التسميات

الخميس، 20 ديسمبر 2012

آخر تسجيل في آخر ليلة !
قصة بقلم : أبو حب الله ...
----------

- ها هو الصندوق مستر ديفيد ...
> شكرا ًجون ...
................
> هل هناك شيء يا جون ؟؟؟.. هل تريد شيئا ً؟؟.. لماذا لم تنصرف ؟
- سيدي .... هل لي أن أسأل : ماذا ستفعل بالمسدس ؟؟؟..
................
- ماذا هناك سيدي ؟؟.. أنا أشعر بشيء سيء تريد أن تفعله ...
أنا معك منذ سنوات وأرى ذلك في عينيك ووجهك ...

> لا تخف يا جون .. لقد كتبت لك نصيبا من مالي يكفيك حتى مماتك أنت وأسرتك ..
- سيدي !!!.. أرجوك لا .. هذا يعني أني كنت على حق فيما توقعت .. لماذا ؟؟؟..
لماذا تريد قتل نفسك .. أرجوك ؟؟..

> لن أستطيع أن أترجم لك ما في داخلي يا جون .. ولكن صدقني .. هذا قراري النهائي :
ولا رجعة فيه !!!.. إنها حياتي .. وأنا وحدي الذي أمتلك التصرف فيها وإنهائها وقتما أريد ..
وقد حان الوقت لذلك الآن .. عندي آلام لا حل لها ولا علاج يا جون ..
آلام يصعب حتى شرحها أو إخراجها ...
- ألم تفكر حتى في مسز إليزابيث ؟؟.. ماذا ستفعل من بعدك ؟؟.. 
هل من أجل هذا لم تكن تريد الإنجاب ؟

> إليزابيث نفسها جزء من مشاكلي .. وأعتقد أنها ستنتحر هي الأخرى من بعدي ..!!
ونعم .. لمثل ذلك لم أكن أريد الإنجاب !!!..
وكما أن إليزابيث مشكلة من مشاكلي : فأنا أيضا ًمشكلة من مشاكلها وبصورة أكبر يقينا ً!
ولكن يا سيدي .............. لكن ......
> انتهى الكلام يا جون أرجوك ... أريد أن أركز فيما سأقوله في آخر شريط سأسجله في حياتي ..
كل ما سجلته من شرائط في حياتي في فرحي وحزني وجدي ولعبي : لا تساوي شيئا ًالآن ..
أرجوك دعني أستكمل وعيي وتركيزي لأني مهزوز كثيرا ً.. انتهى ...

# افعل كما يقول لك يا جون ....
- مسز إليزابيث ؟؟؟!!!..
> منذ متى وأنت تسمعينا ؟؟..
# منذ البداية .. فليس من السهل ألا أتوقع ماذا سيريد ديفيد من مسدس العائلة في هذا الوقت !
وبالفعل .. سمعت كل الحوار من غرفة المختصر بجانب غرفة مكتبك ...
> ورأيك ؟؟؟..
كما قلت أنت ...! الحياة صارت شيئا سخيفا ًجدا ً... وحياتنا معا ًصارت مستحيلة !!..
حتى الدموع : لم أجد لها مخزونا عندي لأبكي به وأنا أستمع لكلامك منذ لحظات !!!..
لقد صار كل يوم جديد بالنسبة لي : عذابا ًجديدا ًينتظرني ...
أشعر بأني قد صرت تمثالا ًفارغا ًمن الداخل : يتحرك في هذه الحياة !!!!..
لا مشاعر حقيقية .. لا سعادة .. ولا حتى هدف ...!
إذا ً:
لا مانع عندي من قتل نفسي الآن .. وهنا في مكتبك .. وبعدك تماما ً....

حسنا ً.. لا مانع عندي .. ولا وقت عندي للحديث في ذلك .. إنه اختيارك أنت أيضا ً..

وهنا .. 
وضع ديفيد سماعة ًصغيرة ًبميكريفون صغير كما تعود منذ المراهقة عندما كان يسجل لنفسه كل شيء :
ثم يعود ليُفرغ كل ذلك في أشرطة كاسيت مرقمة وبالتواريخ ...
ثم بدأ يقول بصوت ٍمهزوز كأحشائه التي تضطرب : رغم محاولته إضفاء نبرة الثبات والثقة عليه :

> أنا الآن في المكتب .. في يوم (...) بتاريخ (...) الساعة العاشرة صباحا ً.. ومعي زوجتي .....

