التسميات

الخميس، 28 يونيو 2012

20)) أداب النقد لكلا طرفيه ...
الموضوع منقول بتصرف واختصار من مقالات باسم : ثمار علم : لماجد بن عبد الله الطريف >

الإخوة الكرام ...
لا شك أن العقلاء يعرفون أنه : ما من بشر كامل في علمه وتفكيره معا ًبحيث يحيط بكل شيء فلا يُخطيء !
ومن هنا : فإن العقلاء أيضا ًقد عرفوا ومنذ القديم : فائدة النقد ومكانته في تقويم الأفراد والجماعات ..

والنقد في اللغة يدل على إبراز الشيء وبروزه .. 
مثل النقد في الحافر : وهو تقشره .. والنقد في الضرس : وهو تكسره ...
ومن ذلك أيضا ً: نقد الدرهم : وهو كشف حاله في جودته أو زيفه وغير ذلك ...

وأما الفرق بين النقد والنصيحة : 
فالنصيحة : تختص رأسا ًبمسألة الملائمة والإصلاح .. 
ولهذا يمكن القول بأن النقد من النصيحة : في حالة واحدة فقط وهي إذا كان النقد للإصلاح ... 
كما أن النصيحة تكون غالبا ً: قبل فعل الشيء .. وأما النقد فيكون أغلبه : بعد فعل الشيء ..
وأرجو فهم ذلك التداخل لمعرفة لماذا ومتى يتم استخدام وصف النقد النصيحة .. وكما سيأتي ...

ومن هذا نخلص بأن :
>>
النقد من النصيحة إذا أ ُريد به الإصلاح وقد قال الله " إذا نصحوا لله ورسوله " وقال النبي " الدين النصيحة " ..

>>
وكذلك يرتبط النقد بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وإلا لصار المعروف منكرا ًوالمنكر معروفا ً!!

>>
وكذلك يرتبط النقد ببيان أخطاء أخيك في الإيمان بكل صدق لتقويمها كما قال النبي " المؤمن مرآة أخيه " !!

>> 
يتنافى النقد الصادق مع النزعة الغرورية في اعتداد الشخص برأيه ولاسيما لو كان ذو مكانة ٍمثل فرعون وقولته :
ما أريكم إلا ما أرى !!.. وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " فلما غاب النقد : " فاستخف قومه : فأطاعوه " !!!

>>
الحاجة إلى وجود النقد مُلحة ولا سيما كلما تدهور حال الأفراد أو الشعوب الإسلامية بما نرى والله المستعان !
وعليه : فإن لم يُستطع النقد علناً : فلا أقل من أن يكون سراً .. وإن لم يكن للجماعة : فيُصرف للأفراد ...!
وهنا :
يوصلنا ذلك الكلام إلى ضرورة ذكر أهم وأشهر ضوابط النقد لطرفيه ......
فنقول ......

>>
أن يعلم الناقد بما ينقده جيدا ًوالإلمام به وبظروفه وملابساته إذا اقتضى الوضع ذلك .. وذلك لأنه وكما في الفقه :
الحُكم على الشيء : فرع عن تصوره .. وكما بين القرآن والسنة من أن العلم : هو قبل القول والعمل !!..
إذ ربما يُنكر الجاهل معروفا ً: فينخدع به العامة فيصير المعروف منكرا ً!!.. أو قد يمدح منكرا ًفيُصيره في أعينهم
معروفا ًبجهله !!!..
وفي ذلك قصة شهيرة وهي قصة : الرسام والإسكافي .. < والإسكافي هو صانع الأحذية > ..
حيث رسم الرسام صورة ًمن ضمنها حذاء .. فمر الإسكافي على الصورة : فصار ينتقد بعض تفاصيل الحذاء ..
فلما ذهب .. قام الرسام بالفعل بتعديل رسمة الحذاء من صورته .. فلما مر الإسكافي على الرسمة من جديد :
فوجد الرسام وقد استجاب لنقده الأول : أصابته نفخة ٌمن العلم المكذوب : فصار ينتقد في باقي الصورة مما
ليس له به علم ولا خبرة : ألوانا ًوظلالا ًوتخفيفا ًوتثقيلا ًإلخ .. فظهر له الرسام ساعتها قائلا ًله :
يا إسكافي الزم الحذاء : ولا تتجاوزه لما لا تعلمه " !!!..

>>
على الذي ينتقد ألا يُحاسب الناس العاديين على الورع .. فالورع لا تأمر به إلا نفسك لأنه ليس كل أحد 
يستطيعه .. ولكن تنتقدهم وتأمرهم بالتقوى .. فذلك هو الحد المطلوب من المسلم ..!
التقوى هي : ترك الحرام والبعد عنه .. والورع هو : ترك حلال أو مباح : مخافة أن يؤدي إلى حرام > ...

>>
أيضا ًمن المصيبة أن يقع الناقد عمليا ًفيما ينتقده على غيره !!.. وقد ذم الله ورسوله ذلك الفعل :
كبر مقتا ًعند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " وأيضا ً" أتأمرون الناس بالبر : وتنسون أنفسكم " ؟!!.. 
وحديث مَن يتعذب في جهنم يجر أمعائه لأمره الناسَ بالمعروف ولا يأتيه ونهيه عن المنكر ويأتيه !
وبالطبع :
ذلك الوقوع العملي : يختلف عن الاستجابة للنقد أو للنصح : حتى من صاحبه الذي لا يعمل به ..
حيث لا يجب أن يمنع المسلم سماع الحق أو النقد من أمثال هؤلاء أن يعمل به : وسواء كانوا لا 
يطبقونه على أنفسهم بعمد أو بإكراه ...
مثل مدمن السجائر مثلا ًعندما ينصح غيره بعدم شربها أو ينتقدها وهو ما زال يشربها > !!.. فذلك
وكما قال الشاعر : 
خذ من علومي ولا تنظر إلى عملي ***** وإن مررت بأشجار لها ثمر
ينفعك علمي ولا يضررك إصراري **** فاجن الثمار وخل العود للنار
 

>>
الأفضل في النصح أو النقد هو : حُسن الخلق والرفق .. وذلك لأن ترك الإنسان لأفعاله وعاداته التي أقام
عليها زمنا ًمن عمره بسبب انتقاد أحد له : هو شيءٌ ثقيل على النفس عادة ًكما نعرف .. فإذا اجتمع مع 
ذلك النصح أو النقد غلظة وفظاظة في غير محلها وبغير داع ٍلها : كان ذلك مدعاة لرد النقد ورفضه ولو
من باب العناد والانتصار للنفس !!!..
أيضا ًقد يصاحب كثيرا ًمسألة نقد الآراء : أنها قد تجر إلى بعض الغضب والنزاع إذا فـُقد الرفق وحُسن
انتقاء الألفاظ وحُسن الخلق ابتداءً !!!.. ولذلك يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
ما كان الرفق في شيء : إلا زانه .. وما نــُـزع من شيء : إلا شانه (أي عابه وانتقصه) " ... ويقول أيضا ً:
إن الله رفيق يحب الرفق .. ويُعطي عليه ما لا يُعطي على العنف " ...
ومما يُحكى في ذلك :
أنه قام رجل ٌيعظ المأمون فقال له : إني أريد أن أعظك : وأغلظ عليك (أي رجاء منفعتك ولصالحك) !!.. 
فقال له المأمون : يا رجل أرفق !!.. فقد بعث الله مَن هو خير ٌمنك : إلى مَن هو شر ٌمني : وأمره بالرفق !.. 
بعث الله موسى وهارون إلى فرعون .. فقال تعالى لهما : " فقولا له قولاً ليناً .. لعله يتذكر أو يخشى " !!!..

>> 
هناك نوع من أخطاء المخطئين : يكون سببه غمامة ٌكبيرة ٌعلى بصيرتهم : قد أخفت عنهم الصواب والحق ..
فهذا النوع يؤتي معه الرفق ثمرة النقد والنصيحة .. كما يؤتي معه ذكاء ضرب الأمثال لتقريب الحق إليهم :
وإزالة الجهل والغمامة عن عين بصيرتهم ... ومن ذلك : 
حديث الشاب الذي جاء يستأذن النبي في الزنا !!!.. فقال له صلى الله عليه وسلم وقد رفض أن يُعنفه كما
كان سيفعل به الصحابة : أترضاه لأمك ؟.. قال : لا ! قال : ولا الناس يرضونه لأمهاتهم .. أترضاه لأختك ؟
إلى آخر الحديث .. والذي فيه أن ذلك الشاب قد مضى ولم يعد شيء أبغض إليه من الزنا فيما بعد !!!!!..
ومن ذلك أيضا ً:
قصة الصحابي الذي تكلم في الصلاة : ورد فعل النبي الرفيق معه .. وأقوى منها موقف الأعرابي الذي بال في
المسجد
 !!!.. وترفق النبي معه في بيان خطأه ذاك الذي كان يجهله الرجل ... وغيرها كثير ..

>>
وكما قلنا من قبل : أهمية العناية في اختيار ألفاظ النقد : حتى يصير نصحا ًبناءً لا هداما ً.. ومن ذلك مثلا ً:
ما رأيك لو تفعل كذا ؟.. فهذا أفضل مثلا ًمن قولنا للمخطيء : أمجنون أنت ؟ لم فعلت كذا ؟ يا قليل الأدب ؟ 
وذلك باعتبار أنه يجهل جرمه وخطأه أو غير معتاد له .. وذلك لأنه من فطرة البشر هي : قبول الكلام بالعاطفة
أولا ًقبل العقل
 !!!!.. بل : قليل ٌفعلا ًمن يتفكر بعقله أصلا ًفيقبل النقد أو النصيحة حتى ولو كانت قاسية !
وكما قيل : " النصح ثقيل .. فلا تجعله جدلا ً.. ولا تــُرسله جبلا ً" ...
ومن اختيار الألفاظ أيضا ً: استخدام التعبيرات العامة لعدم إحراج المخطيء بذكر اسمه مباشرة ً.. وكان النبي 
الرؤوف صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بال أقوام ٍيقولون كذا وكذا " ولا يُسمي أحدا ًبعينه فيحرجه ...
ومن هنا جاء القول بأن نقدك لأحدٍ بينك وبينه فقط وفي السر : نصيحة .. وأما أمام الناس : فضيحة !!!.. 
وكذلك حتى لا أنسى :
ذكر بعض محاسن الشخص الذي ستنتقده : قبل أن تذكر عيوبه .. 
كقول الصاحبة لصاحبتها المنتقبة مثلا ًتريد لفت نظرها لضيق عباءتها والتي قد تصف الجسم وتفاصيله :
ما شاء الله عليك .. أدب وحياء وستر وعفاف .. ولو تلبسين عباءة واسعة أو إسدالا ًسيكون أفضل " إلخ

>>
وكما أن الفقه مطلوب في شأن المسلم كله - وهنا ملكات فطرية وأخرى مكتسبة بالعلم - : فالفقه مطلوب
جدا ًفي النقد أيضا ً.. فلا يتسبب الناقد مثلا ًبنقل المخطيء من خطأ ٍلخطأ ٍأكبر !!.. وذلك كما خشي النبي
من هدمه للكعبة لإقامتها من جديد على قواعد إبراهيم عليه السلام : فيظن مشركو قريش به سوءا ًفيرتدوا عن
الإسلام وكانوا حديث عهد ٍبالدخول فيه ....!
أيضا ً:
مراعاة المصالح والمفاسد وأخف الضررين .. وإلا لصار كمَن يريد عدل ضلعا ً: فيكسره !!!.. فالذكاء النقدي 
والفقه ليس دوما ًفي مجرد بيان الصواب من الخطأ .. ولكن : في اختيار أخف الضررين إذا لم يكن بد ٌمن 
وقوعهما معا ً.. أو اختيار خير الخيرين إذا لم يكن بد ٌمن فوات أحدهما ... وكما قلت :
في ذلك يتفاوت الناقدون تفاوتا ًكبيرا ًبين مجرد حافظ للصواب والخطأ يُلقيه ويطالب به ولو أعقبه الطوفان !
وبين جاهل ومتعلم .. وبعيد النظرة واسعها لاستشراف المستقبل .. وقريب النظرة ضيقها لا يرى إلا تحت قدميه !
أيضا ً:
معرفة الأولويات في النقد .. فلا يُتقد الخطأ الصغير قبل الكبير - اللهم إلا كان ذلك لحكمة أكبر - وهكذا

>>
مسألة التثبت جيدا ًمن وقوع الخطأ قبل نقد الإنسان أو الجماعة عليه !!.. فإذا كان الله عز وجل قد ذكر لنا
في قرآنه وجوب التبين من أخبار الفسقة : وذلك منذ أكثر من 1400 سنة .. فما بالنا في هذا العصر اليوم
الذي نعيشه ؟!!.. بكل كذبه وإعلامه الفاسق المحترف والمتفنن في الغش والخداع والتلبيس على الناس ؟!!
ولعل من أجمل طرق التثبت من الخبر قبل نقد صاحبه وجها ًلوجه هو : سؤال صاحبه بصيغة الشك .. وذلك
كما قال عمر أمير المؤمنين لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما عندما اشتكاه البعض لعمر أنه لا يُحسن
يُصلي ! فقال له عمر : " يا أبا إسحاق .. زعموا أنك لا تحسن تصلى " ؟!!!.. إلى آخر الخبر ...

>>
تقييم الناقد لما سينقده أولا ً: هل هو أمر مقطوع فيه بالأدلة ؟.. أم أنه أمر مما يجوز تنوع الاجتهاد فيه ؟..
وذلك حتى لا يُصادر الناقد رأي الآخرين المباح اجتهاده : تحت دعوى النقد وتخطئتهم بالكلية لمجرد مخالفتهم
لما يرى أو لما يعلم
 !!!..

>>
أيضا ًينظر الناقد لخطأ المخطيء : هل له عذر فيه أم لا ؟!!..
فشرب الخمر وأكل لحم الخنزير : ورغم أنهما محرمان : إلا أن الله تعالى أباحهما للضروررة بغير بغي ٍولا عدو !
بل : وأكبر من ذلك وهي كلمة الكفر يجوز للمسلم قولها : إذا خاف على نفسه القتل أو التعذيب إلخ : طالما
كان قلبه مطمئن ٌبالإيمان ... وهكذا ..
فمن الغفلة هنا وسوء العلم والتقدير والفقه أن يأت آت لينتقد ويُعنف الفاعل في مثل هذه الحالات : فيعامله
وكأنه اختار وفعل كل ذلك طوعا ًليس مكرها
 ً!!!!..
فيجب على الناقد هنا أن يتقي الله في عذر الناس .. وكما قيل : " مَن لا يعذر : لا يُعذر " !!!..

>>
التدرج في النقد بما يناسب الشخص : وخصوصا ًإذا كنا نعرفه .. فهناك مَن تكفيه نظرة اللوم لينتبه إلى خطئه !
وهناك مَن تكفيه الكلمة المهذبة .. وهناك مَن لا يصلح له إلا الكلمة الساخرة أو الغليظة ..
وكذلك هناك مَن لا يصلح معه النقد إلا بالتلميح والتورية .. وهناك مَن لا يصلح معه إلا بالتصريح !!.. 

>>
تجنب المراء في النقد .. فهو يُسقط المحبة ويُضيع الهيبة وقد يتساوى صاحب الصواب مع المخطيء ساعتها
في نظر الناس بسبب المراء !!..

>>
تحمُل أذى الناس للناقد الحق .. وخصوصا ًفي أزمنة الجهل التي نعيشها : حتى صار يُستثقل النقد بل وحتى 
النصيحة إلا على مَن رحم الله .. ولعلها من أجمل الإشارات هنا في سورة العصر : أن يختم الله تعالى الأمر
بالتواصي بالحق : أن يتبعه التواصي بالصبر : لأن الناصح والناقد قد يصيبه الأذى كما قلنا في نصحه ونقده :
والعصر .. إن الإنسان لفي خـُسر .. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " !
---------
----------------

وآخر ما أود الإشارة إليه وقد أطلت عليكم - واعذروني  - هو :
أنه على المخطيء العاقل الذي يخاف الله ويبحث عن الحق والصواب : أن يستجيب للنقد على أي حال ..
أي : سواء جاءه ذلك النقد بأدب ورفق وحكمة .. أو جاءه غليظا ًفظا ًأو حتى فاحشا ًللأسف ...
وأنه حتى لو غضبنا من غلظة وفظاظة النقد زمنا ً: وأخذتنا فيه العزة بالإثم أو الخطأ : انتصارا ًللنفس أو عنادا ً:
فلا أحق من أن نتبع الحق حينما تهدأ النفوس وتستكين وتتعقل ...! 
حيث نفوز بالحق الذي جاءنا بالنقد : ويخرج الناقد الجاهل أو الغشيم بإثم غلظته أو فحشه إلخ ...
إذا لم يكن لغشمه وغلظته وفحشه داع ٍ- لأن بعض المواقف أو الناس لا ينفع معهم إلا ذاك ساعتها - !

ولا أعرف لماذا قفز هذا الموقف إلى ذهني الآن قبل أن أترك هذه المشاركة .. ولكني سأذكره لكم على أي
حال .. وأترك لكم استنباط ما تريدونه وما ترونه منه ....
ولكن قبل أن أذكر ذلك الموقف لكم أريد أن أسأل الواحد فيكم : ماذا لو قال لك أحد :
تمنيت بالأمس أن أكون ممَن ظلمك !!!..

ماذا سيكون ردة فعلك عليه ؟.. أو : لماذا تظنون أن يقول هذا الإنسان ذلك القول الغريب ؟!!.. فاقرأوا :

كان الحسن البصري رحمه الله يدعو ذات ليلة : 
اللهم اعف عمّن ظلمني " .. فأكثر في ذلك .. فقال له رجل: " يا أبا سعيد .. لقد سمعتك الليلة تدعو
لمَن ظلمك : حتى تمنيت أن أكون فيمَن ظلمك !!.. فما دعاك إلى ذلك
 " ؟!!.. قال : قوله تعالى : 
فمَن عفا وأصلح : فأجره على الله " !!!..

يُـتبع إن شاء الله ...