التسميات

السبت، 23 يونيو 2012


أبو الإلحاد الرقمي في أزمة ! 

بقلم : هشام البوزيدي ..
أو : هشام بن الزبير (منتدى التوحيد) ..

جلس أبو الإلحاد الرقمي القرفصاء يلملم أفكاره ويراكم أوزاره. لم يُفتح عليه اليوم بشيء. يا له من يوم عقيم من أيام (الإلحاد الإلكتروني), وياله من نهار مظلم من أيام (التنوير اللاديني)! تُرى لم غاب عنه اليوم شيطانه؟ ربما لأنه مال شيئا قليلا عن جادة الإلحاد ؟!.. تصوروا, لقد خطر بباله لوهلة أن الإسلام قد يكون حقا دين الحق! كيف يحدث مثل هذا لمثله؟ إنه يتصفح أمهات كتب الملة الإسلامية كالعالم النحرير ويغوص في أحشائها كالغواص البصير, يتصيد العثراتويقتنص الهفواتويفرح بالتصحيف, ولا يبالي بتصحيح ولا تضعيف, يرى الجمال فيتوهم قبحه, ويرى الدليل كالشمس فيحسبه شبهة, يفعل ذلك كله ثم لا يشك في دينه طرفة عين.

تذكر نفسه يوما وهو في رحلة في بطون السنن والمسانيد, وعلى أطراف المتون والأسانيد, يحملق في الأسماء والكنى, ويتتبع (أخبرنا وحدثنا), وليس له في علم الرواية من أرب, ولا لعنائه من سبب إلا الطمع في اقتناص الشبهات المُردية, ليبثها في الأمة المحمدية, طفق أبو الإلحاد يقلب مئات الصحائف دون طائل, فكاد ييأس, وقال كالمحدث نفسه: "سحقا سحقا! لقد فضح المنصرون الملاحدة, لم يتركوا لنا شيئا يصلح شبهة إلا استخلصوه وبثوه على مواقع الشبكة, ثم انبرى له المسلمون ففروه ونقضوه ثم حرّقوه وذروه!"


فجأة وجد شيئا جديدا لم يُسبق إليه. جحظت عيناه وتسمرت على الشبهة الموعودة, "شبهة بكر, يا ليتهم ابتكروا نظاما لتسجيل براءة الشبهات". بدأ بنسخ ولصق الحديث (الغريب). ابتسم في شماتة وهو يحدث نفسه: "كيف يصدق المسلمون مثل هذا الكلام": (لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلا مع بــغــل)! بدأ يفرع وجوه بيان الشبهة: "كيف يكون هذا كلام نبي: المرأة تسافر على بــغــل, فكيف تسافر مع بــغــل؟ بدأ بحثا "جوجليا" سريعا عن معاني حروف الجر: كتب: "هل تأتي (مع)بمعنى (على)؟" لم يفض بحثه إلى شيء ذي بال, فزاد سروره. بدأ يدبح مقالته بكلام العالمين الأخفش والفراء. حين فرك وجهه أحس بنتوء دقيق على أرنبة أنفه, حاول النظر إليه كهيئة الأحول فرأىسوادا. قام إلى المرآة فشرع يحك البثرة السوداء حتى تفتتت, ثم عاد ليتم مقالته. لما نظر إلى شاشة حاسوبه لم ير (بــغــلا) وإنما رأى (بــعــلا), ترى أين ذهبت النقطة؟ نظر مرة أخرى إلى موضع البثرة من أنفه, ففهم أن نقطة (البغل) زالت من على أنفه, وأن ليس في المكان (بغلإلا هو, لم يدر أيضحك أم يبكي, رأى شبهته تتلاشى أمام عينيه كالسراب, تتبع آثارها بفأرة الحاسوب ليلقيها في مثواها الأخير في (سلة المهملات).

