هل اقترب عدد الملحدين السعوديين من «المليون» ؟
------------
مقال يترجم لنا مثالاً حياً على التلاعب وعدم الدقة في الإحصائيات الإلحادية بهدف (تضخيم) حجم هذا المرض وتهويله في عيون الشباب والعوام والبسطاء وإعطاء الانطباع الوهمي على أنه ينتشر بل : وتتصدره السعودية مهد الإسلام أكثر من غيرها !!!..
المصدر الأصلي للمقال : موقع (تفكير) للدكتور خالد الدريس وفقه الله :
وأترككم مع تقدمة المقال : ثم تليها الحقائق الفاضحة لكذب وعدم مصداقية الدراسة المزعومة !
------------------------------
نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية، قبل عدة أيام تقريرًا صحفيًّا مُستندًا على دراسة إحصائية قام بها معهد (جالوب وين) الأمريكي تنص على أن عدد الملحدين في "السعودية" بلغ 5%، ووصفت هذه النتيجة بأنها الأكثر مفاجأة في ذلك التقرير.
وقد أجريت هذه الدراسة على 50 ألف شخص في 40 بلدًا للحصول على معدلات مبنية على تصنيف: "متدينون"، أو "غير متدينين"، أو "ملحدون عن قناعة"، وكانت المفاجأة التي ادّعتها الدراسة أن نسبة الملحدين السعوديين هي 5% من إجمالي عدد السكان، وهي أعلى دولة إسلامية في نسبة الملحدين بحسب الدراسة.
وبحسب آخر الإحصاءات فإن عدد المواطنين السعوديين (576ر707ر18) ثمانية عشر مليونًا، وسبعمائة وسبعة آلاف، وخمسمئة وست وسبعون نسمة، وهذا يعني أن عدد 5% يعني أن هناك (935378) تسعمئة وخمسة وثلاثون ألفًا، وثلاثمائة وثمانية وسبعين نسمة، وهذا رقم -فيما لو كان الإحصاء صحيحًا- يعني أنه من الممكن أن يصل عدد الملحدين السعوديين إلى المليون خلال سنة أو أكثر بقليل؛ نظرًا للزيادة المطّردة في عدد السكان.
بعد اطلاعي على خبر "الواشنطن بوست" حاولتُ أن أحيّد ردود أفعالي، فأنا مدرك بعمق إلى وجود مشكلة الإلحاد بين شبابنا، وسعيتُ مع أخوة أكارم إلى تفهم هذه الظاهرة، ومحاولة رصدها، والتعامل معها بما نستطيعه، ولعل "ملتقى تهافت الفكر الإلحادي" الذي عُقد قبل أكثر من شهر في مدينة الرياض، الذي شرفت بالمساهمة في عقده، والمشاركة فيه بدورة "حصار الشك"، كان اعترافًا صريحًا بوجود هذه المشكلة، والتعريف بها، لكن ساورتني بعض الشكوك في ضخامة الرقم، لاسيما وأني أعرف حرص بعض "منظري الإلحاد ودعاته" على التلاعب في الأرقام، ومحاولة تسويق الفكر الإلحادي تحت غطاء من الخداع الإحصائي، والمغالطات المنطقية المتعددة، فاستشرتُ أخًا فاضلًا يدير صفحة "هداية الملحدين" في تويتر، فطلب مني أن أمهله بعض الوقت ليدرس التقرير، ثم تكرّم مشكورًا وهو المتخصص في "الأدب الإنجليزي" بإعداد دراسة موجزة حول التقرير الأصلي لمعهد "جالوب وين"، وليس لخبر "الواشنطن بوست"، وقد استفدت جدًّا من دراسته في إعداد هذه المقال.
في عالم التفكير الموضوعي يجب على الباحث أن يُقلل قدر الإمكان من تحيّزاته وميوله الشخصية، ولذا كان نقدي لهذه الدراسة قائمًا على أدوات نقدية موضوعية تنقسم إلى قسمين:
أولًا: نقد مضمون الدراسة (وهو المسمّى عندنا في علوم الحديث بنقد المتن، وفي الدراسات المنهجية المعاصرة يُسمّى بالنقد الباطني للوثيقة).
ثانيًا: نقد إجراءات الدراسة (وهو ما يُشبه عندنا في علوم الحديث بنقد الإسناد، أي فحص عدة أمور مهمة تتعلق بأهلية القائم بنقل المعلومة وكيفية حصوله عليها، وهذا النوع من النقد يُسمّى في الدراسات المنهجية المعاصرة بالنقد الشكلي للوثيقة).
تناقضات الدراسة :
في دراسة معهد "جالوب وين" المذكورة نجد تناقضات مصادمة للواقع بشكل سافر، فهذه الدراسة تنص على أن عدد الملحدين السعوديين 5%، ولكنها في الوقت نفسه تنص على أن دراستها انتهت إلى أن عدد الملحدين في تونس مثلا يساوي "صفرًا"، وهذا مثير للدهشة، لا سيما مع معرفتنا الشخصية بواقع تونس وجامعاتها، وسياسة العلمنة الشرسة التي مورست على ذلك القطر العزيز على قلوبنا جميعًا على مدى عقود من الزمن، بل ما نرصده قبل الثورة التونسية وبعدها من كتابات بعض مفكري تونس وإعلامييها من توجهات لا دينية صريحة، لا تُمانع من تهيئة المناخ لأي توجهات إلحادية صريحة.
بل إن الدراسة تنص أيضًا على أن نسبة الملحدين في ماليزيا تساوي صفرًا سنة 2012م، ونحن نعلم يقينًا بوجود نشاط إلحادي على شبكة المعلومات لبعض الماليزيين، خاصة إذا استذكرنا معلومة مهمة وهي أن جزءًا رئيسًا من مكونات الشعب الماليزي هم من الصينيين الذي تحدثت الدراسة نفسها على أنهم أكثر شعوب العالم إلحادًا، والمدهش في الأمر حقًا أن الدراسة نفسها تقول: إن عدد ملحدي ماليزيا كان 4% سنة 2005، ولكن يا للغرابة اختفى كل أولئك الملاحدة من ماليزيا، وأصبح الإلحاد فيها سنة 2011 يساوي الصفر!
هل يُعقل أن يحصل هذا التغيّر المفاجئ في عدد الملاحدة، وبهذه السرعة في ظرف ست سنوات؟
كيف يقبل العقل أن يختفي الإلحاد بشكل كامل عن بلد مكون من أطياف قومية عدة وديانات مختلفة؟
ولا تقدم الدراسة أي تبرير لهذه الطفرة الإيمانية -إن صح التعبير- في ماليزيا.
وممّا يزيد الأمر شكًا في دقة معلومات الدراسة أن "فيتنام" هي أيضًا دولة صفرية في عدد الملاحدة! مع كون أكثر من شطر الشعب عاش تحت مبادئ الشيوعية الملحدة على مدى عقود، إن هذه التناقضات المنطقية المصادمة للواقع المعروف عن هذه الدول يلقي بظلال من الشك العميق على هذه النتائج العجيبة!
ومن طريف التناقضات أن من قاموا بترجمة الخبر وبثه في عدد من المواقع، وأظنه نشر أولًا من موقع إذاعة هولندا "هنا امستردام" ذكروا أن نسبة الإلحاد في السعودية 6% بزيادة واحد في المئة عمّا نص عليه التقرير الأصلي المطول والمنشور في أكثر من 40 صفحة، كما هو على موقع المعهد نفسه، وهنا يحق لنا أن نتأكد من حجم غرام الملاحدة بتضخيم عددهم وحرصهم المثير للشفقة على بيان أن المستقبل لهم!
وهكذا نجد أن الدراسة تقول: إن نسبة الملحدين صفر في المئة في كل من تونس وأذربيجان والعراق وماليزيا وغانا وأفغانستان وفيتنام، ولكن في السعودية فهي 5% كأعلى نسبة ملحدين في البلدان الإسلامية على الإطلاق.
إن هذه المقارنات بين النسب تستدعي من الشخص أن يسأل بقوة عن مدى مصداقية القائمين بالدراسة، وهذا ما تولاه مشكورًا أخي الكريم صاحب صفحة هداية الملحدين، وإليكم هذه الاحصائيات :
----------------------------------
حول دراسة اتحاد غالوب/وين عن الإلحاد
هل فعلا نسبة الملحدين في السعودية هي 5%؟
نبذة عن الدراسة:
ما أثار الضجة هو هذا المقال الذي نشر في جريدة واشنطن بوست حول الدراسة التي أجراها اتحاد غالوب/وين على 50 ألف شخص في 40 بلدا عن تصنيفهم: "متدينون" أو "غير متدينين" أو "ملحدون عن قناعة". وبغض النظر عن نتائج الدراسة، فإن ما يهمنا هو ما يتعلق بنسبة الملحدين عن قناعة في المملكة العربية السعودية، حيث ادعت الدراسة أن نسبتهم هي 5% من السكان السعوديين، وهي أعلى دولة إسلامية في نسبة الملحدين بحسب الدراسة.
نبذة عن غالوب:
جمعية غالوب العالمية (Gallup International Association) والشبكة العالمية المستقلة (The Worldwide Independent Network)، وتسمى اختصارا WIN، يمثلان اتحادا يهتم بأبحاث السوق عبر العالم وإجراء الاستفتاءات والإحصائيات التي تتعلق بالأسواق بشكل أساسي.
ويتعامل هذا الاتحاد مع مؤسسات إحصائية في مختلف بلدان العالم؛ فتكون هذه المؤسسة في بلد معين بمثابة مندوب للاتحاد في ذلك البلد، ويتم التعامل معها عبر أحد موظفيها لإعداد البيانات المطلوبة وما يتعلق بها من إجراءات سواء كانت عن طريق المقابلات أو جمع المعلومات أو الاتصال.
ما هي المؤسسة التي تمثل اتحاد غالوب في المملكة؟
اتحاد غالوب/وين يدّعي أن له في كل بلد مؤسسة إحصائية، فما هي المؤسسة السعودية التي تقدم له البيانات عن المملكة؟ إنها مؤسسة بارك (PARC):
وعند البحث عن مؤسسة بارك وجدنا عدة ملاحظات:
- المؤسسة ليست مختصة بالسعودية، بل إن مقرها هو دبي.
- الموقع الإلكتروني للمؤسسة هزيل، وكما يتضح فهي لا تملك اسم نطاق مستقل للموقع وإنما موقعها ملحق لشركة استضافة هندية هزيلة هي الأخرى، وترتيبها أكثر من 1.900.000 حسب إحصائيات أليكسا.
- موقع المؤسسة بالإنجليزية ولا توجد به أية صفحات عربية (حاليا).
- المؤسسة تعتمد على الإبهار والتضخيم، وهذا مثال بسيط من عرض البوربوينت عن نشاطاتها وأعمالها (PARC - Profile)، ففي الصفحة 48 منه تتحدث عن غرف وأنظمة المراقبة لمتابعة وسائل الإعلام العربية وتستشهد بصور على أنها من داخل المؤسسة:
تبدو الصورة المستخدمة وكأنها غرفة مراقبة خاصة بالمؤسسة.. ولكنها موجودة هنا في موقع بيع الصور!
من هو الموظف الذي قام بجمع البيانات؟
اتحاد غالوب/وين يتعامل مع هذه المؤسسة عبر أحد موظفيها، والموظف هو الشخص المسئول عن جمع البيانات ومعالجتها وإرسالها للاتحاد، ممثلا عن المؤسسة، لكي يستفاد منها في الدراسة.. فمن هو ذلك الموظف؟
نستطيع أن نعرفه من خلال الصفحة 23 من الدراسة نفسها، وهنا رابط الدراسة من موقع الاتحاد على هيئة pdf، يمكن إنزالها وتصفحها.
هذا الموظف اسمه (محمد عايد), وهذه صورته:
توجد معلومات عنه من خلال ملفه الشخصي في موقع لنك.. (لا يمكنك الدخول إلا بعد التسجيل في الموقع)
كما يتضح من حسابه فهو خريج الأكاديمية الحديثة بالمعادي في القاهرة.
و يعمل الآن في شركة براند ليدرز التونسية منذ ستة أشهر (تم تصوير صفحته الشخصية تلافيا لأي تعديل في المعلومات).
لكن لاحظ المفاجأة.. لقد ترك العمل في مؤسسة بارك منذ مايو عام 2011 كما يقول!
لنرجع إلى التاريخ الذي قام فيه بجمع البيانات ميدانيا للدراسة، وهذا موضح في الصفحة 23 من الدراسة نفسها:
لقد جمع البيانات الميدانية في شهر نوفمبر عام 2011، أي بعد أن ترك العمل في مؤسسة بارك بستة أشهر! كيف يمثل مؤسسة بارك أمام اتحاد غالوب/وين وهو لم يعد يعمل بها؟
لا أظن أنه سيقوم بعمل ميداني لمؤسسة لم يعد موظفا فيها ولا تدعمه ولا تقدم له التكاليف.. ولهذا فأمر هذه البيانات مشكوك فيه، وتواصله مع الاتحاد ممثلا للمؤسسة وهو لا يعمل بها أيضا يثير الشكوك حوله وحول جدية الدراسة.
بيانات وعينات عبثية!
في الصورة السابقة من الدراسة نلاحظ حجم العينة هو 502 شخصا.. ورغم صغر حجم العينة التي أتى بها هذا الشخص فإننا سنرى أنه يستخدم نفس العدد بالضبط في دراسة أخرى مختلفة تماما للاتحاد على هذا الرابط، الصفحة 5.
عينة البحث في السعودية لا تمثل السكان!
لاحظ أيضا في الدراسة، وكما يتضح من الصورة السابقة تحت العمود (Data weighted)، أن البيانات الخاصة بالسعودية غير موزونة، أي أن العينة لا تمثل السكان!
مقارنة بسيطة تظهر الخلل في الدراسة!
تقول الدراسة أن نسبة الملحدين صفر في المائة في كل من تونس وأذربيجان والعراق وماليزيا وغانا وأفغانستان وفيتنام.. أما في السعودية فهي 5 بالمائة! وهي أعلى نسبة ملحدين في البلدان الإسلامية على الإطلاق.. ففي ماليزيا على سبيل المثال كانت النسبة في 2005 هي 4% ثم انخفضت إلى الصفر في 2011، ولا نعلم ما الذي خفضها إلى الصفر مع أننا نجد مواقع انترنت وجمعيات نشطة خاصة بالملحدين الماليزيين مثل هذا.
خاتمة..
نحن لا نعرف شيئا عن توجهات هذا الشخص (محمد عايد)، ويظهر أنه مصري الجنسية، ولا نعلم شيئا عن أفكاره أو دوافعه من وراء هذه البيانات المزورة، ولا نعلم إن كان اختلقها عمدا لإعطاء نتائج مضللة وغير صحيحة أم أنه اختلقها من باب الإهمال والكسل عن جمعها ميدانيا.. ولكن تبقى هذه الدراسة ونتيجتها فيما يخص نسبة الإلحاد في المملكة العربية السعودية غير صحيحة للأسباب التي أوضحناها.
----------------------------------
خاص بحساب "هداية الملحدين" على تويتر..
@AtheistsGuide
----------------------------------
وسأترك التعليق على القسم الثاني من النقد الخاص بإجراءات الدراسة وفحص أهلية القائمين بها إلى الحلقة المقبلة إن شاء الله تعالى.