التسميات

السبت، 10 نوفمبر 2012

حديث سليمان عليه السلام : لأطوفن .. واختلاف رواياته في العدد ..
مع فائدة في آخر الرد عن الشبهات الأخرى المتعلقة بالحديث ..
-------

السؤال :

وجدت إضطراباً في بعض الروايات ولم أجد رداً مقنعاً حقيقتاً فهل تتفضلوا بعلمكم وتزيلوا الإشكال بارك الله فيكم ؟؟

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة بمائة امرأة تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله فقال لك الملك قل إن شاء الله فلم يقل ونسي فأطاف بهن ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان قال النبي صلى الله عليه وسلم لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان أرجى لحاجته" بخاري

ويوجد روايات أخرى ذكر أن عدد النساء 100 و 99 و 90 و 70 و 60 

قال الحافظ بن حجر في فتح الباري 6-460
"فمحصل الروايات ستون وسبعون وتسعون وتسع وتسعون ومائة "

أنا سؤالي محدد 
كم عدد النساء ؟؟؟
هل هم مائة ؟؟؟ هل هم تسعة وتسعون ؟؟ هل هم تسعون ؟؟ هل هم سبعون ؟؟ هل هم ستون ؟؟

يستحيل لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال كل هذه الاعداد مرة واحدة !!!
فهل الراوي يكتب كلاماً لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟
واي عدد الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم بالظبط ؟؟
اليس هذا يطعن في وحي السنة بعدم الحفظ ؟؟؟
أم أن هذه الروايات جميعاً مرفوضه ؟؟

أنتظر الجواب جزاكم الله حيراً 

---------

الجواب :
بقلم : أبو حب الله ..

لفهم القرآن والسنة فهما ًصحيحا ً: يجب أن يُنظر إليهما بنظر العرب وما كان شائعا ًفيهم ..

>>>
وقد كان الشائع في العرب تقريب الأرقام الكبيرة لأقرب أرقام صحيحة .. ويظهر ذلك في تحديد السنوات والتواريخ قديما ً: وفي تحديد أعمار الناس مثلا ً.. فتجد أحاديثا ًتعطيك رقما ً.. وأخرى أزيد منه برقمين تقريبا ًلأصح رقم أكبر منه .. وأخرى أقل منه برقمين أيضا ً.. وهكذا ..
وسببه أيضا ًاضطراب حساب العرب للسنين بسبب النسيء في الجاهلية ..


>>>
وقد كان من الشائع أيضا ًذكر الرقم سبعين كناية عن المبالغة في العدد ..
ومنه قول الله عز وجل :
" استغفر لهم أو لا تستغفر لهم : إن تستغفر لهم سبعين مرة : فلن يغفر الله لهم " ..
فالمقصود هنا ليس رقم السبعين لذاته : ولكنه كناية عن المبالغة في العدد والتكثير ..


>>>
أيضا ً...
من عادة العرب أنه إذا اختلف محتوى عدد ما : فإنهم يستخدمون (أو) ...
مثال ...
إذا افترضنا أنه زار الحج هذا العام 6 مليون حاج .. و200 ألف طفل ..
فعندما تسألني عن العدد ..
فقد أقول لك : عدد الحجاج هذا العام 6 مليون و 200 ألف ..
وقد أقول لك : 6 مليون (أو) يزيدون ..

ونرى شبيه ذلك في قول الله عز وجل (وهو أعلم بالرقم الصحيح) عن قوم يونس عليه السلام الذين أرسله إليهم :
" وأرسلناه إلى مئة ألف : أو يزيدون " .. الصافات 147 ..
والسؤال الآن :
هل الله عز وجل : لا يعرف الرقم بالضبط ؟؟.. 
أم أن هذه الطريقة هي قمة في البلاغة والإيجاز ؟؟؟.. وعلى نفس ما اعتاده العرب في زمانهم ؟؟!!..
والجواب أنه قمة في البلاغة والإيجاز وعلى نفس ما اعتاده العرب : ولذلك لم نقرأ أحدهم اعترض على هذه الآية !

