التسميات

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

نظرات في الخلق من عدم وأزلية الخالق


نظرات في الخلق من عدم وأزلية الخالق ..

بسم الله الرحمن الرحيم ..
الإخوة الكرام ..

في هذا الموضوع بإذن الله تعالى : أرجو أن يعينني عز وجل على توضيح بعض المعاني الهامة في العدم والأزلية ..
والغرض من ذلك هو :
تبصير الإخوة المسلمين ببعض مزالق الفرق الكلامية الضالة في أزلية الله تعالى .. وبعض مزالق الملحدين في الخلق من عدم ..
مع العلم أني منعا للتطويل والتشعيب فلم أنقل الاستدلالات من كتب علماء أهل السنة وكتب مخالفيهم إلخ ..
فالموضوع مُبسط وكثير الأمثلة ومناسب للمبتديء والمتوسط بغير تعقيد ..
فالله تعالى أسأل التوفيق في ذلك ..
وأن يجعلنا من الهداة المهديين .. وألا يجعلنا أبدا من الضلال المضلين ..
إنه وحده ولي ذلك والقادر عليه .. اللهم آمين ..
وبسم الله نبدأ ..
-----------

1...
الإنسان بين (التعقل) و(التصور) ..!


وهي النقطة الأولى التي أحببت أن أبدأ بها .. وتنويها على خروج معاني (العدم) و(الأزلية) عن قدرات الإنسان في (التصور) ..
وأن كل ما لا يمكن تصوره - كالعدم والأزلية - فهو خارج نطاق القياس المادي ..
ومن هنا وقع الكثير من المسلمين في الخلط للأسف - بل والملاحدة كذلك - ..
ولنبدأ في الشرح ..

في مقال قصير ماتع لأخي محمود عمر من منتدى التوحيد لبيان الفرق بين التصور (الإدراك المحسوس) والتعقل (وهو الفهم) يقول بتصرف يسير :

فالتصور :
أداته الحواس الخمس .. فالإنسان لا يتصور إلا شيء قد سبق إدراكه من قبل بالحواس الخمس .. ولأن الحواس الخمس لا تدرك إلا الماديات فقط : فإن التصور أيضا لا يتعدي حدود الماديات ..! فمهما أرهق الإنسان نفسه فى التصور : فإنه لن يتصور ولن يتخيل ولن يقيس إلا على شيء مادي !!!.. وأما الشيء الغير مادي والخارج عن حواس إدراكه المحسوسة : فليس له سبيل البتة لتصوره .. 

وأما التعقل أو الفهم :
فأداته العقل .. وهو بذلك يخالف التصور والحواس .. وذلك لأن العقل له ضروريات ومستحيلات وممكنات خارج الإطار المحسوس .. بل هو قادر على (فهم) وجود ما هو ليس بمادة ..
-----

أقول :
ومن هنا نفهم الخطأ الأول الذي يقع فيه الملاحدة عندما يطالبون بتقديم أدلة (حسية) أو (مادية) على وجود الله تعالى !!!..
فنقول لهم : أن الله تعالى امتحننا كبشر في (تعقلنا) لوجوده من خلال تدبرنا في آياته ..
ولم يمتحنا في (تصورنا) لوجوده كمادة !!.. ولا حتى عالم الغيب بأكمله (الملائكة والحساب يوم القيامة والجنة والنار إلخ) ! 
وعلى هذا امتدح الله تعالى المؤمنين بـ (الغيب) في القرآن والذين يخشونه بـ (الغيب) وهم لم يروه ولم يتصوروه في أكثر من موضع ..
ففي أوائل سورة البقرة يقول تعالى :
الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " البقرة 1 : 3 ..
فذكر إيمانهم بالغيب : قبل الصلاة والإنفاق في الله !!!..
وكذلك يقول في سورة الملك :
إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير " الملك 12 ..

والخلاصة التي أود الخروج بها الآن هي :
أن ما سنتحدث عنه في هذا الموضوع اليوم - وهما الخلق من عدم وأزلية الخالق - هما خارج نطاق (التصور) البشري ..
ولكنهم رغم ذلك لا يستعصون عن (تعقله) !!..
--------

2...
ما هو العدم ؟؟.. وما هما نوعا الخلق من العدم ؟؟..


العدم هو اللا شيء ....
فعندما توجد سيارة أمامك الآن أمام بيتك : فهي موجودة ...
ولكن قبل تصنيعها : كانت عدما .. كانت لا شيء .. كانت غير موجودة ...
أرجو أن نتنبه جيدا لهذا المعنى لأنه معنى فارق بإذن الله تعالى في بيان تلبيس الملاحدة كما سيأتي ..

وعليه :
فوجود السيارة من بعد عدمها : ليس له إلا طريقتين لا ثالث لهما ...
إما أنها جاءت من تركيب أشياء أخرى (وهي طريقة الخلق من أشياء موجودة وتسبقها في الوجود) ..
وإما أنها جاءت من العدم المحض ..
أي من غير تركيب لها من أشياء سبقتها في الوجود ...
فقط :
كانت غير موجودة .. ثم صارت موجودة ...

>>>فأما النوع الأول (أي الخلق من شيء سابق) : 
فيشترك فيه الرب جل وعلا .. وما خلقه لمخلوقاته من قدرات على الفعل والتصنيع - حيث يُسمى الصنع بالخلق مجازا - 
وهي إحدى أوجه تفسير قوله تعالى في نهاية مراحل تكون الجنين :
فتبارك الله أحسن الخالقين " المؤمنون 15 ..
وقوله تعالى في خبر إبراهيم ومحاجته لقومه عباد الأصنام :
إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا " العنكبوت 17 ..
وقوله تعالى في عيسى عليه السلام :
ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله " آل عمران 49 ..
وكررها عز وجل في موضع آخر كذلك :
وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني " المائدة 110 ..
وحتى لا يظنن أحد أنه بانفصال صنعته وخلقه عن خلق الله تعالى في الظاهر : رغم أنه هو الذي وهب له القدرة على ذلك .. فقد ذكر عز وجل على لسان إبراهيم عليه السلام أيضا لقومه وأصنامهم :
قال : أتعبدون ما تنحتون ؟!!.. * والله خلقكم وما تعملون " ؟!!.. الصافات 95- 96
وكما هو معروف : فالله تعالى خلق الإنسان من تراب وماء .. وخلق كل دابة من ماء .. وهكذا ..

>>>
وأما النوع الثاني (أي الخلق من العدم المحض ومن غير تركيب ولا إيجاد من شيء سابق) :
فهذا الذي يختص به الله تعالى وحده بكمال قدرته وعظمته سبحانه .. وهذا هو ما يستحيل (تصوره) ولكن نستطيع (تعقله) ..!
وذلك لأن العدم : هو اللاشيء ..
ولا يمكن خروج شيء من اللاشيء وحده !!!.. 
لأننا بذلك تصورنا اللاشيء كأنه وجود يحوي بداخله أشياء تخرج ! وهذا ينفي معنى العدم ! >
فالله نعالى : " خالق كل شيء " الزمر 62 ..
فهو الذي خلق الماء .. وهو الذي خلق العرش .. وهو الذي خلق القلم .. وهو الذي خلق الجنة وخلق النار إلخ

فالصواب :
أن أي شيء يوجد من العدم المحض بإرادة الله تعالى وقدرته : فقد كان عدم وجوده : هو عدم أصلي .. لا شيء ..
وبمجرد أن خلقه الله تعالى وأوجده : فقد انتفت عدميته .. 
ولذلك يطلق عليه الناس مجازا أيضا أن الله تعالى أوجده ((من)) عدم .. أي : ((من بعد)) عدم محض .. 
لأن خلقه تعالى له من أشياء سابقة كما قلنا : يوصف أيضا بإيجاده من عدم أي من بعد عدمه > ... 

ومن هنا :
يتضح لنا تلبيس الملاحدة عندما يريدون محاصرة المسلم بخدعة منطقية مفادها :
أننا نقول أن الكون - أو المادة - خرجت من عدم : 
كما تقولون أنتم أن الله تعالى خلق الكون من عدم !!.. فما الفرق بيننا ؟!!.. 

والإجابة 
أن يقوم المسلم الثابت بتعريف العدم أولا .. ثم بيان نوعي الخلق من عدم .. ثم بيان ما اختص الله به من الخلق من العدم المحض بغير الإيجاد من شيء سابق للشيء الملخوق .. ثم بيان أن ذلك (ممكن عقلي) : وبعكس أن يخرج شيء من العدم (الذي هو لا شيء) لأن ذلك (مستحيل عقلي) !!!..

وأرجو النظر للصور التالية لتوضيح فرق المفهوم بيننا وبين الملاحدة في ذلك ...
فالعدم عند الملحد - وكما في الصورة التالية - : يتصوره وكأنه شيء : حاوي لشيء سيخرج منه - الكرسي كمثال - !!!..
فهو يتخيله كهذا المكعب مثلا وبداخله الشيء الذي سيدعي الملحد خروجه منه وبذلك يهدم مفهوم العدم أصلا !



ثم يخرج الكرسي إلى منطقة أخرى - وكأن العدم منطقة : والوجود منطقة ! - كالصورة التالية مثلا :



في حين أن المؤمنين عندما يقولون أن الله تعالى يخلق شيئا من عدم محض : فهم يعنون بالعدم المحض انعدام هذا الشيء أصلا :
فهو غير موجود البتة : لا داخل العدم - عند الذين جعلوا العدم شيء حاوي لأشياء - ولا خارجه بالطبع !!!..
العدم عند المؤمنين هو اللاشيء كالصورة التالية مثلا :



ثم صار فيه شيء بقدرة الله تعالى الخالق الباريء المبدع المصور سبحانه :



أرجو أن يكون قد اقترب المعنى لمَن التبس عليه الأمر ..
وبه يبطل قول الضالين بأزلية العالم مع الله - ليهربوا من محاولتهم الفاشلة لتصور قدرة الله على خلق مخلوقات من العدم المحض - !!..
وبه يبطل كذلك قول القائلين بأن الله تعالى يستخرج مخلوقاته من نفسه !!!..

حيث وقعوا أسارى لنفس الخلل في تصور العدم : فلجأوا لبدعات وكفريات لتعقله : ما أنزل الله بها من سلطان !
اللهم إلا بعض التأويلات الملتوية لآيات مثل قوله تعالى ممتناً علينا : 
وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الجاثية 13 !!!..
والتي خالفوا فيها ظاهر معناها وما فهمه النبي وصحابته والمسلمون منها وهو أن (منه) هنا تشريف وبيان تعظيم هبات ونعم الله علينا ..
وليس معناها أنها من ذاته يستخرجها من نفسه سبحانه !!!.. والفرق واضح لكل قاريء لقرآن ملم ببلاغته وبيانه ..
وللتشبيه - ولله تعالى المثل الأعلى - : كمَن يقول له أبيه ممتناً عليه : لقد أعطيتك السيارة هبةً مني إليك ..
فهل يفهم عاقل أن (مني) هنا تعني أن السيارة كانت في الأب أو بداخل الأب أو أخرجها الأب من جسده !
--------

3...
الأصل هو الوجود وليس العدم .. 


بداية أقول : إن الأصل هو الوجود - وهو وجود الله تعالى الأزلي بلا بداية ولا نهاية سبحانه - : 
ولم يكن العدم التام أو المحض - أي الذي ليس معه شيء حتى الله - : متحقق في أي وقت ....! 
وهنا يتضح لنا تلاعب وتلبيس آخر من تلاعبات وتلابيس الملاحدة على المسلمين والعوام عندما يقولون لهم ما مفاده :
أن المادة ظهرت من العدم : كما ظهر إلهكم من العدم !!!!!!!!!!!!!!...
وكأن المسلمين يقولون بظهور الله تعالى من العدم وأن العدم كان سابق عليه سبحانه !!!!!!!!!!!!..
وهذا محض خيال وتخبط ولا منطقية كما أسلفنا ..
لأن العدم : هو اللاشيء المحض .. ولو افترضنا أن هناك عدم محض بالفعل :
فلم يكن ليخرج منه شيء - لأنه لا شيء أصلا ولا حاوي لشيء - : لا الله تعالى .. ولا أي شيء آخر يفترضه الملاحدة !
إذن :
وجود الله تعالى هو الأصل .. ولم يسبقه عدم .. وهو من المعقولات : حتى ولو عجز عن تصورها البعض ..
--------

4...
وجود الله تعالى في الأزل والأبد .. 


الأزل : هو الامتداد في الماضي بلا بداية ..
والأبد : هو الامتداد في المستقبل بلا نهاية ..

ولذلك صح لنا أن نصف الله تعالى بأنه موجود من الأزل .. وبأنه موجود في الأبد ...
والأصح والأصوب لو وصفناه بما وصف نفسه به سبحانه وهو قوله تعالى : " هو الأول والآخر " الحديد 3 ..
وبما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح :
أنت الأول فليس قبلك شيء .. وأنت الآخر فليس بعدك شيء " ...

فالله تعالى خالق أزلا .. رحيما كريما عادلا أزلا .. فهو حميد في ذاته .. غني في ذاته : حتى ولو لم يخلق خلقا يكون رحيما بهم أو غنيا عنهم ..
والأمر للتشبيه فقط :
كمَن يصف فلانا بالكرم .. فصفة الكرم في فلان موجودة قبل أن يقع موقف تظهر فيه ..
وهذا ما يصفه العلماء في الله تعالى بأنه : أزلي الصفات كذلك أي :
أن صفاته لا بداية لظهورها لأنها من ذاته الأزلية عز وجل : فتكون أزلية مثله ...
وعلى هذا أيضا :
فمتعلقات صفاته تكون كذلك : أزلية النوع .. حادثة الآحاد ... بمعنى :
أن مخلوقات الله تعالى : لا أول لها لتعلقها بأزلية صفة الخلق في الله .. ولكن كل مخلوق على حده : هو مُحدث : لأنه كان بعد أن لم يكن ..
فالله تعالى قادر على الخلق بالكلمة .. بالأمر .. بمجرد إرادة أن يكون الشيء : فيكون ..
يقول تعالى :
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن : فيكون " يس 82 ..
ولذلك فإنها لا تفنى ولا تنتهي مخلوقات الله عز وجل : لأن كلماته لا تنتهي .. يقول سبحانه :
قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي : لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا " الكهف 109 ..
ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر : ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم " لقمان 27 ..
ولعمر الله :
ما قلته لكم الآن هو علامة فاصلة بين أهل السنة والجماعة وما ضلت فيه فرق أخرى عن الإسلام للأسف :
إما جهلا منهم .. وإما فرورا بعقولهم لما أرادوا تنزيه الله تعالى بما ظنوه معيبا فيه أو يطعن في كماله !!..
وهذا ما سأختم به الآن بإذن الله تعالى وهو :
جولة سريعة في المعضلات الناشئة عن الخطأ في التعامل مع أزلية الله عز وجل وأوليته ...
--------

5...
نظرات في معضلات تعامل بعض الفرق مع أزلية الله ..


>>>
فمنهم : مَن لما أعجزه تصور أزلية الله في الماضي ولم يفهم أنها لا تمت للماديات بصلة حتى يتخيلها : فحكم بأنها غير قابلة للتعقل كذلك للأسف : فحكم بأن لله تعالى في الأزل بداية : ومن عندها بدأ خلق كل شيئ !!!.. فحقق بذلك أولية الله تعالى من جهة : ولكنه عطل الله تعالى عن الحياة الأزلية أو عطله عن أن يخلق منذ الأزل !!!..
والصواب :
أنه لا شيء البتة في تعقل أزلية حياة الله تعالى وأزلية صفة الخلق فيه وأزلية إرادته ومخلوقاته ...
فوجود الله تعالى قد أحاط بكل مخلوقاته قبلا وبعدا بلا بداية ولا نهاية ولا إشكال في فهم ذلك ولا تعقله !!!..
ولتقريب ذلك المفهوم للإخوة من واقعنا - وكمثال فقط وحاشا لله أن أمثل وجوده بشيء وهو العظيم سبحانه - :
أقول :
في مجال الهندسة نعرف الآتي :

النقطة .. وهي أي نقطة محددة في الفراغ ..

ونعرف الشعاع : وهو أي خط له بداية : ولكن ليس له نهاية .. ويضم بذلك عددا لا نهائيا من النقط ولكن :
يمكننا أن نأتي للنقطة التي عند بدايته ونقول : هذه النقطة تحديدا هي بداية الشعاع : رغم أن طوله لا نهائي ..
فاستطعنا هنا أن نحدد نقطة معينة لبدايته ..

ونعرف المستقيم .. وهو الخط الذي يمتد في اتجاهين بلا بداية ولا نهاية !!!..
وعلى ذلك : فأي نقطة واقعة عليه : لن تدرك بدايته ولا نهايته أبدا !!.. ومهما بالغنا في موضعها في الاتجاهين !

والآن :
فوجود الله تعالى أزلا في القدم : وأبدا في المستقبل : نشبهه - للتمثيل فقط وحاشا لله - : بهذا الخط المستقيم ..
وذلك لأنه وجوده يمثل الوجود بذاته ..
هو موجود وقبل أن يخلق أي شيء .. وهو موجود وهو الخالق لكل شيء ..
فلن يستطيع أحد أن يحدد أول مخلوق له - أي بدايته - .. ولن يستطيع أحد أن يحدد آخر مخلوق له - أو نهايته - !

ومَن لم يستوعب ذلك في الأزلية والقدم : فليقيسها على وجود المخلوقات مع الله تعالى في الأبد !!!..
ونقول له : أليس الله هو الآخر ؟!!.. فيقول : نعم ..
فنقول له : أوليس قد كتب سبحانه على عباده الخلود في الجنة والنار وخلود الجنة والنار إلخ ؟!!.. فيقول : نعم ..
فنقول : فهل قدح ذلك في وصفه أنه الآخر دوما على التأبيد ومهما تتابعت وبقت مخلوقاته ؟!!.. فيقول : لا ..
فنقول له : وهكذا الأمر في الاتجاه المعاكس في القدم : أي في الأزل ...
حيث لا تنتهي مخلوقاته في القدم ولكنه يبقى دوما هو المتقدم عليها بالوجود وبالخلق .. وكما قال رسولنا الكريم :
" أنت الأول : فليس قبلك شيء " .. وقوله كذلك في الصحيح :
كان الله ولم يكن شيء قبله " وفي رواية : " ولم يكن شيء معه " وفي رواية : " ولم يكن شيء غيره " ..

وأما خلق العرش أو القلم إلخ : 
فهي أول مخلوقاته عز وجل الخاصة بعالمنا نحن المخاطبين بقرآنه ووحي نبيه - وعلى خلاف مقبول في التأويل .. 
وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة الوسط والفطري بين الفرق الضالة الأخرى للأسف ...

>>>
ومنهم مَن حوصر في دليل الأبدية الذي كشف تناقضه في تقبل أبدية مخلوقات الله : وعدم تقبله لأزلية مخلوقات الله :
فزعم أن الله تعالى سيفني في النهاية كل شيء !!!.. الجنة والنار ومن فيهم إلخ إلخ !!!..
فأتى من الأقوال بما لم يأت به قرآنا ولا سنة !!!..

>>>
ومنهم مَن قال أن وصف الله تعالى بالآخر : هو بعد إفنائه للناس ثم إحيائهم من جديد للحساب ثم الخلود في الجنة أو النار !!.. أقول : وهذا تهرب من الإجابة أيضا إذ : سؤالنا لم يكن موجها لموت الناس من عدمه ولكن : في بقائهم من بعد موتهم إلى الأبد خالدين في الجنة أو النار؟؟!!.. أليس بهذا لم يطعن في وصف الله بالآخر وليس بعده شيئ ؟؟.. رغم أن مخلوقاته في الأبد معه !!..
بل وماذا إذا عرفنا أن الإنسان لا يفنى حتى عند موته وإنما يتبقى منه عجب الذنب (آخر عظمة صغيرة في العصعص) وهو الذي سيركبه الله تعالى منه من جديد كما جاء في الحديث الصحيح المعجز ؟
بل :
وماذا عن الجنة والنار اللتان منذ خلقهما الله تعالى وسوف يظلان للأبد ؟؟؟..

>>>
ومنهم مَن قال أن معنى الأول والآخر هو أن الله تعالى ليس في زمان : كما أنه ليس في مكان !
أقول :
معلوم أن الله تعالى خالق المكان والزمان الخاصين بكل مخلوقاته ..
وذلك لأن الزمان يتحدد بتغير الأمكنة والأحوال .. فمقدار السنة والشهر الهجري واليوم مثلا : مرتبطون بتغير دوران الشمس والقمر والأرض .. ولذلك فإن اليوم على كوكب قريب من الشمس مثل عطارد : غير اليوم على كوكب بعيد عنه مثل الأرض أو المشترى مثلا أو زحل .. بل هناك كواكب - ولاختلاف حركة دورانها - يكون فيها يومها أطول من سنتها !!!..
المهم :
أن الله تعالى الذي خلق المخلوقات والأمكنة : هو خارج عنها - أي خارج زمان ومكان مخلوقاته - ولكن :
هو الحي سبحانه له زمن نسبي تتراتب فيه المخلوقات التي يخلقها ..
تماما كما جعل لنفسه اتجاه علو مطلق فوق كل مخلوقاته ..
(ما فوق الأرض مثل ما تحتها من الجهة الأخرى الجميع دون الله : مثال : فوقية السقف للنملة سواء كانت تمشي على أرض الغرفة أو تمشي مقلوبة على سقفها)

وهذا الزمن النسبي ملازم لله تعالى وإراداته بعكس الذين حصروه في إرادة واحدة وقعت مرة واحدة فقط !!.. يقول تعالى :
إذا أراد الله شيئا : فإنما يقول له كن فيكون " سورة يس 82 .. 
فجنس الإرادة قديم وأزلي بأزلية تعلقه بذات الله تعالى الـ " فعالٌ لما يريد " سورة البروج 16 ..

فهو قد خلق نوحا قبل إبراهيم قبل موسى قبل عيسى قبل محمد صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ..
وقد خلق الماء وخلق العرش والكرسي والسماوات والأرض ... وهكذا في تراتيب معروفة ..
وقد خلق عالمنا وما قبله وما بعده مما لا نعرفه ..
ولو صح قولهم - وأخذنا خلق عالمنا فقط كمثال وكأن الله تعالى لم يخلق غيره كما ذهب بعضهم - لقلنا :
أنه خلق عالمنا في لا زمان !!.. وبذلك : فعالمنا سيكون موجودا مع الله تعالى في الأزل ولا يفرق بينهما شيء !
رغم أنه من صحة العقيدة إثبات صفة الأولية لله تعالى !!!,,
وهكذا حارت عقولهم ولفوا وداروا للتوفيق بين نفي الوقت النسبي عن الله : وبين وصفه بالأولية إذ نفوا الزمن النسبي عنه ! 
حتى انسحبت ضلالاتهم لنفي الكلام عن الله تعالى تارة - لتعلقه بالزمان النسبي لأنه لن يُكلم موسى في الأزل وهو لم يخلقه بعد ! فخرج منهم من قال أن القرآن مخلوق وليس كلام الله - ! وتارة نسبوا لله تعالى كلاما نفسيا في الأزل ثم يخلق مَن يسمعه بعد ذلك وقتما يريد !!! إلخ إلخ إلخ 

وأصل الخطأ هنا - كما أشرنا من قبل - : هو سوء فهمهم للأزلية التي أرادوا نقلها من باب التعقل إلى باب التصور فحاصرتهم ماديتهم ومحدودية عقولنا كبشر على تصور شيء ليس لنا به تجربة ولا اطلاع ! ونسوا أن أخبار الله تعالى الذاتية وصفاته تؤخذ على التسليم ..
فأصل معنى الصفة واحد بيننا وبينه سبحانه : ونقبل ذلك ولا ننزهه عنه كما ادعى المغالون لأنه لو في عدم وصفه به تنزيه :
لكان الأولى ألا يصف به نفسه بنفسه عز وجل !!!.. فلما غالوا فيه :
قالوا أن سمعه ليس سمعا للأصوات !!.. وأن بصره ليس رؤية للأشياء !!!.. بل وقالوا أنه ليس داخل العالم : ولا خارجه !!!..
وكل ذلك من الجهالات التي تجر بعضها بعضا للأسف .. 
ولكننا نقول أن الحياة هي الحياة والعلم هو العلم والسمع هو السمع والبصر هو البصر ولكن :
لجميع صفات الله تعالى كيفيات : لا نعلمها .. ولا نخوض فيها لعدم التقول على الله تعالى بغير علم :
ليس كمثله شيء : وهو السميع البصير " الشورى 11 ..
وإنما نلزم فيها ظاهر القرآن والسنة بغير تأويل ولا نفي وتعطيل ولا تكييف ولا تشبيه .. 
وهذا رأس مال وتاج أهل السنة والجماعة وتميزهم بين الفرق ..
وكما قيل : المُشبه يعبد صنما - والمُعطل يعبد عدما - والموحد المستسلم لله يعبد واحد مريدا فردا صمدا > 

وعلى ذلك فالصواب :
أن وجود الله تعالى هو أصل ممتد في زمن نسبي في الأزل والأبد بلا بداية ولا نهاية ..
وعلى ذلك فكلما تخيلت حدثا أو مخلوقا لله : فلن تجده إلا مسبوقا بوجود الله تعالى أو يحويه وجود الله إلى ما لا نهاية !
راجع مثال الخط المستقيم الذي يستحيل وضع أي نقطة فيه ليقابلها بداية محددة له أو نهاية فهو يحوي كل النقاط دوما >

حيث كما تطرف أناسٌ في الزمان والخلق والإرادة فإما عطلوه وإما جعلوا مخلوقاته في الأزل معه :
فهناك أيضا مَن تطرف في نفي المكان عن الله للأسف ..! - ونحن نقول أن الله تعالى لا يحده مكان ولكن : لا ننفي الجهة والفوقية عنه -
فإما جعله هو نفسه عين مخلوقاته !!!..
وإما نفوا الحد عنه - أي قالوا أنه بلا حد - فهربوا من التنزيه إلى إثبات مخالطته لمخلوقاته ! أو جعلوه داخلٌ فيها !!..
وكلها ضلالات تصب في باب العقائد الفاسدة من وحدة الوجود والحلول والاتحاد الباطلة >
ولكننا نثبت لله تعالى حدا ولكن لا يعلمه إلا الله ..
فمَن قال من علماء السنة أن الله تعالى له حد : فهو يقصد أنه غير مخالط لمخلوقاته وغير حال فيهم .. 
ومَن قال من علماء السنة أن الله تعالى ليس له حد : فهو يقصد : ليس له حد معلوم لنا .. وإنما يعلمه هو ..

>>>
ومنهم من استكثر على الله تعالى أن تصل عظمته لإحاطة بتفاصيل مخلوقات من الأزل وإلى الأبد !!!..
فكأنما استكثر قدرة الله تعالى أن تشمل كل ذلك فنقول :
بل الله تعالى عظيم في كمال العظمة من قبل أن يخلق وبعدما خلق وفي كل زمان !!!..
علمه كلي .. لا يحيط بحقيقته ولا بقدره إلا هو سبحانه .... 
بل لو أخذنا بهذه النظرة (الكفرية) التي ترمي الله تعالى بالضعف ومحدودية العلم إلخ :
لكان الأولى نفي أو تكذيب ما قاله من إحاطته التامة بكل شيء من مخلوقاته حينما قال مثلا عز من قائل :
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " الأنعام 59 ..

بل : هو لا يعلم فقط ما هو كائن .. بل ويعلم ما لم يكن لو كان : فكيف كان يكون !!!..

والحمد لله رب العالمين ...
فما كان من توفيق فمن الله تعالى وهدايته ..
وما كان من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان ..
والله المستعان ..