التسميات

السبت، 23 مارس 2013

نظرات في رحمة الله عز وجل ...
((الفرق بين الرحمة والشفقة))

بسم الله الرحمن الرحيم ...
الإخوة الكرام ...
كثرت الأسئلة عن التعارضات الموهومة بين ما يراه المسلمون من مصائب في الأرض ومن عذاب يقع بالمؤمنين إلخ :
وبين مقتضى اسم الله تعالى الرحمن ووصفه ...

فيسألون 
أين الله من مجاعة الصومال ؟؟.. أين الله من المسلمين المعذبين في الأرض : في بورما وسوريا وفلسطين وفي شتى أماكن العالم : حيث يقتلون شر قتلة : ويذوقون شتى أنواع العذاب ؟؟..
أين الله من حيوان يموت في الغابة : تقع عليه شجرة فتقتله بغير ذنب ؟؟.. لماذا لا يرحمه الله ولا يرأف به فلا يقع له ذلك : أو يموت بطريقة ليس فيها عذابٌ ولا ألم ؟؟..
أين الله من الكفار المتنعمين في الدنيا في حين المسلمين فقراء ؟؟؟..
أين الله من صورة الطفلة التي تقوقعت على أنفسها تنتظر الموت : والنسر من ورائها ينتظر ؟؟..

أين الله ؟؟..
أين رحمة الله ؟؟؟..


وهكذا تتوالى الأسئلة : ويجدها الشيطان مرتعا لوسوساته للطعن في الدين وفي الله عز وجل ..
ويجدها شياطين الإنس الملاحدة مادة ًدسمة ًلنفس الغرض ...
حيث يعملون جاهدين على دفع عوام المسلمين ومرهفي الحس إلى نوع من الإلحاد ((العاطفي)) : بنفس الإصرار على دفعهم إلى الإلحاد ((العلمي)) !!!..

فيصير الأمر كابوسا مزعجا حبيس عقول بعض المسلمين الذين يتعرضون له : ويكون لهم رقة وشفقة من جهة : وجهل بحقيقة صفات الله تعالى من جهة أخرى : فيقع المحذور للأسف بعد زمن طال أو قصر - وخصوصا إذا فقدوا فقه التسليم فيما يُجهل حكمته - : وخصوصا أيضا لدى الذين يصابون بمرض القسوة على النفس بإرغامها على مشاهدة مستبشع الصور والفيديوهات والأخبار على مدى الأوقات !!!..
والله المستعان ..

فرأيت أن أجمع مادة هذا الموضوع لهذا الغرض ...
وهو عبارة عن بعض المنقولات وبعض الإيضاحات : صغتها في شكل نظرات : 
أرجو من الله تعالى أن تفيد بعض الحيارى والحائرات ..
فما كان من صواب فهو من توفيق الله .. وما كان من خطأ : فمني وجهلي والشيطان ..
والله يجبر الزلل ...
والإخوة ينصحون ويصححون ...
والله تعالى من وراء القصد ...
---------

1))
أسماء الله الحسنى : هي أسماء وصفات ذاتية في نفس الوقت .. 


وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله :
إن أسماء الرب تعالى : هي أسماء ونعوت (النعت هو الصفة) .. فإنها دالة على صفات كماله .. فلا تنافي فيها بين العَلمية (أي كونها اسم وعَلم عليه سبحانه) والوصفية .. فالرحمن : اسمه تعالى : ووصفه .. فمِن حيث هو صفة : جرى تابعا لاسم الله .. ومِن حيث هو اسم : ورد في القرآن غير تابع .. بل ورد الاسم العَلم كقوله تعالى : " الرحمن على العرش استوى" .. انتهى كلامه ..
أقول :
ومن هنا : جوز العلماء أن تجري الصفة المنسوبة لذات الله تعالى : مجرى اسمه في الحلف أو الاستعاذة بها ..
ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : 
يا حيّ يا قيوم : برحمتك : أستغيث " .. رواه الترمذي وحسنه الألباني ..
أي : بك أستغيث .. ولا تنافي بين المعنيين ..
-------

2))
رحمة ذاتية لله تعالى .. ورحمة مخلوقة ...


فأما مثال الأولى الذاتية .. فهي كل إضافة للرحمة إلى الله تعالى : إضافة صفة إلى موصوف .. مثل الحديث السابق .. ومثل قوله عز وجل :
وربك الغفور ذو الرحمة " .. ومثل :
إن رحمت الله : قريب من المحسنين " .. ومثل :
فلولا فضل الله عليكم ورحمته : لكنتم من الخاسرين " ..

وأما الثانية المخلوقة : فهي كل إضافة للرحمة إلى الله تعالى : إضافة مفعول إلى فاعل : أو إضافة مخلوق إلى خالق مثل قوله تعالى :
ولئن أذقناه رحمة منا " .. ومثل وصفه لمطر بالرحمة :
وهو الذي يُرسل الرياح بُشرا ً: بين يدي رحمته " ..
ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم :
جعل الله الرحمة مائة جزء .. فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا .. وأنزل في الأرض جزءا واحدا .. فمن ذلك الجزء : تتراحم الخلق : حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها : خشية أن تصيبه " .. رواه البخاري ومسلم ..
وذلك لأن كلمة الرحمة المخلوقة من الله تعالى : تعني أشياء كثيرة .. مثل المطر ومثل الخير عموما الذي يصيب البشر والكائنات إلخ ..
مثل قوله تعالى :
ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة " .. أي خير يصيبه ..
--------

3))
فيما يحمله وصف الرحمة من معان ...


وسآخذ هنا اسم الرحمن كمثال ...
يقول ابن القيم رحمه الله : 
وصفات : الإحسان .. والجود .. والبر .. والحنان .. والمنة .. والرأفة .. واللطف : أخص باسم الرحمن " ..
وذلك حينما كان يتحدث عن توافق الصفات بأسماء : " الله " .. و " رب " .. و " الرحمن " ..

والرحمة التي نعرفها نحن البشر بمعناها هي :
ما يقع لنا عند مشاهدة النقص أو الحاجة في الآخرين : فنسعى أو نريد رفع ذلك عنهم .. مثل رؤية يتيم يرتجف من البرد .. أو فقير أضناه الجوع .. أو مظلوم .. 
والرحمة بهذا المعنى عندنا هي أقرب لرأفة وللرقة القلبية .. واندفاعنا وسعينا لتبديل حال الآخرين إلى الأحسن ..
--------

4))
الفرق بين الرحمن والرحيم ...


فعلى عكس المعنى الشائع : 
وهو أن (الرحمن) تشمل كل المخلوقات .. و(الرحيم) تشمل المؤمنين فقط ..
ويعضد ذلك المعنى حديث ٌموضوع وهو عن عيسى بن مريم عليه السلام أنه قال : 
الرحمن : رحمن الآخرة والدنيا .. والرحيم رحيم الآخرة " ..
فالحديث ذكره ابن جرير الطبري .. وقال ابن عدي كما في الميزان (1/153) : باطل .. وحكم ابن الجوزي بوضعه في كتابه الموضوعات (1 / 203-204) .. وأقره السيوطي في اللآلي (1/172) .. وابن عراق في تنزيه الشريعة (1/231) .. والشوكاني في الفوائد المجموعة (1374) ..

وأما الصواب الذي تميل إليه النفس .. فهو قول ابن القيم رحمه الله تعالى : 
الرحمن : دال على الصفة القائمة به سبحانه .. والرحيم : دال على تعلقها بالمرحوم ..
وإذا أردت فهم هذا .. فتأمل قوله تعالى :
 
وكان بالمؤمنين رحيما " ..!! و " إنه بهم رؤوف رحيم " ..!! 
ولم يجئ قط : رحمان بهم " !!..
---------

5))
هل يوصف الله تعالى بالشفقة ؟؟..


أقول ...
لا شك أن أصل اللبس والشبهات والوساوس عند بعض المسلمين للأسف :
هو أنهم يظنون أن وصف الرحمة في حق الله تعالى : يشمل وصف (( الشفقة )) كما عندنا !!!..
والصواب :
أن الله تعالى لو كان شفيقا ًبنا : ما مس إنسانا ًضر ٌقط !!!...
وذلك لأن الشفقة هي :
رقة بسبب النصح أو المحبة : تؤدي إلى خوف من تعرض المنصوح أو المحبوب لأي مكروه !!!!..
فهل إذا خاف الله تعالى على أحد أن يمسه مكروه : فهل كان سيمسه مكروه ؟!!!!!!!!... 

يقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر : 
وفي معرض كلامه عن الحذر من التعويل على عفو الله ونسيان عذابه ونقمته : 
والثالث : رجاء الرحمة .. فيُرى العاصي يقول : ربٌّ رحيم (أي يفعل المعصية طمعا في رحمة الله) ..!! وينسى أنه شديد العقاب !!.. ولو علم أن رحمته : ليست رقة !!!.. إذ لو كانت كذلك : لما ذُبح عصفور !!.. ولا آلم طفلا !!.. وعقابه غير مأمون !!.. فإنه شرع قطع اليد الشريفة : بسرقة خمسة قراريط " !!!..

ومن هنا ...
فإن الله تعالى قد جعل الشفقة : هي في الرحمة التي أعطاها الله تعالى للخلق ليتراحمون بها فيما بينهم .. حتى لترفع الفرس حافرها عن ولدها : خشية أن تصيبه .. 
وتعالوا معا نقرأ الحديث الذي بالأعلى مرة أخرى ...
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
جعل الله الرحمة مائة جزء .. فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا .. وأنزل في الأرض جزءا واحدا .. فمن ذلك الجزء : تتراحم الخلق .. حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها : خشية أن تصيبه " !!.. رواه البخاري ومسلم ..

فإذا كانت هذه هي الرحمة التي أنزلها الله لنا في الدنيا .. فهل تتخيلون معي مدى ما ادخره الله تعالى من رحمات للآخرة ؟؟؟..
يقول رسولنا الكريم في حديث صحيح آخر في نفس معنى الحديث السابق :
إن الله تعالى خلق الرحمة يوم خلقها : مائة رحمة .. فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة .. وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة .. فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة : لم ييأس من الجنة !!.. ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب : لم يأمن من النار " !!!.. رواه البخاري ومسلم ..

ومن هنا إخواني ...
فالله تعالى يوصف بالرحمة ولكن : من دون رقة ولا شفقة ...
وذلك لأن الرقة والشفقة تنافيان الحكمة من ابتلاء الإنسان أصلا !!!!!...
لأنه كيف سيقع ظلم الظالم على المظلوم : إذا أشفق الله على المظلوم ؟؟؟..
وكيف سيقع القتل والسرقة والزنا والخيانة والكذب والكفر إلخ إلخ إلخ ..
فهذا كله مناف لإرادة الله تعالى الكونية في إظهار شر الأشرار وأباطيلهم وكفرهم ..
فلله تعالى إرادتان :
>> إرادة كونية : 
وهي التي يسمح فيها بوقوع المعاصي والشرور في كونه وتحت علمه سبحانه : لغرض الابتلاء وإقامة الحجج على أصحابها لمؤاخذتهم بها ..

>> وإرادة شرعية :
وهي التي لا يرضى فيها إلا بالخير وما أمر به وما نهى عنه .. 

فأمره بالصلاة : هو من إرادته الشرعية التي يريدها ..
وأما عدم صلاة الكفار والعاصين إلخ : فهي من إرادته الكونية التي يسمح فيها بظهور مثل ذلك ..

إذا ً: وبالعودة لشتى أشكال المصائب والبلايا والمنافية لصفة (( الشفقة )) في عالمنا :
فلا ضير عند الله تعالى من وقوع كل ذلك : طالما كان عاقبته في النهاية للمؤمن حُسنا !!..
ألا وهو : حسن الجزاء والثواب الدائم عند الله عز وجل !!!..
إذ :
وماذا يساوي كل ألم الدنيا وبشاعة الموت : إذا ما قورن بالنعيم الأبدي الذي أعده الله تعالى للمبتلين وغيرهم من المؤمنين ؟؟!!..
وكما قيل : 
عظم الجزاء : مع عظم البلاء " !!!..

وتعالوا لنضرب مثالا سهلا لشرح الأمر بصورة أوضح : والفرق بين الرحمة والشفقة ..

فالأم مثلا ًعندما يمرض ابنها وتأخذه إلى الطبيب ويقول أنه يحتاج لبتر قدمه لكي ينجو ويعيش :
فإذا أخذتها بابنها الشفقة : فلن توافق على بتر قدمه أصلا !!!!..
وإذا أخذتها بابنها الرحمة : فستوافق على بتر قدمه : لمصلحته المنتظرة بعد ذلك ...

وهكذا ...

ولهذا كله : نجد أن الله تعالى قد وصف نفسه في قرآنه بالرحمة وباللطف وبالرأفة - والرأفة قريبة من مفهوم الشفقة : وهي أشد الرحمة - :
إذ كل هذه الصفات منه لنا سبحانه : لا تنافي وقوع الضر على الإنسان ولكن : منها ما يأتي قبل الضر أو أثنائه أو بعده ..

يقول الجرجاني : " الشفقة : هي صرف الهمَّة إلى إزالة المكروه عن النَّاس " ..
ويقول الرَّاغب : " الإشْفَاق : عناية مختلطة بخوف " ..
ولذلك يفرق ابن القيم تفريقا دقيقا بين الشفقة والرأفة فيقول :
الإشْفَاق : رِقَّة الخوف .. وهو خوف برحمة من الخائف لمَن يُخاف عليه - أقول : ومن هنا لم يجز أن تنسب الشفقة لله تعالى لأنها لا شيء يخيفه أصلا ً!!! - فنسبته (أي الإشفاق) إلى الخوف : نسبة الرَّأفة إلى الرَّحمة .. فإنَّها ألطف الرَّحمة وأرقُّها " ..

لذا يصف الله تعالى نفسه بالرأفة في القرآن في مواضع : ولكنه لا يصف نفسه بالشفقة عز وجل !!!..
فقد يرأف الله تعالى بإنسان ما فيصرف عنه سوءا ًقبل أن يصله ..
ولكنه لن يعامله بالشفقة : فيصرف عنه (( كل سوء )) ممكن أن يصله هكذا بإطلاق !!!...
وإنما يكله إلى تصاريف حكمته وتقديره في خلقه عز وجل ..

بل ولو تتبعنا مشتقات الشفقة في القرآن : لوجدناها - وكما أخبرتكم - : تحول دون وقوع الضر أصلا ًوابتداء ً!!!..
يقول عز وجل :

وَوُضع الكتاب .. فترى المجرمين : مشفقين مما فيه " ..
أي : يخافون أن يروه أصلا ً!!!.. 
فمجرد فتح كتابهم وعرضه : يخافون مما فيه لأنهم يعرفون ما أسلفوه في الدنيا .. ومثله :
ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا : وهو واقع بهم !!.. والذين آمنوا وعملوا الصالحات : في روضات الجنات .. لهم ما يشاؤون عند ربهم : ذلك هو الفضل الكبير " !!..