وهنا صرخ فيه الخادم جون مقاطعا ًوقد قارب عقله على الانفجار بغير مسدس مما يراه :

- هل أنتما مجنونان ؟؟!!!!.. ماذا فقدانه من متع الحياة لكي يقتل أحدكما نفسه في سن الثلاثين !!
بل : وماذا رأيتم أصلا من مآسي أو من ضيق العيش حتى تفكران في الانتحار !!!!!..
لقد جننتما بالتأكيد !!!.. جننتما ...!
# صدقني يا جون .. هذه المرة الأولى التي قال فيها ديفيد شيئا ًيوافق مشاعري ...
إن بداخلنا خواء وآلاما ًلا تتخيلهما !!.. أكثر من تعذيب المعتقلات والسجون وألم الفقر واليتم ! 
- لا سيدتي .. صدقيني .. أنتما الذان لا تعرفان شيئا ًعن الحياة !!!؟؟
أنتما الضعيفان يا سيدتي .. ضعيفان جدا ً.. العيب فيكما .. في نفسيكما وروحكما من الداخل !!..
أنتما الذان لم تتعلما شيئا ًعن مشاكل الحياة : بله كيفية حلها : بله كيفية الصبر عليها !!!..
ألم تسألا نفسيكما : كيف هو حال الأقل منكما مالا ًوالأكثر منكما شقاء ً: كيف يعيشان إلى الآن ؟!
أليس لديكما رغبة في الاستمرار في الحياة لآخرها : واستكشاف ما فيها من جديد في كل يوم ؟؟..

> صدقني يا جون ... بالموت : سنكتشف إجابات أعظم الأسئلة التي حيرتنا في الحياة !!!..
فضلا ًعن الراحة التي سننعم بها أخيرا ً: سواء كان لنا حياة أخرى بعد الموت أم انتهينا بالفعل إلى الأبد !
- سيدي ديفيد : أنت لا تعرف شيئا ًعما تتحدث !!!.. واعذرني ...
ما هي تلك الأسئلة التي لن تعرف إجاباتها إلا بالموت ؟!!!.. وجود الإله ؟؟؟.. هل علمت الآن نهاية الإلحاد ؟
وهل تظن أنك لو أتيت على الإله كافرا ً: فسوف يستقبلك بالورود لأنك أردت أن تعرف إذا كان موجودا ًأم لا ؟!!!..
أنا لو مكانك سيدي :
اترك سيارتك جانبا ً: وانزل ومسز إليزابيث لتتجولا في المدينة وسط البشر والحياة من قريب ....
انزلا : فلربما شعرتما بطعم الحياة حقا ً.. إن كنتما لم تتذوقانه أبدا ًفي حياتكما بشكلها الحالي ....!
انزلا واتركاني هنا وحدي :
انتظر عودتكما على خير .. أو انتظر خبر انتحاركما معا ً....

-----------


> وهل أبدو لك كغبي ؟؟.. وهل ما رأيتي عليه الولد والبنت من ثياب رثة وطعام المزابل :
هل يوحي لك بأنه هناك مَن يشعر بهم أصلا ًفضلا ًعن أن يعطيهم مال أو طعام أو ملابس ؟!!..

قد تكون كثرة الفقراء هي السبب في أن ما يصلهم قليل .. وخصوصا : 
لو كل مَن لديهم مال مثلك من الأغنياء : يفكرون مثل تفكيرك ؟؟!!..
> حسنا ً...
الساعة الآن تقترب من الثانية عشر ظهرا ً.. أرى أن نحسم أمرنا بعد ساعتين من الآن ...
# ولماذا العجلة على الموت ؟؟.. لماذا لا ننتظر إلى المساء ؟!!..
لقد بدأت أهتم بكوني حية قليلا ً.. هناك هدف على الأقل أسعى لتحقيقه الآن ..!!
هدف يستحق السعي عليه .. هدف حقيقي .. 
هدف فيه سعادة حقيقية لأشخاص يحتاجون المال بالفعل وعن حاجة : لا لكماليات ..!!
> إذا ً.. هيا بنا نمشي في الاتجاه الذي أشار إليه جاك .. وربما سألنا هذا الرجل هناك ..

------------

> هاي .. مستر .. إذا سمحت .. هل هناك في هذا الاتجاه مبنى أحمر فيه مكتب خيري ؟؟..
# جمع تبرعات للفقراء ونحو ذلك ؟؟؟..
^^ هاي .. مكتب خيري ... مبنى أحمر ..... مممم ... مبنى كبير أم صغير ؟؟..
> لا نعرف ...!
^^ ما هو اسم المكتب الخيري أو الشركة ؟؟.. أو هو مؤسسة ؟!!..
# لا نعرف أيضا ً..! هذا هو كل الوصف الذي لدينا .. وأن ذلك المبنى قريب من هنا في هذا الاتجاه ..

