مقالات تربية :
هيا : صلِّ بسرعة !!..
بقلم الأخت عربية - منتدى التوحيد ..
مشهد 1
يدخل الوالد وهوَ على عجلةٍ من أمرهِ ينتزع ثوبُه ناصع البياض من صدرِ الخِزانة : " هيا يا فيصل ليسَ لديَّ وقت, سبقني جمعٌ من صحبي إلى المِحِلَّةِ وبالكاد أُوصِلُكَ إلى المعهد وأعودُ إلى الجماعةِ! " .
فيصل : " دقائق فقط ياوالدي , أُصلِّ العصر وااااا .... "
والده بغضبٍ مُقاطعًا كلامَ الصبِيْ : " هيَّا ياولد صلِّ فإن أخَّرْتني قسمًا لأذهبنَّ وأتركك تتخبطُ في المنزلِ ! " .
مشهد 2
حياة : " أمِّي , ثواني فقط، هيَ رَكْعَتَيْ الفجْر وألحقُ بك " .
والدتها : " يا ابنتي، الطريقُ إلى المدرسةِ طويل , وكذلك لسانُ المديرة! , صلِّي بسرعة ولا تجعلينا حديثًا يُروى بينَ الأورقَةِ، عندَ المكاتبِ، وفي الفصول.! " .
مشهد 3
الجدُّ لأحفادِه قائلاً : " أوَّلُ واحدٍ فيكُم ينتهي من صلاتِه هو من سيحصُل على كيسِ الحلوى هذا. " ويُلوِّحُ بهِ في الهواءِ للإغراء!.
وتكادُ حلقات مسلسل " صل بسرعة " لا تنتهي!
هذا الواقع المرير , الذي نسمعه كثيرًا ونعيشَه أحياناً , يوحي لنا بأنَّ اليومَ بما فيه منْ دقائق تتجاوز الأربعُمائةَ وألف سينقضي في بضعِ دقائق تجعلها في صلاتك حرثًا لدُنياكَ وآخرتك !!
يُجبركَ وقع الحياةِ السريع على إستخدامِ ألفاظِ الإستعجال والعجلة! , ولكن " صلِّ بسرعة " هذه خطرها فادحٌ عظيم ليسَ المجال هنا للتشريحِ والتفصيل ولكن نذكر بالمجمل والأعمْ مفاسدٌ للفكرِ والعبادة والحياة ... ،
أمَّا مفسدةُ الفكر فهيَ تطبعُ في ذهنِ الناشئة أنَّ حياتهم الدُنيا أولى بصرفِ الأربع وعشرينَ ساعة كاملة تامَّة غير منقوصة وأنَّ إقتطاع ما يقلُّ عن 30 دقيقة منها في اليومِ والليلةِ للصلوات الخمس المفروضة قد يَقضي يومهم وماعندهم من أوقاتٍ بسرعة!, وفيهِ إعتقادٌ خاطيءٌ بأنَّ الدين في عباداته الفعلية أشبَه بـ " تمارين رياضيَّة " أكثر ممَّا هوَ إستشعارٌ وتأملٌ رَوْحانيَّة وتعبُّدٌ وإحسانٌ بل هذا الأخير هوَ الأصل وإن كان في الأوَّل منافع! ...
ومفسدةُ العبادة فجليَّة , رَأَى حُذَيْفَةُ رضي الله عنه رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ، قَالَ : " مَا صَلَّيْتَ ، وَلَوْ مُتَّ ، مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا " [ أخرجه البخاري ] , وفي حديث الرسول : " " لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " [ أخرجه الترمذي ، وقال : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ..] .
وفي مفسدة الحياة فشكوانا من إنتشار الفتن وإنتشار الفُحش والفحشاء وعدم قُدرة كمٌ وافرٌ من الجيل عن قولِ ( لااا ) للهوى ،
وتبارك الحقُّ الذي أنزَل الداء والدواء { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } فكيفَ بعد هذا تأمُر ابنك وتُهدد غاضِبًا بأن صلِّ بسرعة ، ثمَّ تدعوا في جوفِ الليل ربِّ اهدي ولدي , ربِّ احفظه !!
وهل أعنته أو علَّمتَه حفظ الله حتَّى يحفظه الله وفي الحديث المشهور ".. احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ... " [ رواهُ الترمذي ، وقال : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ..]
بل أنت!! أنت!! هل حفظتَ الله أوَّلاً قبلَ أن تُطالب بهذا طفلاً صغيرًا بينكَ وبينه من العُمُرِ أعمارُ ؟!!
وللتذكير فإنَّ هذا التوجيه التربوي للحديث السابق الذكر إنَّما وجَّههُ رسول الهدى – عليهِ السلامُ – لغلامٍ ، لغلام !
في هذا المقال , لستُ أطالبُك بما لا طاقة لكَ به من تأجيلٍ للمواعيد أن تعطيلٍ لحياتكِ الإجتماعيَّة , فهذا الدين قابلٌ بكلِّ الأحوال للتطبيق ولا يعنينا سوء تدبيرك , إنما أناصحك للإنتباه لأقوالك وأفعالك التي تصدر عنكَ من غيرِ قصد ، فتشوِّه بها معالم الإيمان للجيل الناشيء من أبناء المُسلمين , هدانا الله وإيَّاك ، أنا أعلم أننا في بعض الأحايين نكون على عجلة من أمرنا أو نضطر إلى هذا إضطراراً, أُحدثك بحديثٍ لرسول الله الذي مابعثهُ الله إلاَّ رحمةً بنا ومعه تعاليم تُساير الواقع قابلة للتطبيق وهوَ خاضعٌ لها ويخضعُ، قال عليه السلام : " إني لأدخلُ الصلاةَ أريدُ إطالتَها . فأسمع بكاءَ الصبيِّ . فأخففُ . من شدَّةِ وَجْدِ أمِّه به " [ رواهُ الشيخان , حديثٌ صحيح ] .
وهنا مربطُ الفرس والذي من أجلهِ كتبتُ هذه المقالة :
لا تقُل " صلِّ بسرعة !" حتى ينتهي المرء من صلاتِه لم يفقَه ما قرأ فيها ولم يُتم حتَّى ركوعها وسجودها ولم تحصُل بصلاته الطمأنينة المرجوَّة ولكن قُل " خفِّف صلاتك " ففيهِ حصولٌ إن شاء الله للطمأنينة وإتمامٌ للركوعِ والسجود وإدراكٌ لما يُتلى من آيٍّ حكيم مُجوَّدِ .
وراعي خطورة ، ومدى أهميَّة الأوقات التي تذكرُ فيها هذا " التخفيف " وليسَ في سائر أمورك متى استعجلت!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه ، أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ " ، فَرَجَعَ فَصَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ، فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ " ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فعَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : " إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .