التسميات

الأحد، 24 يونيو 2012

19)) تقديم سوء الظن بالناس .. والتسرع في الحكم عليهم ..

لا شك أن هناك صفات ممدوحة في كل إنسان إذا توافرت لديه .. وعلى هذا اجتمع العقلاء 
وأثبتت وقائع الحياة .. ومن تلك الصفات : التريث والتثبت والأناة والروية ..

فإذا اجتمعت مثل هذه الصفات في إنسان - أو أغلبها وكلها متقاربة - : كان متمهلا ًفي
إصدار قراراته وردود أفعاله إزاء كل ما يرى ويسمع .. وكان سلوكه في حياته هو تقديم 
إحسان الظن بالناس على سوء الظن بهم : إلا أن تظهر قرائن تستوجب إساءة الظن بهم ..
فما أكثر من أن ينخدع الناس بالمظاهر الأولية صوابا ًوخطأ ً!!!..

فكم من شخص ٍأعجبك ظاهره في باديء الأمر : ولكن كلما تقربت منه وسمعت حديثه :
نفرت عنه واكتشفت خطأ ما ظننته فيه ...

وكم من شخص ٍساءك منظره أو كلامه في باديء الأمر في موقف ما : ولكن كلما تقربت
منه وسمعت حديثه : تغيرت نظرتك الأولية إليه وظنك السيء الأول فيه ...

وأما اتخاذ القرارات المتسرعة في مثل تلك الأحوال : فهو مما قد يندم عليه المرء بعد ذلك 
أشد الندم : أو يتسبب له أو لغيره في الضرر النفسي أو الحياتي الكثير ...

>>>
ففي إحدى السريات : قابل أصحاب النبي رجلا ًمعه غنم وقت حرب .. فظنوه عدوا ً...
وطمعوا في قتله واغتنام ما معه .. فلما ذهبوا إليه : بادءهم بالسلام !!.. فظنوه يخادعهم 
لينجوا منهم بغنمه : فقتلوه !!!.. فنزل فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا ً!!
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال :
مر رجل ٌمن بني سليم : على نفر ٍمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه
غنم ٌله .. فسلم عليهم .. قالوا : ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم !!.. فقاموا فقتلوه :
وأخذوا غنمه .. فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين
آمنوا : إذا ضربتم في سبيل الله : فتبينوا 
(أي تثبتوا أولا ًممَن أمامكم) .. ولا تقولوا لمَن ألقى
إليكم السلام : لست مؤمنا 
" !!.. رواه الترمذي وصححه الألباني والقصة في التفاسير ..
وأما تكملة الآية فهي :
تبتغون عرض الحياة الدنيا ؟.. فعند الله مغانم كثيرة .. كذلك كنتم من قبل : فمَن الله
عليكم !!.. فتبينوا .. إن الله كان بما تعملون خبيرا
 " ...

ففعلا ًوالله : " كذلك كنتم من قبل : فمَن الله عليكم " ..!

وأما في القصص الشعبي للتحذير من عادات التسرع مثل هذه في الحكم على الناس ..
فليس أشهر من قصة الكلب مع راعيه وولده الصغير والذئب ... وكما يقال :
بالقصة يتثبت المعنى ..

>>>
يُحكى أن راعيا ًوزوجته كانا سيخرجان في يوم ٍمن الأيام لزيارة بعض الأقارب .. وكان للراعي كلبٌ للحراسة
قويٌ .. كان بمثابة سبب الأمان له ولزوجته ولابنه الصغير أمام خطر ذئب ٍمعروف ٍفي المنطقة بشراسته :
وأنه لا يتورع حتى ولا يخاف من مهاجمة البشر العزل أو الأطفال الصغار ..
وفي ذلك اليوم الذي سيخرج فيه الراعي وزوجته : تواعدا على اللقاء عند هؤلاء الأقارب : واتكل كلٌ
منهم على الآخر في إحضار ابنهم الوحيد الصغير معه
 .. ولكنهما لما تقابلا في بيت الأقارب : واكتشفا
اللبس الذي وقع ونسيانهما للولد الصغير بمفرده في البيت : ملأ الرعب قلبيهما من أن يأكله الذئب
أو يتعرض لأي خطر
 .. فأخذ الراعي بندقيته وهرع جريا ًإلى بيته ... وعند اقترابه من البيت أفزعه سماعه
لصوت صراخ الطفل ونباح الكلب ... فدخل إلى بيته وحجرة ولده مسرعا ً: فقابله الكلب وعلى فمه ووجهه
وجسده آثار دماء وأشلاء
 .. فصوب الراعي بندقيته للكلب وقتله بالرصاص ...
ثم سقط على الأرض وقد اسودت الدنيا في عينيه وهو يظن أن الكلب هو الذي افترس ولده الصغير ...
ولكنه فجأة سمع صوت الولد من الداخل ينادي عليه بخوف .. فجرى إليه : فوجده سليما ًمعافا ًبفضل 
الكلب اليقظ الذي جعله الله تعالى سببا ًفي حمايته من الذئب وقتل الذئب ...
فندم الراعي على قتله للكلب وعجلته وعدم تريثه حينما رأى دماء الذئب فظنها دماء ولده ...

يُـتبع إن شاء الله ...