^^ دعوني أفكر ...
ممكن على بعد 500 متر تقريبا ًوقبل التقاطع : هناك مبنى كلاسيكي قديم من الطوب الأحمر ..
أعتقد ذلك هو المبنى الوحيد في هذه المنطقة الذي تنطبق عليه أوصافكم له !!!..
# وأسفله أو فيه مكتب خيري ؟!!..
^^ لا .. ولكن هناك أعتقد دار عبادة أو روحانيات أو شيء من المنتشر هذه الأيام ..
أنتم تعلمون : هؤلاء المجانين ربما : طقوس .. أو عبدة شيطان .. لا أعلم .. فلم أمر هناك من قريب ..
ولكني أرى شبابا ًوناسا ًيتجهون إلى هناك كل فترة ...
وأظن أن اليوم لهم لقاء .. ربما في هذا الوقت الآن .. لا أتذكر ...
يمكنكم أن تذهبوا إلى هناك وتسألوا ...
شكرا ً... ونأسف على الوقت والإزعاج ..

> هيا بنا إليز ...
# ولكن .. يمكننا الاستفسار منه أكثر ...
> لقد أحرجنا الرجل .. وجيد أصلا ًأنه دلنا على هذا المبنى .. أتمنى ألا نقطع هذه الـ 500 متر على لا شيء !
ألم أقل لك أنه ربما كانت هذه هي إحدى مقرات أصحاب الدين لاسيما المجانين منهم : أوشو بوشو يوجا رائيل إلخ !
# ذكرتني برحلتنا إلى باريس ... هل تذكر ذلك المركز الذي دخلناه في شارع (...) ؟!!..
> لقد كان يوما ًمضحكا ًبالفعل ...
يومها فقط شعرت وأن المسيحية ورغم كل ما فيها من خرافات : إلا أنها بجوار هؤلاء : أعقل العقل !!!..
> هل تذكرين عندما طلبوا منا خلع ملابسنا بأكملها لنصلي معهم ؟!!!.. 
# طبعا ًأنت رحبت !!.. أنت لئيم وشهواني دوما ًيا ديف ... 
لا لا لا .. لقد كنت أريد أن أعرف ماذا يفعلون بالفعل في هذه الصلاة العارية !!!..
# إذا ً: أنت كنت تستحق صفعة ًعلى وجهك أيضا ًمثل تلك التي أعطيتها لذلك الرجل البغيض الدجال ...
> ها ها ها ...

# وهل تذكر أولئك الذين رأيناهم في أمريكا في عيد زواجنا الأول عندما ذهبنا لـ (....) ؟!!!..
> أووووه .. هؤلاء هم المجانين الحقيقيون بالفعل !!!..
# ولكنهم كانوا مخيفين .. أشك أنهم مجرمين في الحقيقة ..! أعتقد بأن طقوسهم دموية ...!
لقد شعرت أنهم سيفعلون بنا شيئا ًسيئا ًإذا دخلنا معهم .. جيد أننا خرجنا من أول عشر دقائق ...!
هذه هي الطقوس والأديان في كل الأرض عزيزتي .. خرافات تزرع بذورا ًوتحصدها في العقول الخربة !
# أحيانا ًأشعر بحاجتي للمسيحية من جديد يا ديف ..! أتعرف :
ورغم يقيني التام من خرافاتها 100 % : إلا أن بها شيئا ًنحتاجه !!.. هكذا أشعر في لحظات ضعفي ..
أشعر أن الدين : هو حاجة من أكثر حاجات الإنسان إلحاحا ًفي حياته ..!
لن أقول الحاجة لوجود إله - أيا ما يكن - ولكن : 
لحفظ حياة الإنسان نفسه وسلكه في سلك المجتمع الإنساني !!!.. لإعطائه قيمة لكل ما يفعل !!!..
فبغير هذه القيمة : فما أقربه للتفكير في الموت : وإلى اللامبالاة العاطفية والمادية !!!..
هل توافقني في ذلك يا ديف ؟؟؟..

> إلى حد ما نعم ...! أعتقد هي الطبيعة التي وهبتنا ذلك الشعور والحاجة الدينية للحفاظ علينا !!!..
ولماذا تحافظ علينا ؟!!!.. ولماذا نحن الآن قد خيبنا ظنها فينا ونريد الانتحار ؟!!!..
> هممم ؟!!!.. لأنه ...! لأنها ...! لأنه عملها !!!.. أقصد : لحاجتها لذلك ...! أقصد ......!
# انظر : ها هو المبنى الأحمر هناك ... لقد اقتربنا منه ...
> انظري في اليافطات التي عليه ... هل ترين أي اسم يوحي بأنه جمعية دينية أو مكتب خيري ؟؟!!..
# لا أرى شيئا ًله علاقة بما نريد ...
> انظري هناك في الأسفل ... هل تستطيعين قراءة هذه البافطة ؟؟
# أظنها شيء له علاقة بالرحمة .. موسك أوف الرحمة .. ماس جيد أل راه مه ...
> أظنها إحدى ديانات الشرق الأقصى هذه المرة .. الصين أو الهند ...
# مشكلة لو كانت لهم طقوس غريبة هم أيضا ً.. لا وقت لدي ولا صبر على هذه التراهات اليوم !
> أنا مشكلتي ستكون في المسدس الذي معي لو طلبوا مني خلع ملابسي 
انظري .. يبدو هؤلاء الشباب داخلون إلى هناك ...
هاي .. أصدقائي .. هل أنتم ذاهبون إلى هنا >> ؟؟

= السلام عليكم يا أخي .. نعم .. إنها صلاة الجمعة الآن ...
> هل تعني تجمع أو احتفال .. طقوس .. شيء من هذا القبيل ؟!.. مثل صلاة الأحد ؟!.. صن داي ؟
= هي صلاة فقط .. وقبلها هناك خطبة .. كلمة من الشيخ ..
# شيخ ؟!!.. هل أنتم محمديون ؟!!!..
= نعم أختي .. ولكن وصفنا الصواب هو : مسلمون .. هل أنت مسيحية ؟!!!..
> أمممم .. نعم نعم .. نحن مسيحيين .. وكنا نريد الدخول إلى هنا .. نريد أن نكلم مسؤولا ً..
لن تستطيع أن تتحدث مع الشيخ أو مدير المسجد إلا بعد انتهاء الخطبة والصلاة ...
فهل تريد الدخول ؟؟.. يوجد مكان للأخوات بدور الميزانين .. ويوجد مكان لغير المسلمين ..
# هذا كله في ذلك المحل الصغير ؟؟..
= لقد اشتراه فاعل خير مسلم : وضمه إلى المحلين الآخرين من الجهة الأخرى من الشارع ..
وصار لنا مسجدا ًبتصريح رسمي .. فهل ستأتون ؟؟..
# لا بأس .. ولكن .... هل هناك أي شروط ؟؟.. طقوس معينة ؟؟.. أي شيء ؟؟؟...
= فقط الوضوء بالماء للطهارة ... وذلك فقط لاستحسان دخولكم للمسجد ...
> وضوء بالماء فقط ؟؟.. 
# فقط ؟؟!..
نعم ... يمكنك أختي أن تصعدي هذا السلم من هنا : 
وستجدين أختا بالأعلى ستخبرك ماذا تفعلين .. وستعطيك رداء ًمناسبا ًللجلوس في المسجد ..
وأنت أخي يمكنك المجيء معنا ... تفضلوا .. لم يتبق على الخطبة إلا القليل ...
------- 

إن الحمد لله .. نحمده ونستعينه ونستغفره .. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا .. ومن سيئات أعمالنا 
مَن يهده الله : فلا مضل له .. ومَن يضلل : فلا هادي له ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده : لا شريك له .. وأشهد أن محمدا : عبده ورسوله ..

> !!..
# ............!

" يا أيها الذين آمنوا : اتقوا الله حق تقاته : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ..

" يا أيها الناس : اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة .. وخلق منها زوجها .. وبث منهما رجالا كثيرا ً:
ونساء .. واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام : إن الله كان عليكم رقيبا ً" ..

" يا أيها الذين آمنوا : اتقوا الله وقولوا قولا ًسديدا ً.. يُصلح لكم أعمالكم .. ويغفر لكم ذنوبكم ..
ومَن يُطع الله ورسوله : فقد فاز فوزا ًعظيما ً" ..

> ( دموع ) ..
# ( بكاء حار ) ..!

أما بعد ..
أرحب أولا ًبالأخوة والأخوات النصارى الذين حضروا معنا هنا اليوم .. 
فهم أخوة لنا بالفعل وأخوات في الإنسانية .. وإن شاء الله في الإسلام طالما بشرونا بحضورهم معنا ..
يقول الله تعالى في القرآن :
" يا أيها الناس : إنا خلقناكم من ذكر ٍوأنثى .. وجعلناكم شعوبا ًوقبائل : لتعارفوا .. إن أكرمكم عند الله :
أتقاكم " ...
فبتقوى الله تعالى فقط وطاعته في الخير : يتمايز العباد عند ربهم جل وعلا ...

ولأني أعرف قصر أوقاتكم التي استأذنتم فيها من أعمالكم اليوم لصلاة الجمعة هنا .. 
فقد اخترت موضوعا ًموجزا ًوصغيرا ًلهذه الخطبة وهو :
" لن تنالوا البر : حتى تنفقوا مما تحبون " ..