فإذا فهمنا ذلك ..
لاستطعنا أن نفهم كيف جمعت روايات حديث " لأطوفن " هذه الطرق جميعا ً...
طريقة التقريب لأقرب رقم (وهي التسعين والمائة والرقم الكلي كان بينهما) .. 
وطريقة المبالغة في العدد بالسبعين (حيث الرقم المقصود كان ستين إما حرائر وإما ملكات يمين) .. 
وجمع ذلك ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري فقال :
" والجمع بينها أن الستين كن حرائر .. وما زاد عليهن كن سرارى .. أو بالعكس .. وأما السبعون فللمبالغة .. وأما التسعون والمائة : فكن دون المائة وفوق التسعين .. فمَن قال تسعون ألغى الكسر .. ومَن قال مائة جبره .. ومَن ثم وقع التردد في رواية جعفر .. وأما قول بعض الشراح ليس في ذكر القليل نفى الكثير : وهو من مفهوم العدد .. وليس بحجة عند الجمهور .. فليس بكاف في هذا المقام .. وذلك أن مفهوم العدد معتبر عند كثيرين والله أعلم " ..



كما نقل الحافظ العيني في عمدة القاري في شرح صحيح البخاري :
" قال الكرماني : قال البخاري : الأصح تسعون .. ولا منافاة بين الروايات .. إذ التخصيص بالعدد : لا يدل على نفي الزائد " ..



والله تعالى أعلى وأعلم ...
--------------------

تعقيب على اعتراض بعض النصارى :

بالنسبة للجواب على اعتراضه الجديد .. فيكمن في إظهار جهله بروايات الأحاديث ومحاملها التي يعرفها العلماء والعرب سواء ..
والتي إن جهلها جاهل : فربما التبست عليه آيات من القرآن نفسه تحتاج لمَن يفسرها له ويشرحها ..
بل وهناك مجال بحث كامل في تأويل مختلف الحديث .. أي الأحاديث التي تبدو في ظاهرها التعارض وهي صحيحة ..
بل والقرآن نفسه أيضا ًفيه آيات قد تبدو من ظاهرها التعارض إلا أن يشرحها العلماء لمَن التبست عليه ..
كقول الله مثلا ً: فيومئذ ٍلا يُسأل عن ذنبه إنس ٌولا جان .. وقوله في موضع آخر : وقفوهم إنهم مسؤولون .. وهكذا ..

وللرد عليه يجب بيان بعض المعلومات الهامة أولا ًفي علم الحديث ....
وسوف أتخذ قاعدة للرد على اعتراضه من الجملة التالية من كلامه حيث قال :


أن الحديث ربما تختلف الفاظه من رواية لأخرى وهذا حاصل في روايات كثيرة وبيكون له اسباب ) .. فقد اجبتك في تعليق قديم عن هذه النقطة .. وضربت مثالاً وهو ( لو قال الراوي قال سليمان لاطوفن او لأطيفن او لاجامعن الليلة فالمعنى واحد .. لكن موضوع العدد فيه اختلاف

أقول :
إن الاختلافات الواردة في روايات الأحاديث الصحيحة : لا تقتصر فقط على الأعداد كما يقول ...
ولا تأخذ فقط شكل تغير لفظ مثل أطوفن وأطيفن وأجامع إلخ ...
ولكن :
صحة الحديث : تعني صحة نسبته إلى قائله كما تعقبها البخاري أو مسلم أو غيره بشروطه في التصحيح ..
ومعلوم أن أقوى شروط التصحيح هي للبخاري .. يليه مسلم .. ولذلك سُمي كتابيهما بالصحيحين ..
ثم يليهما سائر كتب الحديث لتفاوت شروط الصحة فيهم بين القوة والضعف .. كالترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجة إلخ ..



ومن هنا .. فقد دأب العلماء على تتبع روايات الأحاديث الصحيحة التي قد يبدو في ظاهرها التعارض :
فيشرحون اللبس الذي فيها للناس ..
فمثلا ًليس كل الصحابة كان يلازم النبي سائر أيامه .. بل منهم الذي كان يسافر ويتاجر ويزارع ويجاهد إلخ
وعليه : فقد تختلف بعض الأحاديث عن الصحابة في المسألة الواحدة لاختلاف سماعهم عن النبي ..
هذا سمعها مثلا ًقبل النسخ : وهذا بعد النسخ ...
أيضا ًقد يعلم بعض الصحابة أمرا ًمن حياة النبي : وجهله آخر .. مثل أمر عمرات النبي بعد الهجرة ..
والصواب أنهن أربع عمرات .. وكذلك هل عقد النبي بالزواج وهو محرم أم لا ؟؟... وهكذا ..
فمثل هذه المسائل نجد فيها بعض الاختلافات في روايات أحاديث صحيحة : ليس لأن السند خطأ !!
ولكن للاختلافات التي ذكرتها ...


