التسميات

الأحد، 21 أكتوبر 2012

22)) تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل ...

هو إميل قديم جاءني منذ سنوات طويلة : ويأبى أن أنساه .. ولا أريد أن أنساه ..!
فأنقله لكم هنا : درة ًمكنونة في حياتنا : مع بعض التصرف ...
والموضوع لو تدبرناه بالفعل : لوجدناه يقينا ًمن بعض أنواع الخطأ تركه : 
والذي تظهر آثاره المترتبة عنه في بغض الآخرين لك من داخلهم !! أو نفورهم عنك !! 
أو استثقالهم إياك !! أو التهرب من محادثتك والفضفضة إليك !! إلخ 
لن أطيل عليكم ... بل سنتعرف مباشرة ًعلى ما نعنيه هنا بخلق التغافل بببعض الامثلة ..
وكما يُقال .. 
بالمثال يتضح المقال ...
-----

>>> 1
دخل عبد الله بيته .. وما إن فتح الباب ومشى قليلاً : حتى تعثر بلعبة طفلته وكاد أن يقع .. 
رفع اللعبة .. ثم واصل طريقه متجهاً إلى المطبخ حيث زوجته : وهو متضايق مما حصل له ..
فلولا عناية الله عز وجل لكان سقط على وجهه .. يا الله .. كم مرة قلت لها اهتمي بترتيب البيت .. 
لم لا تأخذي بكلامي ؟!.. وصل إليها : فقابلته بابتسامة مشرقة وكلمة رقيقة .. 
وإذا هي قد أعدت مائدة لذيذة من الطعام الذي يفضله .. وذاك سر انشغالها .. 
فأطفأ كل ذلك غضبه .. وجعل يفكر للحظات .. 
هل الأمر يستحق أن أكرر مرة أخرى عليها نفس الاسطوانة :
فتغضب وتخبرني أنها كانت مشغولة بإعداد الطعام : ثم تجلس على المائدة وهي متضايقة ؟!! 
ويصيبنا النكد في باقي يومنا !!!.. أعتقد أنه من الأفضل أن أتغاضى قليلاً لنسعد كثيراً ..

>>> 2
انتظرت أمل مجيء خالد ليأخذها بعد انتهاء الحفلة التي دعيت لها .. لكنه تأخر ..
مرت عشر دقائق .. ثم نصف ساعة على الموعد الذي اتفقا عليه .. وبدأ المدعوون بالتناقص .. 
ثم مرت ساعة كاملة ولم يبق إلا هي وأصحاب الدعوة الذين كانوا يجاملونها مع ما بدا عليهم من إرهاق !! 
يا إلهي أين أنت يا خالد ؟.. ما كل هذا الحرج .. لقد كدت أبكي من الخجل ..
أخيراً حضر .. ركبت السيارة معه بسرعة وهي ترتجف من الغضب .. 
وقبل أن تفتح فمها : أخبرها أنه قد طاف على سبع محلات تجارية ليشتري لها الجهاز الذي طلبته ! 
ولأنه يفضل أن يختار أجود نوع : فلم يكن يقنعه أي منتج حتى وصل آخر محل : فوجد عنده هذا الجهاز .. 
أنه في الخلف .. هل انتبهت له عند ركوبك يا أمل ؟!!.. 
التفتت إليه .. فإذا هو الجهاز بالفعل على المقعد الخلفي : وإذا هو طلبها تماماً كأحسن ما يكون .. 
مسكين أنت يا خالد .. ما أطيب قلبك !!.. لكن أيضاً قد أحرجتني عند أقاربي كثيرا ً..
ولا بد أن أخبره أني متضايقة وأعبر له عن غضبي ..
ثم فكرت أمل للحظات ...
إن عاتبته بشدة : قد يغضب .. ويعلو صوته كالعادة .. وأنا الآن في غنى عن هذه المشاكل .. 
وإن تغاضيت وسكت : ارتحت ومضت سفينتنا على خير .. وهذا ما اختارته والحمد لله ..
---------

يقولون :
ليس الغبي : بسيد ٍفي قومه !!!.. لكن سيد قومه : المتغابي !!..

فهو الذي يترفع عن صغائر الأخطاء والهفوات فيُمررها وهو قادر على ألا تمر !!!..
فلا يخلو أحد الناس من نقص .. ومن المستحيل أن تنتظر الكمال في كل مَن حولك ..
ومن المستحيل أن تجد إنسانا ً- بالغا ًما بلغ من الحرص - : لا يخلو من أخطاء أو هفوات ..
سواء تلك التي يقع فيها عن غير قصد - كأن تكون في طبعه أو جبلته - :
أو التي يقع فيها بقصد : ولكن يُعرف أنه نادم عليها : وأن نيته ألا يُكررها مرة أخرى :
فساعتها يُكتفى معه فقط بالتوبيخ البسيط أو لفت النظر : 
مع عدم إحراجه بذكر ((كل)) تفاصيل خطأه إليه .. وكأنك تستقصيه وتفصصه !!..
فيكفيه فقط الإشارة ...

ولعل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد علمنا مثل ذلك التجاوز والإعراض :
وذلك في موقف ٍيتجلى فيه خلقه الكريم - من آلاف المواقف مثله - :
وذلك عندما أخبر بعض أزواجه بحديث على وجه السر .. فأخبرت به غيرها .. 
فنبأه الله تعالى بما وقع .. فماذا فعل في عتابه لها ؟؟؟.. هل ذكر لها كل ما أخرجته وفعلته ؟
تعالوا ننظر معا ًللقصص الرباني لذلك الموقف .. ونتلمس فيه سمو أخلاق النبي والإسلام ..
يقول عز وجل :
وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثا .. فلما نبأت به (أي أخبرت به غيرها) :
وأظهره الله عليه 
(أي أطلع الله تعالى نبيه على ما حدث) :
عرف بعضه 
(أي ذكر لها بعض ما قالت وفعلت) :
وأعرض عن بعض 
(أي وسكت عن الباقي تجاوزا ًوتغافلا ً) 
فلما نبأها به قالت : مَن أنبأك هذا ؟؟!!.. قال : نبأني العليم الخبير " التحريم 3 ..
-------

فإلى الآن : قد لا يرى البعض خطأ في أن يستوفي كل حقه أثناء العتاب ..
ولكني أقول له :
ضع نفسك في الوضع المقابل وأنت تعرف أنه خطأ !!!..
فما من خطأ ٍتتشفى فيه عند غيرك : إلا أصابك الله تعالى بمثله : فوُضعت في مكانه !
لأنك بك أخطاء أيضا ًولست معصوما ً؟؟!!.. 
فكما تحب أن يُعاملك الناس : فعاملهم .. ولا تقل : أنا لا أ ُخطيء !!!..
وكما تحب أن يُعاملك الله : فعاملهم .. فالتجارة مع الكريم فوز ٌأي فوز ...

يُترجم لنا الواقع هذه المعادلة السامية :
عندما تورط الصحابي مسطح بن أثاثة في التحدث عن عائشة رضي الله عنها بما لا ينبغي ..
وذلك في فتنة حادثة الإفك الشهيرة .. والغريب : أن أبا بكر رضي الله عنه (والدها) : 
كان يُنفق عليه لأن مسطحا ًكان فقيرا ً!!!..
فلما عرف أبو بكر بما وقع من مسطح لتناقله كلام الإفك عن عائشة ابنته :
قرر أن يقطع نفقته على مسطح : حتى بعد توبته .. فماذا أخبره الله تعالى في سورة النور ؟
يقول أرحم الراحمين - وانظروا للأدب الرباني الذي يغرسه الله تعالى في نفوسنا - :
ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة : أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله !
وليعفوا وليصفحوا !!!.. ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟!!.. والله غفور رحيم
 " ..
سبحان الله العظيم ...

ولذلك يقولون :
ما استقصى كريم ٌ: حقه قط " !!..
أو : " ما استوفى كريم ٌ: حقه قط " ...!

ويقول الحسن البصري رحمه الله : " ما زال التغافل من فعل الكرام " !!.. 
ويقول جعفر بن محمد الصادق‏ رحمه الله :‏ ‏" عظموا أقدراكم بالتغافل‏ " ...!
لأن المتغافل عن هفوات الآخرين : يحبه الناس ويُقدرونه ويرفعونه في قلوبهم >
ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : " تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل " ..

وبعض الرجال والنساء – هداهم الله – يدققون في كل شيء : وينقبون في كل شيء : 
ربما فقط لكي يصرخوا في الآخرين ويعاتبوهم !!..
فلا يدعون صغيرا ًولا مراهقا ً: إلا وكانوا عليه مستقصين لكل فلتة أو هفوة !!..
وربما لو أشاروا لخطئه فقط بأسلوب غير مباشر : لانتبه : وتركه من تلقاء نفسه واستحيا !
أيضا ًربما وقع تحت أيديهم وافد جديد أو متدرب جديد : أو حتى مسلم جديد أو مهتدى جديد :
فاستقصوا عليه كل شيء من قول وفعل : فينفر ..!!

بل وبعض الناس كما قلنا قد يكون عنده عادة معينة لا تعجب غيرهم .. 
أو خصلة معينة تعود عليها ولا يستطيع تركها : وهي ليست حراما ًأو إثما ًمثلا ً...
فنجد ذلك الغير : يترك كل الحسنة في أولئك الناس : ويوجه عدسته على تلك الصفة !
وتستمر المشاكل .. ويستمر التباغض والشحناء ..
وما أصدق القائل : 
كثرة العتاب : تفرق الأحباب " !!!..

يُـتبع إن شاء الله ...