> ؟؟..!!
شوق ولهفة لمعرفة معنى الجملة ) ..

كلنا يعرف مدى حث الله تعالى لنا في قرآنه : ونبيه في أحاديثه وسنته على : فعل الخير بكل صوره ..
ولكن قد يتساءل بعضنا : 
ما هو معيار تفاضل المؤمنين في فعل الخير ؟؟!.. ما الذي يجعل ثواب بعضهم أعلى من البعض عند الله ؟
ويجعل منزلتهم أقرب في البر وفي القرب من الله من بعض ؟!!!..
ودعوني أقتصر الحديث هنا فقط على صدقة وزكاة المال كمثال ..

أما زكاة المال : 
فهي حق الفقراء في مال الأغنياء .. ويتم دفعها مرة واحدة في وقت محدد يختاره صاحبه من كل عام ..
وفيه يقوم بحصر ما لديه مثلا ًمن مال وذهب وفضة : وبشرط أن يكون مر عليهم عام لم يُنفق منهم :
فيقوم بإخراج ما نسبته 2.5 % منهم : لمصارف الزكاة المعروفة والمذكورة في القرآن وهم :
1- الفقراء : وهم العاجزين عن العمل والذين لا يجدون قوت يومهم من طعام وشراب ككبار السن والأرامل .. 
2- والمساكين : وهم محدودي الدخل رغم عملهم .. والذين لا يجدون الكفاية في حد المعيشة ..
3- اليتامى .. وهم اليتامى المحتاجين ..
4- المؤلفة قلوبهم : وهم الذين يُرجى دخولهم في الإسلام فتصرف على تحبيبهم في الدين ..
5- وفي الرقاب : وهو تحرير العبيد إما بشرائهم أو بمساعدتهم في دفع ثمن حريتهم لمَن يملكونهم ..
6- والغارمين : وهم المدينون بديون يعجزون عن دفعها .. 
7- وفي سبيل الله : وهو كل ما من شأنه إعلاء كلمة الله ونشر دينه والحفاظ عليه وحمايته ..
8- وابن السبيل : وهو المسافر الذي انقطع به ماله في بلاد غربته .. أو احتاج لمال في غربته أو سفره ..

!!!!!!!!!!!!!!!..
# ( تعجب شديد : فليس ذلك ما كانت تعرفه عن المحمديين أو المسلمين ) ..

هذا عن الزكاة .. فكلما تحرى المؤمن بزكاته : تلك المصارف بدقة : فمنزلته تعلو عند الله تعالى ..
وكلما كان حابا ًلزكاته غير مستثقل لها بل : ويعلم أنه حلقة توصيل فقط لمال الله : إلى مَن يستحقه :
فهو أقرب لمعاني الإيمان من غيره ..! وانظروا لقول الله تعالى في قرآنه عن ذلك المال الذي معنا :
" وآتوهم : من مال الله الذي آتاكم " !!..
وبالطبع هناك مصادر أخرى للثروات يجب فيها زكاة أيضا ًغير المال والذهب والفضة :
مثل الزروع والأنعام .. وهذه ليس مجال ذكرها الآن ...

وأما الصورة الثانية من عطاء المال فهي : الصدقات ..
وهي تلك الأعمال المادية في البر : والتي ليس لها حد في أقلها أو أكثرها : وليس لها وقت محدد ..
والسؤال الآن : بماذا سيتفاضل المؤمنون في هذه الصدقات ؟؟!!.. هل بالكم ؟؟.. أم بالكيف ؟؟!!..

> ؟؟..
؟؟..

والحق أقول لكم .. إن الله تعالى هو الغني عن العالمين .. وهو سبحانه بيده ملكوت كل شيء !!!..
هو الذي اختار الفقير لفقره لكي يمتحنه : وليس لأن الله تعالى لم يجد ما يجعله به غنيا ً!!!..
وهو الذي اختار للغني غناه لكي يمتحنه أيضا ً: وليس لأن الله تعالى يحبه أو يحابيه على غيره !!..
فكلنا عباد الله !!.. ولكنه فقط يعلم الأنسب لكل منا في اختباره في هذه الحياة ..

> ( دموع مرة أخرى ) ..
# ( انفجار بالبكاء ) ..

نعود مرة أخرى للسؤال .. هل مقياس التفاضل عند الله تعالى هو بالكيف أم بالكم ؟!!..
أقول : بل الكيف يأتي أولا ً.. ويأخذ ذلك أكثر من صورة : سأخبركم بها الآن لتنتهي الخطبة ..
مع العلم بأن بعضها ينطبق على الزكاة أيضا ً...

