خروج - من بعد دخول النصر !!!..
في مدينة (سمرقند) المعروفة .. هناك قصة شهيرة .. وغريبة في نفس الوقت (ولكنها حقيقية) : قد ذكرها غير
المسلمين أنفسهم في كتبهم وتاريخهم : قبل أن يذكرها أهل التفسير والتاريخ من المسلمين مثل : ابن كثير
والطبري والبلازري وغيرهم ...
ففي تلك الحقبة الزمنية التي أضاء العالم فيها : نورُ الإسلام :
وقف القائد الفذ المسلم الفاتح : (قتيبة بن مسلم) : والذي فتح الله على يديه بلاد ما وراء النهر في أقصى شرق
دولة الإسلام : وقف هذه المرة حائرًا لا يدري ما يفعل .. فهو على أبواب سمرقند العظيمة : ذات المراعي الخضر
والجبال الشاهقة والثروات الوافرة .. والتي رغم أنها بلاد تعبد الأوثان : إلا أنه كان لها جيشًا قويًّا يحميها ..
وتاريخها مع الغزاة : حافل ٌبالانتصارات ... وكان قتيبة يعلم ذلك ..
لقد استعصت سمرقند على الغزاة من قبله .. وها هي تقف الآن عقبةً في طريق فتوحاته نحو الصين .............!
غير أن قائدًا فذًّا كقتيبة : ما كانت لتعييه الحيل .. درس الموقع من حوله .. ثم أمر جيوشه أن تتفرق : وتتجه نحو
الجبال الشاهقة المحيطة بالمدينة .. وكـَمـِنَ المسلمون في الجبال : مختفين عن أعين أعدائهم ..
وفي الصباح وكعادتها : فتحت سمرقند أبوابها .. وبدأ الفلاحون والتجار في الخروج لحقولهم وتجارتهم .. فما راعهم
إلا وجيوش المسلمين تنحدر عليهم من الجبال : كالسيل الهادر ... تجرف في طريقها : كل شيء !!.. وحتى التقت
في وسط المدينة في ساعات : دون أن تـُراقَ لهم قطرة دم واحدة !!!...
لم يكن بوسع سمرقند ساعتها إلا الاستسلام في هذه الهجمة المفاجئة !!.. ففـرَّ قادتها وحكامها وكهنتها إلى الجبال ..
ودخل الناس بيوتهم مذعورين من (الغزاة) : حتى سيطرت جيوش المسلمين على المدينة كلها : دون أية مقاومة ..
شيئًا فشيئًا : بدأ أهل سمرقند يخرجون من بيوتهم : ويتعاملون مع الغزاة الجدد في حذر وترقب .. وما هي إلا أيام :
حتى أدركوا أن المسلمين : لا يريدون بهم الشر !!.. بل هم (غزاة : من نوع جديد إذا صح التعبير بالغزاة) !!..
يرحمون الصغير .. ويساعدون الضعيف .. ويدعون لعبادة إله واحد !!.. لا يسرقون .. ولا ينهبون .. ولا يقتلون ..
بل : ويحمون الأمن !!.. وينشرون السلام !!..
عاملهم أهل سمرقند في التجارة : فوجدوهم أمناء !!.. لا غش ولا كذب !!.. لا ظلم ولا خداع !!..
ولم يكن هذا مألوفا ًفي ذلك الزمان .. وخصوصا ًمن منتصر ٍقوي !!..
وفي أحد الأيام في السوق : قامت مشاجرة بين شاب ٍمن أهل سمرقند : وبين جندي من المسلمين (الغزاة) !!!...
فتجمع الناس في خوفٍ وترقب : ولم يشك أحدهم أن جنود المسلمين سيتجمعون من كل صوب ٍ: لـُيلقنوا الشاب
السمرقندي : درسًا لا ينساه : ليكون عبرةً لكل مَن تسول له نفسه : أن يعتدي على جندي من (الغزاة) !!..
وبالفعل :
تجمَّع الجند المسلمون .. وأحاطوا بالمشاجرة .. ووسط دهشة الجميع : اقتادوا المتخاصمين والشهود إلى القاضي !
ولم يمسوا أحدهم بأذى طوال الطريق !!!..
كان ما حدث عند القاضي : يفوق توقعات أو تخيلات جميع البلدة !!..
أوقف القاضي المسلم الجندي المسلم : بجوار الشاب الوثني سواءً بسواء بلا تمييز !!.. ثم بدأ يُحقق في الأمر بكل
نزاهة !!.. ثم أصدر حكمه أخيرا ًبالذنب : على الجندي المسلم !!!..
هل هذه هي القصة العجيبة ؟.. كلا .. إنها فقط البداية !!..
انتشر الخبر في طول المدينة وعرضها .. وهو أن لهؤلاء (الغزاة) : قضاءً عادلاً ..!
وهناك في الجبال البعيدة : وقف الشاب السمرقندي أمام كبير الكهان الوثنيين : يقص عليه القصة التي أثارت
استعجاب الجميع !!!.. وحين تأكَّد الكهان مما حدث : اتخذوا قرارًا بدا (مجنونًا) : لم يسبقهم إليه أحد !!..
لقد قرر الكهان أن :
يرسلوا بشكواهم ضد (قتيبة بن مسلم) إلى أمير المؤمنين !!!..
انطلق الجواد حاملا ًأحد شباب الكهان إلى مدينة (دمشق) : عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك ..
كانت أحلام النجاح تساور الكاهن الشاب في مهمته الـ (شبه مستحيلة) !!.. وأخذ يعد العدة لما قد يلاقيه
من مصاعب أو سخرية !!..
إذ كيف له أن يدخل على (أمير المؤمنين) الذي يحكم دولةً : لم يسمع التاريخ بمثلها !!.. تمتد من حدود الصين
شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا !!.. كيف سيتحدث إلى هذا الملك العظيم : والذي فاق في ملكه كسرى وقيصر؟!
ماذا سيقول له : وهو يشتكي إليه أعظم قواده ؟!..
وأخيرًا : ماذا عساه أن يفعل به : وهو من أعدائه وخصوم دولته ؟!!..
لم يكن الكاهن الشاب يعلم أن (أمير المؤمنين) ذا : هو خامس الخلفاء الراشدين !!.. حفيد الفاروق رضي الله عنه
الذي ملأ الدنيا عدلاً !!.. لم يكن يعلم أنه (عمر بن عبد العزيز) .. ذاك الزاهد العابد .. التقي الورع .. والذي
سارت الركبان بقصص عدله وحكمته .. وفاضت بركات الله في عهده على أمته : حتى ما غدا بها جائعٌ ولا مسكين !
وحتى أ ُخرجت الصدقات في أيامه : فلم تجد مَن يأخذها !!..
انتهت رحلة الكاهن الشاب عند بيتٍ قديم ٍمن طين .. في حي ٍمتواضع من أحياء دمشق !!.. هاهنا قالوا له أنه سيجد :
(أمير المؤمنين) !!.. ولم يكد يصدق ذلك ..! إذ كيف لمن يملك الدنيا : أن يكون بيته في مثل هذا المكان المتواضع من
بلدته ؟!.. اقترب الكاهن الشاب من البيت : فإذا رجلٌ يُصلح جدارًا بالطين : وقد غطى الطين ثوبه ويديه .. وكلما
مر عليه أحدٌ قال : " السلام على أمير المؤمنين " !!..
فصُعق الكاهن الشاب مما رأى !!.. أهذا هو ملك الدنيا الذي خضعت له الرقاب ؟!.. إن هذا لشيءٌ عجاب !!..
وبينما هو مندهشٌ يتأمل من بعيد : إذ جاءت امرأة ٌمع ابن ٍلها : تطلب من أمير المؤمنين أن يزيد عطاءها من بيت مال
المسلمين .. وفي أثناء ذلك : مال ابنها على لعبة في يد ابن أمير المؤمنين فخطفها منه .. فلما حاول ابن الخليفة استرداد
لعبته : لطمه ابن المرأة السائلة : فسال الدم من وجهه !!.. وكأي أم : هرعت زوجة أمير المؤمنين إلى ابنها :
فضمته وضمدته ..! وانفجرت صارخةً في المرأة وطفلها ....
فهل تدرون من هي زوجة الخليفة هذه ؟!.. إنها (فاطمة بنت عبد الملك بن مروان) : ربيبة القصور والمـُلك .. والتي
أبوها وزوجها وإخوانها الأربعة : من أعظم خلفاء المسلمين !!.. فتصدقت بكل ما لديها لبيت مال المسلمين لما تزوجت
عمر !!!.. فماذا فعل (أمير المؤمنين) في هذا الموقف ؟..
نظر عمر إلى وجه المرأة وابنها الذان علاهما الرعب .. فهدأ من روعها !!.. وأخذ اللعبة من ابنه وأعطاها للصغير الفقير !
وأمر لها بزيادة العطاء !!.. ثم أخذ ابنه فقبّله وهدأه !!.. ثم التفت لزوجته التقية وقال :
" حنانيك !.. لقد روعتها وابنها !.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" مَن روَّع مسلمًا : روَّعه الله يوم القيامة " !!.. ثم شرع (أمير المؤمنين) يُكمل إصلاح الجدار بنفسه !!!..
أحس الكاهن الشاب أنه في حلم !!!..
ولكنه لما رأى الحال هكذا : تجرأ واقترب بنفسه من أمير المؤمنين .. ولما سأله عن شأنه قال :
" سيدي .. إني صاحب مظلمة لأهل سمرقند .. جئت أشكي إليك قتيبة بن مسلم !!.. وقد علمنا عدلكم : فطمعنا أن تنصفنا !
إن قتيبة أخذنا على غـِرَّة .. وقد علمنا أنه من عاداتكم : أن تـُنذروا القوم : ثلاثة أيام : تخيرونهم فيها بين الإسلام أو الجزية
أو القتال " !!!..
فقال عمر : " إنها ليست عاداتنا .. إنه أمر الله : وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم " ..
قال الشاب : " فإن قتيبة لم يفعل ذلك " !!.. فأطرق عمر قليلاً .. ثم أمر الكاتب : فكتب رسالة ً: وختمها بختمه :
ثم دفعها للشاب وقال :
" أعط هذه لوالي سمرقند : يُرفع عنكم الظلم بإذن الله " .. ومرةً أخرى : عاد يُكمل إصلاح الجدار !!!...
فض والي سمرقند رسالة أمير المؤمنين وقرأها .. ثم قال للكاهن الشاب :
" سمعًا وطاعة لأمير المؤمنين .. لقد أمرني أن أ ُعين قاضيًا : يقضي في مظلمتكم .. وسأفعل من فوري .. وموعدنا بعد يومين ..
فاذهب يا بُني : فائتِ بالكهنة والقادة من قومك : ولهم منا الأمان " ..
ثم أرسل في طلب القائد المسلم المُحنك : قتيبة بن مسلم ...
اجتمع الناس في المسجد : حيث تعقد المحاكمة .. وجاء القاضي المسلم .. ونادى الحاجب على كبير الكهان : فتقدَّم .. ثم نادى
على قتيبة بن مسلم : فأوقفه القاضي بجوار خصمه (كما فـُعل بالجندي المسلم والسمرقندي من قبل) !!.. ثم أمر القاضي الكاهن :
أن يعرض مظلمته بلا خوف !!.. فقال :
" هذا قائدكم قتيبة بن مسلم : دخل بلادنا دون إنذار !!.. كل البلاد أعطاها خياراتٍ ثلاث : الإسلام .. أو الجزية .. أو الحرب :
أما نحن : فأخذنا بالخديعة " !!!...
التفت القاضي إلى قتيبة وقال : " ما تقول في هذه الشكوى ؟ " .. قال قتيبة :
" أصلح الله القاضي .. الحرب خدعة (جزء من حديث صحيح للنبي) .. وهذا بلد : شديد البأس .. قد كان عقبة ً: أمام الفتح ..
وقد علمتُ أننا إن اقتتلنا : سالت دماء الفريقين كالأنهر .. فهداني الله إلى هذه الخطة .. وبهذه المفاجأة : حمينا المسلمين من أذىً
عظيم .. وحقنا دماء أعدائنا !!.. نعم .. لقد فاجأناهم !!.. ولكن : أنقذناهم وعرَّفناهم الإسلام " !..
قال القاضي :
" يا قتيبة .. هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟؟ " .. قال قتيبة : " لا .. لم نفعل .. فاجأناهم لما حدثتك به من خطرهم " !
فقال القاضي :
" يا قتيبة : لقد أقررت بنفسك .. وإذا أقرَّ المدعي عليه : انتهت المحاكمة .. يا قتيبة :
ما نصر الله هذه الأمة : إلا بالدين !!.. ومن أعظم الدين : اجتناب الغدر : وإقامة العدل !!.. والله ما خرجنا من بيوتنا : إلا جهادًا
في سبيل الله .. ما خرجنا لنملك الأرض : أو نحتل البلاد : أو نعلو فيها بغير حق " !!!..
ثم أصدر القاضي أعجب حكم ٍ: صدر في تاريخ البشرية وجيوشها وحروبها إن صح القول !!!.. قال :
" حكمتُ أن تخرج جيوش المسلمين : جميعا ًمن سمرقند - خفافا ًكما دخلوها - : خلال ثلاثة أيام !!.. ويردوا البلد إلى أهله !!..
ويعطونهم الفرصة : ليستعدوا للقتال !!.. ثم ينذرونهم ويخيرونهم بين : الإسلام أو الجزية أو الحرب .. فإن اختاروا الحرب : كان
القتال .. وذلك : تطبيقًا لشرع الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم " ...
-----
---------
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!...
----------------
--------------------
تملكت الدهشة أهل سمرقند جميعا ً: وبغلت ما لم تبلغه من قبل مع هؤلاء المسلمين وأمورهم العجيبة !!!!..
وهم يسمعون ذلك الحكم : التاريخي الخالد !.. جيشٌ غازٍ ملك البلاد واستتب له الأمر : ثم يأمرهم قاضيهم أن يرحلوا عنها لأنهم
لم يطبقوا شرع الله !!.. عجيبٌ أمر هؤلاء القوم : جـِدُّ عجيب !!..
ثم تجسدت دهشة وعجب القوم أمامهم على أرض الواقع أخيرا ً(وكأنه الحُلم : سواء في ذلك العصر : أو في كل عصر) :
وهم يرون بأعينهم جنود المسلمين : وهم يرحلون بالفعل كما أ ُمروا : خفافًا مسرعين !!.. فما انقضت الأيام الثلاثة : إلا والمدينة
خالية من أي مسلم !!!.....
فاجتمع أهل سمرقند وقادتهم وكهانهم في وسط المدينة : وهم لا يصدقون ما حدث !!.. ثم تحاوروا بينهم قائلين :
" إن قومًا هذا خـُلقهم : لهم خير بني البشر !!!.... وإن قضاءً هذا فعله : لهو العدل المطلق !!!.. وإن دينًا يأمر أتباعه بمثل هذا :
لهو الدين الحق " !!!..
ولم يطل الأمر : حتى أسلمت سمرقند عن بكرة أبيها !!!!!!!!!!!...
إنه الإسلام .. دين الله الخالد .. وهذا تاريخنا الذي سطرناه بالنور والرحمة والعدل.. يوم كنا خير أمة !!...
يوم كان القاضي قاضيا ً: يقضي بحُـكم الله ورسوله ..!
ويوم كان الحاكم حاكما ً: يحكم بشرع الله ورسوله ..!
ويوم كان القائد العسكري قائدا ً: يتصرف ويمتثل لأمر الله ورسوله وأولي الأمر الصالحين ..!
فهل من معتبر ......؟!
في مدينة (سمرقند) المعروفة .. هناك قصة شهيرة .. وغريبة في نفس الوقت (ولكنها حقيقية) : قد ذكرها غير
المسلمين أنفسهم في كتبهم وتاريخهم : قبل أن يذكرها أهل التفسير والتاريخ من المسلمين مثل : ابن كثير
والطبري والبلازري وغيرهم ...
ففي تلك الحقبة الزمنية التي أضاء العالم فيها : نورُ الإسلام :
وقف القائد الفذ المسلم الفاتح : (قتيبة بن مسلم) : والذي فتح الله على يديه بلاد ما وراء النهر في أقصى شرق
دولة الإسلام : وقف هذه المرة حائرًا لا يدري ما يفعل .. فهو على أبواب سمرقند العظيمة : ذات المراعي الخضر
والجبال الشاهقة والثروات الوافرة .. والتي رغم أنها بلاد تعبد الأوثان : إلا أنه كان لها جيشًا قويًّا يحميها ..
وتاريخها مع الغزاة : حافل ٌبالانتصارات ... وكان قتيبة يعلم ذلك ..
لقد استعصت سمرقند على الغزاة من قبله .. وها هي تقف الآن عقبةً في طريق فتوحاته نحو الصين .............!
غير أن قائدًا فذًّا كقتيبة : ما كانت لتعييه الحيل .. درس الموقع من حوله .. ثم أمر جيوشه أن تتفرق : وتتجه نحو
الجبال الشاهقة المحيطة بالمدينة .. وكـَمـِنَ المسلمون في الجبال : مختفين عن أعين أعدائهم ..
وفي الصباح وكعادتها : فتحت سمرقند أبوابها .. وبدأ الفلاحون والتجار في الخروج لحقولهم وتجارتهم .. فما راعهم
إلا وجيوش المسلمين تنحدر عليهم من الجبال : كالسيل الهادر ... تجرف في طريقها : كل شيء !!.. وحتى التقت
في وسط المدينة في ساعات : دون أن تـُراقَ لهم قطرة دم واحدة !!!...
لم يكن بوسع سمرقند ساعتها إلا الاستسلام في هذه الهجمة المفاجئة !!.. ففـرَّ قادتها وحكامها وكهنتها إلى الجبال ..
ودخل الناس بيوتهم مذعورين من (الغزاة) : حتى سيطرت جيوش المسلمين على المدينة كلها : دون أية مقاومة ..
شيئًا فشيئًا : بدأ أهل سمرقند يخرجون من بيوتهم : ويتعاملون مع الغزاة الجدد في حذر وترقب .. وما هي إلا أيام :
حتى أدركوا أن المسلمين : لا يريدون بهم الشر !!.. بل هم (غزاة : من نوع جديد إذا صح التعبير بالغزاة) !!..
يرحمون الصغير .. ويساعدون الضعيف .. ويدعون لعبادة إله واحد !!.. لا يسرقون .. ولا ينهبون .. ولا يقتلون ..
بل : ويحمون الأمن !!.. وينشرون السلام !!..
عاملهم أهل سمرقند في التجارة : فوجدوهم أمناء !!.. لا غش ولا كذب !!.. لا ظلم ولا خداع !!..
ولم يكن هذا مألوفا ًفي ذلك الزمان .. وخصوصا ًمن منتصر ٍقوي !!..
وفي أحد الأيام في السوق : قامت مشاجرة بين شاب ٍمن أهل سمرقند : وبين جندي من المسلمين (الغزاة) !!!...
فتجمع الناس في خوفٍ وترقب : ولم يشك أحدهم أن جنود المسلمين سيتجمعون من كل صوب ٍ: لـُيلقنوا الشاب
السمرقندي : درسًا لا ينساه : ليكون عبرةً لكل مَن تسول له نفسه : أن يعتدي على جندي من (الغزاة) !!..
وبالفعل :
تجمَّع الجند المسلمون .. وأحاطوا بالمشاجرة .. ووسط دهشة الجميع : اقتادوا المتخاصمين والشهود إلى القاضي !
ولم يمسوا أحدهم بأذى طوال الطريق !!!..
كان ما حدث عند القاضي : يفوق توقعات أو تخيلات جميع البلدة !!..
أوقف القاضي المسلم الجندي المسلم : بجوار الشاب الوثني سواءً بسواء بلا تمييز !!.. ثم بدأ يُحقق في الأمر بكل
نزاهة !!.. ثم أصدر حكمه أخيرا ًبالذنب : على الجندي المسلم !!!..
هل هذه هي القصة العجيبة ؟.. كلا .. إنها فقط البداية !!..
انتشر الخبر في طول المدينة وعرضها .. وهو أن لهؤلاء (الغزاة) : قضاءً عادلاً ..!
وهناك في الجبال البعيدة : وقف الشاب السمرقندي أمام كبير الكهان الوثنيين : يقص عليه القصة التي أثارت
استعجاب الجميع !!!.. وحين تأكَّد الكهان مما حدث : اتخذوا قرارًا بدا (مجنونًا) : لم يسبقهم إليه أحد !!..
لقد قرر الكهان أن :
يرسلوا بشكواهم ضد (قتيبة بن مسلم) إلى أمير المؤمنين !!!..
انطلق الجواد حاملا ًأحد شباب الكهان إلى مدينة (دمشق) : عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك ..
كانت أحلام النجاح تساور الكاهن الشاب في مهمته الـ (شبه مستحيلة) !!.. وأخذ يعد العدة لما قد يلاقيه
من مصاعب أو سخرية !!..
إذ كيف له أن يدخل على (أمير المؤمنين) الذي يحكم دولةً : لم يسمع التاريخ بمثلها !!.. تمتد من حدود الصين
شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا !!.. كيف سيتحدث إلى هذا الملك العظيم : والذي فاق في ملكه كسرى وقيصر؟!
ماذا سيقول له : وهو يشتكي إليه أعظم قواده ؟!..
وأخيرًا : ماذا عساه أن يفعل به : وهو من أعدائه وخصوم دولته ؟!!..
لم يكن الكاهن الشاب يعلم أن (أمير المؤمنين) ذا : هو خامس الخلفاء الراشدين !!.. حفيد الفاروق رضي الله عنه
الذي ملأ الدنيا عدلاً !!.. لم يكن يعلم أنه (عمر بن عبد العزيز) .. ذاك الزاهد العابد .. التقي الورع .. والذي
سارت الركبان بقصص عدله وحكمته .. وفاضت بركات الله في عهده على أمته : حتى ما غدا بها جائعٌ ولا مسكين !
وحتى أ ُخرجت الصدقات في أيامه : فلم تجد مَن يأخذها !!..
انتهت رحلة الكاهن الشاب عند بيتٍ قديم ٍمن طين .. في حي ٍمتواضع من أحياء دمشق !!.. هاهنا قالوا له أنه سيجد :
(أمير المؤمنين) !!.. ولم يكد يصدق ذلك ..! إذ كيف لمن يملك الدنيا : أن يكون بيته في مثل هذا المكان المتواضع من
بلدته ؟!.. اقترب الكاهن الشاب من البيت : فإذا رجلٌ يُصلح جدارًا بالطين : وقد غطى الطين ثوبه ويديه .. وكلما
مر عليه أحدٌ قال : " السلام على أمير المؤمنين " !!..
فصُعق الكاهن الشاب مما رأى !!.. أهذا هو ملك الدنيا الذي خضعت له الرقاب ؟!.. إن هذا لشيءٌ عجاب !!..
وبينما هو مندهشٌ يتأمل من بعيد : إذ جاءت امرأة ٌمع ابن ٍلها : تطلب من أمير المؤمنين أن يزيد عطاءها من بيت مال
المسلمين .. وفي أثناء ذلك : مال ابنها على لعبة في يد ابن أمير المؤمنين فخطفها منه .. فلما حاول ابن الخليفة استرداد
لعبته : لطمه ابن المرأة السائلة : فسال الدم من وجهه !!.. وكأي أم : هرعت زوجة أمير المؤمنين إلى ابنها :
فضمته وضمدته ..! وانفجرت صارخةً في المرأة وطفلها ....
فهل تدرون من هي زوجة الخليفة هذه ؟!.. إنها (فاطمة بنت عبد الملك بن مروان) : ربيبة القصور والمـُلك .. والتي
أبوها وزوجها وإخوانها الأربعة : من أعظم خلفاء المسلمين !!.. فتصدقت بكل ما لديها لبيت مال المسلمين لما تزوجت
عمر !!!.. فماذا فعل (أمير المؤمنين) في هذا الموقف ؟..
نظر عمر إلى وجه المرأة وابنها الذان علاهما الرعب .. فهدأ من روعها !!.. وأخذ اللعبة من ابنه وأعطاها للصغير الفقير !
وأمر لها بزيادة العطاء !!.. ثم أخذ ابنه فقبّله وهدأه !!.. ثم التفت لزوجته التقية وقال :
" حنانيك !.. لقد روعتها وابنها !.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" مَن روَّع مسلمًا : روَّعه الله يوم القيامة " !!.. ثم شرع (أمير المؤمنين) يُكمل إصلاح الجدار بنفسه !!!..
أحس الكاهن الشاب أنه في حلم !!!..
ولكنه لما رأى الحال هكذا : تجرأ واقترب بنفسه من أمير المؤمنين .. ولما سأله عن شأنه قال :
" سيدي .. إني صاحب مظلمة لأهل سمرقند .. جئت أشكي إليك قتيبة بن مسلم !!.. وقد علمنا عدلكم : فطمعنا أن تنصفنا !
إن قتيبة أخذنا على غـِرَّة .. وقد علمنا أنه من عاداتكم : أن تـُنذروا القوم : ثلاثة أيام : تخيرونهم فيها بين الإسلام أو الجزية
أو القتال " !!!..
فقال عمر : " إنها ليست عاداتنا .. إنه أمر الله : وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم " ..
قال الشاب : " فإن قتيبة لم يفعل ذلك " !!.. فأطرق عمر قليلاً .. ثم أمر الكاتب : فكتب رسالة ً: وختمها بختمه :
ثم دفعها للشاب وقال :
" أعط هذه لوالي سمرقند : يُرفع عنكم الظلم بإذن الله " .. ومرةً أخرى : عاد يُكمل إصلاح الجدار !!!...
فض والي سمرقند رسالة أمير المؤمنين وقرأها .. ثم قال للكاهن الشاب :
" سمعًا وطاعة لأمير المؤمنين .. لقد أمرني أن أ ُعين قاضيًا : يقضي في مظلمتكم .. وسأفعل من فوري .. وموعدنا بعد يومين ..
فاذهب يا بُني : فائتِ بالكهنة والقادة من قومك : ولهم منا الأمان " ..
ثم أرسل في طلب القائد المسلم المُحنك : قتيبة بن مسلم ...
اجتمع الناس في المسجد : حيث تعقد المحاكمة .. وجاء القاضي المسلم .. ونادى الحاجب على كبير الكهان : فتقدَّم .. ثم نادى
على قتيبة بن مسلم : فأوقفه القاضي بجوار خصمه (كما فـُعل بالجندي المسلم والسمرقندي من قبل) !!.. ثم أمر القاضي الكاهن :
أن يعرض مظلمته بلا خوف !!.. فقال :
" هذا قائدكم قتيبة بن مسلم : دخل بلادنا دون إنذار !!.. كل البلاد أعطاها خياراتٍ ثلاث : الإسلام .. أو الجزية .. أو الحرب :
أما نحن : فأخذنا بالخديعة " !!!...
التفت القاضي إلى قتيبة وقال : " ما تقول في هذه الشكوى ؟ " .. قال قتيبة :
" أصلح الله القاضي .. الحرب خدعة (جزء من حديث صحيح للنبي) .. وهذا بلد : شديد البأس .. قد كان عقبة ً: أمام الفتح ..
وقد علمتُ أننا إن اقتتلنا : سالت دماء الفريقين كالأنهر .. فهداني الله إلى هذه الخطة .. وبهذه المفاجأة : حمينا المسلمين من أذىً
عظيم .. وحقنا دماء أعدائنا !!.. نعم .. لقد فاجأناهم !!.. ولكن : أنقذناهم وعرَّفناهم الإسلام " !..
قال القاضي :
" يا قتيبة .. هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟؟ " .. قال قتيبة : " لا .. لم نفعل .. فاجأناهم لما حدثتك به من خطرهم " !
فقال القاضي :
" يا قتيبة : لقد أقررت بنفسك .. وإذا أقرَّ المدعي عليه : انتهت المحاكمة .. يا قتيبة :
ما نصر الله هذه الأمة : إلا بالدين !!.. ومن أعظم الدين : اجتناب الغدر : وإقامة العدل !!.. والله ما خرجنا من بيوتنا : إلا جهادًا
في سبيل الله .. ما خرجنا لنملك الأرض : أو نحتل البلاد : أو نعلو فيها بغير حق " !!!..
ثم أصدر القاضي أعجب حكم ٍ: صدر في تاريخ البشرية وجيوشها وحروبها إن صح القول !!!.. قال :
" حكمتُ أن تخرج جيوش المسلمين : جميعا ًمن سمرقند - خفافا ًكما دخلوها - : خلال ثلاثة أيام !!.. ويردوا البلد إلى أهله !!..
ويعطونهم الفرصة : ليستعدوا للقتال !!.. ثم ينذرونهم ويخيرونهم بين : الإسلام أو الجزية أو الحرب .. فإن اختاروا الحرب : كان
القتال .. وذلك : تطبيقًا لشرع الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم " ...
-----
---------
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!...
----------------
--------------------
تملكت الدهشة أهل سمرقند جميعا ً: وبغلت ما لم تبلغه من قبل مع هؤلاء المسلمين وأمورهم العجيبة !!!!..
وهم يسمعون ذلك الحكم : التاريخي الخالد !.. جيشٌ غازٍ ملك البلاد واستتب له الأمر : ثم يأمرهم قاضيهم أن يرحلوا عنها لأنهم
لم يطبقوا شرع الله !!.. عجيبٌ أمر هؤلاء القوم : جـِدُّ عجيب !!..
ثم تجسدت دهشة وعجب القوم أمامهم على أرض الواقع أخيرا ً(وكأنه الحُلم : سواء في ذلك العصر : أو في كل عصر) :
وهم يرون بأعينهم جنود المسلمين : وهم يرحلون بالفعل كما أ ُمروا : خفافًا مسرعين !!.. فما انقضت الأيام الثلاثة : إلا والمدينة
خالية من أي مسلم !!!.....
فاجتمع أهل سمرقند وقادتهم وكهانهم في وسط المدينة : وهم لا يصدقون ما حدث !!.. ثم تحاوروا بينهم قائلين :
" إن قومًا هذا خـُلقهم : لهم خير بني البشر !!!.... وإن قضاءً هذا فعله : لهو العدل المطلق !!!.. وإن دينًا يأمر أتباعه بمثل هذا :
لهو الدين الحق " !!!..
ولم يطل الأمر : حتى أسلمت سمرقند عن بكرة أبيها !!!!!!!!!!!...
إنه الإسلام .. دين الله الخالد .. وهذا تاريخنا الذي سطرناه بالنور والرحمة والعدل.. يوم كنا خير أمة !!...
يوم كان القاضي قاضيا ً: يقضي بحُـكم الله ورسوله ..!
ويوم كان الحاكم حاكما ً: يحكم بشرع الله ورسوله ..!
ويوم كان القائد العسكري قائدا ً: يتصرف ويمتثل لأمر الله ورسوله وأولي الأمر الصالحين ..!
فهل من معتبر ......؟!