التسميات

الخميس، 1 نوفمبر 2012

مناظرة مختصرة بين بصير وأعمى ...
بقلم الأخ أبو القاسم المقدسي - منتدى التوحيد ..

ويليها بعض الشرح منه في آخرها ..
وقد أجاد فيها في تصوير حال محاوراتنا مع الملاحدة المعاندين المكابرين الغير طالبين للحق ..
--- 

بصير : أنا أستدل على الشمس بالنهار

أعمى حكمًا (أي يرى ولكنه يضع على عينيه عصابة) : أنا لا أرى ، إذن الشمس غير موجودة !
البصير : حتى استدلالك بعماك : ضدك ، لأن افتقارك في السير إلى سائس (مرجعية مبصرة ) يدل على ما أقول
الأعمى (حكما ): لا 
البصير : أفلا تشعر بالقرّ عند أفول الشمس ،وبالدفء أو الحرّ حين تتعرض لما نسميه نهارًا ؟ 
الأعمى : هذا وهم نفسي
البصير : أفلا تعلم كيف يسقط المطر بفعل تبخير الشمس لمياه البحر ؟
الأعمى : مصادفة
البصير : أفلم تقنع باتفاق الناس على وجودها 
الأعمى : هناك السوفسطائيون لا يؤمنون بها ..
البصير : أما لك عين ؟
الأعمى : بلى ، ولكن عيني لا ترى ما رأت عينك
البصير : فماذا ترى عينك ؟
الأعمى : ترى الظلام الحالك
البصير : الظلام =غياب الضياء ،والسواد لا يعرف إلا بضده .. إذًا : أنت لا ترى شيئا ..
--------------------------
هذه المناظرة لعلها تختصر حال الموحد والملحد وبيان أن الأخير يلزمه الكفر بعقله حين كفر بربه ..وأرجو من الإخوة الأكارم أن يفطنوا لما انطوت عليه من معان وإشارات
وسأشير إلى جملة من المقاصد والدلالات التي عنيت : فتكون كالشرح المختصر بعون الله تعالى : 

------------------------
بصير : أنا أستدل على الشمس بالنهار
أعمى حكمًا (يضع على عينيه عصابة) : أنا لا أرى ، إذن الشمس غير موجودة 
الاستدلال العقلي الصحيح يقوم على مقدمات ضرورية من أنكرها ، لا يمكنه أن يثبت أي شيء في الوجود ، وهذه المقدمات الضرورية هي ذاتها لا يتكلف إثباتها ولا يمكن ، ومستند التسليم الضروري بها مصدره مرجعية الحق المطلقة المركوزة في النفوس من الله تعالى ، البصير مثل الموحد استدل بمقدمة ضرورية وهي أن كل أثر لابد له من مؤثر ..وكان الملحد أعمى حُكمًا لا حقيقة لأنه تنكب الاعتراف بالضروري بإنكاره إياه وهذا هو معنى وضعه العصابة على عينيه ، ولم أجعله أعمى حقيقة ، للإشارة لمعنى المكابرة حال إنكاره ..فنفيه رؤية الأثر : نفيٌ تلبيسي لا حقيقي مراده منه الفرار من ارتباط الأثر بالمؤثر ..فقال مثلا :أنا لا أرى عناية ولا إبداعا ولا تصميما ..إلخ 
البصير : حتى استدلالك بعماك : ضدك ، لأن افتقارك في السير إلى سائس (مرجعية مبصرة ) يدل على ما أقول
الأعمى (حكما ): لا 
وكانت المفاجأة هنا ، أنه لما تنكر للأثر من أصله وزعم أنه لا يراه على حد قول قوم شعيب-عليه السلام- "ما نفقه كثيرا مما تقول " ، وقع في حفرة لم تكن في الحسبان ، وذلك أنه لما أراد قطع الطريق على الموحد بنفي الرؤية ، كان جوابه : سلمنا أنك لا ترى على الحقيقة لا مكابرة ، فنفس انتفاء الرؤية التي تتلبس بها الآن : هو دليل على ضياء الشمس أو على الشمس ، لأنك مفتقر في المسير إلى مُعين خارجي يتصف بأنه يرى ..ودون الاستعانة بهذه المرجعية ، لا يمكنك التفريق بين الحق والباطل ..أو النور والظلام ، لأنك حال وضعك العصابة إنما ترى الظلام ..فانتفت ملكة الفرقان بينهما ، والافتقار إلى المرجعية في السير ، دليل قاطع على وجوب أن يكون هناك مرجعية للحق مغروسة في النفس العاقلة تميز بها بين الصواب والخطأ .وهذا يشبه تفسير الملحد ملكة العقل بالمادة ، فيقال له : ولكن المادة مجالها الممكنات الفيزيائية (الطبيعية ) فقط ، والعقل مدركاته تقول :إن هناك ممكنات عقلية أوسع يدخل فيها حتى بعض المستحيلات الفيزيائية التي لا يمكن أن تقع في عالم المادة..فهذه الملكة الإدراكية لشيء خارج نطاق المادة ..يدل على المرجعية المذكورة المتعلقة بمصدر للحق مطلق ركز في النفس هذه المعرفة ..ولكن الملحد لم يحر جوابا على هذا سوى بالنفي ..و محاجّة الملحدين بدلالة العقل يتميز بإتقانها أستاذنا الألمعي الحبيب عبد الواحد..تبارك الله  
البصير : أفلا تشعر بالقرّ عند أفول الشمس ،وبالدفء أو الحرّ حين تتعرض لما نسميه نهارًا ؟
الأعمى : هذا وهم نفسي 
وهنا غير الموحد مسار الجدل حين تنكر لدلالة الأثر والمؤثر..بذكر دليل وجداني له دلالة عقلية ..وذلك أن شعوره بالحر حال الشمس ، شعور حقيقي لا يمكن إنكاره ، ووجه ارتباطه بالعقل : أنه يترتب على إهماله وقوع المفسدة ..فلو أنه لم يعتن بالدفء حال البرد لأصابه المرض مثلا ..أو يموت في البرد الشديد ..إلخ ، فكان جوابه أن هذا مجرد وهم ..ولا حقيقة له ، كما نسمعهم حين يتنكرون لدلالة الفطرة إلخ ... 
البصير : أفلا تعلم كيف يسقط المطر بفعل تبخير الشمس لمياه البحر ؟
الأعمى : مصادفة 
فعمد الموحد إلى نوع من الأدلة المثبتة علميا ،في بيان ارتباط البخر بالحر ..مفترضا أن عند الملحد ثقافة تؤهله لوعي أن المطر الذي تسقي منه الدواب والشجر ويتساقط على رأسك إنما تصاعد بفعل الشمس ثم تكثف ..ومن ثم نزل المطر ..فحتى لو عميت عن إبصار النهار أو قرص الشمس ، لقد كان يكفي أن تدرك الثمار المتحصلة ..وهذا ليس فقط من باب ربط السبب بالمسبب بالإحالة إلى معطيات العلم، بل يتضمن الإشارة إلى أن ضياء الإسلام يشتمل على أنواع الدلائل على صدقه ..فما كان جوابه إلا الإحالة إلى المصادفة العشوائية ..فجعل قانون نزول المطر وما يمر به من مراحل قانونية وما ينجم عنه من آثار خضرة الأرض إلخ ، جملة عشوائية مكرورة ..فلم يفرق بين حصول الشيء خبط عشواء ..وبين كونه مضبوطا بقانون معين يدل على قصد الواضع المخصِّص لهذه المنظومة على هذا النحو القانوني عينه ، لا غيره .. 
البصير : أفلم تقنع باتفاق الناس على وجودها
الأعمى : هناك السوفسطائيون لا يؤمنون بها .. 
نحا هنا صاحبنا إلى الاستدلال بالتواتر العقلي الجمعي ..عبر الزمان ، فرد بأن هناك طائفة تنكرت لهذه الموجودات الحسية ، فلا يكون إجماعك المنقول منضبطا ، ولكنه حين استشهد بهم سماهم سوفسطائيين على اعتبار أن من يستشهد بهم لا ينقضون في حقيقة الأمر الإجماع المدعى ، لأن الإلحاد نشأ في الغرب ، معللا بأشياء تجعل أحكامهم سفسطة ..فهو ردة فعل على وضع ديني منحرف ..والسفسطة هي التمويه : وحقيقة تمويههم : النصرانية دين ، وقد ثبت أنها مخالفة للعقل إلخ، إذن كل دين باطل ..فلم يبق إلا الإحاد ..! 
البصير : أما لك عين ؟
الأعمى : بلى ، ولكن عيني لا ترى ما رأت عينك
البصير : فماذا ترى عينك ؟
الأعمى : ترى الظلام الحالك
البصير : الظلام =غياب الضياء ،والسواد لا يعرف إلا بضده .. إذًا : أنت لا ترى شيئا .. 
أراد الموحد أن يستدل عليه بدلالة العقل الذي يتشدق باحتكاره ، فصرح الملحد في الجواب ان له عقلا ..فلما سأله عما تراه عينه ، قال :الظلام -وهو كذلك لأجل العصابة- ، وهذا بمثابة قول الملحد إنه يستند إلى العقل ، ولكن أي عقل : إنه العقل المادي البحت ، المحجوب عن مرجعية للحق تجعل لأحكامه العقلية دلالة معتبرة تستوجب القطع بالمقدمات الضرورية الأزلية التي هي خارج النطاق المادي لعدم إمكان إثباتها بأشياء تنتمي إلى ذات عالم المادة ، فكونه مادة بحتة ، يفرغ العقل من خاصته الوثوقية ويصنع تناقضا لا فكاك منه إلا بإثبات مرجعية الحق المطلقة في الله سبحانه التي تستمد منها الحاسة العقلية معاني الحق والباطل ، ويبطل إذن على كلام الملحدين أي معنى للاحتجاج أو الاستدلال ..فبهذا يكون الملحد كافرا بعقله وحجيته لزوما حين جحد وجود ربه سبحانه وتعالى ، والملحوظ أن الملحد قال في بدء المناظرة إنه لا يرى شيئا ، فلما وقع في المعضلة قال : ترى الظلام ..لبيان مراوغتهم وتناقضهم، وعلى كل حال : يكون الجواب قاصما لحجته مبطلا لها