> ( تشوق لسماع ما هذا التفاضل عند الله الذي يتعلق بالكيف لا بالكم ! )
# ( مثله ) !

فأول صورة من صور التفاضل : هي في نسبة مال الصدقة : عند المتصدق نفسه !!..
هل تصدق بعـُشر ماله ؟!!.. بربع ماله ؟!!.. بنصف ماله ؟!!.. 
ومن هنا نسمع لهذا الحديث الصحيح العجيب من النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفيه :
" سبق درهم (أي في أجر صدقة صاحبه به) : مائة ألف درهم (أي في أجر صدقة صاحبهم بهم) " !
كيف هذا يا رسول الله ؟!!.. اسمع له يقول صلى الله عليه وسلم :
" رجل له مال كثير : أخذ من عرضه مائة ألف درهم : تصدق بها (أي لا يعد هذا شيئا ًذا قيمة له)
ورجل ليس له إلا درهمان !!.. (يملك درهمان فقط) فأخذ أحدهما : فتصدق به " !!!!!!!! 
أي تصدق بنصف ماله !!!!!!!.. نعم .. الدرهم الواحد قد لا يساوي شيئا ًفي نظرك ولكن :
بالنسبة لهذا الرجل الفقير : كان هذا الدرهم يساوي نصف ماله كله !!!..
فهل تدرك مدى إيمانه ويقينه بربه وثوابه : ومدى حبه للخير حتى يخرجه ؟!!!..

> ( تعجب ومزيد بكاء مع صوت مسموع ) 
بكاء مرير على ما فات من العمر ومن مال كثير على السفاهات والتفاهات ) 

صورة أخرى وهي : في ماذا ستنفق مالك الخيري ؟؟.. ما هي حاجات الناس من حولك :
ولاسيما إخوانك المسلمين ؟؟.. هل يحتاجون مأوى ؟؟.. طعام شراب لباس ؟؟..
نفقات تعليم ؟؟.. كتب دينية ؟؟.. مسجد ؟؟.. سلاح ؟؟.. ( هذه في السر حتى لا يغلقون المسجد )

> ( ضحك وسط البكاء )
تبسم وحسرة )

أيضا ًليس من الإيمان وطلب المعالي والقرب من الله والأجور الكبيرة : 
أن تنفق مثلا ًعلى جمعيات الحيوان !!!..
جمعيات الكلاب والحمير والقطط : في حين هناك من الفقراء مَن لا ينامون من قرصة الجوع وألمه :
ولا ينامون من قرصة البرد ورعشته !!!.. لا بيت يحميهم : ولا غطاء يكفيهم : هذا لو وُجد أصلا ً!!!..
فبأي عقل تترك هؤلاء لتعطي مالك للكلاب والحمير والقطط ؟!!!..

احمرار وجه شديد من الحياء والشعور بالذنب وتفاهة النفس والأفكار )
# ( محاولة رؤية ديف من خلف الفاصل الخشبي بين الرجال والنساء ) 

أيضا ًمن ماذا ستخرج مالك أو تبرعاتك العينية ؟!!.. بمعنى :
لو كنت ستخرج ملابس لك مثلا ً.. أو ستتبرع بأجهزة كهربائية .. أو ببيت أو مزرعة إلخ .. 
هل ستنتقي أسوأ ما عندك دوما ًلتعطيه للفقراء والمحتاجين كما يفعل معظم الناس للأسف ؟!!..
ألا تعلم أن صدقتك تقع في يد الله أولا ًقبل الفقير والمحتاج ؟!!!..
هل كنت ستقبل هذه الأشياء لو كنت أنت الذي ستأخذها ؟!!.. بالطبع لا : إلا أن تغمض عينيك ؟!!..
يقول الله تعالى في القرآن الكريم مصورا ًذلك التباين والتناقض :
" يا أيها الذين آمنوا : أنفقوا من طيبات ما كسبتم .. ومما أخرجنا لكم من الأرض ..
ولا تيمموا الخبيث منه : تنفقون !!!!.. ولستم بأخذيه إلا : أن تغمضوا فيه ! واعلموا أن الله غني حميد "
نعم .. إذا كنتم ستنتقون دوما ًأخبث ما عندكم وأسوأه للتصدق به : فاعلموا ان الله تعالى أصلا ًغني !
وهذا هو العنوان الذي اخترته لهذه الخطبة لو تذكرون من دقائق : وهو قول الله تعالى في القرآن أيضا ً:
" لن تنالوا البر : حتى تنفقوا مما تحبون " !!!..

أيضا ًهناك فرق بين الزكاة والصدقة .. وهي أن الزكاة يجب أن تتحرى بدقة أين ستصرفها ..
أما الصدقة : فيكفي فيها فقط غلبة الظن أن الذي أمامك محتاج .. 
وقد جاء في حديث صحيح عجيب أيضا ًعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحكي قائلا ً:
أن رجلا ًقرر أن يتصدق : فتصدق على سارق وهو لا يعلم !!.. فأصبح الناس يتحدثون بذلك !!!..
فقرر في اليوم التالي التصدق أيضا ً: فتصدق على زانية وهو لا يعلم !!.. فتحدث الناس كذلك !
فقرر في اليوم الثالث أن يتصدق : فتصدق على غني وهو لا يعلم !!.. فتحدث الناس بذلك أيضا ً!
فحمد الرجل الله تعالى على ما قدره له فقال : اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني ..
فعندها أ ُتي فقيل له :
أما السارق : فلعله يستعف عن السرقة .. والزانية : تستعف عن زناها .. والغني يعتبر ويُنفق من ماله !

> ! ( أول مرة ينظر للحياة بهذه النظرة من الخيرية في النية والأفعال ) 
! ( أول مرة تحتقر منعها لنفسها من عمل الخير وتضييع المال على الموضات وحب الظهور والراحة ! )

بل وأخطر ما في هذا الأمر كله - والحقيقة في كل أمور الدين - : هو أن تفعل الخير ليس لله !
بل لكي يراك عليه الناس فيمدحونك عليه !!!.. فهذا هو الرياء .. وهو يُحبط العمل كله فيضيعه !!!..
ومن هنا كانت أهمية الإخلاص القلبي في كل نية للخير .. ألا تشوبها نزعات النفس وشهواتها في الظهور والعُجب ..
وكذلك أيضا ًلا يجب أن يمُن صاحب الصدقة أو الزكاة على مَن أعطاه !!!..
لا تقل له أعطيتك كذا .. وفعلت معك كذا .. ولولاي لكنت كذا أو لوقع كذا إلخ إلخ إلخ !!!..
وإذا كان كل ذلك المَن هو مكروه ومذموم .. فما بالنا بمَن يمُن بصدقته أو زكاته على الله والعياذ بالله !
فيظن أن الله تعالى كان في حاجة إلى صدقته أو زكاته ؟!!.. 
فبدلا ًمن أن يستشعر مَن الله تعالى عليه أصلا ًأن هداه لعمل الخير ويسره له وأعانه عليه :
يفعل العكس فيخسر ويهوى للأسف ويضيع أجره ...

>> ( عدم تصديق لكل هذا الاهتمام بالقلب وداخله وصدقه وإخلاصه ) 
# ( تأثر كبير بهذا الدين الذي يراعي الباطن أكثر من الظاهر بعكس ما كان يُشاع عنه )

أقول قولي هذا .. وأستغفر الله العظيم لي ولكم .. ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ...

> !!!.. ( وهنا يشير إليه أحد الأخوة بأن ارفع يديك وادعو الله بما تريد ) ..
# !!!.. ( وهنا تخبرها إحدى الأخوات بأن ترفع يدها وتدعو الله تعالى بما تحب ) ..

الحمد لله الذي لم يتركنا هملا ًفي الدنيا بلا شرع ٍولا دستور .. 
الحمد لله الذي أرسل لنا الرسل يعلموننا كيف نكون بشرا ًمؤمنين كما يحب الله ..
الحمد لله الذي أرسل لنا محمدا ًالنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم : رحمة ًللعالمين ..
والذي يقول في الحديث الصحيح : ومصورا ًلنا نهاية كل مصارف الإنسان في ماله :
" يقول ابن آدم : مالي مالي ..! وهل لك من مالك إلا ما :
أكلت فأفنيت ؟!!.. أو لبست فأبليت ؟!!.. أو تصدقت فأبقيت " ؟!!!..

> ( بكاء من جديد وتحفيز إيماني بلغ ذروته من بعد رفع اليدين ودعاء الله ) 
# ( مثله ) ..

نعم إخوتاه ...
كل ما نصرفه في هذه الحياة يفنى .. إلا ما جعلناه لله ..! 
فذلك الذي يبقى أجره يوم الحساب وبعد الممات !!!.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إذا مات الإنسان : انقطع عمله إلا من ثلاثة .. إلا من صدقة جارية (أي جاري أثرها متجدد)
أو علم ينتفع به (سواء كان من تأليف الميت أو علم نشره بين الناس ووزعه) ..
أو ولد صالح يدعو له " (وذلك جزاء التربية الصالح للولد في الدنيا : فتكون ثمرة صلاحه لوالديه أيضا ً)

وصدقوني .. السعادة ليست بكثرة المال !!.. فلن ينال الإنسان مهما فعل : إلا ما كتبه الله له !!!..
وليست السعادة في أن يكون تحت يديك كل ما تتمناه من نعيم الدنيا وبهرجها الزائل ..
السعادة هي في طاعة الله تعالى كما أمر ونهى .. 
السعادة هي في الإيمان بالله عز وجل وحبه من كل قلبك واللجوء إليك ومناجاتك له دوما ًودعائه ..
السعادة هي في الرضا بما معك ولو كان قليلا ً(تذكروا ذاك الرجل الذي تصدق بنصف ماله : درهم !)
السعادة هي أن تكون أنت نفسك سببا ًفي سعادة غيرك : فترى بسمته على وجهه من فعلك معه ..
السعادة أن تصحو وتنام ليس للدنيا مكان ٌفي قلبك إلا التصرف فيها .. لا تجعل همك في الدنيا ..
السعادة هي أن تنام وأنت مطمئن بإيمانك بالله .. وأما الملحد فلا ينام !!..
وذلك لأنه من داخله يشعر دوما ًأنه في نقص ٍدائم .. وخطر داهم .. وموت ينتظر .. ومصير أسود !

> ( احمرت عيناه من البكاء الذي حاول أن يجعله بلا صوت بلا جدوى ) ..
# ( انخرطت هي وشابتان بجوارها وسيدة في بكاء ونشيج ) ..

إخواني وقبل الدعاء اعلموا :
أن مَن كنز مالا ًولم يصرفه لوجه الله وفي وجه الخير : انقلب عليه سببا ًللشقاء والله !!!..
مهما اتسع مسكنه .. ومهما كانت زوجته جميلة .. ومهما امتلك من الصحة .. ومهما كانت مكانته !
إخواني وقبل الدعاء اعلموا :
أن لكم إخوان ٌفي الإنسانية من حولكم : يتيهون في ظلمات الحياة في شركهم بالله وإلحادهم ..
فلا أقل من أن تدعوهم للإسلام بأفعالكم وأقوالكم أولا ً.. وبالحكمة والموعظة الحسنة ..
كونوا لهم قدوة .. خذوا بأيديهم إلى طريق الله ..

وأخيرا ً..
أذكركم بالتبرع في صندوق إدارة المسجد بما تستطيعون .. حيث ستنطلق حملتنا الجديدة مع أول الشهر ..
نزور الفقراء والمساكين واليتامى من المسلمين أولا ً.. ثم نزور الفقراء الغير مسلمين ثانيا ً...
ومَن أراد أن يشارك معنا بجهده : بحمله للطعام : أو حتى بسيارته لحمل الأكل والطعام فيها فليفعل ..
وليقدم اسمه للدكتور إبراهيم الخليل بعد انتهاء الصلاة ...
وإني لداعي : فأمنوا .......
-----------------------

كان يوما ًلن يُنسى من ذاكرة ديفيد وإليزابيث ما حييا ...!
يوما ًوُلدا فيه من جديد ...
يوما ًأحبا فيه الحياة : بأضعاف أضعاف ما كانا يرغبان فيه بالموت !!!!..
يوما ًصار لديهما في ساعات قليلة : أهداف وأهداف كثيرة لحياتهم تنتظر تحقيقها في أعوام طويلة !!!..
يوما ًصار المال لديهما له قيمة : بعد أن كانا يبعثرانه يمينا ًوشمالا ً!!!..
يوما ًشعرا فيه وكأن فطرتيهما كانت تائهة ًعنهما لسنوات : ثم عثرا عليها فجأة فالتحما بها من جديد !
يوما ًصارت أقصى لحظات الراحة النفسية لهما والعزة : وهما في الصلاة وسجودها !!..
يوما ًصارت فيه أفضل ساعات يومهما : تلك التي في المسجد أو درس أو خطبة : لا في قصرهما !!..
يوما ًصارت فيه حياتهما الزوجية للأفضل : لما عرفا أن لله تعالى شرعا وفطرة للرجل والمرأة يجب أن يُحترم !!..
يوما ًصارا فيه حملة ًمن حملة دين الإسلام للناس : فأسلم بهما وبسببهما المئات في حياتهما ..
يوما ًصارا من بعده لا يخافان النوم .. ولا يقلقان قبله .. ولا يخافان الموت فيه !!!..
يوما ًاتصلا فيه بجون : خادم ديفيد الخاص من خارج المنزل الذي لم يعودا إليه إلا مساء ليقولا له :

اليوم فقط يا جون : اليوم فقط : 
أحسسنا أخيرا ًأننا بشر !!!.. وأن لوجودنا معنى ً..... وأن لحياتنا قيمة ..!!

تمت بحمد الله ...