أيضا ً: الأصل في نقل الكلام عن النبي : هو نقله كما سمعه الراوي بغير تغيير قدر المستطاع ...
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه : فبلغه كما سمعه : فرب مبلغ أوعى من سامع "


والشاهد :
أن الأصل في الرواية هو الحفاظ على كلام رسول الله كما قال ...
وهنا قد تحدث ثلاثة أشياء قد تؤدي لاختلاف بعض ألفاظ الروايات وهم :


1- أن النبي قد يروي الحديث الواحد في أكثر من وقت وموقف : فتختلف بعض ألفاظه بمرادفاتها من باب شمول البيان ..
ومثل ذلك للتقريب : مثل دكتور في الجامعة أو مدرس : يروي موقفا ًمعينا ًلطلبته في كل عام يشرح فيه منهجه :
فربما استبدل كلمة بمعناها أو مرادفها مرة عن مرة .. 


2- أن يكون الاختلاف من الرواي : وخصوصا ًمن الذين قد يسمعون الحديث من الصحابي الواحد ...
حيث يستبدل في عقله كلمة بمرادفها مع تقادم الوقت .. ولذلك يفرق علماء الحديث بين راوي ضابط وغيره ..
فالضابط : هو الذي لا يختلف حفظه وكلماته بمرور الزمن ...

3- وإما أن يكون ما ذكره النبي يشتمل على أكثر من معلومة في الشيء الواحد .. فيأخذ الراوي - صحابي أو تابعي إلخ - 
بعضها بما يشرح المراد ويترك البعض .. إما اقتناعا ًبعدم تأثيرها على رواية الموقف أو الحديث .. وإما نسيانا ًأو سهوا ً..
مع العلم بأن بعض الرواة يُصرح عند اختلاط اللفظ عليه أو نسيانه : بأنه قد نسي .. 
وسبب النسيان غالبا ًيحدث مع الحديث ذي النقاط الكثيرة : أو الحديث الذي لا يُحدث به الصحابي إلا وقت ما يستدعيه ..
ومثال ذلك :
ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها : عشر من الفطرة : 
وقد أخرجه من رواية مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة ولكنه قال في آخره :
أن الراوي نسي العاشرة إلا أن تكون المضمضة ..
وكذلك أخرج النسائي من طريق سليمان التيمي قال : " سمعت طلق بن حبيب يذكر عشرة من الفطرة " فذكر مثله إلا أنه قال : 
" وشككت في المضمضة " ...

فإذا فهمنا كل ما سبق :
فنفهم بسهولة الآن : لماذا من قبل أن يبت العلماء في حكم مسألة معينة في العقيدة أو الفقه أو السيرة من الأحاديث : 
أنهم يجمعون رواياتها الصحيحة أولا ًإن وُجدت : ليستنبطوا منها ما يريدون وليكمل عضها بعضا ً.. 
حيث قد تذكر إحدى الروايات الصحيحة : ما لم تذكره الأخريات رغم أنهن في نفس الواقعة ..
مثال : 
روايات أحاديث واقعة صلح الحديبية : فيها رواية واحدة دونا ًعن غيرها هي التي جاء فيها أن النبي مسح وصف رسول الله عن محمد :
وكتب عبد الله كما أراد الكفار ورفضه علي : وجاء فيه أن النبي كتب ذلك وهو لا يحسن الكتابة ...
واستدل منه العلماء أن النبي لم يكن أميا ًبإطلاق من ميلاده إلى وفاته .. ولكنه تعلم بعض الكتابة من كتابة الوحي من أصحابه بغير اتقان ..
وهكذا ...

والخلاصة :
أني ذكرت كلام ابن حجر رحمه الله في تفسير تعدد روايات حديث لأطوفن بأرقامها ...
وقد أجاد رحمه الله في الجمع بين التعارض الظاهر ....
حيث معلوم أن نبي الله سليمان عليه السلام كان لديه سرائر وزوجات - وكذلك في العهد القديم مع مبالغتهم في العدد كعادتهم -
فأما أحدهما (أي عدد السرائر أو الزوجات) فكان ستين .. وعليه يكون عدد الآخر ثلاثين ..
فبعض الرواة روى بالعدد الواحد على اعتبار الزوجات مثلا ًفقط أو الحرائر فقط : فقال ستين ..
ورأى في ذلك أنه وفى الأكثرية المقصودة بالحديث ... وتجاهل ذكر الثلاثين الباقين ..
وبعضهم بالغ في الستين : فجعلهم سبعين .. وهي عادة من عادات العرب لتكثير الأرقام القريبة من السبعين والأقل منها ...
وبعضهم ذكر المجموع : التسعين أو ما بين التسعين والمائة .. 
وبعضهم بالغ في المجموع فجعله مائة على سبيل التكثير أيضا ً: فذكر أقرب رقم صحيح معروف ..
وقد ذكرت قريبا ًمن ذلك في قول الله تعالى عن يونس عليه السلام : " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " ..
وبعضهم يستخدم الرقم تسعة وتسعين مثل ذلك ...

والله تعالى أعلى وأعلم ...
--------------------

فائدة للرد على الشبهات الأخرى على الحديث :

 حيث اعترض بعضهم على هذا الحديث شأن من ضاق عطنهم وفهمهم في مثل هذه الأخبار وزعم ببطلان الحديث , فمما استشكله قائلاً " وفي هذا أيضاً نظر من وجوه : أولها: أن القوة البشرية لتضعف عن الطواف بهن في ليلة واحدة مهما كان الإنسان قوياً ، فما ذكره أبو هريرة من طواف سليمان (ع) بهن مخالف لنواميس الطبيعة لا يمكن عادة وقوعه أبدا .

ثانيها: أنه لا يجوز على نبي الله تعالى سليمان (ع) أن يترك التعليق على المشيئة، ولا سيما بعد تنبيه الملك إياه إلى ذلك، وما يمنعه من قول إن شاء الله ؟ وهو من الدعاء الى الله والأدلاء عليه ، وإنما يتركها الغافلون عن الله عزوجل ، الجاهلون بأن الأمور كلها بيده . فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن ، وحاشا أنبياء الله عن غفلة الجاهلين أنهم (ع) لفوق ما يظن المخرفون .
ثالثها: أن أبا هريرة قد اضطرب في عدة نساء سليمان، فتارة روى إنهن مائة كما سمعت، وتارة روى إنهن تسعون، وتارة روى إنهن سبعون وتارة روى إنهن ستون ...).


فأما جواب الشبهة الأولى :
فقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري" والجمع بينها أن الستين كن حرائر وما زاد عليهن كن سرارى أو بالعكس وأما السبعون فللمبالغة وأما التسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين فمن قال تسعون ألغى الكسر ومن قال مائة جبره ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر وأما قول بعض الشراح ليس في ذكر القليل نفى الكثير وهو من مفهوم العدد وليس بحجة عند الجمهور فليس بكاف في هذا المقام وذلك أن مفهوم العدد معتبر عند كثيرين والله أعلم " 


ونقل الحافظ العيني في عمد القاري " قال الكرماني قال البخاري الأصح تسعون ولا منافاة بين الروايات إذ التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد" 

واذا قال قائل : شرعنا قال بأربع .. وخص النبي صلى الله عليه وسلم 11 وغير ذلك .. فما نقول في سليمان صلى الله عليه وسلم؟

نقول : لكل امة كتاب ونبي ولنا كتاب ونبي فكما كان السجود مسموح في شريعة يوسف فإننا ممنوعون من ذلك ..
فشريعة من قبلنا شريعة لنا اذا لم يرد ما يمنعه شرعنا وقد وجد .