حتى في ذلك اليوم المخزي, لم يشك في إلحاده, فما الذي دهاه اليوم؟ أجل, لقد تذكر, إنه جارهسليمان, إنه جاره منذ عشر سنين, يحييهيتبسم في وجهه, يتفقده إن غاب, يهنئه كل عيد, يرسلإليه بين الحين والآخر بعض السمك والمحارسليمان بحار. تصوروا, إنه لم يعبس في وجهه يوما, ولم يسمع منه كلمة عتاب, ولم ينظر إليه يوما نظرة شزراء. أيعقل أن يكون بهذه الأخلاق, ثم لا يكون لدينه دخل في ذلك؟ فرك أبو الإلحاد جبينه, وشرد للحظات, فعاوده السؤال: "ماذا لو كان هؤلاء على الحق؟" انتفض في مكانه مرتعبا. صفع وجهه مرات لعله يعود لرشده, بعثر أوراقه, أقعى وهو يضع كفه تحت ذقنه, فجأة تبسم, نعم الأمر واضح, كيف شك في إلحاده لأمر كهذا؟ كل ما هنالك أنسليمان إنسان يتصرف بمقتضى آليات التطور التي قرأ عنها في منتديات (الجرب والجذام) [1] سليمان خلايا ذكية تجمعت عبر بلايين السنين واجتازت أهوال العصور الجليدية, واصطفت بمحض الصدفة لتشكل كائنا متطورا يحييه ويبتسم في وجهه. تخيل إنسان (البلتداون[2]وهو يجري في الأدغال مبتسما. وأي شيء في الابتسامة؟ التطور يفسر كل شيء. لا بد أن أجدادسليمان اكتشفوا أن البسمة تضاعف من فرص النجاة في معركة البقاء. لابد أنهم شهدوا انقراض بعض القبائل العابسة. لابد أنهم جلسوا في الكهوف يتمرنون على هذه الحركة الغريبة, التي لا يكاد يجد لها تفسيرا ماديا إلا بعد مشقة وتكلف وعنت . تخيل (لوسي[3] وهي تستقي الماء لتغسل أول مولود لها يولد من غير ذيل. لا بد أنها استغربت من هذا الجنين المشوه. وحُق لها, فإن التطور بقي سرا دفينا حتى أفشاه الإمام الأكبر أبو الطفرات شارل دارون. يالهم من مكابرين هؤلاء المسلمون. حتى متى تظل الغشاوة على أعينهم؟ ألم يروا (آردي) [4] كيف أحاط الشعر الناعم وجهها الأسمر؟ لعلها (أفروديت) زمانها. ألم يكفهم جمال عينيها وهي تكتسي شيئا فشيئا ببريق عيون البشر؟ ماذا يريدون منا؟ أيريدون أن نحيي لهم إنسان (أسترالوبيثيكس[5] حتى يصدقوا العلم؟ طيب لينتظروا قليلا ليروا نهاية الوهم بأعينهم. (كريك فينتر) سيبهر العالم بابتكار أول (كائن حي مصنع), بعدما قالوا أنه صنع أول (خلية صناعية)[6]  

بدأ أبو الإلحاد يغوص في تأملاته المادية حتى كاد يفقد صلته بالواقع, ففك إقعائه ثم انبطح على بطنه. أحس بنفسه ملتصقا بالأرض حتى كاد وجهه يتهشم. شعر بالغثيان. أحس كأن (انفجارا عظيما) يحصل في رأسه, اهتزت أفكاره, اضطربت نفسه, جلس يرتل (ترانيم إلحادية مهدئة): "يا أيتها الصدفة العمياء, لك ندين وبك نستعين, يامن لا نعرف لك مكانا فنأتيك, ولا نعرف لك وجها فنقصده, أزيلي عنا الغم وأفيضي علينا العلم." ردد الكلمات التي وجدها في توقيع أحد صناديد منتديات (الجرب والجذام) على أمل أن يشعر بشيء من السكينة. تصور (نيتشه) وهو يعزف مقطوعة شيطانية على (الأوتار الفائقة) فتتموج أشكال مرعبة تكاد تتخطى (حاجز بلانك) حينها انفصل أبو الإلحاد الرقمي عن عالمنا تماما واستحال كالهباء المبثوث يسبح في (العوالم المتوازية[7].


[1] المنتديات الإلحادية العربية تصف نفسها بأنها واحات التنوير والعقلانية, لكنها مستنقعات فكريةفي واقع الأمر, ومن اطلع على شيء من أمرها –ولا أنصحه- لعلم أن هذه العبارة ظلم فاحش للجرب والجذام وسائر الأدواء الجسدية.

[2] ادعى دعاة التطور سنة 1912م أنهم اكتشفوا جمجمة وفك مخلوق يعد سلف الإنسان الحالي, وبعد أن صدق العالم أكذوبة إنسان البلتداون Piltdown Man قرابة نصف قرن, وبعد أن قدمتمئات رسائل الدكتوراه حول الموضوع, تم اكتشاف الخدعة سنة 1950م, فقد بين التحليل الكيميائي أن الفك فك قرد تم تركيبه على جمجمة إنسان. وهذه ليست أول فضائح الداروينية.

[3] حفرية لوسي في الحقيقة كومة عظام اكتشفت في إثيوبيا سنة 1974م وبعد تركيب هيكل تقريبيلها, ادعى التطوريون أنها المخلوق الذي تطور عنه الإنسان.

[4] (آردي) هو الإسم الذي أطلق على حفرية أخرى عثر عليها في إثيوبيا سنة 1992م, وهي أقدم من (لوسي), وقد نقضت الحفرية نظرية تطور البشر من أسلاف يشبهون الشمبانزي. وقد أحدث نشر نتائج الأبحاث عن هذه الحفرية ضجة كبيرة سنة 2009م.

[5] حسب كلام التطوريين فإن إنسان أسترالوبيثيكسAustralopithecus  عاش في أفريقيا قبل أربعة ملايين سنة, ويمثلون له بحفرية (لوسي).

[6] كريك فينتر عالم أحياء أمريكي قام بتهجين جين أحد أنواع الباكتيريا, فتم تقديم إنجازه على أنهأول خلية حية صناعية ! وهو لم ولن يخرج عما تعهد به الشيطان من أمر بني آدم بتغيير خلق الله, أما لو كان فينتر يريد إبراز عظمته فليخلق ذبابا وليجمع لذلك كل علماء الأرض.

[7] (الأوتار الفائقة) و(حاجز بلانك) و (الأكوان المتوازية) نظريات فيزيائية كثيرا ما يدندن حولها الملاحدة.