وقالوا اتخذ الرحمن ولدا !!.. سبحانه !!.. بل عباد مكرمون .. لا يسبقونه بالقول : وهم بأمره يعملون .. يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم : ولا يشفعون إلا لمَن ارتضى .. وهم من خشيته مشفقون " ..
لا يفكرون في التعرض لغضبه أصلا ًسبحانه وما يسببه من خشية لديهم ..
ولذلك وصف الله تعالى العلماء الحق بأنهم هم الذين يخشون الله " إنما يخشى الله َمن عباده : العلماء ُ" .. ومثله :
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون " ..ومثله ويوضحه :
والذين هم من عذاب ربهم مشفقون " ..
أي خائفون وجلون من عذاب الله تعالى المستحق للخشية منه ..

الذين يخشون ربهم بالغيب : وهم من الساعة مشفقون " ..
أي لا يرجون أن تقوم عليهم الساعة أصلا ًولا أهوالها لما يعرفون منها .. ومثله :
يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها !!.. والذين آمنوا مشفقون منها !!.. ويعلمون أنها الحق !!.. ألا إن الذين يمارون في الساعة : لفي ضلال بعيد " !!.. 

ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون ** وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ** قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين " ..

أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ؟!!.. فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم : فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله : والله خبير بما تعملون " ..

وهنا تتبقى لنا آية أخيرة عن الشفقة : 
وهي من الأهمية بمكان ليتم إرادها بنقطة منفصلة للحديث عنها ..
---------

6))
لماذا حمل الإنسان الأمانة وتقبل العذاب أو النعيم ؟؟..


لعل واحدة من أكثر الشبهات التي يثيرها الملاحدة (( نظريا ً)) وبسفسطة فارغة هي قولهم :
لماذا خلقني الله تعالى ووضعني في اختبار الدنيا والكفر والإيمان ؟؟؟!!..
لو كان أخذ رأيي : ما كنت لأقبل بهذه المغامرة التي عاقبتها إن فشلت : عذابا ًأبديا ًمهينا ًأليما ً؟!!..
ثم يسأل في استنكار :
أليس هذا ظلم من الله تعالى أن يُشركني في شيء لم يؤخذ رأيي فيه ؟!!..

أقول ...
أولا ًالله تعالى هو خالقنا عز وجل .. وله أن يفعل فينا ما يشاء .. يقول عن نفسه سبحانه :
لا يُسأل عما يفعل : وهم يُسألون " ..
وذلك لأنه لا يفعل ولا يقضي ولا يُقدِّر إلا الحق ..

ورغم ذلك ..
فتعالوا معا ًنستعرض هذه الشبهة من وجهة نظر شرعية لنرى : هل للكفار فيها حُجة بالفعل ؟!..

>>>
باديء ذي بدء .. يُفترض في الكافر أنه قد صدق ما جاء في القرآن من ثواب وعقاب : وبناء عليه أثار شبهته ..
حسنا ً.. فليأخذ مع ذلك ما جاء في القرآن أيضا ًمن (( صِدق )) الله تعالى في كل ما يقول ويُخبر :
ومَن أصدق من الله حديثا " ؟!!..
ومَن أصدق من الله قيلا " ؟!!!..

>>>
الله تعالى الصادق الحق يقول جل في علاه :
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال .. فأبين (أي رفضن) أن يحملنها .. وأشفقن منها (خافوا من مجرد الموافقة على حملها وتحمل تبعاتها من ثواب أو عقاب) : وحملها الإنسان (أي باختياره وطمعه في عظيم الثواب وخلوده في مقابل حتى قليل الإيمان) !!!.. إنه كان ظلوما جهولا (ظلوما لنفسه إذ غامر بتحمل تبعات الكفر إذا وقع منه وأصر عليه !!!.. جهولا بحقيقة نفسه ووزن ما حمله من أمانة عظيمة في الكفر والإيمان والطاعة والمعصية) !!!.. ليُعذب الله المنافقين والمنافقات .. والمشركين والمشركات .. ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات : وكان الله غفورا رحيما " ..

ولذلك :
كان الإيمان الحق دوما : مقرونا منا بطلب العون من الله تعالى والهداية !!!..
وليس مكتسبا من قدرات الإنسان بمفرده بعيدا عن توفيق الله تعالى له !!..
اهدنا الصراط المستقيم " ..

بل :
والله تعالى في عالم الذر - وقبل أن يُخرج أحدنا إلى الدنيا لإقامة الحجة على ما في نفوسنا ويعلمه - :
قد أشهدنا على أنفسنا بربوبيته - وهي ما نسميه بالفطرة والضمير الإيماني في كل بشر - !!..
يقول عز وجل :
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم : وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟!!.. قالوا بلى .. شهدنا ..! أن تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين " !!..

وهو دليل الفطرة على التوحيد والإيمان ... فكل مولود يولد على الفطرة .. فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه - أو غير ذلك من ملل الكفر قياسا - : وكما جاء في الحديث الصحيح المعروف ..

بل وزد على ذلك : فقد ألهم كل نفس تقواها : وعكس ذلك أيضا ً!!.. يقول سبحانه :
ونفس ٍوما سواها : فألهمها فجورها وتقواها !!.. قد أفلح مَن زكاها : وقد خاب مَن دساها " !!..

والسؤال الآن إلى كل كافر معاند جاحد :
لماذا لم تف ِأنت بشهادتك لله تعالى ونداء فطرتك الإيمانية الذي بداخلك ؟!!!..
لماذا عجزت عن تحمل الأمانة التي قبلتها أول مرة بشهادة الله عز وجل والسماوات والأرض والجبال عليك ؟!!..
هل أعجزتك كلمة : أشهد أن لا إله إلا الله :
ثم الإسلام لرسوله الذي أرسله إليك لتعبده وتطيعه بما فيه الخير لنفسك ولغيرك ؟!!..

ما أهونه من مطلوب على مَن استحقه ويسره الله تعالى عليه ..
وما أثقله على القاسية قلوبهم !!.. والذين يتلذذون بالكفر والجحود والنكران والتحرر من كل قيد !!!.. 
---------

7))
والخلاصة : لماذا يسمح الله تعالى بوقوع هذه المصائب الوحشية في دنيانا ؟؟..


والجواب :
لأنها توافق إرادة الله تعالى ومشيئته في إظهار ((( وحشية ))) مَن ارتكبها أو تسبب فيها !!!..
وفي نظري الخاص :
هي من أفضل الأمثلة على استحقاق الكافرين والظالمين النار !!!..
إذ كلما تعاظمت بشاعة المصيبة في عينيك من صاحبها الذي لم يتب منها ولم يُصلح :
كان ذلك منك اعترافا بعدل الله تعالى إذا جعل مثواه النار خالدا مخلدا فيها مهانا !!!!..

ومثله مثل الكافر الذي بلغته رسالة التوحيد والإسلام فرفضها أو آمن بالرب فقط ولم يؤمن بالإله المستحق للعبادة والطاعة - مثل مشركي قريش ! كانوا يعرفون الله وأنه هو خالقهم ولكن : كانوا يشركون معه الأصنام والأوثان - !!!..

ولو كان الله تعالى شفيقا ً: ما وقع كل ذلك أصلا ولا الابتلاء نفسه ولا الثواب ولا العقاب !!..

الأمر في تصريفه أشبه بالمثال التالي - ولله المثل الأعلى - :
مجرم .. أرادت الشرطة أن تمسك به ((( متلبسا ً))) بجريمة الضرب للناس ..
حيث لا يكفي إثبات (( نيته )) في الضرب !!.. وذلك لإكمال الحجة عليه لعقابه ..
فتتركه يشرع في ضرب أحد الناس بالاتفاق معه - أو تخلي بينه وبينه بالفعل حتى يضربه - :
مع وعد ذلك المضروب المضحي بنفسه بالألم : بحسن الثواب والعلاج وبكل ما يريد :
وبما ينسيه أصلا ما حدث !!!..

وذلك كله من الله تعالى : لأنه (( عدل )) سبحانه .. لا يقبل أن يتهمه الكافر بالظلم إذا أدخله النار بمجرد العلم ومن غير دليل ولا ذنب فعله ..! فهو رغم أنه لا يبلغ الكافر ضرره فيضره : ولا له أن يسأله أصلا وحاشاه سبحانه : إلا أن ذلك هو من كمال وصف العدل فيه سبحانه !!..
ومن ذلك إرساله الرسل للناس : 
رسلا مبشرين ومنذرين : لئلا يكون للناس على الله حُجة بعد الرسل !!.. وكان الله عزيزا حكيما " ..!

فسبحانك إلهي ما أعدلك ..!

وهذا ما نلاحظه في كثير من قصص المسلمين أو المؤمنين بالله تعالى وعذابهم في شتى العصور !!.. كان منهم مَن يصبر على الأذى والألم ويرفض التفوه بكلمة الكفر : ولو شقوا جسمه أو نشروه بمنشار أو قطعوه إربا إربا أو سلخوا جلده عن عظمه أو حرقوه !!..
ولا تسأل هنا عن الصبر : فإنما صبرهم مَن باعوا أنفسهم له سبحانه !!..
وإلى اليوم وما زالت كل تلك المشاهد والمواقف كما هي لم تتغير !!!..

فرغم ما نراه من إصابات بالغة مثلا في الشهداء في سبيل الله في المعارك وغيره ..
إلا أننا نقرأ أن كل ذلك الألم : لم يساوي لهم شيئا بعد الموت !!!!.. بل :
وإنهم ليتمنون العودة فيُقتلون في سبيل الله مرات أخرى مما يرون من عظيم كرامتهم عند الله تعالى !

يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
ما أحد يدخل الجنة : يُحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء : إلا الشهيد !!!!.. يتمنى أن يرجع إلى الدنيا : فيُقتل عشر مرات : لما يرى من الكرامة " !!!..

فهذا أحد جوانب المعادلة لكي يستقيم الميزان عند الناظرين بعين الدنيا فقط إلى الأمور !!!..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندي صادق بأبي هو وأمي !!!..
وهذا أنس بن النضر : أحد الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه !!.. والذي قال فيه وأمثاله النبي :
إن من عباد الله مَن لو أقسم على الله : لأبرّه " !!.. 
وذلك في الحديث الصحيح الشهير في أخته الرُبيِّع رضي الله عنهما ..
هو الذي جاء في الحديث الصحيح عنه لما فاتته غزوة بدر : فعاهد الله تعالى أن يرى منه ما يصنع : فجاءته غزوة أحد فقال لصاحبه : 
" يا أبا عمر : واهاً لريح الجنة !!.. إني أراها دون أُحد !!!.. فقاتل حتى قُتل .. فلما قُتل : وجدوا به ثمانين ضربة !!.. ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسيف : حتى ما عرفته أخته الرُّبَيَّع إلا ببنانه " !!!..

فلا والله : لن نكون أرحم على عباد الله المؤمنين من ربنا عز وجل :
فلا يجمع عليهم كربين في الدنيا والآخرة !!!..
وما هي الدنيا في الآخرة أصلا ً؟!!!.. فعجبا ًوالله لفوزهم : وحزننا عليهم !!!!..

فقد أخرج الترمذي عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً للنبي قوله : 
يود الناس يوم القيامة أن جلود كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا : لما يرون من ثواب أهل البلاء " !!..
والحديث بروايات أكثر وضوحا وحسنها الألباني :
ليودن أهل العافية يوم القيامة : أن جلودهم قرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب أهل البلاء " !!...
يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب : لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض " !!..

وتأملوا معي الحديث التالي يوم عذاب المسلمين في مكة قبل الهجرة .. حيث يقول فيه خباب رضي الله عنه : 
أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بُردة في ظل الكعبة .. فشكونا إليه .. فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟؟.. ألا تدعو الله لنا ؟؟.. فجلس مُحمرا وجهه فقال : قد كان مَن قبلكم : يؤخذ الرجل : فيُحفر له في الأرض .. ثم يؤتى بالمنشار : فيُجعل على رأسه : فيُجعل فرقتين : ما يصرفه ذلك عن دينه !!!.. ويُمشط بأمشاط الحديد : ما دون عظمه من لحم وعصب : ما يصرفه ذلك عن دينه !!!.. والله : ليتمن الله هذا الأمر : حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت : ما يخاف إلا الله تعالى : والذئب على غنمه !!.. ولكنكم تعجلون " !!..
رواه أبو داود وصححه الألباني ..

وقد شهدنا عبر التاريخ والله وإلى اليوم كل ذلك يا رسول الله ..!
اللهم ثبتنا على الإيمان بك حتى نلقاك ..
وللذين يحسبون الله تعالى عاجز ٌعن نصرة عباده المؤمنين في الحروب والمعارك يقول عز وجل :
ذلك : ولو يشاء الله : لانتصر منهم (أي من الكافرين من غير أن يكبد المسلمين والمؤمنين به أي عناء) !!.. ولكن : ليبلو بعضكم ببعض !!.. والذين قتلوا في سبيل الله : فلن يضل أعمالهم : سيهديهم ويُصلح بالهم .. ويُدخلهم الجنة : عرفها لهم .. يا أيها الذين آمنوا : إن تنصروا الله : ينصركم .. ويُثبت أقدامكم .. والذين كفروا : فتعسا لهم : وأضل أعمالهم .. ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله : فأحبط أعمالهم " !!..

فسبحان الله العظيم ..
---------

8))
وأخيرا : هل المصائب التي تقع : هي من الله تعالى ؟؟..


أقول : هي منه تقديرا وسماحا بالوقوع - وكما شرحت في الإرادة الكونية - ..
وإنما هي من الكفار والأشرار والظالمين اكتسابا ًواختيارا !!!!.. 
يقول عز وجل :
ظهر الفساد في البر والبحر : بما كسبت أيدي الناس !!.. ليذيقهم بعض الذي عملوا : لعلهم يرجعون " !!..

فهل الشر والفساد فعلا ًهو من الله تعالى حتى يرمي كل جاهل باللائمة عليه ؟!!..

عن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال :
مستريح .. ومستراح منه !!.. قالوا : يا رسول الله .. ما المستريح ؟؟.. والمستراح منه ؟؟.. فقال : العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا (لأن المؤمن والكافر كلاهما مبتلى : ولكن المؤمن يحتسب فيؤجر على احتسابه : والكافر لا .. فالدنيا سجن للمؤمن لأن ما بعدها خير له .. وهي جنة الكافر قياسا بما سيلاقيه بعدها والعياذ بالله) .. والعبد الفاجر (وهنا الشاهد من الحديث) : يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب " !!.. حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه ..