أما تصور هذا فهو حاصل وهو على ظاهره وغير بعيد 

قال الحافظ ابن حجر :"فيه ما خص به الأنبياء من القوة على الجماع الدال ذلك على صحة البنية وقوة الفحولية وكمال الرجولية مع ما هم فيه من الإشتغال بالعبادة والعلوم وقد وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أبلغ المعجزة لأنه مع اشتغاله بعبادة ربه وعلومه ومعالجة الخلق كان متقللا من المآكل والمشارب المقتضية لضعف البدن على كثرة الجماع ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في ليلة بغسل واحد وهن إحدى عشرة امرأة وقد تقدم في كتاب الغسل ويقال إن كل من كان أتقي لله فشهوته أشد لأن الذي لا يتقي يتفرج بالنظر ونحوه"

وقال الحافظ العيني في عمدة القاري" ...خرق الله تعالى لهم العادة في أبدانهم كما خرقها لهم في معجزاتهم وأحوالهم فحصل لسليمان عليه الصلاة والسلام من الإطاقة أن يطأ في ليلة مائة امرأة...الخ"
115-14

فنصدق الله في القرآن وهو يقول عن سليمان " ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " النمل

وقال ايضا :
"قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم "النمل

وقال الله :
" ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين " الانبياء


وقال ايضا :
" قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " 

وليس في ذلك ما يدفعه لجواز خرق العادة لأفراد الناس ومنهم الانبياء وما أيدهم الله به من الايات والدلالات 

والذين من قبلنا كانوا اصلب بنية كالفراعنة والكنعانيون وكذا قوم عاد 
قال الله :
" فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون " فصلت

ووصفهم الله في القرآن بقوله :
"أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين " الشعراء


قال ابن كثير " وهذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله هود عليه السلام أنه دعا قومه عادا وكان قومه يسكنون الأحقاف وهي جبال الرمل قريبا من حضرموت من جهة بلاد اليمن وكان زمانهم بعد قوم نوح كما قال في سورة الأعراف { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة } وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد والطول المديد والأرزاق الدارة والأموال والجنات والأنهار والأبناء والزروع والثمار وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه فبعث الله هودا إليهم رجلا منهم رسولا وبشيرا ونذيرا فدعاهم إلى الله وحده وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته وبطشه فقال لهم كما قال نوح لقومه إلى 
أن قال { أتبنون بكل ريع آية تعبثون }


اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة يبنون هناك بنيانا محكما هائلا باهرا ولهذا قال { أتبنون بكل ريع آية } أي معلما بناء مشهورا { تعبثون } أي وإنما تفعلون ذلك عبثا لا للاحتياج إليه بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة ولهذا أنكر عليه نبيهم عليهم السلام ذلك لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الاخرة ولهذا قال { وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون } قال مجاهد : والمصانع البروج المشيدة والبنيان المخلد"

وكذا في سورة البقرة " قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم.." 247

فاذا اختلفت البنية اختلفت معها القوة والقدرة والتحمل وكذا 
----------------

وأما جواب الشبهة الثانية من ( المفصل في الرد على الشبهات): 
النسيان يجوز على الأنبياء ، وقد أثبت القرآن الكريم ذلك في آيات متعددة نذكر منها على سبيل المثال ، كما أثبت أيضاً مشائخ عبد الحسين في مصادرهم لعله يعقل ويفوق من جهله .


أن القرآن دلّ على نسيان الأنبياء في مواضع كثيرة . ففي سورة الأعلى يقول الله لنبيه الكريم { سَنُقْرِئُكَ فَلا نَنسَى} [ الأعلى /6]، وقال عز وجل : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُضُونَ في ءَايَتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُضُوا فِى حَدِيثٍ غِيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطنُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوم الظَّلِمِينَ } ،[ الأنعام 68 ] وقال عز وجل :
{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنّىِ فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلاَّ أَن يَشَآءَ اللهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِينِ رَبّيِ لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} [الكهف /23و24 ] .



وقال عز وجل : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَهُ لآ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بينِهِمَا نَسِيَا حُوتهُمَا فَاتخَذَ سَبِيلَهُ فيِ الْبَحْرِ سَرَبا فلَمَّا جاوَزَا قالَ لِفَتَهُ ءَاتنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرءَيْتَ إِذْ أَوَينَا إِلَى الصّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَنِيهُ إِلاّ الشَّيْطَنُ أَنْ أَذْكُرْهُ } [الكهف /60-63] ، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم "