القوانين بأنها من عمل الله ،وبإمكان الله ،أن يكسر هذه القوانين إن أراد، وتم تعزيز هذه الفكرة مع أن كوكبنا الأزرق مازال ساكناً في مركز الكون ، على عكس فكرة أرستقراط التي تم تناسيها من زمن.
ولكن في العام 1609م كان العالم جاليلو جاليلي يدرس كوكب المشترى من تلسكوب صنعه هو بنفسه، وحقق اكتشافاً صاعقاً ، فقد رصد ثالثة أجسام قريبة من الشمس، وفي البدء ظن أنها نجوم خافتة، ولكن بعد مراقبة مستمرة لاحظ أنها تتحرك، كما لاحظ أنها تختفي خلف بعضها وتظهر، فعرف أنها تدور حول الشمس، وليس حول الأرض، وقد دخله هذا الاكتشاف بمشاكل كثيرة مع الكنيسة، وقد نجا بالكاد من الإعدام بإنكاره لهذه الأفكار الإلحادية، وتم احتجازه في منزله إلى آخر تسعة سنوات من حياته.
أولا : الحديث عن ثبات قوانين الكون وحتميتها : ينافي ظهور الوعي الفردي وحرية الاختيار والإرادة المستقلة والعقل لدى الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان !
ثانيا : جاليليو جاليلي : لم يكن ملحدا بمعنى إنكار الإله - والتي يُحب الملاحدة دوما لصقها بكل عالم لسحبه إلى صفهم - !!!..
ثالثا : لم يكن يرى أن فرضية ثبات الشمس ودوران الأرض حولها تهدم دينه الكاثوليكي .. بل رأى أنه يمكن التوفيق بينهما ...!
رابعا : هو لم يأت بجديد : وإنما تبنى اختيار كوبرنيكوس لنموذج ثبات الشمس عن نموذج ثبات الأرض لأنه الأسهل في الحساب !
وأما بمناسبة رصد حركة الكواكب واختفاء بعضها خلف بعض أو الشمس : فهذا قديم وعرفت الحضارات القديمة مثله !!.. ولم يجدوا فيه دليلا صارخا على مركزية الشمس بالمناسبة !!!..
وذلك لأننا لو افترضنا دوران الكواكب (والشمس) حول الأرض : فلا مشكلة أبدا في أن نرى بعضها بيننا وبين الشمس أو خلف الشمس !!..
وحتى لا يتهمنا أحد بالجنون في عصر العلم - وأنا لا أريد هنا إلا إظهار القول العلمي الآخر المحايد الذي يتم التعتيم عليه - :
فإليكم الكلام التالي من شخصين معروفين : أحدهما مؤمن بإله .. والآخر ملحد - وهو ستيفن هوكينج نفسه صاحب مقالنا هذا ! -
حيث يقول الفيلسوف الإنجليزي الأمريكي والتر ستيس أنه :
((ليس من الأصوب أن تقول أن الشمس تظل ساكنة وأن الأرض تدور من حولها من أن تقول العكس !!.. غير أن كوبرنيكوس برهن على أنه من ((الأبسط رياضياً)) أن نقول أن الشمس هي المركز ... ومن ثم : فلو أراد شخص في يومنا الراهن أن يكون "شاذاً" ويقول إنه لا يزال يؤمن بأن الشمس تدور حول أرض ساكنة : فلن يكون هناك من يستطيع أن يثبت أنه على خطأ)) !!!..
المصدر : والتر ستيس 1998م كتاب : الدين والعقل الحديث - ترجمة إمام عبد الفتاح إمام - مكتبة مدبولي - القاهرة ..
والآن لننتقل إلى استعراض كلاما قد قاله ستيفن هوكينج نفسه من قبل في كتابه مختصر لتاريخ الزمن Stephen Hawking, 1996, The Illustrated A Brief History Of Time : ولنرى فيه كيف أنه لم ير مُرجحا لعدم القول بمركزية الأرض للكون : إلا سبب واحد فقط : وليس له علاقة بالعلم ولا الرصد بالمناسبة !!!.. أتعلمون ما هو ؟!!.. نعم .. إنها نفس النظرة الدونية لتهميش الإنسان وكوكبه في الكون !!.. وذلك لأننا إذا اعترفنا بمركزية الأرض للكون : فهذا يعني بالتأكيد أننا لنا الشأن الأساس من خلق هذا الكون !!!..
حيث بعدما سرد هوكينج المشاهدات التجريبية التي استنتج العلماء منها أن المجرات في هذا الكون الفسيح تبتعد عنا مُسرعة من جميع النواحي : يُخبرنا هوكينج كيف أن الفيزيائي والرياضي الروسي ألكسندر فريدمان قد وضع فرضيتين بسيطتين حول الكون - وبغرض شرح النسبية العامة لأينشتين - وتنص الفرضيتان على :
1.. أن مظهر الكون يبدو واحداً من أي اتجاه نظرنا إليه ..!
2.. أن هذا الأمر لا يختص بكوكبنا الأرضي فقط .. بل هو صحيح أيضاً لو كنا في أي موقع آخر في هذا الكون ..!
ثم بعدما استطرد هوكينج في شرح كيف أن الأدلة قد تضافرت على تأييد الفرضية الأولى مما يميل بنا لقبولها علميا : يقول محاولا التشغيب على ما يستلزمه ذلك من القبول العلمي لفكرة مركزية الأرض :
((وللوهلة الأولى : فإن هذه الأدلة والتي تبين أن الكون يبدو متشابها بغض النظر عن الاتجاه الذي ننظر منه : قد توحي بأن هناك شيئاً خاصاً حول مكاننا من هذا الكون !!.. والذي نعنيه بالذات : أننا إذا كنا نشاهد جميع المجرات الأخرى وهي تتجه مبتعدة عنا من جميع الاتجاهات : فلابد إذا أن نكون في مركز هذا الكون)) !!!..
لكنه يستطرد قائلاً أن هناك بديلاً آخرا لهذا الاستنتاج : ألا وهو أن الأمر سيبدو كذلك أيضاً لو كنا في أي موقع آخر في هذا الكون !!.. ومشيراً بذلك إلى فرضية فريدمان الثانية والتي ذكرناها آنفاً ..! ولكن :
هل هناك من دليل (علمي) أو (تجريبي) الآن على صحة الفرضية الثانية عن الأولى ؟!!.. يجيب هوكنج قائلاً :
((إننا لا نملك دليلاً علميا يؤيد أو يناقض هذه الفرضية !!.. ولكننا نؤمن بها : بدافع التواضع)) !!!..
أي : بدافع عدم القول بمركزية الأرض والإنسان في الكون !!!!.. لأن ذلك يصب حتما في ترجيح خالق للإنسان !!!..
وخلال الثلاثمائة سنة اللاحقة لذلك، كان العلم قد بدأ يفسر جميع أنواع الأشياء، بداية من البرق، ثم الزلزال، فالعواصف، نهاية بما يجعل النجوم تضيء، وكل اكتشاف جديد، يبعد الحاجة إلى وجود إله، وبالنهاية إن كنت تؤمن بأن العلم هو من وراء البرق، فستكون مختلفاً عمن يؤمن بأن هناك ملاك ما يحمل سوطاً ويضرب السحب.
قد أجبنا عن هذه الخدعة المنطقية بالفعل .. وقلنا أن فهم الإنسان لآلية عمل ماكينة معينة - كمثال - : لا يعني إطلاقا - لدى العقلاء - أن يزعم أنها صنعت نفسها بنفسها أو بدون صانع ركبها أو صممها أو برمجها ولو لأول مرة - وأعني بالجملة الأخيرة فرضية الملحد لماكينة قابلة لنسخ نفسها بنفسها ! حيث ستحتاج أيضا إلى مُبرمج أولي لعملية النسخ : ولا مفر من فاعل ! -
بالرغم من تعقيد وتشتت الكون، اتضح أنه لكي تصنع واحداً، تحتاج إلى ثلاثة مكونات فقط، وهي الطاقة والمادة والفراغ،
أقول : والاحتياج : هو دليل على أن الشيء مخلوق وليس خالق ..! مصنوع وليس صانع !!!.. مفتقر لغيره وليس غني في ذاته !!.. مُحدَث وليس أزلي !!!.. وذلك لأنه إذا فقد أحد مكوناته : لم يظهر !!!.. يقول الله عز وجل في قرآنه الحكيم :
" أم خــُلقوا من غير شيء ؟!!.. أم هم الخالقون " ؟!!.. الطور 35 ..
ولكن السؤال هو من أين أتت هذه المكونات الثالثة؟ نحن لم يكن لدينا فكرة، حتى دخول القرن العشرين، حيث لاحظ آينشتاين أن المكونين الهامين في الكون وهما المادة والفراغ، ليسا إلا مكون واحد في الأصل، ومعادلته الشهيرة (الطاقة تعادل الكتلة في مربع سرعة الضوء) تؤكد أن المادة يمكن أن يتم تحويلها إلى طاقة، وبذلك يمكن أن نعتبر أن الكون له مكونين فقط، هما الطاقة والفراغ، والسؤال لا زال مطروحاً، من أين جاء هذان المكونان؟ والإجابة جاءت عبر عقود من جهود العلماء، فالفراغ والطاقة، قد تم انتاجهما عن طريق حدث عشوائي يعرف الآن لنا باسم الانفجار العظيم، ففي لحظة الإنفجار العظيم، كون كامل مليء بالطاقة جاء إلى الوجود، ومعه فرغ، وكل شيء بداخلة بظهر ببساطة من عدم،
أولا : لو سألنا هوكينج : لماذا في تلك اللحظة تحديدا - زمن الانفجار العظيم - جاء الكون من العدم المزعوم : لما استطاع الإجابة ؟!
وذلك لأن تحديد وقت معين - وليس قبله أو بعده - لظهور شيء ما - أيا ما كان - : يحتاج لفاعل مُختار مُريد !!!.. ولن ينفعه هنا تصوير ذلك الفاعل بظاهرة أخرى من التي يخترعها الملاحدة من رؤسهم لما قبل الكون !!.. لأنه سيظل نفس السؤال ملازما لهم : لماذا هذه الظاهرة حدثت في هذا الوقت بالتحديد ؟!!..
ثانيا : كيف يُعطي العدم (الذي هو لا شيء وليس فيه شيء) : طاقة ؟؟!!.. وكيف يُعطي فراغ ؟!!!.. من أين جاء بهما أصلا ؟!..
ثالثا : كيف يحتوي الكون الذي خرج من العدم : عدما آخرا بداخله تخرج منه أشياء أخرى باستمرار كذلك ؟!!!..
والصواب :
أن هوكينج - وغيره ممَن شابهه - يخلطون عن عمد بين مفهوم العدم المحض : وبين مفهوم الفراغ الكمي أو الكوانتي الذي يملأ الكون !
وهو ما سنوضحه بعد قليل إن شاء الله ..
ووللبعض، بدأ الله يعود مرة أخرى إلى الصورة فبالنسبة لهم الله هو من خلق الطاقة والفراغ، وبالنسبة لهم كان الانفجار العظيم هو بداية الخلق، لكن العلم يحكي قصة مختلفة، فإمكاننا استخدام قوانين الطبيعة لفهم أصغر أصول الكون، ولنرى إن كان وجود الله هو الشيء الوحيد الذي سيفسرها. ولنعرف سر نشأة هذا الكون من لا شيء، نجد أن السر يكمن في واحدة من أغرب حقائق الكون، فقوانين الفيزياء تتطلب شيء يدعى بالطاقة السالبة،وحاصل جمع الطاقة والطاقة السالبة يعطي لا شيء بالمرة، ولكي نفهم معنى الطاقة السالبة، يمكن أن نتخيل شخص حصل على حفرة وتل من الرمل من خالل الحفر على مساحة فارغة أصلاً من الأرض، ويمكن أن نعتبر أن الحفرة هي نسخة سالبة من التل، وكل منهما له نفس الحجم للآخر، وهذا نفس ما حدث لحظة الإنفجار العظيم، فعندما بدأ الانفجار العظيم بضخ نسبة عالية من الطاقة الإيجابية، في المقابل أنتج نفس المقدار من الطاقة السلبية،
وبالطبع لم يخبرنا هوكينج عن : من أين جاء العدم بضخ الطاقة الموجبة ابتداء - ضخها من أين ؟! من جيب كون آخر - ؟!!!..
فضلا عن ضخه كذلك لطاقة سالبة !!!.. - يعني لم يكفه فرية ضخه لطاقة موجبة : حتى يفتري ضخه لأخرى سالبة معها !
وبهذا تصبح الطاقة الإيجابية والسلبية تساوي صفر، وهذه الطاقة السلبية المهمة من مكونات الكون، هي عبارة عن الفراغ المحيط بنا، فالفراغ نفسه يمثل مخزن هائل للطاقة السلبية، كافي ليضمن لنا أن كل شيء يساوي صفر، ومن الصعب استيعاب هذا المفهوم لغير المتخصصين في الرياضيات الفيزيائية، فيمكن أن نعتبر الكون بطارية ضخمة تحوي الطاقة السلبية . وإن كان الكون يؤول إلى لا شيء، فحينها لن نحتاج إلى إله ليخلقه،
وهنا أصل المغالطة المنطقية والأضحوكة العقلية الجديدة التي مفادها لمَن لا يعلم :
أننا لو لدينا مُدرس أو مُعلم في مدرسة : ولديه عشرة طلاب وعشر طالبات في الفصل : ثم سأله المدير : هل لديك طلبة (أو) طالبات في الفصل ؟!!.. لرد عليه ذلك المُدرس أو المُعلم - وبحسب منطق هوكينج - قائلا بكل ثقة : لا ليس عندي طلبة (ولا) طالبات في الفصل !!!!!!!!!!!!.. وذلك لأنه في منطقه إذا تساوى الشيء وضده : فهذا يساوي العدم المحض !!!.. إذاً : الفصل ليس فيه شيء !!!!!..
والمثال بصورة معكوسة لكي يكشف لنا أكثر أضحوكة الملاحدة الفيزيائيين في زعمهم تساوي اللاشيء بالشيء وضده : أننا لو أتينا إلى أحد الفصول الفارغة والذي ليس فيه أحد وطلبنا من المُدرس أو المُعلم أن يُخرج لنا منه عشرة طلاب مع عشر طالبات : وبحُجة أننا لم نطلب منه مستحيلا لأن تضاد الطلبة والطالبات يساوي عدم وجودهم : لنظر إلينا بجنون !!!..
وبالطبع منشأ هذه الضلالة عند رياضي مثل هوكينز وأمثاله :
هو أنه قاس الرياضيات (النظرية) والتي فيها (0= + س - س) على الواقع !!!..
فاعتبر أن الصفر : هو العدم أو اللاشيء .. ووفقا لذلك : فلا مانع من القول بأنه يحمل الشيء وضده !!.. وهو مخالف للواقع كما رأينا لأن العدم في معناه في العالم الواقعي : لا يحوي شيئا البتة !!.. لا (+ س) ولا (- س) !!!..
بل ولو صح هذا المنطق النظري الفارغ : لصح لنا حينئذ أن نصف كوننا الذي نعيش فيه الآن بالعدم !! - أي يكون أنا وأنت غير موجودين فعليا الآن بمنطق الإلحاد الفيزيائي ! - : وذلك لأننا نحتوي على طاقة إيجابية وسلبية معا ولله الحمد !!!!..
فهكذا يريد هوكينج وغيره الترويج لمناهجهم الملتوية التي ما تركت مستحيلا عقليا ولا منطقيا إلا وسلكته فقط :
للهروب من حقيقة وجود الله عز وجل الأوضح من الشمس في وسط النهار !!!..
وصدق الله العظيم القائل في كتابه الحكيم :
" ومَن يرغب عن ملة إبراهيم : إلا مَن سفه نفسه " البقرة 130 ...!
ولكن يبقى السؤال الأخير، وهو من الذي أطلق العملية كلها في المقام الأول، ففي تجربتنا الحياتية اليومية نحن نعتاد على فكرة أنه لا يمكن أن نجد شيء من لا شيء، ولكن إذا لو راقبنا حركة الأجسام على المستوى دون الذري، نجد أن الجزيئات تسلك سلوك يعتمد على علم نسميه ميكانيكا الكم، والجسيمات على هذا المستوى تجريبياً تظهر من عدم لفترة وجيزة جداً ثم تختفي إلى لا شيء لتظهر في مكان آخر، ونحن نعلم أن الكون في لحظة الانفجار كان أًصغر حتى من الجزيئات الذرية، فيمكن له ببساطة أن ينشأ من عدم، دون أن يخالف أي قانون من قوانين الطبيعة، فقوانين ميكانيكا الكم تخبرنا أنه يمكن أن ننتج الإلكترون من لاشيء حرفياً، من ناحية أخرى فإن شيء آخر مهم حدث لحظة الانفجار العظيم، فالزمن نفسه قد بدأ، لنفهم هذه الفكرة، علينا أن نلقي الضوء على ظاهرة طبيعية اسمها الثقب الأسود، وهو عبارة عن نجم ضخم تقزم إلى أن أصبحت كثافته عالية جداً حتى أن الضوء نفسه لا يمكن أن يهرب من جاذبيته، وفي ظروف مثل هذه تخبرنا النظرية النسبية الخاصة لآينشتاين أن الزمن يتوقف، أي أن الفرق بين أي حدثين تكون صفر، وهذا بالضبط ما حدث لحظة الانفجار العظيم، فلا يمكن أن تأتي بوقت قبل الانفجار العظيم، لأن الوقت نفسه بدأ لحظة الانفجار،وأخيراً وجدنا شيئاً لا يحتاج إلى مسبب، لأنه لم يكن هناك زمن ليحدث فيه هذا السبب، وبالنسبة لي هذا ينفي تماماً احتمالية وجود صانع للكون، لأنه لم يكن هناك وقت للخالق لكي يخلق.
هنا أتينا أخيرا إلى بيت القصيد .. وهو مسك الختام الذي يستحق التعليق على نهاية مقال هوكينج !
فبغض النظر عن تناقضات هذه الفقرة من كلام هوكينج عن خضوع ما حدث في لحظة الانفجار العظيم للقوانين : رغم أنه يعلم أن كل ثوابت القوانين الفيزيائية لم تكن قد ظهرت ولا اعتبار للقياس بها ولا عليها قبل زمن بلانك !!!!..
وبغض النظر أيضا عن مهاترات الحديث عن الثقوب السوداء - وخصوصا وهوكينج كاتب المقال نفسه هو أشهر خاسر لرهان علمي في تاريخ العلم الحديث أمام العالم بريسكل !!!.. - حيث كان يعتقد هوكينج في 1975م أنها تبتلع كل شيء بلا عودة : وتحدى على ذلك العالم بريسكل منذ عام 1997م : وإلى أن أعلن رسميا في 2004م بنفسه عن خسرانه للرهان !!.. واعترافه بأن تلك الثقوب السوداء تنضح ببعض المواد من المناطق الغير منتظمة على سطحها !!.. وقال هوكينج كلماته الشهيرة :
((أن نظريته التي أعاد صياغتها : تستبعد اعتقاده السابق بأن الناس يمكنهم أن يستغلوا تلك الدوامات السوداء يوما ما في السفر إلي الأكوان الأخري !!..
آسف لأنني خيبت ظن هواة الخيال العلمي !!.. لكنك إذا ألقيت بنفسك إلي إحدي الدوامات السوداء : سترتد طاقة كتلة جسمك إلي كوننا مرة أخري ولكن بشكل مشوه)) !
أقول :
بعيدا عن مهاترات الحديث عن الثقوب السوداء التي تملأ عالم الفيزياء غموضا : فسوف أهتم هنا فقط بإظهار تدليس وخداع هوكينج بخلطه مفهوم العدم المحض بالفراف الكوانتي أو الكمي !!!.. والذي يمكن أن تظهر فيه جزيئات فجأة .. حيث سيكون الرد في نقطتين بسيطتين كالتالي :
أولا :
من المعلوم اليوم أنه لا يخلو مكان في الكون من الطاقة .. ومن المعلوم أيضا أن بعض الجزيئات تختفي عن الرصد - وخصوصا مع الطبيعة المزدوجة لها بين الموجة والجسيم - : ثم تظهر عندما تحمل أو تكتسب طاقة (من الفراغ الكوانتي أو الكمي والذي لا يساوي أبدا مفهوم العدم) : ثم تختفي عن الرصد بفقد تلك الطاقة مرة أخرى !... فماذا في هذا ؟؟.. وهل يقول عاقل أنها تذهب وتجيء من وإلى ((العدم المحض)) أو ((اللاشيء حرفيا)) كما يدعي هوكينج ؟؟؟..
ولفهم ذلك ....
ففي الصورة التالية (وحسب الرسم البياني لريتشارد فاينمان) : تمثل الرسمة اصطدام اثنين من الإلكترونات وتشتتهما ..
حيث تمثل الخطوط المستقيمة : مساري الإلكترونين قبل وبعد التصادم .. وأما الخط المتعرج بينهما :
فيمثل فوتونا مجازيا : يقوم بتوصيل التآثر الكهرومغناطيسي بينهما .. ومن خلال هذا التمثيل لعملية الاصطدام تحت تأثير شحنتي الإلكترونين : يمكن تصور وجود جسيم افتراضي (أو فوتون افتراضي) كحالة مؤقتة عمرها قصير جدا ً: تظهر خلال التآثر وتنقل التأثير ثم تختفي ..!
ثانيا :
ولذلك نقرأ في كلام العلماء المتخصصين - والذي يكشف تدليس هوكينج واستغلاله لجهل العوام بفيزياء الكم - : ما يؤكد هذا المعنى ..!
فنقرأ في الاقتباس التالي مثلا : الاعتراف بأن الكون لا يمكن أن يظهر فجأة من تذبذبة في العدم !!!.. لأنه لو عدم محض : فما هو الذي تذبذب ؟!!..
brings our universe into existence, is not absolutely nothing. It is only nothing like our present universe, but it is still something. How else could 'it' fluctuate?
المصدر : (William Carroll,Thomas Aquinas and Big Bang Cosmology)
وفي الاقتباس التالي أيضا نقرأ أن مفهوم (الفراغ) في ميكانيكا الكم : لا يعني العدم !!.. وإنما هو السبب الغير مكشوف للظهور المؤقت للجسيمات الافتراضية !!!..
In quantum mechanics, the vacuum is not a nothing. It is the indeterministic cause of the temporary existence of the virtual particles
المصدر : [a href="http://www.leaderu.com/offices/koons/docs/lec5.html">Robert C. Koons]
وفي نفس المعنى التوضيحي السابق : نقرأ في النقل التالي والأخير أن فراغ الكم : هو حالة ((الضرورة الفيزيائية)) لظهور الجسيمات الافتراضية .. ويدلنا وصف الضرورة الفيزيائية إلى السببية في هذا الظهور .. أي أنه يصح أن نقول أن ظهور هذه الجسيمات الافتراضية كان لسبب !!.. ومن احتمالات تعريف السببية : يمكننا القول بأنه للجسيمات الافتراضية سبب ((وهذا ينفي عدمية الملاحدة وظهور الكون في لحظة ما بغير سبب !)) .. وأنه لأي فراغ كوانتي احتمالية أكيدة لتولد الجسيمات الافتراضية به :
"A quantum vacuum is a physically necessary condition of a virtual particle coming into existence and, in this 'physically necessary' sense of causation, virtual particles may be said to have causes. A probabilistic definition of causality would also enable us to say that virtual particles have causes, for given a quantum vacuum there is a certain probability that virtual particles will be emitted by it."
المصدر : [Quentin Smith, "Theism, Atheism and Big Bang Cosmology," Essay VI., p. 179.]
انتهى ...
(والتي نقلها عنه وترجمها الملحد عادل أحمد)
والموضوع مُرشح للنشر في العدد الأول للمجلة الدعوية الواعدة بإذن الله : مجلة كشف الأقنعة ..
مع بعض التعديلات والاختصار ..
رابط تحميل نسخة صغيرة من المجلة (10 ميجا) :
http://www.kashfmag.com/kashfmag-1st-smaller.pdf
تصفح مباشر للمجلة :
http://www.kashfmag.com/kashfmag-1st
وعلى بركة الله نبدأ ...
------
بسم الله الرحمن الرحيم ...
بداية أقول وقبل الرد على المقال المُترجم :
لعله من المُستحسن وضع النقاط الأساسية لخلخلة أفكار المقال : والتفاصيل تأتي تباعا إن شاء الله ..
1...
فبعدما استقر الآن في وعي المجتمع العلمي الفلكي والفيزيائي : تهافت فكرة قيادة الصدفة والعشوائية لتكوين الكون الغاية في النظام : وذلك بعد الظهور الطاغي لحقائق الضبط المتناهي لقوانين الكون .. أو ما عرفته الأوساط العلمية بالكون المُعد بعناية Fine-tuning of universe والمتمثل في القيمة البالغة الدقة للثابت الكوني Cosmological constant أقول :
بعد نفض العقلاء أيديهم من خرافات الصدفة والعشوائية في خلق الكون وتكوينه : ظهرت لدينا طغمة جديدة منهم : تمسكت بالعكس تماما ألا وهو : ادعاء أصالة القوانين نفسها والموجودة في الكون الآن !!!.. وأنها كانت لديها القدرة للظهور من ((العدم)) بلعبة ضخ طاقة موجبة وطاقة سالبة في نفس الوقت ! - لأن ذلك في ظنهم لا يتنافى مع معنى العدم وهو ما سنفنده ! - !!!.. فصارت القوانين القائمة بذاتها هي إلههم الجديد !
وما يهمني الآن هو توضيح شيء هام جدا يجب على كل عاقل الانتباه إليه وهو أن كلا من الصدفة والعشوائية : أو القوانين والنظام :
هما ((طريقتان لظهور التصرفات والسلوك والأفعال)) !!!.. وليستا (فاعلين) على الحقيقة !!!.. وهي نقطة جوهرية إذا واجهنا بها أي ملحد فضحنا منهجه بإذن الله !!!..
مثال :
عندما آتي بمجموعة كبيرة من طلبة المدرسة وأطلب منهم الانتشار في الملعب بغير توجيه : فهذا المنظر والسلوك العشوائي لهم : لا يمكن وصفه بأنه فاعل !!.. وإنما طريقة للفعل !
وفي المقابل أيضا :
إذا قمت برسم خطوط معينة ودوائر في أرض الملعب : ثم طلبت منهم الانتشار والاصطفاف عليها : فالنظام الذي حصلت عليه هنا وقانون الاصطفاف الذي وضعته لهم : لا يمكن وصفه هو أيضا بأنه فاعل !!.. وإنما طريقة للفعل !
وكلا الأمرين احتاج في النهاية لفاعل هو الذي يختار لفعله : إما سلوك العشوائية : وإما سلوك النظام أو القوانين !!..
ولا يمكن أبدا لدى عاقل من العقلاء وصف الفعل بأنه الفاعل !!!!.. فيصف الصدفة والعشوائية - التي ليس لها وجود مادي في الحقيقة - بأنها فاعل ! أو يصف النظام والقوانين - والتي ليس لها وجود مادي أيضا - أنها فاعل !!..
2...
بل وإذا تماشينا مع هذا التصور الطفولي لخلق الكون وتطوره حسب قوانين صارمة : ثوابتها لا تتغير : لكان على كل عاقل أن يسأل هؤلاء القوم سؤالا غاية في الأهمية ألا وهو :
من أين ظهر الوعي الفردي وحرية الاختيار والإرادة المستقلة والعقل لدى الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان ؟!!!..
من أين ظهر ذلك إذا كان الكون وليد نظم وقوانين وثوابت صارمة لا تتغير ولا تتبدل في سلوكياتها ونتائجها وخصائصها ؟!!!..
سؤال في مقتل !!!..
3...
بل وحتى محاولة ستيفن هوكينج لنفي الحاجة لإله تحت حجة معرفة البشر للقوانين التي يسير بها الكون : فهي محاولة فاشلة وصبيانية لأقصى حد !!.. لأننا - وبكل بساطة - سنسأل بدورنا : ومَن الذي قنن القوانين وحدد قيمها وثوابتها واختارها ؟!!..
واعتراضنا عليه بمعنى آخر هو :
وهل تنفي معرفتنا لتفاصيل وقوع أي فعل : لزوم حاجة هذا الفعل إلى فاعل (سواء عشوائية أو نظام) وكما شرحنا ؟!!..
هل إذا وجد أحدنا غسالة أو ثلاجة وقام بالبحث فيها وتفحصها إلى أن فهم كيفية عملها : فهل يعني ذلك أن يقول بابتسامة عريضة : أن الغسالة أو الثلاجة لا تحتاج لصانع لأنها لديها نظامها الخاص الذي تسير عليه ؟!!..
هل هذا كلام عقلاء ؟!!!.. والحق أقول لكم :
إن الإلحاد أول ما يضرب : يضرب العقل ويتنصل من البديهيات والمنطق لترويج كفره بالخالق عز وجل !!!..
ففي الوقت الذي نرى كلا من الإيمان والإلحاد لا بد لهما من إيمان بغيب - أي الإيمان بوجود أشياء لم يعاينوها بحواسهم ولم يحضرها أحد - : نجد فارقا جوهريا بينهما وهو أن إيمان المؤمنين بالغيب : يقوم على ممكنات عقلية .. في حين إيمان الملاحدة بالغيب : يقوم على مستحيلات عقلية بل وفيزيائية أيضا كما سنرى !!.. وكله هدم وتنصل من أبسط قواعد العقل والمنطق والتي إذا وافقناه عليها : فلا ثقة بعد ذلك في عقولنا أنفسها التي نحكم بها على الأشياء بناء على المنطق والبديهيات !!..
أم أنهم يستخدمون المنطق والبديهيات في كل شيء في حياتهم : فإذا جاء الحديث عن الله تعالى خالقهم : تنصلوا منها ؟!!..
عجيب !!!..
4...
ومن كمالة هذه المستحيلات العقلية والفيزيائية : ادعاء خروج شيء من العدم المحض !!!.. فاضطرهم ذلك لوصف العدم بأوصاف مادية : وأنه كان يحمل في طياته أشياء (طاقة موجبة / سالبة) !!.. وهو ما يتنافى مع المعنى الحقيقي للعدم الذي هو عكس الوجود وأنه لا شيء !! ولا فيه شيء البتة !!.. ولا موجب ولا سالب !!.. والصواب : أنه لو تم تخيير العاقل بين : الإيمان بأن الوجود هو الأزلي أو هو الأصل (وكما يؤمن المؤمنون بأن وجود الإله هو الأصل ولم يكن أبدا هناك عدم محض) :
وبين الإيمان بأن العدم هو الأزلي أو هو الأصل : ثم خرج منه بعد ذلك أي شيء (إله أو مادة أو قوانين أو أيا ما كان) :
لما تردد العاقل في اختيار الأولى لو كان بالفعل يحترم عقله الذي هو مناط الحكم على الأشياء ببداهة ومنطق !!..
لأنه على الرغم من أن كلا الاختيارين لم يشاهدهما أحد - فهما من الغيب - : إلا أن الاختيار الأول للمؤمنين : تضافره كل الدلائل والممكنات العقلية .. وهو الحل البديهي الوحيد أمام معضلة تسلسل الخالقين أو المُحدثين أو المُسببين إلى مالا نهاية !!!.. وأما الاختيار الآخر للملاحدة : فتحفه كله المستحيلات العقلية والفيزيائية !!!..
وشتان بين الثرى والثريا !!!.. وبين مَن يدعي خروج شيء من العدم (وبذلك خالف مفهوم العدم نفسه) : وبين مَن يُسلم لرب العالمين سبحانه الأول بلا بداية !!..
وهناك بعض الأخطاء الأخرى والتي سأشير إليها كذلك في موضعها ...
وسوف يسير الرد بنظام الاقتباس لكل فقرة من المقال وتلوينها : ثم الرد عليها ..
والله تعالى من وراء القصد ...
---------
في العصور القديمة كانت كل الظواهر تفسر على أساس كائنات خارقة، كالبرق والعواصف، وكان لهم إله لكل ظاهرة،
فكانت ظاهرة الشمس تفسر على أساس أن هناك إله اسمه "اسكول" وهو في صورة ذئب، وهو يقوم بابتلاع الشمس في حالة الكسوف، وكانوا يقومون بإقامة الطقوس حتى تعود الشمس، وما لم يكونوا يعلمونه هو أن الشمس كانت ستعود في جميع الأحوال حتى وإن لم يقيموا هذه الطقوس،
أقول : ما أبعد هذا الكلام عن الإسلام الذي جاء ليهدم الخرافات والأساطير : ويدعو الناس للتأمل والتدبر في الكون وفي كل ما حولهم : ليعلموا كمال خلق الله تعالى الذي :
" خلق كل شيء : فقدره تقديرا " الفرقان 2 ..!
ومن المعلوم أن العالم ستيفن هوكينج هو من أجهل الناس بالإسلام - أو يتعمد ذلك - ومثله في هذا مثل داوكينز !
يقول عز وجل حاثا على النظر في الكون وآياته الدالة على الخالق :
" إن في خلق السماوات والأرض : واختلاف الليل والنهار : لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم : ويتفكرون في خلق السماوات والأرض : ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك : فقنا عذاب النار " آل عمران 190 - 191 ..
ولذلك نرى الكثير من الآيات في القرآن : والتي يستعرض الله تعالى فيها بالفعل : الأسباب المادية والتصريفات الكونية للكثير من الظواهر : ويلفت نظر الناس إليها !!!.. لأنهم بوقوفهم على دقة التصريف والقوانين : سيعلمون ((حتما)) أنها وراءها خالق قادر عليم : وبعكس الملاحدة !
لذلك :
فبرغم ذكر الله تعالى صراحة في أكثر من موضع في القرآن أنه هو (الفاعل) الأوحد في الكون لما يريد : ومثل قوله تعالى مثلا في نزول الغيث :
" وهو الذي يُنزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد " الشورى 78 ..
ومثل قوله أيضا :
" إن الله عنده علم الساعة ويُنزل الغيث " لقمان 34 ..
إلا أنه قد وضح في مواضع أخرى : تفاصيل الأسباب المادية التي وضعها سبحانه وتعالى لذلك ! فقال مثلا :
" وهو الذي يُرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " الأعراف 57 ..
وقال أيضا :
" ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار " النور 43 ...
وهذه الآية وحدها فيها من السبق العلمي القرآني ما فيها لو بحثنا !!.. وقال كذلك :
" الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون " الروم 48 ..
وقال أخيرا وليس آخرا :
" والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور " فاطر 9 ..
وعلى هذا نقيس العديد من الآيات القرآنية التي تناولت أشهر الظواهر الكونية بعين التفصيل المادي : داعية البشر للنظر والتدبر فيهم : بعيدا عن تأثير الخرافات والأساطير التي كانت تسود المجتمعات الوثنية والجاهلة والمُحرفة لرسالات الله عبر القرون !!!..
وحتى برغم توغل الكثير من الخرافات والأساطير الوثنية والإسرائيلية في كتب السيرة والتفاسير وبعض كتب الحديث : إلا أن علم الحديث كان لها بالمرصاد : إذ لن نجد حديثا يُمثل خرافة من الخرافات : إلا وفي سنده مطعن وإشكال وخلاف بين العلماء !!.. ولن نجد سنده إلا مقطوعا أو موقوفا أو مرفوعا وفيه ضعفاء أو متروكين ومدلسين ...!
ولعل من أنسب الأمثلة هنا هو رواية سوق الرعد للسحاب بمخاريق من البرق - وما شابهها من روايات أخرى - !!.. وهي الرواية التي جاءت في بعض كتب الحديث والتفاسير بأسانيد مختلفة ليس فيها سند صحيح للنبي !!.. وإنما كلها موقوفة أو مرفوعة ضعيفة !!.. ويُنظر في بيان ذلك لبحث مُفصل للدكتور خالد بن محمود الحايك بعنوان : بحثٌ في الحديث المرفوع ((الرعد مَلك)) .. والتي خلص منها إلى أن تلك الرواية أصلها كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم في عصر الصحابة والتابعين ..
أيضا من المناسب هنا أيضا - وفي مقابل هذه الرواية الضعيفة - : ذكر روايات أخرى صحيحة - بل في أصح كتب الحديث وبأصح الأسانيد في البخاري ومسلم - : تترجم لنا حرص النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الابتعاد بالمؤمنين عن الخرافات التي كانت سائدة في عصره !!.. حيث جاء في الحديث الصحيح وقوع كسوف للشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي .. فربط الناس بين موته وبين الكسوف كعادة الناس في هذا الزمان وما قبله !!.. فقال لهم النبي قولته الشهيرة الواضحة :
" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله : لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته !.. فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي " ..
فقد اتضح أن هذا الكون غير خارق للطبيعة، ولكن يحتاج إلى الشجاعة لكي تواجه حقيقته. في حوالي عام 300 قبل الميلاد، كان هناك فيلسوف يدعى أرستقراط،
الاسم بهذه الطريقة غريب عليّ .. ولعل الجهل مني أو من المترجم والله أعلم ..! ولو كان تم وضع رابط المقال الأصلي لكان أفضل !
(ملحوظة : الأرستقراطية : هي طبقة النبلاء وعِلية القوم كما ذكرهم أرسطو في فلسفاته السياسية القديمة)
انبهر بكسوف الشمس وخسوف القمر أيضاً، وبعد دراسات قام بها تبين له أن الكسوف ليس إلا ظل القمر واقعاً على الأرض
سليم ...
كما قاده هذا الاكتشاف إلى أن الأرض ليست مركز الكون، حيث أن في بعض الأحيان يقع ظل الأرض على القمر وفي أحيان أخرى يقع ظل القمر على الأرض، كما خلص إلى أن النجوم ليست ملقاة على أرض الجنة كما ظن معاصروه،
ولكنها شموس أخرى مثل شمسنا، ولكنها بعيدة جداً، وبذلك عرف أن الكون عبارة عن ماكينة، تتكم فيها قوانين معينة، وفي بعض العصور كانت عصية على الاكتشاف بالعقل البشري.
إن اكتشاف هذه القوانين هو أكبر إنجاز للكائن البشري، وإن قوانين الطبيعة هذه يمكنها أن تخبرنا أننا لسنا في حاجة إلى إله أبداً لكي يفسر لنا هذا الكون، فهو محكوم داخلياً من قبل قوانين الطبيعة،
أقول : حتى الماكينة إذا رأيناها كعقلاء : فلن تمنعنا أبدا من سؤال الملحد عن : مَن الذي صنعها وحدد آليتها وقوانين عملها ؟!!..
فالعاقل لا يرى ماكينة تعمل أبدا : ثم يدعي أنها بغير صانع قادر على ضبطها ووضع آلية تسييرها وتركيب أجزائها بدقة وعناية !!!!..
فأجزاء السيارة مثلا إذا رميتها بعشوائية في فراغ الجراج : فلن تعطيني سيارة أبدا ولو بعد مليارات مليارات عمر الكون !!.. وذلك لأنها تحتاج لفاعل يقوم بتركيبها معا وفق تصميم معين ! تحتاج فاعلا : لديه ((القدرة)) على حمل كل جزء ووضعه في مكان معلوم له سابقا وفق تصميم وغاية معينة !!.. وهذا لا يتوافر أبدا في العشوائية : بجانب أن العشوائية ليس لها كيان مادي أصلا ليبذل ((قدرة)) لحمل وتركيب الأشياء في بعضها البعض وتسييرها !!!..
وهذا ما يعني وكما كررناها أكثر من مرة إلى الآن : أنه حتى العشوائية تحتاج إلى فاعل يختارها ويقوم بها !!!.. وفي المقابل أيضا :
فيمكنني تركيب أجزاء هذه السيارة - ومن أول مرة - : وفق تصميم أعلمه مسبقا وأريده وله غاية (وهو السيارة والسير بها) : فتتحقق !!..
وهو أيضا يحتاج لفاعل !!!..
ولعل أقوى سؤال قصم ظهر الملاحدة أمام الدقة الهائلة في قوانين الكون وحصرها في هذه القيم المدهشة هو :
لماذا هذه القوانين والقيم بالذات : وليست غيرها ؟!!!.. لماذا هذه القيم الغاية في الدقة والضبط للثوابت الفيزيائية الكونية ؟!!..
وذلك بعد أن رأى العلماء تجاوز دقة الثابت الكوني Cosmological constant لعشرة أس 122 (أي واحد وأمامه 123 صفرا) !!!!..
وهو ما يتجاوز القيمة الرياضية للمستحيل الرياضي النظري نفسه بأضعاف !!!!..
وهي القيمة التي يقول عنها اللاديني الفيزيائي الشهير ليونارد سوسكايند في كتابه مخطط الكون The Cosmic Landscape :
((الثابت الكوني 10 أس 122 يستحيل أن ينشأ بداهة عن صدفة)) !!!..
والتي يقول عنها الملحد الفيزيائي الأشهر صاحب مقالنا الذي نرد عليه الآن ستيفن هاوكنج في كتابه موجز تاريخ الزمن ص125 :
((الحقيقة الواضحة بخصوص الثوابت الكونية : تؤكد على أنها صُممت بعناية تتيح الحياة وبمنتهى الضبط المدهش)) !!!..
ولذلك : فيتجه اللادينيون والملاحدة الآن لـ (إله ثغرات) جديد خاص بهم : ويتجهون لـ (غيب) لا يستطيع أحد محاسبتهم عليه ألا وهو :
فرضية الأكوان المتعددة multiverse !!!!.. حيث ينقلون خرافة الصدفة والعشوائية وعدم الخلق والقوانين : من داخل كوننا الذي خذلهم : إلى فرضية أكبر لن يستطيع أحد التأكد منها كما اعترف سوسكايند نفسه !!!.. ألا وهي وجود أكوان عشوائية بعدد احتمالات نشوء أكوان عشوائية في الوجود إلى أن نصل إلى كوننا هذا !!!!.. وهي الفرضية التي فاقت غرابة احتماليتها غرابة احتمالات دقة الثابت الكوني نفسه !!..
وحتى وصل بها ستيفن هوكينج إلى قيمة 10 أس 500 كون !!.. وكما في كتابه الأخير - التصميم العظيم - !
وكل ذلك فقط : للهروب من الاعتراف بإله حكيم خالق ؟! وسبحان الله العظيم !!!..
يتجلى لنا ذلك في قول ريتشارد داوكنز في حواره مع ستيفن واينبرج على موقعه الرسمي :
((إذا اكتشفت هذا الكون المدهش المُعد فعليا بعناية .. أعتقد ليس أمامك إلا تفسيرين إثنين .. إما خالق عظيم أو أكوان متعددة)) !
If you discovered a really impressive fine-tuning ... I think you'd really be left with only two explanations: a benevolent designer or a multiverse.
المصدر :
VOICES OF SCIENCE ..Richard-Dawkins-Steven-Weinberg-Lawrence-Krauss-PZ-Myers-David-Buss
وهناك ملحوظة أخرى : وهي بخصوص نفي أن الأرض قد تكون مركزا للكون (علميا) !!!..
حيث (الجزم) بالنفي هنا : لا دليل (علمي) عليه لمَن لا يعرف !!!..
وسأترك الإشارة لذلك بعد أن نقرأ الاقتباس التالي الذي ذكر فيه هوكينج من الشواهد : ما ظن أنها تعزز هذه الفكرة الإلحادية لتهميش البشر وكوكب الأرض في الكون : وللتأكيد على لاغائية وجودهما !.. إذ يقول الكاتب - وسأغض الطرف عن نقد كلامه عن عدم الحاجة لإله حيث فندنا ذلك بالفعل - :
ولكي نفهم ذلك سنضرب مثال بلعبة التنس وهناك نوعان من القوانين تحكم اللعبة، الأولى هي التي وضعها اإلنسان، وهي قابلة للتغيير من قبله , أما النوع الآخر من القوانين فهي ثابتة لا تتغير، مثل القوة المؤثرة على الكرة، أو مرونة المضرب، وهذه القوانين بالإضافة إلى أنها ثابتة، فهي أيضاً كونية، فهي لا تطبق على كرة التنس فقط ، ولكن على كل شيء في الكون، فهذه القوانين لا يمكن نهائياً كسرها، وهذا ما يجعلها في غاية القوة، فإن قبلت معي أن قوانين الكون ثابتة، ولا يمكن كسرها، فلن تأخذ وقت طويل حتى تتساءل:
ما هو دور الله إذن؟ وهذا هو التناقض الكبير بين العلم واإليمان، وهذا التناقض ليس حديث، ولكنه أقدم من عصرنا بكثير.
ففي العام 1277م بوب جون السابع عشر شعر أنه مهدد بقوانين الطبيعة، وكان يسميها بالإلحادية، ولكن وجدت منظمة دينية حلاً لهذه المشكلة، فلعدة قرون لاحقة تم تفسير هذه القوانين بأنها من عمل الله ،وبإمكان الله ،أن يكسر هذه القوانين إن أراد، وتم تعزيز هذه الفكرة مع أن كوكبنا الأزرق مازال ساكناً في مركز الكون ، على عكس فكرة أرستقراط التي تم تناسيها من زمن.
ولكن في العام 1609م كان العالم جاليلو جاليلي يدرس كوكب المشترى من تلسكوب صنعه هو بنفسه، وحقق اكتشافاً صاعقاً ، فقد رصد ثالثة أجسام قريبة من الشمس، وفي البدء ظن أنها نجوم خافتة، ولكن بعد مراقبة مستمرة لاحظ أنها تتحرك، كما لاحظ أنها تختفي خلف بعضها وتظهر، فعرف أنها تدور حول الشمس، وليس حول الأرض، وقد دخله هذا الاكتشاف بمشاكل كثيرة مع الكنيسة، وقد نجا بالكاد من الإعدام بإنكاره لهذه الأفكار الإلحادية، وتم احتجازه في منزله إلى آخر تسعة سنوات من حياته.
أولا : الحديث عن ثبات قوانين الكون وحتميتها : ينافي ظهور الوعي الفردي وحرية الاختيار والإرادة المستقلة والعقل لدى الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان !
ثانيا : جاليليو جاليلي : لم يكن ملحدا بمعنى إنكار الإله - والتي يُحب الملاحدة دوما لصقها بكل عالم لسحبه إلى صفهم - !!!..
ثالثا : لم يكن يرى أن فرضية ثبات الشمس ودوران الأرض حولها تهدم دينه الكاثوليكي .. بل رأى أنه يمكن التوفيق بينهما ...!
رابعا : هو لم يأت بجديد : وإنما تبنى اختيار كوبرنيكوس لنموذج ثبات الشمس عن نموذج ثبات الأرض لأنه الأسهل في الحساب !
وأما بمناسبة رصد حركة الكواكب واختفاء بعضها خلف بعض أو الشمس : فهذا قديم وعرفت الحضارات القديمة مثله !!.. ولم يجدوا فيه دليلا صارخا على مركزية الشمس بالمناسبة !!!..
وذلك لأننا لو افترضنا دوران الكواكب (والشمس) حول الأرض : فلا مشكلة أبدا في أن نرى بعضها بيننا وبين الشمس أو خلف الشمس !!..
وحتى لا يتهمنا أحد بالجنون في عصر العلم - وأنا لا أريد هنا إلا إظهار القول العلمي الآخر المحايد الذي يتم التعتيم عليه - :
فإليكم الكلام التالي من شخصين معروفين : أحدهما مؤمن بإله .. والآخر ملحد - وهو ستيفن هوكينج نفسه صاحب مقالنا هذا ! -
حيث يقول الفيلسوف الإنجليزي الأمريكي والتر ستيس أنه :
((ليس من الأصوب أن تقول أن الشمس تظل ساكنة وأن الأرض تدور من حولها من أن تقول العكس !!.. غير أن كوبرنيكوس برهن على أنه من ((الأبسط رياضياً)) أن نقول أن الشمس هي المركز ... ومن ثم : فلو أراد شخص في يومنا الراهن أن يكون "شاذاً" ويقول إنه لا يزال يؤمن بأن الشمس تدور حول أرض ساكنة : فلن يكون هناك من يستطيع أن يثبت أنه على خطأ)) !!!..
المصدر : والتر ستيس 1998م كتاب : الدين والعقل الحديث - ترجمة إمام عبد الفتاح إمام - مكتبة مدبولي - القاهرة ..
والآن لننتقل إلى استعراض كلاما قد قاله ستيفن هوكينج نفسه من قبل في كتابه مختصر لتاريخ الزمن Stephen Hawking, 1996, The Illustrated A Brief History Of Time : ولنرى فيه كيف أنه لم ير مُرجحا لعدم القول بمركزية الأرض للكون : إلا سبب واحد فقط : وليس له علاقة بالعلم ولا الرصد بالمناسبة !!!.. أتعلمون ما هو ؟!!.. نعم .. إنها نفس النظرة الدونية لتهميش الإنسان وكوكبه في الكون !!.. وذلك لأننا إذا اعترفنا بمركزية الأرض للكون : فهذا يعني بالتأكيد أننا لنا الشأن الأساس من خلق هذا الكون !!!..
حيث بعدما سرد هوكينج المشاهدات التجريبية التي استنتج العلماء منها أن المجرات في هذا الكون الفسيح تبتعد عنا مُسرعة من جميع النواحي : يُخبرنا هوكينج كيف أن الفيزيائي والرياضي الروسي ألكسندر فريدمان قد وضع فرضيتين بسيطتين حول الكون - وبغرض شرح النسبية العامة لأينشتين - وتنص الفرضيتان على :
1.. أن مظهر الكون يبدو واحداً من أي اتجاه نظرنا إليه ..!
2.. أن هذا الأمر لا يختص بكوكبنا الأرضي فقط .. بل هو صحيح أيضاً لو كنا في أي موقع آخر في هذا الكون ..!
ثم بعدما استطرد هوكينج في شرح كيف أن الأدلة قد تضافرت على تأييد الفرضية الأولى مما يميل بنا لقبولها علميا : يقول محاولا التشغيب على ما يستلزمه ذلك من القبول العلمي لفكرة مركزية الأرض :
((وللوهلة الأولى : فإن هذه الأدلة والتي تبين أن الكون يبدو متشابها بغض النظر عن الاتجاه الذي ننظر منه : قد توحي بأن هناك شيئاً خاصاً حول مكاننا من هذا الكون !!.. والذي نعنيه بالذات : أننا إذا كنا نشاهد جميع المجرات الأخرى وهي تتجه مبتعدة عنا من جميع الاتجاهات : فلابد إذا أن نكون في مركز هذا الكون)) !!!..
لكنه يستطرد قائلاً أن هناك بديلاً آخرا لهذا الاستنتاج : ألا وهو أن الأمر سيبدو كذلك أيضاً لو كنا في أي موقع آخر في هذا الكون !!.. ومشيراً بذلك إلى فرضية فريدمان الثانية والتي ذكرناها آنفاً ..! ولكن :
هل هناك من دليل (علمي) أو (تجريبي) الآن على صحة الفرضية الثانية عن الأولى ؟!!.. يجيب هوكنج قائلاً :
((إننا لا نملك دليلاً علميا يؤيد أو يناقض هذه الفرضية !!.. ولكننا نؤمن بها : بدافع التواضع)) !!!..
أي : بدافع عدم القول بمركزية الأرض والإنسان في الكون !!!!.. لأن ذلك يصب حتما في ترجيح خالق للإنسان !!!..
وخلال الثلاثمائة سنة اللاحقة لذلك، كان العلم قد بدأ يفسر جميع أنواع الأشياء، بداية من البرق، ثم الزلزال، فالعواصف، نهاية بما يجعل النجوم تضيء، وكل اكتشاف جديد، يبعد الحاجة إلى وجود إله، وبالنهاية إن كنت تؤمن بأن العلم هو من وراء البرق، فستكون مختلفاً عمن يؤمن بأن هناك ملاك ما يحمل سوطاً ويضرب السحب.
قد أجبنا عن هذه الخدعة المنطقية بالفعل .. وقلنا أن فهم الإنسان لآلية عمل ماكينة معينة - كمثال - : لا يعني إطلاقا - لدى العقلاء - أن يزعم أنها صنعت نفسها بنفسها أو بدون صانع ركبها أو صممها أو برمجها ولو لأول مرة - وأعني بالجملة الأخيرة فرضية الملحد لماكينة قابلة لنسخ نفسها بنفسها ! حيث ستحتاج أيضا إلى مُبرمج أولي لعملية النسخ : ولا مفر من فاعل ! -
بالرغم من تعقيد وتشتت الكون، اتضح أنه لكي تصنع واحداً، تحتاج إلى ثلاثة مكونات فقط، وهي الطاقة والمادة والفراغ،
أقول : والاحتياج : هو دليل على أن الشيء مخلوق وليس خالق ..! مصنوع وليس صانع !!!.. مفتقر لغيره وليس غني في ذاته !!.. مُحدَث وليس أزلي !!!.. وذلك لأنه إذا فقد أحد مكوناته : لم يظهر !!!.. يقول الله عز وجل في قرآنه الحكيم :
" أم خــُلقوا من غير شيء ؟!!.. أم هم الخالقون " ؟!!.. الطور 35 ..
ولكن السؤال هو من أين أتت هذه المكونات الثالثة؟ نحن لم يكن لدينا فكرة، حتى دخول القرن العشرين، حيث لاحظ آينشتاين أن المكونين الهامين في الكون وهما المادة والفراغ، ليسا إلا مكون واحد في الأصل، ومعادلته الشهيرة (الطاقة تعادل الكتلة في مربع سرعة الضوء) تؤكد أن المادة يمكن أن يتم تحويلها إلى طاقة، وبذلك يمكن أن نعتبر أن الكون له مكونين فقط، هما الطاقة والفراغ، والسؤال لا زال مطروحاً، من أين جاء هذان المكونان؟ والإجابة جاءت عبر عقود من جهود العلماء، فالفراغ والطاقة، قد تم انتاجهما عن طريق حدث عشوائي يعرف الآن لنا باسم الانفجار العظيم، ففي لحظة الإنفجار العظيم، كون كامل مليء بالطاقة جاء إلى الوجود، ومعه فرغ، وكل شيء بداخلة بظهر ببساطة من عدم،
أولا : لو سألنا هوكينج : لماذا في تلك اللحظة تحديدا - زمن الانفجار العظيم - جاء الكون من العدم المزعوم : لما استطاع الإجابة ؟!
وذلك لأن تحديد وقت معين - وليس قبله أو بعده - لظهور شيء ما - أيا ما كان - : يحتاج لفاعل مُختار مُريد !!!.. ولن ينفعه هنا تصوير ذلك الفاعل بظاهرة أخرى من التي يخترعها الملاحدة من رؤسهم لما قبل الكون !!.. لأنه سيظل نفس السؤال ملازما لهم : لماذا هذه الظاهرة حدثت في هذا الوقت بالتحديد ؟!!..
ثانيا : كيف يُعطي العدم (الذي هو لا شيء وليس فيه شيء) : طاقة ؟؟!!.. وكيف يُعطي فراغ ؟!!!.. من أين جاء بهما أصلا ؟!..
ثالثا : كيف يحتوي الكون الذي خرج من العدم : عدما آخرا بداخله تخرج منه أشياء أخرى باستمرار كذلك ؟!!!..
والصواب :
أن هوكينج - وغيره ممَن شابهه - يخلطون عن عمد بين مفهوم العدم المحض : وبين مفهوم الفراغ الكمي أو الكوانتي الذي يملأ الكون !
وهو ما سنوضحه بعد قليل إن شاء الله ..
ووللبعض، بدأ الله يعود مرة أخرى إلى الصورة فبالنسبة لهم الله هو من خلق الطاقة والفراغ، وبالنسبة لهم كان الانفجار العظيم هو بداية الخلق، لكن العلم يحكي قصة مختلفة، فإمكاننا استخدام قوانين الطبيعة لفهم أصغر أصول الكون، ولنرى إن كان وجود الله هو الشيء الوحيد الذي سيفسرها. ولنعرف سر نشأة هذا الكون من لا شيء، نجد أن السر يكمن في واحدة من أغرب حقائق الكون، فقوانين الفيزياء تتطلب شيء يدعى بالطاقة السالبة،وحاصل جمع الطاقة والطاقة السالبة يعطي لا شيء بالمرة، ولكي نفهم معنى الطاقة السالبة، يمكن أن نتخيل شخص حصل على حفرة وتل من الرمل من خالل الحفر على مساحة فارغة أصلاً من الأرض، ويمكن أن نعتبر أن الحفرة هي نسخة سالبة من التل، وكل منهما له نفس الحجم للآخر، وهذا نفس ما حدث لحظة الإنفجار العظيم، فعندما بدأ الانفجار العظيم بضخ نسبة عالية من الطاقة الإيجابية، في المقابل أنتج نفس المقدار من الطاقة السلبية،
وبالطبع لم يخبرنا هوكينج عن : من أين جاء العدم بضخ الطاقة الموجبة ابتداء - ضخها من أين ؟! من جيب كون آخر - ؟!!!..
فضلا عن ضخه كذلك لطاقة سالبة !!!.. - يعني لم يكفه فرية ضخه لطاقة موجبة : حتى يفتري ضخه لأخرى سالبة معها !
وبهذا تصبح الطاقة الإيجابية والسلبية تساوي صفر، وهذه الطاقة السلبية المهمة من مكونات الكون، هي عبارة عن الفراغ المحيط بنا، فالفراغ نفسه يمثل مخزن هائل للطاقة السلبية، كافي ليضمن لنا أن كل شيء يساوي صفر، ومن الصعب استيعاب هذا المفهوم لغير المتخصصين في الرياضيات الفيزيائية، فيمكن أن نعتبر الكون بطارية ضخمة تحوي الطاقة السلبية . وإن كان الكون يؤول إلى لا شيء، فحينها لن نحتاج إلى إله ليخلقه،
وهنا أصل المغالطة المنطقية والأضحوكة العقلية الجديدة التي مفادها لمَن لا يعلم :
أننا لو لدينا مُدرس أو مُعلم في مدرسة : ولديه عشرة طلاب وعشر طالبات في الفصل : ثم سأله المدير : هل لديك طلبة (أو) طالبات في الفصل ؟!!.. لرد عليه ذلك المُدرس أو المُعلم - وبحسب منطق هوكينج - قائلا بكل ثقة : لا ليس عندي طلبة (ولا) طالبات في الفصل !!!!!!!!!!!!.. وذلك لأنه في منطقه إذا تساوى الشيء وضده : فهذا يساوي العدم المحض !!!.. إذاً : الفصل ليس فيه شيء !!!!!..
والمثال بصورة معكوسة لكي يكشف لنا أكثر أضحوكة الملاحدة الفيزيائيين في زعمهم تساوي اللاشيء بالشيء وضده : أننا لو أتينا إلى أحد الفصول الفارغة والذي ليس فيه أحد وطلبنا من المُدرس أو المُعلم أن يُخرج لنا منه عشرة طلاب مع عشر طالبات : وبحُجة أننا لم نطلب منه مستحيلا لأن تضاد الطلبة والطالبات يساوي عدم وجودهم : لنظر إلينا بجنون !!!..
وبالطبع منشأ هذه الضلالة عند رياضي مثل هوكينز وأمثاله :
هو أنه قاس الرياضيات (النظرية) والتي فيها (0= + س - س) على الواقع !!!..
فاعتبر أن الصفر : هو العدم أو اللاشيء .. ووفقا لذلك : فلا مانع من القول بأنه يحمل الشيء وضده !!.. وهو مخالف للواقع كما رأينا لأن العدم في معناه في العالم الواقعي : لا يحوي شيئا البتة !!.. لا (+ س) ولا (- س) !!!..
بل ولو صح هذا المنطق النظري الفارغ : لصح لنا حينئذ أن نصف كوننا الذي نعيش فيه الآن بالعدم !! - أي يكون أنا وأنت غير موجودين فعليا الآن بمنطق الإلحاد الفيزيائي ! - : وذلك لأننا نحتوي على طاقة إيجابية وسلبية معا ولله الحمد !!!!..
فهكذا يريد هوكينج وغيره الترويج لمناهجهم الملتوية التي ما تركت مستحيلا عقليا ولا منطقيا إلا وسلكته فقط :
للهروب من حقيقة وجود الله عز وجل الأوضح من الشمس في وسط النهار !!!..
وصدق الله العظيم القائل في كتابه الحكيم :
" ومَن يرغب عن ملة إبراهيم : إلا مَن سفه نفسه " البقرة 130 ...!
ولكن يبقى السؤال الأخير، وهو من الذي أطلق العملية كلها في المقام الأول، ففي تجربتنا الحياتية اليومية نحن نعتاد على فكرة أنه لا يمكن أن نجد شيء من لا شيء، ولكن إذا لو راقبنا حركة الأجسام على المستوى دون الذري، نجد أن الجزيئات تسلك سلوك يعتمد على علم نسميه ميكانيكا الكم، والجسيمات على هذا المستوى تجريبياً تظهر من عدم لفترة وجيزة جداً ثم تختفي إلى لا شيء لتظهر في مكان آخر، ونحن نعلم أن الكون في لحظة الانفجار كان أًصغر حتى من الجزيئات الذرية، فيمكن له ببساطة أن ينشأ من عدم، دون أن يخالف أي قانون من قوانين الطبيعة، فقوانين ميكانيكا الكم تخبرنا أنه يمكن أن ننتج الإلكترون من لاشيء حرفياً، من ناحية أخرى فإن شيء آخر مهم حدث لحظة الانفجار العظيم، فالزمن نفسه قد بدأ، لنفهم هذه الفكرة، علينا أن نلقي الضوء على ظاهرة طبيعية اسمها الثقب الأسود، وهو عبارة عن نجم ضخم تقزم إلى أن أصبحت كثافته عالية جداً حتى أن الضوء نفسه لا يمكن أن يهرب من جاذبيته، وفي ظروف مثل هذه تخبرنا النظرية النسبية الخاصة لآينشتاين أن الزمن يتوقف، أي أن الفرق بين أي حدثين تكون صفر، وهذا بالضبط ما حدث لحظة الانفجار العظيم، فلا يمكن أن تأتي بوقت قبل الانفجار العظيم، لأن الوقت نفسه بدأ لحظة الانفجار،وأخيراً وجدنا شيئاً لا يحتاج إلى مسبب، لأنه لم يكن هناك زمن ليحدث فيه هذا السبب، وبالنسبة لي هذا ينفي تماماً احتمالية وجود صانع للكون، لأنه لم يكن هناك وقت للخالق لكي يخلق.
هنا أتينا أخيرا إلى بيت القصيد .. وهو مسك الختام الذي يستحق التعليق على نهاية مقال هوكينج !
فبغض النظر عن تناقضات هذه الفقرة من كلام هوكينج عن خضوع ما حدث في لحظة الانفجار العظيم للقوانين : رغم أنه يعلم أن كل ثوابت القوانين الفيزيائية لم تكن قد ظهرت ولا اعتبار للقياس بها ولا عليها قبل زمن بلانك !!!!..
وبغض النظر أيضا عن مهاترات الحديث عن الثقوب السوداء - وخصوصا وهوكينج كاتب المقال نفسه هو أشهر خاسر لرهان علمي في تاريخ العلم الحديث أمام العالم بريسكل !!!.. - حيث كان يعتقد هوكينج في 1975م أنها تبتلع كل شيء بلا عودة : وتحدى على ذلك العالم بريسكل منذ عام 1997م : وإلى أن أعلن رسميا في 2004م بنفسه عن خسرانه للرهان !!.. واعترافه بأن تلك الثقوب السوداء تنضح ببعض المواد من المناطق الغير منتظمة على سطحها !!.. وقال هوكينج كلماته الشهيرة :
((أن نظريته التي أعاد صياغتها : تستبعد اعتقاده السابق بأن الناس يمكنهم أن يستغلوا تلك الدوامات السوداء يوما ما في السفر إلي الأكوان الأخري !!..
آسف لأنني خيبت ظن هواة الخيال العلمي !!.. لكنك إذا ألقيت بنفسك إلي إحدي الدوامات السوداء : سترتد طاقة كتلة جسمك إلي كوننا مرة أخري ولكن بشكل مشوه)) !
أقول :
بعيدا عن مهاترات الحديث عن الثقوب السوداء التي تملأ عالم الفيزياء غموضا : فسوف أهتم هنا فقط بإظهار تدليس وخداع هوكينج بخلطه مفهوم العدم المحض بالفراف الكوانتي أو الكمي !!!.. والذي يمكن أن تظهر فيه جزيئات فجأة .. حيث سيكون الرد في نقطتين بسيطتين كالتالي :
أولا :
من المعلوم اليوم أنه لا يخلو مكان في الكون من الطاقة .. ومن المعلوم أيضا أن بعض الجزيئات تختفي عن الرصد - وخصوصا مع الطبيعة المزدوجة لها بين الموجة والجسيم - : ثم تظهر عندما تحمل أو تكتسب طاقة (من الفراغ الكوانتي أو الكمي والذي لا يساوي أبدا مفهوم العدم) : ثم تختفي عن الرصد بفقد تلك الطاقة مرة أخرى !... فماذا في هذا ؟؟.. وهل يقول عاقل أنها تذهب وتجيء من وإلى ((العدم المحض)) أو ((اللاشيء حرفيا)) كما يدعي هوكينج ؟؟؟..
ولفهم ذلك ....
ففي الصورة التالية (وحسب الرسم البياني لريتشارد فاينمان) : تمثل الرسمة اصطدام اثنين من الإلكترونات وتشتتهما ..
حيث تمثل الخطوط المستقيمة : مساري الإلكترونين قبل وبعد التصادم .. وأما الخط المتعرج بينهما :
فيمثل فوتونا مجازيا : يقوم بتوصيل التآثر الكهرومغناطيسي بينهما .. ومن خلال هذا التمثيل لعملية الاصطدام تحت تأثير شحنتي الإلكترونين : يمكن تصور وجود جسيم افتراضي (أو فوتون افتراضي) كحالة مؤقتة عمرها قصير جدا ً: تظهر خلال التآثر وتنقل التأثير ثم تختفي ..!
ثانيا :
ولذلك نقرأ في كلام العلماء المتخصصين - والذي يكشف تدليس هوكينج واستغلاله لجهل العوام بفيزياء الكم - : ما يؤكد هذا المعنى ..!
فنقرأ في الاقتباس التالي مثلا : الاعتراف بأن الكون لا يمكن أن يظهر فجأة من تذبذبة في العدم !!!.. لأنه لو عدم محض : فما هو الذي تذبذب ؟!!..
brings our universe into existence, is not absolutely nothing. It is only nothing like our present universe, but it is still something. How else could 'it' fluctuate?
المصدر : (William Carroll,Thomas Aquinas and Big Bang Cosmology)
وفي الاقتباس التالي أيضا نقرأ أن مفهوم (الفراغ) في ميكانيكا الكم : لا يعني العدم !!.. وإنما هو السبب الغير مكشوف للظهور المؤقت للجسيمات الافتراضية !!!..
In quantum mechanics, the vacuum is not a nothing. It is the indeterministic cause of the temporary existence of the virtual particles
المصدر : [a href="http://www.leaderu.com/offices/koons/docs/lec5.html">Robert C. Koons]
وفي نفس المعنى التوضيحي السابق : نقرأ في النقل التالي والأخير أن فراغ الكم : هو حالة ((الضرورة الفيزيائية)) لظهور الجسيمات الافتراضية .. ويدلنا وصف الضرورة الفيزيائية إلى السببية في هذا الظهور .. أي أنه يصح أن نقول أن ظهور هذه الجسيمات الافتراضية كان لسبب !!.. ومن احتمالات تعريف السببية : يمكننا القول بأنه للجسيمات الافتراضية سبب ((وهذا ينفي عدمية الملاحدة وظهور الكون في لحظة ما بغير سبب !)) .. وأنه لأي فراغ كوانتي احتمالية أكيدة لتولد الجسيمات الافتراضية به :
"A quantum vacuum is a physically necessary condition of a virtual particle coming into existence and, in this 'physically necessary' sense of causation, virtual particles may be said to have causes. A probabilistic definition of causality would also enable us to say that virtual particles have causes, for given a quantum vacuum there is a certain probability that virtual particles will be emitted by it."
المصدر : [Quentin Smith, "Theism, Atheism and Big Bang Cosmology," Essay VI., p. 179.]
انتهى ...