إذا ً:
ما يحدث من مصائب في أعيننا ( لا فاعل لها ) سواء في خبايا الغابات أو في أسماك المحيطات وغيرها : هي من ظلم الظالمين وكفر الكافرين !!.. 
يقول أبو هريرة رضي الله عنه : " الحبارى لتموت في وكرها هزلا لظلم الظالم " !!.. رواه الترمذي ..

ولعل من أغرب المواقف التي تعبر عن جمود قلب البشر : هي الصورة التي التقطها المصور الشهير كيفين كارتر Kevin Carter عام 1993م : وهي لطفلة سودانية أيام المجاعة هناك والتي حصل بها على جائزة بولتزر لعام 1994م .. وكانت هذه الطفلة المتكومة على نفسها - ويتم نسبتها خطأ لمجاعة الصومال - : كانت تريد الذهاب إلى مركز للتغذية قريب .. فلم تستطع بسبب ضعف الجوع .. فجلست في انتظار الموت : وكان النسر من ورائها يقترب شيئا فشيئا !!..
الغريب كما قلت لكم : هو أن ذلك المصور وبعد أن التقط صورته : مضى لحال سبيله وتركها !!!!..
وهو ما عرضه لحملات تشهير ولوم كثيرة ضده : حتى انتحر بعد حصوله على الجائزة بثلاثة شهور !!..
فهل هو أشد قسوة ؟؟.. 
أم مَن تسبب في مثل هذا الجدب والخراب لبلاد الصومال التي كانت في يوم من الأيام جنة في أرض الله من جمال الطبيعة والغنى والثمار : فتكالبتها أيدي الأعداء من يهود وأمريكان وباقي شلة الكفر الأوروبية ؟!!..

بل الأمم تجني على نفسها بنفسها : بابتعادها عن ربها عز وجل !!!... 
ونعم : السماء والأرض وما فيهن يبكي أو يسعد للمؤمن أو الكافر !!!.. يقول تعالى عن قوم فرعون وما كانوا فيه من خير ونعم فبدلوها بكفرهم :
كم تركوا من جنات وعيون ؟!!.. وزروع ومقام كريم ؟!!.. ونعمة كانوا فيها فاكهين ؟!!.. كذلك وأورثناها قوما آخرين : فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين " !!..

فمَن نلوم ؟!!!..
الله جل جلاله وحاشاه ؟!!!..
ووالله :
ما تأملت في بلد من بلاد المسلمين أصابه شر وبلاء : إلا ووجدت ما أصابه أصابه بعد تبديله لنعم الله تعالى عليه بالمعاصي والذنوب التي أقل ما فيها أنها تقطع الرزق وتؤخره " ولولا البهائم لم يُمطروا " !!..

يا معشر المهاجرين ! خمس إذا ابتليتم بهن : وأعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلنوا بها : إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا !!.. ولم ينقصوا المكيال والميزان : إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم !!.. ولم يمنعوا زكاة أموالهم : إلا مُنعوا القطر من السماء !!.. ولولا البهائم : لم يُمطروا !!!.. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله : إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم : فأخذوا بعض ما في أيديهم !!.. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله : إلا جعل الله بأسهم بينهم " !!..
رواه ابن ماجة وغيره وحسنه الألباني ..

كل أمتي مُعافى إلا المجاهرون !!.. وإن من الإجهار أن يستر الله على العبد : ثم يُصبح يفضح نفسه ويقول : يا فلان : عملت يوم كذا وكذا وكذا فيهتك نفسه : وقد بات يستره ربه " !!.. رواه البخاري ومسلم ..

بل كل ذلك : والله تعالى يقول (ليذيقهم بعض الذي عملوا) :
ظهر الفساد في البر والبحر : بما كسبت أيدي الناس !!.. ليذيقهم بعض الذي عملوا : لعلهم يرجعون " !!..
فماذا لو كان الله تعالى يؤاخذ الناس بـ (كل) الذي يعملون ؟!!..
وما أصابكم من مصيبة : فبما كسبت أيديكم : ويعفو عن كثير " !!..

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
نزل الحجر الأسود من الجنة : وهو أشد بياضًا من اللبن .. فسودته خطايا بني آدم " !!..
وقال مجاهد رحمه الله : 
إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر !!.. وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم " !!..
وقال عكرمة رحمه الله : 
دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون : مُنعنا القطر بذنوب بني آدم " !!..
فلم يكفي الظالم عقاب ذنبه : حتى يبوء بلعنة مَن لا ذنب له !!..

وإنما هو هوان الناس والأمم عليه سبحانه : إذا هي خاصمت دينه وشرعه وتوحيده !!..
ومَن يُهن الله : فما له من مُكرم " !!..

وحتى المسلمين أنفسهم والنبي في وسطهم : 
فلما عصوا أمر الله ورسوله في غزوة أحد : وقع لهم ما وقع !!!..
ولما أعجبوا بكثرتهم في غزوة حنين : ونسوا أن النصر هو من عند الله تعالى وتوفيقه : 
وقع لهم ما وقع !!!..

ولما فتح المسلمون قبرص وجمعوا أهلها فبكوا في ذل وهوان : فبكى عليهم أبو الدرداء رضي الله عنه قائلا ًلمَن سأله عن سبب بكائه :
ويحك يا جبير !!.. ما أهون الخلق على الله : إذا أضاعوا أمره !!.. بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك : تركوا أمر الله !!.. فصاروا إلى ما ترى " !!..

وهنا ملحوظة هامة وهي :
أن الله تعالى بالفعل كان ليُعطي أهل الكفر والعناد والجحود في الدنيا : ما يزيدهم به طغيانا وإظهارا لشرورهم : ما لو كان جعل لبيوتهم سقفا من فضة : ومعارج عليها يظهرون !!!.. ولكنه علم أن لو فعل سبحانه : لافتتن بذلك خلق ٌكثير ٌوفضلوا الكفر على الإيمان !!!.. يقول عز وجل :
ولولا أن يكون الناس أمة واحدة (أي في الكفر لما يروه من عطاء الكفار في الدنيا) : لجعلنا لمَن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة : ومعارج عليها يظهرون " !!..

فهل فهمنا الآن سببا من أسباب عطاء الله تعالى للكفار من النعم ما تكتمل به حجته عليهم - رغم أنه وعد المسلمين نفس النعم بالحلال إن هم أطاعوه ! - .. يقول تعالى :
ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم !!.. إنما نملي لهم : ليزدادوا إثما !!.. ولهم عذابٌ مهين " !!..

فاللهم لا تستدرجنا بذنوبا وارحمنا والطف بنا يا كريم ...

ومع كل ذلك :
فأهل الكفر وبلاد الكفر لديهم من البلايا والمصائب : ما الله تعالى به عليم : ولا تنقله قنواتنا للأسف الشديد ولا تهتم به : لعلها لا تشوه صورة الخارج في أذهان المفتونين !!!..

فلديهم من الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وأعاصير وتسونامي : ما أدعوكم للبحث عنه : من اليابان والفلبين شرقا : إلى سواحل أمريكا وأمريكا الجنوبية غربا !!..

ولديهم من الجرائم من قتل وانتحار ومعدلات اغتصاب وزنا محارم ما تقشعر منه الأبدان وتعجز عنه الإحصائيات !!..
فهل هذه هي بلاد الكفر : بلاد الأمن والأمان ؟!!!..

وللأسف الشديد :
كلما اقتربت بلادنا من مثل هذه البلاد في كفرها ومعاصيها وشركها وفسادها الديني :
كلما اقتربنا من الوقوع في نفس بلاياها ومصائبها التي لديها !!!..
والله المستعان .. 

وفي النهاية :
لا يُستحب عكوف المسلم ولا المسلمة أمام أخبار ومشاهد التعذيب والبلاءات بالشكل الذي يفتنه في دينه إن كان رقيق القلب أو كثير التفكير والتفاعل مع مثل هذه الشبهات : وإذا كان لا يعرف التفريق بين صفات الله تعالى وصفات المخلوقين !!.. 

وليشغل نفسه بالعبادة وطلب العلم .. وليطلع على أخبار إخوانه ويناصرهم ويدعو لهم ما شاء ..
وليحتفظ بجمال دينه ولذة إقامة شعائره في نفسه وبين الناس كلما استطاع .. 
أين متعة قيام الليل وتلاوة القرآن في هدوء بدلا من السهر ومشاهدة الأخبار وغيرها > ؟!

ذلك أن التعرض للشبهات بغير علم : تنكت نكتا سوداء في قلب المسلم للأسف ..
وبما يُخشى عليه مع الأيام أن تضيع بهجة إيمانه ولذة التزامه في قلبه وصدره وعقله وفؤاده ..

إذا ً:
فليبتعد أهل الوساوس من هذه الناحية - ناحية الشبهات في رحمة الله عز وجل - : فليبتعدوا عن التقوقع على النفس والانغلاق في سجن ٍمن البؤس والأسى النفسي : لأنه ما أفرح الشيطان بمثل ذلك من أحدنا - أي أن يختلي الإنسان بنفسه مع وساوسه وشبهاته فيُلقي إليه ما يريد - ومن هنا كانت النصيحة دوما لأهل الغضب والخلافات الزوجية والأخوية إلخ : ألا ينفردوا بأنفسهم كثيرا لأنها فرص لتعاظم أفكار الشيطان ووسوساته في الرأس .. فكلام السر وحديث النفس بالوساوس لا يأتي أبدا بالخير !!.. يقول عز وجل :
إنما النجوى من الشيطان : ليحزن الذين آمنوا " !!!..

والله المستعان ...